; الإعدامات في مصر والجزائر هل ستطفئ المشانق جمرة الصراع؟! | مجلة المجتمع

العنوان الإعدامات في مصر والجزائر هل ستطفئ المشانق جمرة الصراع؟!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1993

مشاهدات 1766

نشر في العدد 1058

نشر في الصفحة 6

الثلاثاء 20-يوليو-1993

في مسابقة من تاريخ مصر الحديث نفذ في القاهرة مطلع هذا الشهر سبعة أحكام بالإعدام في يوم واحد في حق أشخاص اتهمهم القضاء العسكري المصري بارتكاب أعمال إرهابية، وقبل هذه الإعدامات الجماعية نفذ حكمان منفصلان ولا تزال قائمة الإعدامات تضم خمسة وثلاثين اسمًا لمتهمين آخرين فيما ينتظر عشرات آخرون أحكامًا مماثلة من المحاكم العسكرية التي لا تتوافر فيها رصانة واعتدال المحاكم المدنية وتمكين المتهم من الدفع والاستئناف والنقض وكثير من الأحيان تصدر المحاكم العسكرية أحكامها وفق رغبة الحاكم.

ولم تكن مصر نشازًا عن أقطار أخرى في حملة الإعدامات على الإسلاميين لفقت لهم تهم إرهابية.

ففي الجزائر صدر حتى الآن مائة حكم بالإعدام نفذ البعض منها، فيما شهدت تونس إعدامات للإسلاميين خلال العام الماضي. وتأتي موجة الإعدامات هذه في ذروة الحملة الإعلامية شبه الدولية ضد ما يسمى بـ «التطرف الإسلامي» وهو وصف أطلق في بداية الأمر على مجموعات إسلامية صغيرة اتهمت بممارسة العنف ضد الأنظمة الحاكمة في أقطارها كما يزعمون ثم تم تعميمه بشكل ناجح وخبيث لينال من كل الإسلاميين بل وأصبحت وسائل الإعلام الغربية تتداول فكرة أن الإسلام كأيدلوجية وعقيدة هو حالة من التطرف العقلي. 

ولسنا هنا في مقام تحليل الأحداث الأخيرة في مصر أو فك رموز الحوادث الإرهابية التي أوقعت ضحايا بين الأبرياء والتي اتهم الموساد الإسرائيلي بتدبير كثير منها.

ولكننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن نجاري الصحافة الدولية والعربية في قبول كافة الادعاءات الحكومية في مصر والجزائر وتونس حول تورط الإسلاميين في الإرهاب.

إن مواجهة الإسلاميين مع تلك الحكومات كانت موجهة للنظام السياسي ورموزه وأجهزته، وبغض النظر عن صحة مثل هذا التوجه في المنظور السياسي أو حكم الشريعة فيه فإن وقوع جرائم تفجير ضد المارة في الشوارع أو مرتادي المقاهي والمحال التجارية أمر لا يقوم به الإسلاميون وأمر يثير الشبهات حول الدور الذي تمارسه أجهزة الاستخبارات المحلية في تلك الدول أو أجهزة الاستخبارات الخارجية المرتبطة بأعداء الأمة في ترتيب هذه الجرائم الإرهابية لتحقق مبررات كاملة للأنظمة لسحق الإسلاميين والمحاولة القضاء على الصحوة الإسلامية.

لقد عاشت مصر في الحقبة الناصرية عهدًا دمويًا من العلاقة بين الجهاز الأمني والتجمعات الإسلامية ولا تزال ذيول هذه العلاقة تدفع برموز الجهاز الأمني وضباطه للتعامل عدائيًا مع الفكرة الإسلامية ومعتنقيها، وفي الفترة الأخيرة مال القرار السياسي المصري لمساندة العقلية المخابراتية في التعامل مع الجماعات الإسلامية ورفضت عروضًا للحوار قدمها رجالات من خيرة العلماء في البلاد مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ محمد الغزالي ومفكرون إسلاميون خيرون مثل الأستاذ فهمي هويدي والدكتور محمد عمارة وغيرهم تهمهم مصلحة البلاد، ولم يكن النظام ليخسر منها شيئًا لولا لجوء الأطراف الخفية للتصعيد وصب الزيت على النار حيث أصبحت مصر على حافة مواجهة جادة وخطيرة ستترك آثارًا على الاقتصاد المصري وتخسر فيه مصر مكاسب الاعتدال السياسي الذي عاشته نسبيًا في أواخر السبعينيات أما الجزائر فإن طبيعة الصراع فيها اعتمدت منذ الانقلاب العسكري في ١٩٦١ على فكرة الإلغاء السياسي أي أن النظام العسكري قرر استئصال شاقة الإسلاميين كتيار سياسي وأعطى الإسلاميين خيارًا وحيدًا هو أن يستأصلوا بدورهم شأفة النظام المدعوم من الغرب.

 وفي تونس ينفذ زين العابدين بصمت حملة سحق كاملة للفكرة الإسلامية ومعتنقيها، ولا تزال أقطار عربية وإسلامية أخرى تشهد نماذج أقل صخبًا من لجوء الحكومات إلى الشدة والعنف في التعامل مع الإسلاميين.

ولكن هل ستطفئ المشانق جمرة الصراع وهل الحل في أعواد المشانق؟ 

بالقطع لا.. فالتيارات الإسلامية تعتنق فكرة مبدأها رفض التناقض بين واقع المسلمين وبين قيم الإسلام وأحكامه وكلما اشتدت ضراوة النظام في رفض هذه القيم والأحكام وكلما قام بتحريك المجتمعات بعيدًا عن هدي الإسلام ومبادئه كانت المواجهة مع الإسلاميين أشد وأعظم. 

لذلك فإننا نأمل من تلك الأنظمة التي دخلت في عداوات مع شعوبها أن تتحرر بداية من هيمنة الدول الغربية عليها، وأن تؤمن لشعوبها سبل العيش الكريم والكسب الحلال المشروع وأن تفتح الحول وتمنح الحرية السياسية للشعوب، وأن تسعى التحكيم شرع الله الذي لم تعد الشعوب الإسلامية ترضى بغیره بديلًا، وإلا فإن أعواد المشانق لن تزيد النار إلا اشتعالًا، ولن تطفئ ظمأ هذه الشعوب إلى الحرية والعدالة وتطبيق شرع الله.

الرابط المختصر :