العنوان أبعاد الخلافات داخل القيادة الفلسطينية
الكاتب جمال الراشد
تاريخ النشر الثلاثاء 08-فبراير-1983
مشاهدات 29
نشر في العدد 607
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 08-فبراير-1983
هل هناك خلاف بين «رافض» للصلح مع إسرائيل وبين «قابل» للصلح معها؟
من الذين يضغطون على ياسر عرفات للاعتراف بإسرائيل؟!
هل نغلب اليهود بالإيمان بعد ان غلبونا بقوة السلاح؟!
الحديث عن اختلاف في وجهات النظر بين من يعملون في مجال واحد أمر لا غبار عليه ولا سيما إذا كان هذا الاختلاف اختلافًا في الاجتهاد لتحسين العمل أو لجني ثمار أفضل، ويكون الاختلاف أكثر إلحاحًا إذا كان مجال العمل سياسيًا ويتناول أمرًا مصيريًا كالحال بالنسبة للقضية الفلسطينية.
وإذا كان اختلاف الفقهاء رحمة للأمة فإن الخلاف بين أصحاب الطريق الواحد نقمة بلا شك. ونحن لا نناقش هنا موضوع الاختلاف لأنه لا ضرر منه.. ولكننا سنتناول موضوع الخلاف القائم الآن بين عدد من قادة المقاومة الفلسطينية والذي ظهر على السطح في الآونة الأخيرة بعد أن كان في أعماق النفوس، ولأن هذا الخلاف فيه من الضرر أكثر مما فيه من النفع.
يقول ياسر عرفات حين يُسأل عن مثل هذه الأمور: أنا لا أقود قطيعًا من الغنم، أنا أقود مجموعات من الثوار من حقهم أن يفكروا وأن يعترضوا، فالقضية قضيتنا جميعًا، نحن ثوار ونحن ديمقراطيون أيضًا، وهذه هي طبيعة ثورتنا، من حق أصغر شبل في هذه الثورة أن يحاسبني وأن يناقشني. وأما صلاح خلف فقد نفى وجود خلاف بينه وبين ياسر عرفات ولكنه لمح دون أن يصرح بوجود مثل هذا الخلاف. حتى في موضوع اغتيال بشير الجميل صرح ياسر عرفات على الفور إن اليهود هم الذين قتلوه، بينما انتقد صلاح خلف هذا التصريح وعزاه إلى نصيحة من مستشاره «الليدي».
ولقد أذيع في الشهر الماضي أن خمس منظمات فلسطينية أصدرت بيانًا تستنكر فيه زيارة ياسر عرفات للأردن واجتماعه مع الملك حسين، ثم تبين أن هذا البيان كاذبٌ بعد أن اعلنت المنظمات نفسها أن لا علاقة لها بهذا البيان.
ثم استطاع قادة المنظمات الرئيسية: فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية أن يجتمعوا في اليمن الجنوبي، ويتوصلوا إلى ميثاق يصر على الدولة الفلسطينية ويرفض مبادرة ريغان، ويطالب باشراك الروس في التسوية.
وإذا كان من المهم أن تتفق كلمة المنظمات الفلسطينية خاصة في الأمور المصيرية فإن الأكثر أهمية أن تتحقق الوحدة داخل قيادة فتح نفسها كبرى المنظمات الفلسطينية، هذه المنظمة التي استطاعت - رغم كل محاولات تفتيتها - أن تحافظ على تماسكها بالرغم من حركة «أبو نضال» المعروفة والتي انشقت عن فتح والتي انتقلت إلى دمشق، وصارت تعمل إلا أن تأثيرها على الساحة الفلسطينية غير ذي بال.
وبعد معارك لبنان وخروج المقاومة من بيروت بدأت أصوات بعض القادة الفلسطينيين تعلو بالمعارضة لسياسة ياسر عرفات واتصالاته وتصريحاته. وكان من هؤلاء القادة نمر صالح «أبو صالح» عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، حيث ذكرت الصحف مؤخرًا أن قرارًا اتخذ بتجميده من عضوية اللجنة المركزية لفتح بعد أن اجتمع بحافظ أسد.
