العنوان التعليق الأسبوعي (321)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-أكتوبر-1976
مشاهدات 13
نشر في العدد 321
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 19-أكتوبر-1976
ألهاكم التكاثر
عن
- معيَار الإيمان والعمل الصالح
- آلام الأمة ومصائبها
ملهيات الحياة كثيرة جدًا.
ومن هذه الملهيات: الرغبة الجامحة في التكاثر في الأموال والأولاد.
لقد أحل الله تعالى الكسب الحلال والولد الحلال، لكن التكاثر -بهذا التعبير- وبجو السورة كله يصور حالة.. فيها الفخر والخيلاء، وفيها الانصراف عن القيم والمعاني الكبار، وفيها الذهول عن حقيقة تتكرر كل يوم، بل كل ثانية، هي الموت، وعن مصير محتوم لا مفر منه هو يوم القيامة.
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ (التكاثر1-8).
السورة نزلت ابتداءً تخاطب قومًا ألهاهم التكاثر في الخيل والإبل والدراهم والعشيرة وتجارة الرقيق.
وهي إمكانات قليلة جدًا إذا قيست بثراء وملهيات مجتمعاتنا هذه، الأسهم والسندات، وإشادة العقارات والأرقام المالية الضخمة في البنوك، وأموال التسليف، والإنفاق الخيالي على الولائم والأعراس والحفلات، والبذخ السياحي في الخارج، حديث الناس -في الصبح وفي المساء- يتركز في هذه الأمور.
وهذا هو التكاثر الملهي الذي ينطوي على أخطاء مهلكة.
- أول هذه المهلكات: اختلال أو تخلف المعايير.
فالإسلام نصب معيار الإيمان والعمل الصالح ميزانًا يقوم به الناس، ولا قيمة للمال والولد في هذا المعيار:
﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ﴾. (سبأ: 37)
- ثانيها: أن التكاثر يقترن دومًا بالعجب والفخر والخيلاء والترف، وهذه نقائص تتناقض مع قيم الإسلام وهداه، وكم من أمة قصمها الفخر الجاهلي، ودمرها الترف!
- ثالثها: نسيان الموت، وهو نسيان يزين للمرء بأن حياته ممتدة إلى ما لا نهاية، فيلهيه التكاثر حتى يزور المقابر.
- رابعها: إن الذين يلهيهم التكاثر لا يكترثون بالقضايا الكبيرة، ولا يحسون بآلام الأمة ومصائبها.
مزق اليهود القرآن الكريم واعتدوا على قداسته، واضطهدوا الإخوة الفلسطينيين في الأرض المحتلة وعذبوهم، وفي لبنان تنفذ مؤامرة كبرى لتصفية الوجود الإسلامي، وضرب المقاومة الفلسطينية.
وفي الفلبين لا يزال ماركوس يمارس خطته في ذبح المسلمين.
وفي... وفي... و...
هذه المصائب والهموم لم تحرك مشاعر الذين ألهاهم التكاثر، بل كأن الأمر لا يعنيهم.
إن التكاثر سكرة تغيب الإنسان عن وعيه وواجبه.
- خامسها: إنها توقظ الأنانية وتقتل روح الواجب العام، فعلى مستوى الفرد تجد الاهتمام البالغ ببناء الفيلا، أو تشجير الحديقة، أو جمع المال أو تبديل السيارة، أما على المستوى العام، فإن الإنتاج ضعيف، والإحساس بأداء الواجب الجماعي ضعيف كذلك.
- سادسها: أنها تجعل الناس يهتمون برفع مستواهم المعيشي العاجل، ويذهلون عن مستقبلهم الطويل المستمر يوم القيامة.
ما علاج هذه المشكلة؟
- علاجها على مستوى الدولة أن تربط الناس بالقضايا الكبيرة، وتبعث فيهم الإحساس بأن الإنسان لا قيمة له إلا بالمبادئ.
إن أجهزة الإعلام وسائر أجهزة التوجيه يمكن أن تحدث تغييرًا عميقًا في هذا المجال.
- وعلاجها: أن ينشط الدعاة لتوثيق صلة الناس بربهم، وأن يربوا فيهم المعاني الكبيرة.
ولا يستطيع الدعاة أن يفعلوا ذلك، إلا إذا جعلوا القضايا الجليلة محور عملهم ونشاطهم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل