; همسة ولمسة | مجلة المجتمع

العنوان همسة ولمسة

الكاتب صلاح شادي

تاريخ النشر الثلاثاء 24-مارس-1981

مشاهدات 18

نشر في العدد 521

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 24-مارس-1981

صيحات نسمعها اليوم تتردد في جنبات هذه الأرض الطيبة عن الإسلام أفرزتها صراعات المرشحين وتنافسهم على الفوز بشرف «النيابة» في مجلس الأمة فنالت هذه الصراعات من جلال الإسلام عن غير قصد من أصحابها، وإن بدت في معرض الصراع كأنها مقصودة!

 

وعلى الجانب الآخر في معرض الرد - سمعنا ألفاظًا وقرأنا عبارات لا تمثل رصانة المسلم ولا أسلوبه في الدفاع عن دينه ومقدساته كما أوصى الحق تبارك وتعالى رسوله، صلى الله عليه وسلم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125) ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت: 34).

 

ولكنها الخصومة الخاطئة المذمومة التي إن خرجت عن أصولها وضوابطها فإنها تطيح بكل شيء، حتى تجعل من الخير شرًّا ومن الجمال قبحًا، ومن سماحة الإسلام ضيقًا وعنتًا.. فكان من آثار هذه الخصومة أن وجدنا من يجرح دين الله عَدوًا بغير علم.

 

وكان الأولى بدعاة الإسلام أن يلزموا أنفسهم بالوقوف عند أمر الله في رعاية حرمة المسلم وكرامته فضلًا عن هؤلاء ﴿الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ (الأعراف: 194)، فما زلنا نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام: 108).

 

وكان الأولى بالجانب الآخر ألا تشده مهاترات المعركة وبوائقها إلى النيل من أحكام الإسلام وأصوله، بينما لا أشك في أنهم لا يعمدون إلى النيل من جوهر الإسلام ذاته!

 

أما لماذا ينتهي الأمر بأن يصبح الإسلام هدفًا ينال منه المهاجمون والمدافعون مع اقتناعي الكامل بصحة النوايا فأمر جدير بالتأمل والوقوف عنده!

 

إن مرد هذا الاختلاف في المواقف لا يرجع إلى الجهل بأحكام الإسلام ولكن ربما يرجع إلى عدم إعطاء هذه الأحكام حقها من الإيمان بها والتوقير اللازم لها.

 

فالذي يقول إن المرأة يجب ألا يُفرض عليها رأي أو زي- هكذا وبهذا الإطلاق- لا يجهل أن الله قد فرض عليه وعلينا وعلى المرأة آراء وأزياء ألزمنا بها وأمرنا بالنزول على أحكامها، وكذلك القول بإطلاق التحريم على المرأة بأن تكون عميدة لكلية الآداب أو الحقوق قول يعرف أصحابه أن في شرع الله متسعا لولاية المرأة مثل هذه المناصب.

 

وواجب الدعاة إلى الله أن يختاروا الكلمة التي تجمع ولا تفرق وتشرح ولا تقدح وتصوب ولا تصيب! فإذا اختاروا غيرها فقد جانبوا بذلك سماحة الإسلام وأنزلوا الشرع منزلة غير التي يرضاها الله.. ومحاولة البعض تعليق الخصومة على شجب الطائفية أو العروبة أو الإرهاب الفكري محاولة بعيدة عن الإنصاف تفرق ولا تجمع وتصيب ولا تصوب.

 

ولم يبق علينا إلا أن نحث دعاة الإسلام إلى أن يقفوا من الناس موقف الحسن والحسين رضي الله عنهما من رجل رأياه لا يحسن الوضوء فاختارا الوسيلة المثلى لدعوته إلى إحسان الوضوء بأن ندباه إلى الحكم فيما بينهما لينظر أيهما أحسن وضوءًا من صاحبه، فلما أكملا وضوءهما أمامه صارحهما الرجل بأنه هو الذي لا يحسن الوضوء! فأوصلا بذلك الحق إلى أهله بأرق أسلوب وأندى رحمة.. وصدق الله إذ يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (النساء: 63).

 

وبقي كذلك أن نقول لدعاة الإسلام الذين فازوا بشرف نيابة هذه الأمة إن الله قد ندبهم إلى مهمة كبرى وأمانة عظمى وألزمهم أن يجددوا فيها لأنفسهم أولًا ولغيرهم ثانيًا وسائلها وأهدافها، وإذا جرت أعراف من قبلهم على أسلوب المناورات الحزبية المقيتة فإن عليهم أن ينشئوا تحت قبة المجلس أعرافًا أخرى لها من السمو ما يناسب هدفهم الواضح الشريف في خدمة وطنهم ورفعة شأنه على هدى من شرع الله.

 

وصدق الله العظيم ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11) وبهذا تصح أول وسائل التغيير المنشود.

 

ولن يجد النواب الذين يدعون إلى خير هذا الوطن في ظل الإسلام الحنيف من يعارض دعوتهم معارضة صريحة، ولكنهم سيجدون من يختلف معهم في وسائل التطبيق وتوقيته، بل وفي مدى تصديقهم أو التصديق بجدوى دعوتهم! 

فلا تضيق صدورهم بأحد حتى من المتشككين أو الرافضين لهذه الدعوة.. وإنما عليهم أن يحرصوا في السلوك معهم من منطلق الإسلام الرشيد بأن يكونوا حيالهم دعاة لا قضاة!

 

 وأمانة إحقاق الحق لا تتم بسلوك باطل؛ فالغاية في الإسلام نظيفة والوسيلة إليها لا بد أن تكون نظيفة، مهما بعدت الشقة بين الغاية والوسيلة.. والقرار الناجح ليس فقط ما تتم الموافقة عليه في مجلس الأمة وإنما هو الذي يرضاه الله ولا يأباه الناس خارج قبة المجلس.

 

ونيابة الأمة تكليف لا تشريف، وهو قول لا يختلف عليه أحد حتى النفعي من أفراد هذه الأمة.. ولكن في مجال التطبيق يظهر جلال الصدق وحقيقة الإخلاص لهذا الفهم الذي ينادي به الجميع، والفارق بينهما كالفارق بين لباس شفاف لا يستر عورة وبين لباس التقوى في ستره للمتقين.

 

والحق قديم بقدم الله.. وهو دائما غالب لا مغلوب.. ولكن ربما يفسح عليه الضعف البشري- في مجال الصراع- نسيج الحكمة، فيقبل المجاهد بعضه ويترك بعضه الآخر، ولو كان في ذلك السلوك ما يرضي الله لرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار مكة أن يسودوه عليهم ولا يسب آلهتهم! 

 

حتى إذا تمكن منهم بسلطانه أظهر دعوته بعد ذلك كاملة ودعا إلى التوحيد غير منقوص ولا مردود.. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي أن ينقص في الحق شيئا من أول الأمر فأظهره الله على الكفار ولو بعد حين.

 

-إن الله لا يعجل بعجلة أحد، وسنة الله في قدره الحكيم ماضية بتحقيق شرع الله في الأرض ما ظل في قلوب الدعاة إلى الله تصديق وإخلاص.. وكان عمر رضي الله عنه يقول «إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء»، وهم الدعاء ثقة في نصر الله وتصديق بوعده وعمل جاد مثمر بكل ما في الوسع ليصبح المسلم مؤهلًا لشرف الانتساب إلى حزب الله.. وحزب الله لا يقبل شركة غيره من أحزاب اليمين ولا اليسار ففي الإسلام غناء وفي غيره ضياع وعناد.

 

-أمة الإسلام واحدة لا تفرقها عنصرية عصبية أو قومية عربية، وإنما يقبل الإسلام من هذه العصبيات أو القوميات ما يؤكد وحدته ويمنع فرقته.. وحري بمن شرفوا بنيابهم عن الشعب الكويتي المسلم الذي يسعى إلى أن يستقي نظمه من الإسلام أن ينبع سلوكهم فضلًا عن تصريحاتهم للصحف بما يؤكد هذه الوحدة ولا يفصمها.. ويقيم دعائمها ولا يهدمها! 

 

هذه بعض الأضواء التي يحسن بنا إهداؤها إلى أصحاب هذه التجربة الجديدة الرشيدة إن شاء الله، في مستهل العمل النيابي ليخرج إلى الناس نديًّا برحمات الله مشرقًا بنور الإسلام.. والله أرحم من أن يضيع قومًا سعوا بقلوبهم إليه أو يضيع سعيًا أبتغي به وجهه.

الرابط المختصر :