; الطبيعة أم هي جنود الله؟! | مجلة المجتمع

العنوان الطبيعة أم هي جنود الله؟!

الكاتب إسماعيل درويش

تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

مشاهدات 28

نشر في العدد 502

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

  • الزلازل والبراكين والرياح والمياه.. هي من جنود الله عز وجل يعذب بها الذين عتوا عن أمر ربهم؟

  • وجود أناس صالحين لا يكفي لدرء عذاب الله.

  • زلزال «تانغ شان» الذي حدث في الصين أسفر عن قتل مليون إنسان من أصل 1,6 مليون عدد سكان المدينة.

  • الفائدة من هذه الأحداث هي أخذ العظة والعبرة والرجوع إلى الله وعدم جحود النعم.

قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا﴾ (الملك: 15)، ففي هذه الآية الكريمة يذكّر القاهر فوق العباد عباده ويلفت أنظارهم ويسترعي انتباههم إلى نعمة كبرى جديرة بالذكر والتنويه تلك هي نعمة استقرار الأرض وتذليلها لخليفته الإنسان، وما من شك أن الله عز وجل عندما أشار إلى تلك النعمة في كتابه الكريم الذي أجمل فيه أمور الدين والدنيا والأحكام والأنباء إنما أشار إلى أمر عظيم، فإذا ما عرفنا أن هذه الأرض تدور حول محورها بسرعة «1760» كم/ساعة لعلنا نكون قد أدركنا نعمة اللطيف بعباده كيف أنها تسير بهذه السرعة العظيمة دون أن ينكفأ لنا فنجان قهوة أو كوب ماء وكيف أن الناس ينامون قريري العين دونما أي تنغيص، وإذا كانت الأرض تدور حول محورها فإن لها حركة دورانية أخرى أعظم وأدهى، تلك هي دورانها حول الشمس أثناء دورانها حول محورها وتبلغ سرعة دورانها حول الشمس 114,400 كم/ساعة نعم فقط مائة وأربعة عشر ألفًا وأربعمائة كيلو متر في الساعة، وعلى الرغم من تلك السرعة الرهيبة لا تختلط أشياؤنا في الدنيا ولا تلتبس علينا المواطن والأماكن ولا يغشانا أدنى ما يغشى ركاب الطائرات من عوارض الدوخان وطنين الآذان... إنه صنع الحكيم العليم الذي أتقن كل شيء خلقه.

