; المجتمع التربوي (1226) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1226)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

مشاهدات 737

نشر في العدد 1226

نشر في الصفحة 58

الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

وقفة تربوية:

بها تتكشف المعاصي!

المعاصي والذنوب عراقيل تمنع وتؤخر صاحبها من دخول الجنة، وإذا زادت ربما أرجعته جبريًّا إلى الاتجاه المعاكس في نار جهنم والمعاصي والتجاوزات يستطيع المرء الحريص أن يكتشفها قبل أن تستفحل بطرق كثيرة ومن أبرزها إخبار الآخرين لك عنها. وهذا الأمر لا يمكن أن يتأتى من غير صحبة صالحة في جماعة متعاهدة على الخير ونشره.

وبالتالي فإن كل فرد فيها يقوم بدور المرآة لصاحب المعصية قياما بحق الأخوة الذي يفرضه الدين عليهم، ومن غير الطريق يغدو من الصعب أن يستكشف المرء عيوبه بعيدًا عن هذه الجماعة، لأن الإنسان الوحيد والمعتزل للعمل الجماعي لخوف من الانتماء أو شبهة عالقة في ذهنه أو خلاف كان سببًا للفراق تتكاثر عنده الأخطاء والمعاصي الدقيقة التي يأولها الشيطان له فيستبعدها من دائرة المعصية، وهكذا تنمو يومًا بعد يوم حتى تهلكه وتضعفه دون أن يشعر لذلك، قال الرسول: الجماعة رحمة والفرقة عذاب، عذاب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان... تشربت هذه الأحاديث النبوية في نفوس ودماء الرعيل الأول فكان لا يستغني أحدهم عن الآخر ليدله على أخطائه وينصحه بما لا يعلم من الخير.

وكم هو محروم من منع نفسه هذا الخير، يؤكده لنا التابعي الجليل مطرف ابن الشخير عندما قال: لأنا أحوج إلى الجماعة من الأرملة، إني إذا كنت في الجماعة عرفت ذنبي (الزهد ٢٤٥).

أبو خلاد

وجوب كفّ الأقزام عن التطاول على السادة الأعلام:

بقلم: شوقي محمود الأسطل(*)[1]

ما من أمة من الأمم إلا وتفخر بعظمائها وتعتز بالصفوة من رجالها الأفذاذ الذين أضافوا

 ولو شيئًا يسيرًا إلى رصيدها الحضاري، وذلك من قبيل الوفاء والاعتراف بالفضل، وكما قيل: إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل، ولو حاول أحد النيل من هذه الرموز التصدِّي له الجميع وسفهوه وأوقفوه عند حده، إذ إن إهانة أحد من هؤلاء أو التطاول عليه تعتبر إهانة وتطاولا على المبادئ التي كان يعتنقها، والقيم التي كان يجسدها وارتضتها الأمة التي ينتمي إليها.

وما ذكرناه هو الوضع الطبيعي لدى الأسوياء جميعًا، ولكن الأمر المحزن، والشيء المؤلم والظاهرة الخطيرة المفزعة تطاول الأقزام النكرات على فئة من العمالقة العظماء الكماة الأباة من أبناء أمة التوحيد، وهذا والله من البلاء الذي نعيشه في هذا الزمان، وقد عاشه أسلافنا في أزمنة مضت منذ أن طعن الذين لا يوقنون في شخص سيد الكائنات عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم فعزاه مولاه بقوله: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (الأنعام: ۳۳). ومنذ أن رُمي علِي بالكفر، وأحمد بالضلال، وابن تيمية بالزيغ.. ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ﴾ (الذاريات: ٥٣)، لقد لبس إبليس على أتباع هذه المدرسة في دهور سلفت فجرأهم على النيْل من سادات هذه الأمة ورافعي راية مجدها، ولكن هذه المحاولات الشريرة لم تكن لتفت في عضد أولئك الأماجد، أو توهن من عزيمتهم، أو توقف قافلة النور المنطلقة وسط الظلمات تكلؤها عين الله ويمضِي بها قدره نحو غايتها المرسومة.

إنه لَمِمَّا يُدمي القلب ويؤلم النفس أن تتفاقم هذه الظاهرة ويتطاير شررها ويكثر القائمون عليها في زماننا هذا الذي أحوج ما تكون فيه الأمة إلى الوحدة ورص الصفوف والاجتماع لمواجهة الأيدي الكثيرة المعتدة إلى كيانها ومقومات عزتها ومجدها، ولا أدري المصلحة من توجه سهام هؤلاء ضد رموز الدعوة والإصلاح وعناوين الصبر والثبات والتصدي الذين كانوا ولا يزالون شوكة في حلوق أعداء الإسلام وحصنًا حصينًا، وطودا شامخا في وجه مخططاتهم الإجرامية للقضاء عليه؟!!، وأي قُوى هي التي تحرك هذه الفئة المغمورة وتزودها بمعاول الهدم والتخريب في محاولة بائسة لتحطيم دعوة الحق من خلال النيل من دعاتها القائمين عليها الذين منهم من قضى نحبه وانتقل إلى دار الحق، ومنهم من ينتظر دوره في اللحاق بإخوانه من الرهط الكرام الذين عاشوا منافحين عن دعوة التوحيد باذلين الغالي والنفيس من أجل التمكين لها في الأرض؟ وهذه الفئة قد جعلت أفرادها قضاة يصدرون الأحكام الجائرة الظالمة بالابتداع والفسوق والضلال.

إن منهج هؤلاء قائم على المبالغة في سوء الظن وتتبع ما يتوهمون من أخطاء لدى الأفراد أو الجماعات العاملة للإسلام، والعمل على إشاعتها ونشرها بكل وسيلة دون أن يراقبوا الله أو يرقبوا في أحد عهدا ولا ذمة ولا ميثاق أخوة، وكان الله قد أباح لهم أعراض الأمة ينهشونها كيف شاءوا.

وقد تعرض لهذه الشرذمة الشيخ الفاضل بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه القيم التعاليم (ص20) عند حديثه عن مظاهر هذه الآفة فقال: ومن المتعالين الغنادر – جمع غندر وهو المشاغب المتطاول بلسانه الوارث لما لا يورث من التسلط على العباد بداء الفحش والبذاء المحرور من ميراث الأنبياء في عفة اللسان وصيانته من الخنا.

يمارس نفسًا بين جنبيه كرم إذا هم بالمعروف قالت له مهلًا والمتطاول - كبت الله باطله - يسل لسانه على العباد فيتقيه المؤمنون ويترفعون عن منازلته فتكون العاقبة لهم فيرتفع شأنهم عليه، ويكون قولهم الأعلى: أما هذا السليط المتسلط فهو مبتلى – ويعلم الله – بأعظم بلية، وهي موت قلبه، ورؤيته القبيح حسنا وذهاب رصيده من القبول في الأرض، ومن تعجيل العقوبة تخلفه عن أقرانه في القيمة الأدبية رغم تحرقه وشدة تطلعه (ص٦٩).

وقد ضربت هذه الفرقة بكل آداب الإسلام عرض الحائط، وتجاهلت كل ما كان عليه السلف الصالح من قيم خلقية ومثل رفيعة عند وقوع الاختلاف الناشئ عن الاجتهاد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -.... ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة الطائفتين، طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحًا في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه من أهل الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد والخوارج والروافض وغيرهم من أهل الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق لصاحبه فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم منهاج السنة جـ ٤ ص٥٤٣).

ويقول الإمام الذهبي -رحمه الله-: ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحزبه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللُه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه.... (سير أعلام النبلاء ج 5 ص ۲۷۹)

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطوه بل الواجب السكوت والتوقف فإذا تحققتم الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسالة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن فإني لا أدعي العصمة .... (تاريخ نجد ٢ ص ١٦١).

يقول العلامة جمال الدين القاسمي: مشنعًا على هذه الفئة ومن شاكلها فترى أن التنابز بالألقاب والتباغض لأجلها الذي أحدثه المتأخرون بين الأمة عقوا به أئمتهم وسلفهم أمثال البخاري ومسلم والإمام أحمد ومن ماثلهم من الرواة الأبرار، وقطعوا به رحم الأخوة الإيمانية الذي عقده تعالى في كتابه العزيز، وجمع تحت لوائه كل من أمن بالله ورسوله ولم يفرق بين أحد من رسله، فإذن كل من ذهب إلى رأي محتجًا عليه ومبرهنًا بما غلب على ظنه بعد بذل قصارى جهده وصلاح نيته في توخي الحق فلا ملام عليه ولا تثريب لأنه مأجور على أي حال، ولمن قام عنده دليل على خلافه واتضحت الحجة في غيره أن يجادله بالتي هي أحسن ويهديه إلى سبيل الرشاد مع حفظ الأخوة والتضافر على المودة والفتوة (الجرح والتعديل ص ۲۰)

أین مثل هذه النظرات الإيمانية والكلمات النورانية لهؤلاء الفحول مما عليه أهل هذه العصبة الذين امتلأت قلوبهم غلًا للذين آمنوا وضغينة لأولياء الله الصالحين، وانطبق عليهم وصف من أدبه ربه فأحسن تأديبه ﷺ عندما قال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، يأتي وقد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» (رواه مسلم).

وإزاء هذا الوضع المؤسف فإن الواجب على جميع العلماء والمفكرين وأهل الرأي من هذه الأمة التصدي - وبكل حزم- للقائمين على هذا المنكر العظيم، إذ لا يقل خطرا في أمة الإسلام عن خطر السحرة والمشعوذين الذين ينخدع بهم السذج والبسطاء من الناس…

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

زواج بقطعة تفاح

نشر في العدد 309

14

الثلاثاء 20-يوليو-1976

استراحة المجتمع: (1747)

نشر في العدد 1747

12

السبت 14-أبريل-2007

عبادات: 1577

نشر في العدد 1577

23

السبت 15-نوفمبر-2003