; الأستاذ عبد الرحمن.. ينهي المناقشة.. ويلم أطراف الموضوع | مجلة المجتمع

العنوان الأستاذ عبد الرحمن.. ينهي المناقشة.. ويلم أطراف الموضوع

الكاتب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق

تاريخ النشر الثلاثاء 07-مايو-1974

مشاهدات 37

نشر في العدد 199

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 07-مايو-1974

في ختام تقويم منهج التصوف:

  • لا نبرح ننتقد منهج التصوف.. ونحذر من الاقتراب منه. 
  • ضعّف الأخ الراشد«منهج» الفضيل ابن عياض،فلماذا ينتقدني؟
  • ضرورة التزام الشروط العلمية.. في تفسير القرآن الكريم. 
  • من القواعد المعمول بها.. التفريق بين الكفر.. والكافر تقويمًا وحكمًا.

في مقدمة مقالي الأخير هذه الجولة في الفكر الصوفي لا يسعني إلا أن أشكر شكرًا ثانيًا جمعية الإصلاح الاجتماعي؛ لإتاحتها إلقاء المحاضرة في قاعتها، والإخوة الكرام الذين شاركوني في العقيدة والشعور، وكذلك الإخوة الذين خالفوني الرأي في أمر هذا التراث والذين واجهوني بالنقد شفويًا أو تحريريًا.. فما زلت أعتبر نقدهم هذا مشاركة وإحياء لموضوع المحاضرة، وقد أعلنت في مقدمتها أننا أمام تراث فكرى ينسب إلى حركة سميت بحركة التصوف عمرها الآن أكثر من خمسين ومائتين وألف من السنين.

  • وقد أعلنت أن الحكم على هذا التراث لا يمكن إجماله في محاضرة من ساعتين أو ثلاث بل ولا في عدة محاضرات.

وما زلت أعتقد عقيدة راسخة أن حركة التصوف كانت أخطر حركة وما زالت في تاريخ الإسلام العقائدي والسياسي والديني بوجه عام، وأن الأمة الإسلامية لن يقدر لها بعث جديد إلا على أساس النبذ الكامل لهذا التراث المريض، وتتبع آثاره السيئة في العقيدة والسلوك والسياسة.

 ولقد كانت إثارتي لهذا الموضوع خطوة جديدة في هذا البعث، قصدت من ورائه التحذير من هذا التراث المخلوط المشوه، وبيان المنهج السليم في بناء عقيدة المسلمين وأعمالهم على أساس الكتاب والسنة وحدهما، وكذلك قصدت تنبيه الأذهان إلى أن ما يثار حول الإسلام من «تواكلية، وإنعزالية وشعوذة وتدجيل» أن كل ذلك ليس من الإسلام، وكتاب الله وسنة رسوله، بريئان من ذلك.

 

ولقد كان- والحمد لله وحده- للآثار الطيبة التي لمستها بنفسي ونقلها لي كثير من الأخوة أطيب الأثر والتشجيع لي، وأرجو أن يكون هذا بعض الأجر الذي أحتسبه على الله- عز وجل- من وراء بيان هذا الموضوع والتصدى له، وأرجو منه- سبحانه وتعالى- أن يكون ما عنده خيرًا مما قدمه لي في الدنيا إنه هو السميع العليم.

  • ولا يسعني أيضًا إلا أن أقدم شكري إلى إدارة مجلة المجتمع لتفضلهم بنشر حلقات المحاضرة، ونشر المقالتين اللتين تفضل الأخ الراشد بهما ردًا على بعض ما جاء في المحاضرة.

وإذا كانت المجلة قد أرادت أن يكون هذا المقال هو المقال الأخير في هذه السلسلة، فإنني سأحاول جاهدا إن شاء الله أن أجمع أطراف الموضوع فأقول:

  • الذين استمعواإلى المحاضرة والذين قرءوا حلقاتها الخمس التي نشرت، علموا أنها تعالج موقف الفكر الصوفي من الكتاب والسنة، وإنني عندما عرضت أصول هذا الفكر من مصادره بأرقام صفحاتها، ما اعتسفت تأويلًا، ولا حملت كلام القوم ما لا يحمل، وما كان قصدي تقويم رجال التصوف وبيان منزلتهم؛ لأن لهذا موضوعًا آخر وميدانًا آخر، ولقد كان المقصود: هو الفكر لا الرجال، وشتان بين هذا الموضوع وذاك الموضوع، فالكفر يصدر أحيانًا من المؤمن جهلًا أو تأويلًا واجتهادًا يمنعنا ذلك من الحكم بإسلام الشخص وفضله وهذه قاعدة جليلة مقررة، وقد فصلتها وبينتها والحمد لله بيانًا شافيًا في رسالتي «الحد الفاصل بين الإيمان والكفر» انظر الفصل الخاص بالتفريق بين الكفر والكافر.

وكذلك القول الخاطئ والبدعة العملية والاعتقادية تصدر اجتهادًا من أفاضل الناس وعلمائهم ولا يمنعنا ذلك من الحكم لفضلهم واجتهادهم، ولذلك لا يجوز شرعًا التغاضي عن هذه البدع وعدم إنكار التأويلات الفاسدة، والاجتهادات الخاطئة، بل يجب رد ذلك وإنكاره وبيان القول الفصل فيه حتى يبقى منهج الهداية من الكتاب والسنة نقيًا خالصًا، والذين لا يفهمون هذه الحقيقة يخلطون ويخبطون في علمهم وعملهم فلا تكاد تنكر بدعة أو قولا خاطئا لرجل صالح أو عالم جليل حتى يقيموا عليك الدنيا ويقولون: كيف تنسب هذا إلى فلان وهو رجل صالح، وكيف تخطىء فلانًا وهو عالم جليل؟! وإذا رأوا الخطأ كبيرًا شككوا في صحة النقل، وقالوا: لا يمكن أن يقول هذا!! ولا يكادون يوثقون رجلًا ما ويرون له إمامة وفضلًا حتى يمرروا أقواله الباطلة واجتهاداته الخاطئة التي تخالف الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، وهذه مصيبة الأمة في تقليد الرجال وهذه إحدى عقبات أی بعث إسلامي رشيد.

والذين قرءوا مقال الأخ الراشد الثاني، أظن أنهم علموا أن القضية قد تحولت عن مسارها من نقد الفكر الصوفي وخطورة الأخذ عنه إلى منزلة رجال الصوفية وموازينهم، وهذا في عرف البحث والمناظرة حيدة وخروج عن الموضوع. 

ولم يكتف الأخ الراشد بهذا الخروج بل غمزني بأن أحدًا لم يسلم من قلمي ولساني حتى الفضيل بن عياض نفسه، وراح يسرد بيانًا طويلًا في شأن الفضيل بن عياض- رحمه الله- وفي هذا إثارة للقارىء الذي يجهل مجرى البحث ومساره. 

فلم أذكر عن الفضيل بن عياض إلا قوله- المنسوب إليه-: «إذا أراد الله بعبد خيرًا أوقفه على الصوفية وحرمه صحبة القراء» وقلت في المحاضرة أن هذا من جملة الأقوال التي تسببت تنفير الناس من العلم الشرعي، الحديث والقرآن ودفعهم إلى الطريق الصوفي وإذا كنت قد أنكرت هذا القول المنسوب إلى الفضيل بن عياض، فإن الأخ الراشد قد أنكر منهجه كله، وذلك في مقال طويل نشر في المجتمع في العدد رقم ۱۱۱ بعنوان: - 

 «العابدون اللاعبون» قال فيه: «أنه حزن قاتل، وتعبد مرجوح، وعزلة مضيعة، وبدعة هادمة «كذا والله» وإن تجلل كل ذلك بالإخلاص والنية الصالحة، وأول فوج ظهر من هؤلاء الواهمين «كذا!!» كان في عصر صدر الإسلام والصحابة- رضي الله عنهم- أحياء فتصدى لهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- وعرف ما في العزلة من مضادة للإسلام المتحرك «هكذا!!» إسلام الأمر والنهي والجهاد والدعوة الذي رباه عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- فأوضح لهم بدعتهم، ونهرهم، واجتث أوهامهم من عروقها وعاد بهم إلى الصواب...».

  • ثم يستطرد الأخ الراشد مبينًا خطأ منهج العزلة والتعبد- وهو منهج التصوف- قائلًا: «وأظن والله أعلم أن هؤلاء أخذوا هذه البدعة عن النصارى! «هكذا!!
  •  ثم يبين الأخ الراشد أن الإمام عبد الله ابن المبارك قد سار على طريق ابن مسعود، فكان عالمًا مجاهدًا منكرًا على معاصره الفضيل بن عياض عزلته وتركه الجهاد مرسلًا له بهذه القصيدة- التي مطلعها-:

                         يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

                                                        لعلمت أنك في العبادة تلعب 

ولقد أخذ الراشد عنوان مقاله الطويل من هذا البيت «العابدون اللاعبون»!! 

  • فانظر كيف جعل الأخ الراشد العزلة وإن كان معها عبادة وصلاح وزهد بدعة هادمة، وعزلة مضيعة وإن اقترنت بالإخلاص والنية الصالحة، وجعل أصلها من النصرانية وأنا أوافقه في كل ذلك، 

ولم يمنعه هذا من الثناء على الفضيل بن عياض ولم أخالفه في هذا، فلماذا يبيح الراشد لنفسه التعريض بمنهج الفضيل ووصفه بأنه بدعة مدمرة، وعزلة مضيعة وكل ذلك في مقال طويل بعنوان عريض ما قصد به إلا بيت الشعر الذي حمل أفکار ابن المبارك على الفضيل ومن نحا نحوه. 

أقول: لماذا يبيح الراشد لنفسه هذا، ويثير القراء علي؛ لأنني أنكرت قولًا واحدًا نسب إلى الفضيل بن عياض!! فهل هذا من الإنصاف؟! وهل هذا ما تقتضيه الأمانة العلمية؟!

  •  ولم يكتف الراشد بذلك بل سرد توثيقات طويلة لرجال لم يأت لهم ذكر قط في محاضرتي، وهذا يوهم القراء أنني تعرضت بالنقد والتجريح لهم، وأنه قد أقام نفسه مدافعًا عن السلف والصالحين ضد رجل لم يسلم أحد من لسانه وقلمه!!

 

موقف الإمام ابن تيمية من التصوف

يعلم كل من لديه دراية بالتراث الإسلامي موقف الإمام ابن تيمية- رحمه الله- من التصوف ورجاله، فالإمام- رحمه الله- لم يترك للمتصوفة قولًا يخالف ظاهره الكتاب والسنة إلا ورده وأقام الدليل على بطلانه وانحرافه، سواء كان هذا القول في العقيدة أو العبادة، ولقد قسم المتصوفة إلى ثلاثة أقسام:

 

  1. قسم اتبع منهج الكتاب والسنة ودخلت عليه بعض البدع العقائدية والعملية وهؤلاء أثنى عليهم وتأول لهم وبين أخطاء أقوالهم التي تخالف الكتاب والسنة، ورأى أنهم مع ذلك مجتهدون مخطئون، حتى أنه عذر بعضهم في إباحته ذكر الله بالألحان والتصفيق، وإن كان قد حكم أن هذا ذكر وسماع شيطاني، وهو أشبه بسماع المشركين، وقد كفر مستحل هذا السماع ولذلك قال: «ويعلم أن هذا السماع المحدث هو من جنس سماع المشركين، وهو إليه أقرب منه إلى سماع المسلمين، وإن كان قد غلط فيه قوم من صالح المسلمين فإن الله لا يضيع أجرهم وصلاحهم لما وقع من خطئهم. 

«الفتاوى ج ۱۱ ص ٥٩٧»

وتأول- رحمه الله- لهؤلاء أيضًا قولهم في الحديث المكذوب على رسول الله: «لولا محمدًا ما خلفت عرشًا، ولا كرسيًا، ولا سماء ولا أرضًا..» ومعلوم أن هذا يخالف عقيدة الإسلام.

«الفتاوى ص ٩٦ ج ١١»

وتأول لهم أيضًا، قولهم: «من أحبه الله لم يضره الذنب» ومعلوم أن المتصوفة يريدون بهذا القول معنى سيئًا للغاية وهو عدم الإنكار على ما يصدر عن شيوخهم من معاص، ولكنه- رحمه الله- تأول ذلك القول وأن من أحبه الله وفقه إلى التوبة والاستغفار حتى لا يبقى عليه ذنب.

ب - وأما الفئة الثانية: فهي فئة اتبعت منهج الكتاب والسنة ولكن خلطته بكثير من عقائد المتفلسفة والملاحدة، وذلك مثل الغزالي وأمثال هؤلاء، قال فيهم الإمام ابن تيمية- رحمه الله- :-

«وأما ما في «الإحياء»- يعني إحياء علوم الدين- من الكلام في المهلكات مثل الكلام على الكبر والعجب والرياء والحسد ونحو ذلك، فأكثره منقول من كلام الحارث المحاسبي في الرعاية، ومنه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود ومنه ما هو متنازع فيه، 

والإحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة، فإن فيه موادًا فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدوًا للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين» ثم قال: «وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم»

الفتاوى ج ۱۰ ص ٥٥١ ,٥٥٢

فانظر كيف جعل اليأس عقائد المتفلسفة ومعارف الصوفية، ليأس الإسلام بمثابة من ألبس عدوا للمسلمين ثياب المسلمين.

جـ - وأما الفئة الثالثة: فهي فئة وحدة الوجود، من أمثال الحلاج وابن عربي والتلمستاني، وهذه الفئة كفرها وشدد النكير عليها وبين أن كفرها أغلظ من كفر اليهود والنصارى، ومع هذا الموقف الرفيق الرحيم من الإمام ابن تيمية- رحمه الله- من حركة التصوف، فإنه لم يسلم منه أذى القوم وأتباعهم بل كفروه وشنعوا عليه وبغضوه للمسلمين، وما زالت آثار حملتهم المسمومة عليه للآن، فرضي الله عنه وغفر له.

والناظر في تاريخ الإسلام يعلم إلى أي حد اتسم عصر الإمام ابن تيمية بفشو التصوف بجميع درجاته ومطالعة واحدة للأسئلة التي كانت تقدم إليه، تريك حالة المسلمين في ذلك العصر.

 ولذلك لم يكن إطلاق ابن تيمية بالتزكية لبعض رجالات التصوف، كان أدهم والداراني والسري السقطي والجنيد، تزكية من كل وجه- كما ظن الأخ الراشد- وإنما هي تزكية بحسب منهج الصوفية المتبع، فلذلك كان يصف هؤلاء بأنهم أفاضل الشيوخ وغير ذلك من العبارات، ويدلك على هذا أنه عندما قال مثلًا في الفضيل بن عياض- رحمه الله-: أنه سيد المسلمين في زمانه لا یعنی بتاتا أن لفضله على رجل معاصر له كعبد الله بن المبارك، فأى طالب علم صغير يعلم أن منزلة عبد الله بن المبارك في العلم والعمل والزهد والجهاد لا تدانيها منزلة رجل كالفضيل، ولذلك لما ترجم ابن حجر للفضيل، قال عنه: ثقة، عابد، إمام.

«التقريب ص ۱۱۳ ج۲ «

بينما عندما ترجم لعبد الله بن المبارك، قال عنه: «ثقة ثبت، فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير» 

«التقريب ص ٤٤٥ ج ١»

وقد مر بك المقارنة التي قارن بها الراشد للرجلين في مقاله الطويل «العابدون اللاعبون»

إذا نظرنا إلى هذا الموقف من الإمام ابن تيمية- رحمه الله- وقارناه بموقف بعض الأئمة الذين سبقوه كالإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي- رحمهما الله- وجدنا أن الإمامين السابقين، كان موقفهما أكثر صرامة وشدة، فهذا الإمام أحمد يحكى له أن السري السقطي يقول: «إن الله لما خلق الحروف سجدت له   الباء» 

قال أحمد: «نفروا الناس عنه»  - تلبيس إبليس ص ۱۸۹- 

ويقول الشافعي: «خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه «التغبير» يصدون به الناس عن القرآن»

ويقول تابعي آخر، وهو يزيد بن هارون: «ما يغبر إلا الفاسق، ومتى كان التغبير» - الفتاوى ج ۱۱ ص ٥٩٦- 

والتغبير: هو السماع أى ذكر الله بالغناء والألحان الذي تفعله الصوفية، فانظر كم بين الموقفين من تفاوت، فالإمام ابن تيمية رأى أن بعض هؤلاء مجتهدون مأجورون والإمامان أحمد والشافعي رأوه محدثًا وأنه من فعل الفساق، والسبب في ذلك؛ أن الإمامين قالا هذا في مقام الدعوة وهي تقتضي تحذير المسلمين وإبعادهم عن كل دخيل على الإسلام،

 وقول ابن تيمية قاله في مقام الفتوى، والفتوى تحتاج إلى تفصيل وبيان جميع الاحتمالات والوجوه.

وعندما أطلقنا القول أحيانًا بالتحذير من رجال التصوف وكتبهم،فإنما كنا في مقام الدعوة والدعوة تقتضي التحذير والحيطة، فهل فهم الأخ الراشد الآن سر موقفنا المتشدد؟! 

وهل فهم أننا نفرق بين الكفر والكافر ونعلم أن الكفر والفسق يصدر أحيانًا قولًا وفعلًا من المسلم اجتهادًا أو رأيًا، وهل يعلم أنه يجب الحذر والبعد من الفكر المخلوط المشبوه؟

وهل أخطأ الإمام أحمد، عندما قال عن السري السقطي وهو من أئمة التصوف المعتدلين: «نفروا الناس عنه»!!

ويأتي الراشد اليوم ليجمع النــاس عليه وعلى أشباهه ممن اختلط فكرهم؟ وتخبط النقل عنهم؟
 وهل أخطأ الراشد نفسه عندما رأى أن الاعتزال والتعبد دون الدعوة والجهاد، دخيل من النصرانية ثم لام هو نفسه الفضيل؛ لاعتزاله، ولام من سلك هذا المسلك واتخذ هذا السبيل؟!

 وهل مثل ذي النون المصري الذي اتهم بالزندقة، واستتيب من ذلك قدوة لشبابنا اليوم في الجهاد   والعمل؟!

 

إبراهيم بن أدهم مرة ثانية

 لم يأت الأخ الراشد بما يضعف به رواية السلمي عنه، إلا احتمال أن يكون الإمام ابن تيمية قد اطلع على ذلك، وما دام أنه قد وثق ابن أدهم، فمعنى ذلك أنه قد أبطل مفهوم الحكايتين اللتين ذكرهما السلمي عنه!! وليس عندي جواب على هذا العلم العجيب!! 

وإذا أراد الأخ الراشد أن يعلم مزيدًا من العلم عن إبراهيم بن أدهم، فليسمع هذه الرواية الجديدة:- 

قال أبو يطيم في الحلية، حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يزيد، حدثا أبو حامد أحمد بن محمد بن حمدان التيسايوري حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: سمعت بقية بن الوليد يقول: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: تعلمت المعرفة من راهب يقال له أبا سمعان، دخلت عليه في صومعته، فقلت له: يا أبا سمعان منذ كم أنت في صومعتك هذه؟ قال: منذ سبعين سنة. قلت: فما طعامك؟ قال: يا حنيفي فما دعاك إلى هذا، قلت: أحببت أن أعلم. قال: في كل ليلة حمصة. قلت: فما الذي يهيج قلبك حتى تكفيه هذه الحمصة؟ قال: ترى الديـر بحذائك؟ قلت: نعم، قال: إنهم يأتون في كل سنة فيزينون صومعتي ويطوفون حواليها ويعظموني بذلك..... إلخ» 

                                                                                                           - الحلية ج۸ ص ٢٩-

 

وتمضي هذه الحكاية الطويلة التي في آخرها يحمل إبراهيم وصية الراهب النصراني، وهي قوله: «أقبل على ربك ودع الذهاب والجيأة» ولا شك أن الذهاب والجيأة هي السعي في طلب العلم، ولذلك أنكر إبراهيم بن أدهم على سفيان الثوري، لقوله: «قد سمعنا كما سمع، فلو شاء سكت كما سكتنا!!» وعاب على سفيان أيضًا، قائلا له: «أنت شهرت نفسك بحدثنا وأخبرنا!!»

هذا وغيره أمور بطول شرحها وبسطها وقد ذكرت طرفًا كبيرًا من ذلك في مقالتي السابقة ولم ينفها الأخ الراشد ولم يبين بطلانها! 

ومع كل هذا فلا نمنع أن يكون إبراهيم بن أدهم زاهدًا، قد أثنى عليه بعض المتقدمين لكلام طيب، وأخبرنا سفيان بن عيينة: أنه غير عالم بأمر الله!! «أنظر تهذيب التهذيب» ومثل هذا لا يكون قدوة في بعث إسلامي رشيد، ونقول كما قال ربنا- تبارك وتعالى-: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ «الحشر: ١٠»

 

 

 

منهج الاستدلال بالقرآن

عجبًا أن يظل الأخ الراشد مصرًا على أن معنى«لا إله إلا الله» هو معنى﴿ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ  وقد ذكرت أنه لا سبب نزول الآية ولا موضوعها ولا ألفاظها دالة من قريب أو بعيد إلى ذلك«فقل الله» جواب السؤال سابق﴿ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ 

أترك الكفار في لهوهم بعد أن أقمت الحجة عليهم، فأين معنى«لا إله إلا الله» يا قوم؟!! إذا جاز هذا الاستنباط من الآية فإنه يجوز أن يكون معنى﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ : تعني سر على يمين الطريق واحذر السيارات، فإن قال قائل: كيف فهمت هذا؟ قلنا: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله، والله يحب من المؤمن اتباع الآداب في المشي، كما قال: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ فالأدب في المشي عبادة إذن ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ  فمعناها التزام الأدب في الطريق، والتزام الأدب عبادة!! وهكذا يصبح القرآن أضحوكة ولعبًا لكل من أراد أن يولد منه المعاني كيفما شاء!. 

وقلت في التعقيب السابق أن للمتصوفة تفسيرًا خاصًا في القرآن، ولعلي أن أقدم تفصيلًا كاملًا لتفسيرهم القرآن في وقت أخر- إن شاء الله تعالى- وتفسيرهم لهذا المعنى: هو قل الله الموجود ليس غيره ودع الناس في لهوهم ولغوهم عن هذه الحقيقة، 

وكلمة«ذر غير الله» التي جعلها الأخ الراشد عنوانًا للمقال الأول من مقالات فقه الدعوة، والتي جاء فيها هذا التأويل الخاطئ لقوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أقول هذا العنوان ليس سليمًا من حيث المعنى بتاتًا «فذر » معناها: اترك، و«غير الله »: كل ما سواه، والصلاة والصيام والعبادات كلها والمعاملات كل هذا غير الله، فهل نترك كل ذلك؟!! وإذا جاز لنا أن نفسر«ذر غير الله» بـ «لا تعبد إلا الله » جاز لنا أن نفسر أي كلام بأي كلام!!

فمنزلة القرآن يجب أن تصان من التأويل المغلوط ويجب أن نتقيد بظاهر اللفظ ومدلوله ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

الداعية الفريد ووحيد المناقب

كنت معذورًا- وما زلت- في أن أفهم كما فهم غيري أن الداعية الفريد قصد به المتكلم؛ لأن الكاتب أسند إلى نفسه أنه يشعل أنوار الفطنة لتبدد ظلمات الفتنة، وكل ذلك من لدن داعية فريد يجد الدعاة عليه هدى ويسعى جماله بين أيديهم؛ لأنني كنت أظن أن الكاتب هو الذي يكتب ولا يملى عليه، 

وما دام أن الأخ الراشد كان يعنى رجلًا آخر اسمه فريد، فلست أدري أيضًا ما هو الداعي الذي أدخل فريدًا هذا في المقال، وليس الموضوع والسياق ذكرًا لمحاسنه وثناء عليه، فأنا معذور إذا فهمت هذا الفهم وأعتقد أنني ما زلت معذورًا أيضًا، وإن قال الأخ: إنني قد رجحت الاحتمال البعيد!!

وختامًا، هذه جولة في هذا الفكر أرجو أن تكون قد أتت ثمرتها بحول الله وقوته، فإن قلت حقًا فمن الله- سبحانه وتعالى- وإن قلت باطلًا فمني والشيطان وأستغفر الله العظيم من كل ذنب وأتوب إليه وأسأله قبول عملي وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل