; مفهومات خاطئة.. الدين علاقة بين الإنسان وربه! | مجلة المجتمع

العنوان مفهومات خاطئة.. الدين علاقة بين الإنسان وربه!

الكاتب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق

تاريخ النشر الثلاثاء 12-مايو-1970

مشاهدات 23

نشر في العدد 9

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 12-مايو-1970

بسم الله. والحمد لله.

أخي، الفكر أول العمل، وتصحيح المفاهيم ضمان لسلامة العقيدة، ولا يفلح إلا من سلمت عقيدته. ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء: 88-89)

وإذا صلح القلب صلح العمل، "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب". 

العلم والرأي

وهنا في هذا الباب ألتقي وإياك لنصحح مفاهيمنا لتسلم منا القلوب فنفوز برضوان الله في الآخرة، فاقبل مني ما أوردت لك الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أتيتك به من قول لم أدلل عليه بآية ولا استشهدت له بحديث فإنما هو رأي رأيته. لك ثمرته وعلى صاحبه عزمه ومشقته "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"، لك أن تأخذه ولك أن تضرب به عرض الحائط؛ فإن أصبت فيما عزمت عليه فالصواب من الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.

المفاهيم الخاطئة في كل ميدان

أخي، لمّا عزمت أن أكتب لك في ذلك سجّلت في مفكرتي أكثر من ثلاثين مفهومًا خاطئًا شاعت في مجتمعاتنا حتى أصبحت عقائد، واليوم نُعمل فيها الهدم، متمثلين قول الله عز وجل: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾) الأنبياء: 18).

وليس ما سجّلت في مفكرتي هو كل ما نحمل من مفاهيم خاطئة بل نحمل من ذلك أوزارًا ننوء بها في كل ميدان: في العقيدة والسياسة والمعاملات والعبادات والسلوك!! وسترى عندما تعرض لذلك إن أمتنا الآن ليست على شيء!!

هدم وبناء

ولن أُعمل الهدم دون البناء -إن شاء الله- بل سيأتيك المفهوم الصحيح بعد هدم المفهوم الباطل. وقد لا تحتاج إلى الهدم دائماً وإنما لمجرد التعديل. وليس تعديل المفهوم بأقل خطر من إقامة الصحيح؛ فإن الميل البسيط في البناء العقائدي يُفسد البناء بكليته، وذلك أن العقيدة أساس فإذا انحرف الأساس انحرف البناء تبعًا.

هل الدين علاقة بين الإنسان وربه؟

إن أول مفهوم أجدر بأن نلتقي –أولا- على تصحيحه هو مضمون الكلمة القائلة "الدين علاقة بين الإنسان وربه"، هذه الكلمة بمفهومها الحادث أخطر على ديننا من حملة مسلحة من الصليبيين!! فكيف ذلك؟

 إن الذين يرددون هذه الكلمة يعنون بها أن شأن الدين صلة بين العبد وخالقه فقط، وللقلب وحده أن يتصور هذه الصلة كما يشاء، وله أن يسير فيها حسب ما يريد دون التزام لسلوك معين محدد، فالقلب وحده أو ما يسمونه بالضمير هو الرقيب الوحيد على هذه الصلة. وليس للمجتمع ولا لأي فرد فيه سلطة أو توجيه على هذه العلاقة والعقائد المنصوص عليها والعبادات والمعاملات لا دخل لها في توجيه هذه الصلة!!

وهذا المفهوم يعني هدم كيان الدين جملة وتفصيلاً؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا حاجة لهما ما دام أن كل فرد سیختار تكييف صلته بنفسه.

ونظام الإسلام في المعاملات من بيع وتجارة وشركة وحكمة في الربا والكسب الخبيث لا حاجة إليه؛ لأنه غير داخل في هذه العلاقة.

وآداب السلوك في المجتمعات واللباس والزينة ما للدين ولذلك ما دام أن الإسلام علاقة بين الإنسان وربه!!

وتصحيح المفاهيم في العقيدة وأعمال القلوب لا حاجة له أيضًا؛ لأن كل فرد سيختار علاقته ويصوغها بمعزل عن تدخل الآخرين.

كلمة أخطر من جيش من الصليبيين

أنظرت -يا أخي- كيف أن هذه الكلمة وحدها أخطر من جيش كامل العدة من خصوم الإسلام، وهل يستطيع جيش منهم أن يصرف جيلاً منا عن عقيدته ودينه كما تصرف هذه الكلمة البسيطة...

وألم تسمع معي أبناء أمتنا _-هداهم الله- يرددونها في كل ناد. ويقذفون بها في وجه كل مصلح يريد الرشاد.

الدين نظام كامل للحياة

الدين نظام كامل للحياة أنزله رب العالمين وفرض علينا طاعته، وهو صبغة كاملة تلون جميع مظاهرها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ﴾ (البقرة: 138) فيبتسم وجهها الكالح ويعم السلام كل نفس وأرض.

الدين صبغة يصبغ حياتك كلها بادئًا بالقلب ومنتهيا بعمل بسيط وهو أن يحثك على إزاحة الأذى من طريق المسلمين. فالذي يوقف سيارته على جانب الطريق لينحي قارورة ألقى بها عابث في طريق المسلمين عابد لله عز وجل!! والذي يحمل في صدره كرها لأمر واحد من أوامر الله عز وجل غير مسلم!!

﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد:9)

 والذي لا يُحكّم الله ورسوله في كل شأن من شؤون حياته ليس بمسلم

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء: 65).

فتحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم لازم للإيمان وليس وحده بل وإخراج كل ضيق من القلب لحكمه ليس فقط بل والتسليم الكامل قلبا وقالبا.

وأحكام الرسول صلى الله عليه وسلم لم تترك قطاعًا من قطاعات الحياة بدءا بأعمال القلوب وإنهاء بآداب قضاء الحاجة!!

وإذا صدر حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر فليس لأحد خيار في تركه 

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ ﴾. (الأحزاب: 36)

وبهذا نعلم -جميعاً- أن الدين ليس فقط علاقة بين الإنسان وخالقه.

بل نظام كامل للحياة بأسرها: السياسة والاقتصاد والاجتماع والمعاملات والشؤون الخاصة بل وآداب السلوك والطعام والشراب والعبادة. 

والأحكام الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه، ينتظم كل الشؤون السابقة ويعطي كل تصرف الحكم المناسب في هذا النظام العجيب الذي ليس للبشر أي إسهام في وضعه بل هو من وضع الحكيم الحميد.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس خصال أعوذ بالله أن تفعلوها أو تدركوا من يفعلها، ما ظهرت الفاحشة في قوم يعمل بها علنًا إلا سلّط الله عليهم الطاعون والأمراض التي لم تكن في أسلافهم؟

2- وما منع قوم الزكاة إلا ومنعوا القطر من السماء لولا البهائم لم يمطروا.

3- وما بخس قوم المكيال إلا أخذوا بالسنين وجور السلطان وشدة المئونة؟

4- وما عطّلوا كتاب الله وسنة رسوله إلا سلّط الله عليهم عدوهم فاستنفذ ما في أيديهم.

5- وما حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديدًا، حينئذ يدعو خيارهم فلا يستجاب لهم. حدیث شریف.

قَال حذيفة بن اليمان: "كَان النَاس يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، مَخَافَةَ أن يُدركني. فَقلت: يا رسول اللَّهِ، إنَّا كنا في جاهلية وشر فَجاءنَا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قَال نعم. قلت وهل بعد ذلك الشرمن خير؟ قَال: نعم، وَفِيهِ دَخَن. قلت وما دَخَنُه؟ قَالَ: قَوْم يَهْدُونَ بغَير هَديي تعِرف منهم وتُنكرُ. قلت فَهل بعد ذلك الخير من شر؟ قَال: نعم. دُعَاة عَلَى أبواب جَهَنّم مَن أَجابهم إِلَيْهَا قَذَفَوه فيها. قلت يا رسول الله صِفهم لنَا. قَال: هم من جلدَتِنَا وَيتَكلمون بألسِنَينا. قلت فما تَأمرني إن أدَركني ذلك؟ قَال: تَلزَم جَماعَة المسلمينَ وإمامهمْ. قلت: فَإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قَال: فَاعْتَزِل تلك الفِرق كلها، ولو أن تعض على أَصل شجرة حَتى يدركك الموت وأَنت على ذلك". رواه البخاري.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أصول الاقتصاد من الكتاب والسنة

نشر في العدد 2

1012

الثلاثاء 24-مارس-1970

مفهومات خاطئة .. رجال دين!!

نشر في العدد 10

23

الثلاثاء 19-مايو-1970