يقول نمر صالح بهذا الصدد: «إن مقابلتي مع الرئيس السوري كانت هامة جدًا في الظروف والفترة التي تمت فيها، فالحوار كان منطلقًا في الأساس من خلال فهمي شخصيًا لهذا الرجل... لقد طلبت من الأسد طلبين: الأول أن يدعمنا الحماية القضية من التصفية، وأن يدعم مقاومتنا لسحب البندقية من أيدينا، وقد وعدني بحماية القضية والبندقية وقال لن تكون إلا عند حسن ظنكم».
ولعل هذه المقابلة وما جرى فيها وما رافقها من تصريحات وتصرفات أوحت بأن أمرًا ما يدبر لإبعاد ياسر عرفات عن قيادة المنظمة بل عن قيادة فتح؛ ولذلك كان قرار تجميد نمر صالح كما يرى المراقبون. يقول نمر صالح في موضع آخر من مقابلة أجرتها معه صحيفة الوطن الكويتية ونشرتها يوم 83/۱/13: «هناك الآن موقفان فلسطينيان: موقف يريد الوقوف مع الدول العربية الرجعية والمشاركة في مشروع ريغان وحل مازق كامب ديفيد. وهذا الموقف قائمٌ على الاستمرار بالدعوة إلى انسحاب المقاتلين من لبنان تحت حجة حماية أهلنا في لبنان، بينما مسألة حماية أهلنا في لبنان هو باستمرار الكفاح المسلح وباستمرار تواجد البندقية إلى جانبهم. وهناك الموقف الآخر الذي يقول برفض كل هذه الطروحات والتمسك بالبندقية والاستمرار بمواجهة الاحتلال والعودة إلى صيغة التأثير والعمل مع بعض الدول العربية للوصول إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل، ومن هنا فإن الخلاف في تقرير الموقف دفعنا إلى الاختلاف الذي بدأ يتسع».
وواضح من لهجة نمر صالح أنه يصنف نفسه مع الموقف الآخر الذي يصنف الدول العربية إلى وطنية ورجعية، ومع أن هذا التصنيف سقط منذ موت عبد الناصر إلا أن مسئولًا في قيادة فتح مثل نمر صالح لا يزال يردد مثل هذا الكلام ومتى؟ بعد معارك لبنان التي كشفت كل شيء. ثم إنه يذكر أن حافظ أسد وعده بحماية القضية والبندقية ولسنا هنا في مجال تبيان مصداقية أو عدم مصداقية مثل هذا القول، وإنما يكفي أن نذكر تصريحًا لياسر عرفات نقلا عن مجلة أفريقيا وآسيا الفرنسية الأسبوعية نشرته صحيفة السياسة الكويتية يوم 83/۱/13 أي في نفس اليوم الذي نشرت فيه «الوطن» مقابلة نمر صالح. يقول ياسر عرفات: «إن سوريا حجزت ۲۲۰۰ طن من المعدات العسكرية التي أرسلتها الصين إلى قوات المقاومة الفلسطينية أثناء حصار بيروت».
وإذا كان نمر صالح يمثل طرفًا في الخلاف الفلسطيني الفلسطيني فمن يقف في الطرف الآخر؟ تقول صحيفة «بوسطن غلوب» الأمريكية على لسان ياسر عرفات: «إن بعض أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني يمارسون ضغطًا عليه للعب ورقة الاعتراف بإسرائيل الآن» ثم تشير الصحيفة إلى أن ياسر عرفات يقصد بأن الذين يضغطون عليه هم: عصام السرطاوي وأحمد الدجاني ونبيل شعث وإدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد. ومن داخل الأرض المحتلة يقف في هذا الخط حكمت المصري رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق وأحد زعماء الضفة القلائل الذين استقبلوا السادات إثر زيارته المشئومة لفلسطين. وكذلك إلياس فريج رئيس بلدية بيت لحم الذي يرى أنه إن لم تبدأ المفاوضات الآن فلن يكون هناك أرض يجري التفاوض عليها بعد عامين لأنها ستتهود بالكامل. وبالمثل فإن حكمت المصري يرى أنه لا بد من دخول المفاوضات سريعًا على قاعدة مشروع ريغان ومشروع فاس العربي لإنقاذ الأرض العربية من الضم والتهويد الزاحف.
