العنوان مقومات الدعوة إلى الله وأهميتها
الكاتب السيد الحسنين عمارة
تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1993
مشاهدات 746
نشر في العدد 1058
نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 20-يوليو-1993
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى أشرف وأنبل طريق وأعظم عمل يحبه الله ورسوله؛ وذلك لأنه عمل جميع رسل الله الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ولسمو الدعوة وأهميتها عند الله تبارك وتعالى فقد دعا سبحانه في كتابه الكريم أن تنفر فرقة من الدعاة المجاهدين المخلصين؛ لينصرفوا إلى الدعوة ويتفرغوا لها ويجاهدوا في سبيل نشرها بين الناس بعد أن يتفقهوا فيها ويتعلموا مبادئها وأحكامها حتى يكونوا على بصيرة وعلم وهدى وصراط مستقيم قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ﴾ (التوبة: 122) ولقد جاءت هذه الآية الكريمة في سياق آيات تدعو إلى الجهاد، وكان الله عز وجل جعل النفرة إلى إنذار الناس ودعوتهم إلى الرجوع إلى الله والإنابة إليه من الجهاد المطلوب.
والدعاة إلى الله هم امتداد لرسله الكرام، فالكل يهدف إلى تغيير نفوس وأفكار وعقائد وأخلاق وتقاليد الأفراد والجماعات غير الإسلامية وتقويم كل اعوجاج قد يحدث بين صفوف المسلمين، وهذا ليس بالأمر الهين، بل إنه مهمة شاقة نأت بحملها الجبال، وحملها الإنسان، حملها أولو العزم وصناديد الرجال الأبطال الذين باعوا أنفسهم لله ولهذه الدعوة، وضحوا بكل غال وثمين في سبيل مرضات الله، وقد تخلصوا من كل الشبهات، فلا رياء ولا سمعة ولا ينتظرون جاهًا ولا سلطانًا أو أي عرض مادي أو معنوي، لا يبالون بقوة الدنيا كلها ولو اجتمعت عليهم، فلن يضرهم شيء إلا بما كتب الله عليهم. والله معهم وهو القاهر فوق عباده والناصر للمؤمنين والخاذل للكافرين، فالمؤمن بإيمانه يسمو على الدنيا وفي عينيه تصغر كل كبيرة من أجل رسالته ودعوته، من أجل ذلك لابد من بذل قصارى الجهد واستغلال كل القدرات والإمكانيات وما يناسب كل الأجناس بخطة دقيقة مدروسة مع اليقين بأن الله وحده هو الذي يهدي من يشاء.
والدعوة هي حياة الداعية تأخذ عليه لبّه وكل مشاعره وأحاسيسه، وهي كل حاضره ومستقبله، حياته مرتبطة بحياتها، ونصره معلق بنصرها، ويجب أن تصبغ حياته كلها بصبغتها الربانية، ولقد كان الهدف من إرسال الرسل جميعًا هو هداية الناس إلى طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة فيفوز ويربح من اتبع، ويخسر ويهلك من أبي وأعرض، وبذلك تقام عليهم الحجة البالغة، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: ٤٢).
وإذا كان تبليغ الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة أمرًا واجًبا؛ خاصة في الواقع المرير الذي يعيشه العالم اليوم الذي يكابد فيه الإنسان حالات الجنون والانهيار العصبي والانتحار وأنواع الشذوذ، فهو إنسان تائه لا يعرف إلى أين يتجه ولا ماذا يفعل، فقد عاش حينًا من الدهر على الأماني المكذوبة التي وعدته إياها المذاهب الهدامة والعقائد المحرفة التي تتجاذبه يمنة ويسرة، ولم تعطه إلا خيبة بعد طول أمل، وقنوطًا بعد عريض رجاء؛ لذا كانت الدعوة إلى الله من أهم الأمور وأعظمها.
والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ذات عناصر وأسس وأساليب ووسائل ومناهج، وفي عجالة نتحدث بفضل من الله عن كل واحدة باختصار شديد؛ حتى يتضح هذا الأمر المهم؛ وذلك على النحو الآتي:
عناصر الدعوة:
لقد بينت عناصر الدعوة في ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل؛ ليجعل من ذلك درسًا عمليا ويفتح الطريق أمام الدعاة إلى يوم الدين؛ حتى يسلكوه ويسيروا على هداه، كما سار عليه سيد الأولين والآخرين وإمام النبيين والرحمة المهداة والنعمة المسداة للعالمين– صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.. وهذه الآيات هي:
الآية الأولى قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: ١٢٥).
الآية الثانية هي قوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: ٤٤).
والآية الثالثة فهي قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: ١٥٩).
هذه هي أهم عناصر الدعوة التي يجب أن یتأسى بها الدعاة إلى الله، وقد فقه هذه الأمور صحابة رسول الله رضوان الله عليهم وساروا عليها حيث رأوا هذه الصفات تشع نورًا ساطعًا في معاملات وتصرفات وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
أساليب الدعوة:
المراد بالأساليب العبارات والجمل والتراكيب الحاملة للمعاني والمضامين الموجودة في القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقد كان لأسلوب إمام الدعاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اتجاهين واضحين تمام الوضوح: اتجاه إلى أحبابه وأصحابه وأتباعه، واتجاه إلى خصومه وأعداء دعوته ورسالته التي بعث بها. ولكن الاتجاهين في حياته صلى الله عليه وسلم كانا يسيران في خط واضح مستقيمة معالمه، وظاهره اللين من غير ضعف والشدة من غير عنف، والعفو والإحسان من غير خضوع ولا استسلام، والعدل والإنصاف والرحمة مع الخصوم والأصدقاء على حد سواء؛ ثم إيثار حسن الظن بأصحابه المنضوين تحت لوائه عليه الصلاة والسلام.
أسس الدعوة:
تتلخص في اثنين هما:
الأساس الأول: هو مرتكز الدعوة والتي عليها تشييد بنيانها. إنه هو أساس العقيدة– لأن العقيدة في الجوهر الحقيقي لهذه الدعوة المباركة لأجلها جاءت وعليها قامت. فهي بمثابة الروح من الجسد.. إنها عقيدة التوحيد الخالص التي بنيت على الإيمان بالله وبرسوله إيمانا عميقًا مطلقًا، إيمانًا بالقلب والعقل والفكر والأحاسيس والمشاعر، مع الإقناع المطلق والتسليم المطلق لأحقية هذه العقيدة وصدقها. وإنها العقيدة الوحيدة التي توصل إلى الله سبحانه وتعالى.
أما الأساس الثاني: يتلخص في وجوب أن تكون حياة الداعية وأخلاقه تطبيقًا عمليًّا لعقيدته التي وهب نفسه لها.
مناهج الدعوة:
يراد بها خطة العمل وطريقة الدعاة في الدعوة والتي يجب أن تكون محكمة غاية الإحكام. ومدروسة أعمق الدراسة بحيث تمكن الداعية من معرفة مسار الدعوة ومدى فاعليتها وتأثيرها... وقد اجتمعت مناهج الدعوة كلها في الشريعة الخالدة، فهي نظام حياة كامل متكامل من أخلاق وآداب واجتماع واقتصاد وسلوك ونظام حكيم، فإذا كانت العقيدة في الصلة المباشرة بين العبد وربه، فإن الشريعة في الصلة بين العبد المسلم وشئون الحياة بأسرها، ولا انفصام بين الشريعة والعقيدة؛ لأن كلا مصدريهما واحد. وهو الكتاب والسنة، ولا عقيدة بدون شريعة، ولا شريعة بدون عقيدة (2).
وسائل الدعوة:
والمراد بالوسائل الطرق التي تؤدي بها الأساليب، ويتم بها تبليغ الناس سواء بالقول أو بالعمل والسيرة الطيبة والقدوة الحسنة؛ حتى يكون الداعية أكثر تأثيرا وأكثر إقناعًا.
ومن أنواع القول: الخطبة والدرس والمحاضرة والمناقشة والمجادلة والحديث، وكذلك الكتابة تعتبر من القول بالنسبة لمن لا يمكن الداعي من المشافهة معهم، ومن أنواع العمل جميع أعمال البر والخير، وأهمها النهي عن المذكر وإزالته بالكلية وإقامة المعروف بكافة وجوهه، وعلى جميع مستوياته، أما اعتبار السيرة الطيبة والقدوة الحسنة من وسائل نشر الدعوة أعتقد أنها من الوسائل المهمة جدًّا؛ حيث تجذب الناس إلى الإسلام مختارين، وفي نفس الوقت يكون الداعية قدوة وأسوة حسنة لغيره، فيتأسى به وقد وجد أن التأثير بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر قوة من التأثير بالكلام فقط، وهناك أساليب أخرى للدعوة أيد الله سبحانه وتعالى بها رسله الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ألا وهي المعجزات، فكل رسول أرسل ومعه من المعجزات ما على مثلها آمن من قومه من آمن. والمعجزات كانت دائما من نفس ما اشتهر به القوم حتى يمكنهم بذلك إدراك ما بها من إعجاز يفوق ما عرفوه وما برعوا فيه، وأن هذه المعجزات كانت تنتهي فور وقوعها ولا تتكرر حتى تقام الحجة والبيئة عليهم، فكانت وسائل محنة واختبار وإنذار من عواقب التكذيب، ولحكمة يعلمها الله تبارك وتعالى جاءت الرسالة الخاتمة غير مصحوبة في أساسيات دعوتها بالخوارق؛ حيث كذب بها الأولون، فالقرآن الكريم هو معجزتنا الخالدة، وهو منهج حياة كامل متكامل لا يزيغ عنه إلا هالك، ففيه الحكمة والموعظة الحسنة، وفيه الأدلة والبراهين الساطعة؛ لأنه يناجي عقل الإنسان وفكره وروحه وحسه وخياله وعاطفته، ويثير فيه قوة الملاحظة والتدير ودقة الفهم والتصور لآياته سبحانه في الآفاق والأنفس، فهو شفاء ورحمة للمؤمني،ن ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. ونسأله الرحمة والمغفرة والهداية والتوفيق كما يحبه ويرضاه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
- ، (2) محمد محمود الصواف– من القرآن وإلى القرآن– الدعوة والدعاة. مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى ۱۳۹۸ هـ ۱۹۷۸ م ص ۱۹، ۲۸ بتصرف.
كلمات الإيمان:
بنسمات فواحة بالعبق الزكي ومن منبع صاف رقراق ندعوك أخي القارئ الكلمات رقيقة تتوغل في قلبك توغل النسيم العليل، فإن تمكنت منه، فإنها سوف تبدله من حال إلى حال، إنها والله لكلمات الإيمان من منبعها الصافي آيات الرحمن، وهبوب رياحها الطيبة سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام أولها: الإيمان بالله وقول لا إله إلا الله التي تجدد إيمانك، وثانيها الإيمان بالملائكة عباد رب العالمين. وثالثها: الإيمان بكتابه النور في طريق الإنسانية. ورابعها الإيمان بلقائه يوم لا ينفع مال ولا بنون. وخامسها الإيمان بالرسل هداة الشعوب. وسادسها: الإيمان بالبعث يوم ينفخ في الصور. وسابعها الإيمان بالقدر كله. فإن أحسست براحة بعد تمثلك لتلك الشروط فاعلم أن الإيمان قد نفذ إلى قلبك نفوذ الضوء الخافت في الليلة الظلماء. والإيمان كالمرآة يعكس أشعته على العمل، فاعلم إن عملت بعد ذلك أن النسمات قد تمكنت في قلبك.
جاسم الصفران
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