ولكن هذه الدابة الذلول قد لا تبقى كذلك فقد تعتريها الرجفة وعندئذ يضرب الله بها العصاة من الخلق، وقد قص الله عز وجل علينا في كتابه الذي لم يفرط فيه بشيء عن أقوام ردوا رسل الله ولم يثنهم عن كفرهم الآيات والحجج، ومن هؤلاء الظالمين قوم صالح عليه السلام قال تعالى ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ (الأعراف: 77)، ومثل ذلك حدث مع قوم شعيب عليه السلام وفي ذلك يقول تعالى ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف: 90)، ومثل ذلك كان لقوم موسى عليه السلام، والرجفة التي ذكرت إنما هي الزلازل التي يقطع الله بها دابر القوم الظالمين ولما كان ﴿لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (الفتح: 7) ونحن معشر المسلمين نعلم بعضنا من هذه الجنود ولكننا نجهل الكثير الكثير، إذ لا يعلم جنود ربك إلا هو فالزلازل هي جند من جنود الله عز وجل يعذب بها الذين عتوا عن أمر ربهم... وقد سمع الجميع بالزلزال الذي ضرب مدينة الأصنام الجزائرية والذي بلغت شدته 7,2 بمقياس ريختر الذي يتكون من 9 درجات، وأن الزلزال لم يستغرق أكثر من ٣٠ ثانية ليودي بعد ذلك بحياة أكثر من «20» ألف قتيل و «250» ألف جريح ومفقود والمشردون لا حصر لهم، وأصاب الدمار 80% من عروشها. وأشد ما ساءني ذلك الاسم القبيح الذي تحمله المدينة، الأصنام، وكلنا يعلم أن الإسلام ما جاء إلا لتحطيم الأصنام واجتثاثها من جذورها من حياة الناس ومن عقولهم، ولا أدري ما هي المسوغات التي استند إليها مجلس الثورة الجزائري ليطلق اسم الأصنام عام 1964م على تلك المدينة وعلى أية حال فإن ما حل بدار الأصنام لم يكن ظلمًا. من الله عز وجل فإن الله تعالى لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وهذا بما كسبت أيدي الناس، وقد يأخذ الله القرية كلها بالعذاب بما فيها وإن كان فيها أناس صالحون وأطفال وشيوخ وذلك إذا كثر الخبث حيث لا يصيب عندئذ العذاب الذين ظلموا خاصة ثم يبعث الله الجميع على نياتهم، وإنني أود أن أزيد القول هنا فأقول إن وجود أناس صالحين وحده لا يكفي لدرء العذاب، بل لا بد أن يقوم هؤلاء بالإصلاح أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلا نزل العذاب، ومصداق ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود: 117)، وقوله تعالى .... ﴿فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الأعراف: 35)، ومن منا لا يذكر الزلزال الشهير، زلزال أغادير، الذي ضرب مدينة أغادير المغربية في 29/2/1960م حيث زاد عدد القتلى عن «12» ألف قتيل، وقد حدثني أحد النقاب المغاربة بأن أهل المدينة قد رتعوا في المعاصي والذنوب حتى الثمالة وبارزوا الله العداء، واستعلنت فيهم الفاحشة ورأوا المنكر معروفًا والمعروف منكرًا وقد بلغ بهم الفسوق والعصيان أن لطخوا الطعام بالخمرة بدل الماء، وقد كان فيهم قلة قليلة صالحة بقيت على دينها لم تبدل فيه غادرت المدينة، وبعد المغادرة حدث لها الدمار المرعب ونزل بساحتها بأس الله، وصدق الله العظيم القائل ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (الفتح: 25) وهكذا تزيل القوم فحدث العذاب، ومن الزلازل المعدودة تلك الزلازل التي ضربت جواتيمالا إحدى دول أمريكا الوسطى لمدة 4 أيام متتالية في شهر فبراير 1976م وقد أسفرت عن:

«أ» 30 ألف قتيل. «ب» 50 ألف جريح. «جـ» 300 قرية تعرضت للدمار. «د» 60 % تهدم تمامًا، 40 % على وشك الانهيار بين الحين والحين بعد أن أتت الزلازل على أساساتها، وبلغ عدد المساكن المهدمة في العاصمة جواتيمالا وحدها «108» آلاف مسكن. «هـ» مليون مشرد منهم «434» ألفًا في العاصمة وحدها. «و» عدد الأطفال الأيتام «30» ألف طفل أعمارهم دون الخامسة، ولعل الزلزال الذي يستحق الذكر هو ذلك الزلزال المرعب الذي ضرب «مدينة تانغ شان» في الصين في 28/7/1976م وأسفر عن مليون قتيل من أصل 1,6 مليون عدد سكان المدينة وبلغت شدة الزلزال 8,2 على 9 بمقياس ريختر، وسجلته كافة المراصد العالمية في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأستراليا وغيرها. 

والبراكين كذلك تعتبر من جنود الله عز وجل يسلطها على من يشاء ولعل من الأمثلة القريبة التي تستحق الذكر انفجار بركان «سانت هيلين» في مدينة فانكوفر بولاية واشنطن الأمريكية في 18/5/1980م وذلك بعد انقطاع استغرق 23 سنة، وقذف حممه على ارتفاع «15» ألف متر في الجو وقدرت حرارة تلك الحمم بما يعادل حرارة «500» قنبلة ذرية هيروشيمية، واستمر الانفجار يومين متواصلين فملأ سماء المنطقة بالدخان الخانق والغازات السامة، وقد أضاءت نيران البركان منطقة نصف قطرها «50» كم وقد غطى البركان المتفجر منطقة يبلغ نصف قطرها «30» كم أي بمساحة قدرها ط نق2 3,14×900 2826 كم2، وللقارئ الكريم أن يتصور عظم تلك المساحة وشدة ذلك الانفجار إذا علم أن المساحة التدميرية لقنبلة ذرية واحدة هي 300 كم2 فقط!! وقد بلغ عدد القتلى 98 شخصًا، ولولا الإنذار الذي وجهه العلماء الجيولوجيون لسكان المناطق المجاورة بضرورة إخلاء قراهم قبل 43 يومًا وهي المدة التي بدأ البركان بإرسال مؤشرات التفجير لكانت الخسائر أضعاف ذلك. وجندي آخر من جنود الله عز وجل ألا وهو الهواء، ذلك النسيم العليل الذي ينقلب بأمر ربه إلى ريح مدمر تذيق الناس العذاب الأليم ومن أمثلة ذلك ما حدث لمدينة لاباز المكسيكية في 30/9/1976م تلك المدينة التي كانت المصيف المفضل للأثرياء ورجال الأعمال الأمريكان، حيث انقلب النسيم العليل إلى ريح عاتية تسير بسرعة 200 كم/ساعة لتؤدي إلى:

أ- 1200 قتيل.

ب- 15 مليون دولار الخسائر المادية.

ج- 14 ألف جريح و«65» ألف مشرد.

د- اكتسحت فيضانات الماء والطين أحياءً بأكملها.

هـ- غمرت المياه القرى المحيطة وغطت الأشجار المقلوعة من جذورها الطرقات والشوارع.

و- اقتلاع منازل بأكملها وانقلبت بعض المباني تمامًا ودمرت ألوف المنازل.

ع- أعلنت وزارة الزراعة أن جميع محاصيل المنطقة أصيبت بالتلف التام.

س- غمرت الشوارع وحول بعمق يزيد على «30» سم.

وكذلك الماء الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها والذي جعل منه كل شيء، هو أيضًا جندي لله تعالى يعذب به من يشاء ومن أمثلة ذلك ما حدث في باكستان في شهر أغسطس عام 1976م حيث هطلت أمطار غزيرة لمدة أسبوع أدت إلى ارتفاع منسوب أحد الأنهار وروافده مما أدى إلى حدوث فيضانات عارمة اجتاحت «5281» قرية وأودت بحياة «650» شخصًا.

ومن لا يذكر تلك الفيضانات العارمة التي اجتاحت الهند في شهر سبتمبر/ 1978م وكانت أهم الخسائر هي: -

أ- 20 ألف قتيل.

ب- 20 مليون دولار.

ج- 200 ألف مشرد دون مأوى.

د- غمرت السيول المدن الهندوكية المقدسة «الله آباد، وباتتاي عاصمة ولاية بيهار» واجتاح نهر الجانج وحومنا جامعة.

هـ- تدمير 3 جسور كبرى في العاصمة دلهي.

و- ظهرت الشقوق في سد بناه إمبراطور المغول «أكبر» قبل 300 سنة، وقد استخدمت الحكومة الألوف من أكياس الرمل لسد الشقوق.

ونحن هنا في دول الخليج قد حبانا الله بنعمائه وآلائه السابقة الظاهرة والباطنة، وهذه النعم لا تدوم إلا بالشكر، والشكر ليس كلمة يرددها اللسان ولكنها الأعمال والأفعال ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: 13) وأهمها تحكيم الإسلام في كافة المجالات والمناحي ولو رمتنا الأمم كلها عن قوس واحدة وأن ننبذ ما سواه، وإلا فما والله نحن بأكرم على الله من غيرنا ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ، وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ (الملك: 16-18)، وقد حذرنا الله سبحانه نفسه، قال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ (آل عمران: 30) أما أن نستمر سادرين في المعاصي والآثام راتعين في خيرات الله آمنين مطمئنين فلا لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وما نحن المعجزين في الأرض ولا في السماء، وتلك أنباء القرى يقصها الله علينا فهل من مدكر؟؟

وإني إذ أرفع صوتي بالدعاء لله عز وجل بأن يحفظ ديار الإسلام والمسلمين كافة وأن يرفع مقته وغضبه عني أذكر بني قومي بما يدفع الله به البلاء. ويدرأ به العذاب وهو ما ذكرته الآية ٨٢ من سورة الأنعام ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ صدق الله العظيم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 13

60

الثلاثاء 09-يونيو-1970

نشر في العدد 62

50

الثلاثاء 01-يونيو-1971