العنوان آلام قلم وكلمات أمل (المعاناة الرابعة): الجرأة في إعادة النظر في تفكيرنا
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 19
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 47
الثلاثاء 13-يوليو-1993
أخي أرأيت ما في البوسنة التي اقتطع من أراضيها أكثر من ٨٠% وهجر من أبنائها مئات الألوف أرأيت ما يحدث في كشمير؟ وتايلاند وبورما والفلبين أرأيت ما يحدث في آسيا الوسطى "جنوب الاتحاد السوفيتي سابقًا" من قتل وسحق وتهجير للمسلمين وأظن أنه لا يخفى عليك من قبل ذلك نبأ المسجد الأقصى وفلسطين إنها مواجع وأحزان جاشت في الفؤاد حينًا فظهر بعضها على هذا القلم، لعل في البوح بها تخفيفًا عن صاحبها ودعوة إليك يا أخي لأن تعاون في حلها وتعمل على زوالها وما ذلك على الله بعزيز.
الكلمة مرهونة بملابساتها:
ليس لكلام بعد كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة الثابتة قداسة، فكل واحد يؤخذ من كلامه ويرد، وقد يكون الرد لا لخطأ في ذات الكلام، بل لملابساته والظروف التي قيل فيها قد تغيرت وتبدلت فأصبح أثرًا بعد عين مما يستلزم إعادة النظر من حين لآخر في الأفكار المطروحة لتغييرها، أو إقرارها، أو تعديلها وتحويرها، أو إضفاء مزيد بيان لها أو تجاوزها ووضع أفكار بديلة مكانها.
•قضايا ثابتة المدلول:
هذا القول إن أجزناه في الأفكار الحركية النظرية التي تضع تصورًا لبناء جيل واع مفكر مالك زمام نفسه أمام انحرافات الحياة، فقد لا يكون جائزًا أن تعدل أو تغير من الكلام الذي يعبر عن قضايا ثابتة لا يتغير النظر إليها إلا حين يتحقق مدلولها في عالم الواقع، فيصبح المدلول الجديد أمرًا لازمًا ليحل محل المدلول القديم.
فمثلًا مدلول إرجاع فلسطين فهمنا منه لزوم أن ترجع أرض فلسطين لأصحابها، وأن يتخلى عنها الإسرائيليون وأن يرجع الفلسطينيون المشردون في الأرض منذ قيام إسرائيل إلى وقتنا هذا إلى تلك البلاد ليقيموا فيها دولة وتكون وطنًا لهم إسلاميًّا وهم أحرار فيما يفعلون وفيما يمارسون كما تمارس سيادتها على أرضها أي دولة، فهل تحقق هذا المدلول حتى نقدم بديلًا آخر عنه؟
بالطبع لم يتحقق هذا المدلول وما تحقق هو أننا انتقلنا عنه إلى غيره من المدلولات التي لا نحققها كمبادلة الأرض بالسلام والمفاوضات والحكم الذاتي للضفة وغزة وغير ذلك من المدلولات التي يضعف حجمها وأثرها حتى صرنا نتحدث عن مدلول عودة المبعدين في مرج الزهور إلى فلسطين وهؤلاء لا يتجاوز عددهم خمسمائة شخص وصار موضوعهم حديث الصحافة الشاغل مدة من الزمن وما يزال فأين مئات الألوف الذين رحلوا من فلسطين ليهيموا في نجاد الأرض ووهادها؟
إلى هذا الحد ينحسر المدلول العملي لبعض الأقوال مما يشعر بخلل في التوازن بين المدلولين وما الخلل إلا في قوتنا، وعدم قدرتنا على تحقيق ما نقول.
•باطل مزخرف:
كم من كلام في ظاهره القبول وفي باطنه تغرير وتضليل يقوله المرجفون، ويحمل تبعته من لا ذنب له ولا إساءة منه ولذا شاع القول القديم "كلمة حق أريد بها باطل"، لكل شعار يعلن بين عامة الناس فيرددونه ويقبلونه، ويدعون إلى تطبيقه وتنفيذه، وهو في باطنه قد يحدث فتنة ويثير بلبلة تستفيد بها فئة قليلة من الناس على حساب الجماهير العريضة.
وكم من أمثال هذا الشعار يطلق الآن في كل حين ثم لا يحصد منه عامة الناس إلا العلقم والشوك والأمثلة أعظم من أن نحصرها أو نبينها ونعددها.
• طبيعة الحق:
قد يحجب الحق إلى حين ولكنه لا يندثر ولا يتبدد، وقد ينتفش الباطل ويزهو ولكنه يدمغ بالحق ويدفع "بل تقذف" بالحق على الباطل فیدمغه فإذا هو زاهق، وزهوق الباطل محتاج إلى قوة تدافع عن الحق وتعلي من شأنه، وقد
تموت أحيانًا في سبيله، ولكن الناس- اليوم- يكتفون بأن هذا القول حق، أو أن هذا القضية حق أو أن هذا الموقف حق- ثم تجد- بعد هذا الاعتراف- السلبية فلا يتحرك أحد لنصرة الحق، ولا يجرؤ أحد على مقاومة الباطل.
فما قيمة اعتراف لحق لا يتحقق وما قيمة إنكار باطل ينتشر بين أناس دون مقاومة ولو اكتفى الناس بالإنكار على عدوان ثم لم يردوه ويقوموه؛ فما قيمة هذا الإنكار؟ إنما يعترف الناس بالحق ليتمسكوا به وليحققوه واقعًا في حياتهم، وليدفعوا به الجور والظلم والعدوان وكل منكر في الأرض ومالم يكن للحق مناصرون يؤدون هذا الدور في الحياة فلا قيمة لإعلان حق ولا قيمة لإنكار منكر، إذ ليس الهدف هو التسلق على المبادئ، والوصول إلى الغايات بأي سبيل- كما اعتاد بعض الناس أن يفعلوا ذلك- وإنما المقصود أن تحدث الكلمة أثرها وأن يكون للمبادئ، احترامها ولن يتأتى ذلك بغير الصدق في القول والعمل على السواء.
• دعوة إلى الخير:
إننا ندعو إلى وحدة الكلمة بغير تحزب وبغير تعصب، وإنما بالحق والحق، بحيث يعطي الإنسان الحق من نفسه وهو راض ويخضع للحق وإن كرهه ويرضى بما يفرضه عليه، وإن ظن أن في ذلك ضيقًا له.
إن الكلمة المؤسسة على الحق والصدق والهادفة إلى الخير والصلاح والمستمدة قوتها من إخلاص صاحبها هي رسولنا للناس ليلتفوا حول المنهج التربوي وليتمسكوا بالقيم الأخلاقية وليتخلصوا من الشرور في الحياة، مائلين نحو الخير ولعلنا- بعد الغزو العراقي الآثم على بلدنا- نستطيع أن نقول بجلاء أننا في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من القضايا والأمور التي كانت تعتبر من المسلمات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلحرب لبنان أفقدت الصحافة حريتها. حرية الكلمة تطارد في البلاد العربية
نشر في العدد 290
14
الثلاثاء 09-مارس-1976