العنوان ماذا بعد القمة؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أغسطس-1985
مشاهدات 16
نشر في العدد 729
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 13-أغسطس-1985
إذا كانت مقولة إن العمل العربي المشترك نادرًا ما ينجح، وكثيرًا ما يفشل صحيحة في جميع معظم مؤتمرات القمة العربية التي انعقدت بالتمام والكمال، فإنها تبدو أكثر من صحيحة في حالة قمة الدار البيضاء الأخيرة.
فانعقاد القمة - بغض النظر عمن دعا إليها- كانت معركة المخفي منها أعظم من المعلن، على الرغم من إعلان الجميع عن الحرص على العمل العربي المشترك وتقديس التضامن العربي.
صحيح أن هذه الصورة تكاد تكون مكرورة في كل دورات انعقاد مؤتمرات القمة العربية، لكن الجديد هذه المرة هو فرز المواقف والتمحور الإقليمي والدولي الذي أدى إلى تخلف خمس دول عربية، بعضها لها علاقة مباشرة بموضوعات البحث والنقاش.
ومهما كانت دقة صياغة البيان الختامي الصادر عن القمة، وحرص بعض الزعماء العرب على عدم استفزاز الغائبين أو إفساح المجال أمامهم للالتحاق بالركب في القمة العادية المقبلة، فإن الحقيقة التي تمخضت عنها القمة أنها قد هيأت بالفعل لجعل آلية اتخاذ القرارات بالأغلبية وليس بالإجماع، كما طالبت بذلك دول كالأردن، ومصر، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ومع أن المؤتمر لم يقر بوضوح تأييده للاتفاق الأردني الفلسطيني، إلا أنه أعطى نصف الجواب عليه بمجرد الانعقاد كما قال ياسر عرفات، وإذا ما انعقدت القمة العادية في نوفمبر القادم، فإن الجواب التام يكون قد حصل وهو طبعًا بالإيجاب.
وبما أن المؤتمر قد تبنى الورقة الفلسطينية بشكل كامل تقريبًا، فإنه يكون بذلك قد رد عمليًا على محاولات سوريا الرامية للسيطرة على القرار الفلسطيني من خلال إمساكها بأطراف اللعبة اللبنانية، وهذا يكرس عزلة سوريا تمهيدًا لإقرار مبدأ الأغلبية.
وتأكيدًا لذلك أطلق الإعلام العربي على قمة الدار البيضاء الطارئة لفظة قمة الأغلبية، فيما لجأ الإعلام السوري إلى إدانتها بالاستسلام والفشل والهشاشة إلى آخر ما في جعبة الإعلام السوري من مصطلحات «ثورية» «تقدمية»، قد يقال بأن التضامن العربي مطلوب على أي حال وفي أية ظروف وهذا حق، وقد يقال بأن آلية اتخاذ القرار يجب أن تكون بالأغلبية كما هو معمول به في مختلف أنحاء العالم، وهذا صحيح أيضًا.
لكن التضامن العربي واتخاذ قرار بشأنه بالأغلبية يجب أن يكون منصبًا على معاني التضامن والتعاون الحقيقية، وهذا ما هو مفقود في حالة المؤتمرات العربية، كما أن القرارات التي يطمح لاتخاذها يجب أن تكون في صالح الشعوب العربية، فهل ينطبق ذلك على الوضع العربي الآن؟
إذا استثنينا مساندة المؤتمر لمطالبة العراق بوقف الحرب العراقية الإيرانية، وحل الخلاف سلميًا، وتكوين لجان المصالحة العربية، فإن الموضوع الأساسي للقمة باعتبارها طارئة كان تطورات القضية الفلسطينية، وما يسمى بمساعي السلام، لقد انعقد المؤتمر في ضوء الاتفاق الأردني الفلسطيني وما ترتب عليه من دعوة للحوار بين وفد فلسطيني أردني مشترك ووفد أمريكي، الذي توقف عند اعتراض الولايات المتحدة على بعض أسماء الوفد الفلسطيني.
وبالتمعن في مداولات المؤتمر ونص البيان الختامي يتضح أن موضوع تسوية القضية الفلسطينية كان بالفعل هو موضوع البحث الأساسي، وبالنص على أن المؤتمر يعتبر اتفاق عمان صورة عملية لتطبيق مشروع فاس، يكون اتفاق عمان قد حقق معظم ما كان يصبو إليه، وهو الدعم العربي تمهيدًا للدعم الدولي، ويجب ألا ننسى هنا تكليف المؤتمر للحسن الثاني بإيصال وجهة النظر العربية للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قبل اجتماع ريغان جورباتشوف في نوفمبر القادم.
ومع أننا نعارض مبدأ التسويات السلمية؛ لأنها تقوم على أساس التخلي عن أجزاء مهمة من أرض فلسطين الإسلامية كما تنطوي على تكريس الوجود الصهيوني الدخيل وهو محرم شرعًا، إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول إن وحدة الموقف العربي -حتى لو كانت إزاء مشروع أمريكي- إنما هي غير مرغوبة ولا مطلوبة أمريكيًا وإسرائيليًّا.
صحيح أن الإدارة الأمريكية قد أفهمت قادة العرب من خلال زيارات بعض المسؤولين العرب لواشنطن، أنها غير قادرة وغير متشجعة للعمل كوسيط لما يسمى بمفاوضات سلام جديدة في الشرق الأوسط ما لم يتفق العرب حول رأي واحد.
ومن ذلك الحين نشط الأردن وياسر عرفات في سبيل تحقيق التغطية العربية والدولية لاتفاقهما، وبانعقاد قمة الدار البيضاء يكون الغطاء العربي قد تأمن، فهل تفي الولايات المتحدة بوعودها التي أعطتها لبعض العرب؟
إننا نشك في ذلك كثيرًا؛ فليس من طبع الإدارة الأمريكية الوفاء بالوعد، كما أن هذا الموضوع يتعلق «بكنزها الإستراتيجي» إسرائيل.
ولكي تضع اللوم على العرب باستمرار فإنها تدعوهم لوحدة الموقف، فيما تعمل هي في السر ضد وحدة الموقف العربي.
ولعل المثال الصارخ على ذلك هو تظاهر الإدارة الأمريكية بالاهتمام بمؤتمر الدار البيضاء إلى حد إرسالها مبعوثًا خاصًا للاطلاع عن كثب على توجهات المؤتمر، وربما للتأثير فيها كذلك.
لكنها في نفس الوقت تغازل سوريا التي تعارض المؤتمر، وتعمل على إخفاق اتفاق عمان، وترسل للنظام السوري المبعوثين، كما تثني على موقفه من حادث اختطاف الطائرة الأمريكية وتحرير رهائنها، ولا زالت تأمل في تحرير الرهائن السبعة الذين يحتجزهم حزب الله.
الإدارة الأمريكية تقول على استحياء بأنها ترغب في محاورة الفلسطينيين، والنظام السوري يتولى تمزيق منظمة التحرير وإخراج الشعب الفلسطيني من المخيمات في لبنان، إنها معادلة إن دلت على شيء فإنما تدل على خبث ومكر السياسة الأمريكية، أما قادة إسرائيل فقد لجئوا إلى لعبة شق الاتفاق الأردني الفلسطيني عن طريق مطالبة الأردن بالتخلي عن الاتفاق كشرط للدخول معه في مفاوضات في نفس الوقت الذي يهددون فيه بشن غارات على قواعد الفدائيين التي تتهم إسرائيل بأن الأردن سمح لمنظمة التحرير بإقامتها، ومن جهة أخرى تضغط الإدارة الأمريكية على الأردن؛ ليقنع المنظمة بقبول قرار (242) كشرط مسبق للتحاور معها.
فهل وحدة الموقف العربي حول قرار يلبي الرغبات الأمريكية الإسرائيلية على النحو الذي يخطط له الأمريكان- هو أن التضامن العربي أمر مطلوب ولا مفر منه، لكن بشرط أن ينبع من الصالح العام.
ونحسب أن الصالح العام يتحدد في ضوء المقاييس الشرعية والمصالح المرسلة، وخير قاعدة يقوم عليها العمل المشترك قوله - تعالى-:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ﴾. (آل عمران: 103)، وقوله -تعالى-: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. (الأنفال: 46).
وساعة يعتصم القادة بحبل الله، فيطبقوا شرع الله، ويكونوا يدًا واحدة على من عاداهم ساعتئذ تقف الشعوب من ورائهم صفوفًا مرصوصة، وينزل النصر المبين ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهَ مَن يَنصُرُهُ﴾. (الحج: 40).
فهل من أوبة إلى الله تسقينا كأس العز بعد طول مهانة وذل؟ قل عسى أن يكون ذلك قريبًا.