ویری أنصار هذا الاتجاه أن فرصًا كثيرةً قد أضاعها التشدد وطلب «كل شيء أو لا شيء» فقد رفض العرب كثيرًا من المشاريع التي قدمتها اللجان البريطانية والتي قبلها اليهود، ورفض العرب قرار التقسيم الذي قبله اليهود ورفضوا الصلح مع إسرائيل عام ١٩٦٧ مقابل الانسحاب الكامل. والآن هناك دول عربية استبعدت الخيار العسكري نهائيًا ودول عربية أخرى لم تستبعد الخيار العسكري ولكنها عمليا لا تمارسه وتمنع الفلسطينيين من أن يمارسوه فإذا لم تقبل الآن الصلح مع إسرائيل مقابل الأرض فلن تحصل مستقبلًا لا على الصلح ولا على الأرض.
ويرى الاتجاه الآخر أن الخيار العسكري مازال موجودًا عند الدول «التقدمية»، وإننا في السابق لو وافقنا على مشروعات التسوية لرفضتها إسرائيل، وإن مشروعا تقدمه أمريكا لن تحصل من ورائه على شيء، وإن موضوع المستوطنات وضم الأراضي وتهويدها مبالغٌ فيه، فالضفة والقطاع عمليًا محتلان وقدرة إسرائيل على استيعاب مهاجرين جدد قدرة ضئيلة في ضوء الاقتصاد الإسرائيلي المنهار، إذا علمنا أن كل عائلة مستوطنة تكلف إسرائيل ۱۲۰ ألف دولار، ومن المعروف أن حدة الهجرة إلى إسرائيل قد خفت في الآونة الأخيرة وخاصة من روسيا التي كانت المصدر الرئيسي للهجرة إلى إسرائيل، ومع ذلك فخلال خمسة عشر عامًا من الاحتلال وخمسة أعوام من حكم الليكود لم تتمكن من توطين أكثر من عشرين ألف يهودي.
ونحن مع الذين يرفضون الصلح مع إسرائيل الآن وفي كل آن، ولكن لسنا مع تقسيم الدول العربية إلى رجعية وتقدمية فلا فرق عندنا بين من يتبع روسيا ومن يتبع أمريكا فالكل تابع، بل ربما كان هناك من يتبع روسيا في الظاهر ومن يتبع أمريكا في الباطن وهنا يكون الخطر أكثر فتكًا، بل إن هناك اتفاق «جنتلمان» بين الدولتين العظميين على أن يكون فلان لروسيا وفلان لأمريكا وفلان «بين بين).
إننا نطالب كافة الذين تعشش في عقولهم التبعية للشرق أو للغرب أن ينتبهوا لأنفسهم، وأن يعلموا أنهم ألعوبة في يد الشرق والغرب وأن عليهم أن يبحثوا عن عناصر القوة في أنفسهم فسيجدونها، وعندئذ إذا صلحت النفوس وعادت إلى الله يأذن الله بفرج من عنده فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولن تكون لنا الغلبة على إسرائيل إذا استعنا عليها بأمريكا؛ لأن أمريكا هي التي تزود إسرائيل بكل مقومات البقاء وهي التي قالت «إسرائيل وجدت لتبقى» ولن نستطيع تحرير فلسطين إذا استعنا بروسيا لأن روسيا لا تسمح لنا بهزيمة إسرائيل، ومن اعتقد بخلاف ذلك فهو جاهل في السياسة والعقائد.
بعد هذا إذا أردنا أن نحرر فلسطين ونهزم إسرائيل فما علينا إلا أن نعود إلى الله وقد ابتعدنا عنه كثيرًا، إذا حسبنا الأمر بالحسابات المادية فإسرائيل أمضى منا سلاحًا وأكثر ظهيرًا فقد قال عمر بن الخطاب في وصيته لسعد بن ابي وقاص وهو يتجهز لفتح فارس «فإن استوينا في المعصية - أي نحن والعدو - كان لهم علينا الفضل في القوة، وأن لا ننصر عليهم بفضلنا - أي بأفضليتنا عليهم عند الله - لم تغلبهم بقوتنا». وقانون السماء هو هو لا يتغير ولا يتبدل ولكن العلمانيين لا يعلمون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل