العنوان وقفات مع السيرة: إنهـم لا يعتـذرون
الكاتب د.عبدالحميد البلالي
تاريخ النشر الثلاثاء 09-أغسطس-1988
مشاهدات 16
نشر في العدد 877
نشر في الصفحة 41
الثلاثاء 09-أغسطس-1988
أسباب الاعتذار:
قبل التوجه إلى تبوك ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجد بن قيس أحد بني سلمة، فقال له «يا جد هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي إنه رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر» (۱) فنزل قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ (سورة التوبة آية 49) (۲).
إن هذه السورة من أشد سور القرآن الكريم فضيحة للمنافقين وتبيينًا لصفاتهم لذلك سميت بالفاضحة، وهذه الصفة التي تذكر في هذه الآيات من أخص خصائص المنافقين، وهي الاعتذار عن المشاركة في الجهاد وأعمال الدعوة والأسباب الحقيقية التي تكمن وراء ذلك كثيرة من أهمها:
1- الجبن والذي يتفرع منه الخوف من مواجهة الأعداء وما ينتج عنه من سجون وتعذيب وتضييق، وموت في بعض الأوقات.
2- الخوف على الرزق، فهو يعتقد بأنه إذا انشغل بأمور الدعوة ومتطلباتها فإنه ينشغل عن أمور الدنيا
والرزق والفرص التجارية وغيرها.
3- الخوف على فقدان المنصب، فهو يظن إنه من عرف توجهه الإسلامي فإنه يتعرض للتجميد عن
المناصب والدرجات.
4- عدم الصبر عن مفارقة الزوجة الحسناء والأبناء...
هذه بعض الأسباب الحقيقية وراء الاعتذار ولكنهم يعتذرون بأعذار أخرى غير هذه، حتى لا يفتضح أمرهم.
اعتذارات مهزوزة:
فهم يقولون كما جاء في الآيات السابقة ﴿ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي﴾ (سورة التوبة آية 49) ولا شك أن هذا العذر يبدو في ظاهره حرص صاحبه على حفظ نفسه من فتنة النساء، واهتمامه بالمحافظة على إيمانه، ولكن حقيقة الأمر غير ذلك.
وهم يعتذرون بانشغالهم بالتجارة وشؤون الأسرة والتزاماتها، كما قال تعالى مخبرًا عنهم ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ (سورة الفتح آية 11) (۳).
يقول الأستاذ المحامي حسن عبد الغني رحمه الله معلقًا على هذه الآية ذلك الاحتجاج الذي احتجت به بعض قبائل الأعراب من أنهم شغلوا بأموالهم وأهليهم عن الجهاد في سبيل الله ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ (سورة الفتح آية 11) وإن كان الله تبارك وتعالى قد كذبه وخطأه وأخبر بأنه محض اختلاق... إلا أن هذا الاحتجاج غريب في نوعه... غريب في كل شيء... والأغرب منه... كيف أن هؤلاء يستسيغون لأنفسهم ذلك... أليس للمسلمين جميعًا أهل وأولاد؟ أليس الجميع في حاجة إلى الارتزاق والتكسب والعمل لإطعام نفسه وأهله وأولاده؟ فالناس جميعًا لهم أهل... والناس جميعًا لهم أموال... قل ذلك أو كثر... فكل امرئ تشغله أمور حياته... أ معنى ذلك ألا يكون هناك جهاد؟ وهل يكون نتيجة لذلك ألا يكون الكفاح وألا تكون التضحية؟» (٤).
ومن غرائب ما يحتجون به عند اعتذارهم هو احتجاجهم بحماية البيوت من السراق وغيرهم أثناء غيبتهم عن البيوت، فالزوجة مع الأبناء لوحدهم في البيت أو الزوجة لوحدها دون أبناء فمن يحميها؟؟!! ويعلم الله خالقهم أن حقيقة الأمر غير ذلك، يذكرهم الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ (سورة الأحزاب آية 13) (٥).
من علامات السقوط:
والاعتذار عن المشاركة في الجهاد، وما تتطلبه الدعوة وتقوم عليه من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأنشطة التي تربي فيها أفرادها وما في أفراد المجتمع يكون في الغالب علامة من علامات السقوط. فإذا ما ضعف بدت عليه بعض المظاهر والتي منها التخلف عما تتطلبه منه الدعوة أو التخلف عن أنشطتها وكثرة الاعتذار والتي تصبح بعد مدة صفة من صفاته والسبب في ذلك إنه بعد ميله لأمر من أمور الدنيا وتفضيله على ما عند الله يحدث في نفسه صراع بين ما يعيشه بجسده مع الدعوة وبين ما يشعر به بين جنبات نفسه فيرى أن المخرج من هذه المعاناة في عدم التجانس بين حضور الجسد وبين شعور النفس، هو الابتعاد عن الجماعة، والذي يسبقه بطبيعة الحال كثرة الاعتذار، لأنه لا يستطيع أن يعلنها مباشرة قاطعة بالمغادرة.
وهذا اللون من الاعتذار الذي يعقبه السقوط هو اعتذار يستمر ويزداد يومًا بعد يوم، ولكن يوجد نوع آخر من الاعتذار وهو الاعتذار المؤقت والذي يكون سببه حالة ضعف مؤقتة يرجع بعدها الأخ بهمته العالية بعد أن يشعر بخطئه، ولا يشمل هذا الحديث المتخلفين لأعذار حقيقية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
دور المنافقين في المعارك التي خاضها الرسول - الحلقة الأخيرة
نشر في العدد 178
16
الثلاثاء 04-ديسمبر-1973