; أربيل.. عاصمة العرب السياحية | مجلة المجتمع

العنوان أربيل.. عاصمة العرب السياحية

الكاتب محمد واني

تاريخ النشر الأربعاء 01-مارس-2017

مشاهدات 732

نشر في العدد 2105

نشر في الصفحة 55

الأربعاء 01-مارس-2017

أربيل.. عاصمة العرب السياحية

في مواجهة الإعصار التوسعي

أُطلق على أربيل «العاصمة الصيفية للعراق» لما تتمتع به من موقع ثقافي وحضاري مؤثر في شمال العراق

حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية في الإقليم بلغ 18 مليار دولار خلال مدة لم تتجاوز عامين

حكومة الإقليم وفرت فرصاً للمستثمرين لإقامة مشاريعهم التجارية بتقديم تسهيلات وضمانات من خلال قوانين خاصة

الإقليم شهد حراكاً سياسياً ملحوظاً على الصعيدين الداخلي والخارجي وأصبح مركزاً إستراتيجياً للأنشطة السياسية العراقية

مع ظهور «داعش» وزحفه نحو أربيل فرضت بغداد حصاراً شديداً على الإقليم وقطعت حصته من الميزانية العامة

بسبب مناخ كردستان العراق المعتدل صيفاً، وأمطارها الغزيرة شتاء، وهطول الثلوج فوق جبالها الشاهقة التي تشكل 80% من مساحتها البالغة 83 ألفاً و643 كيلومتراً مربعاً، وبمصايفها الجميلة المطلة على وديان سحيقة، وغاباتها الكثيفة، وشلالاتها المتدفقة من الجبال.. أُطلق على عاصمتها أربيل «العاصمة الصيفية للعراق» التي تتمتع - إضافة إلى أجمل المصايف والمناظر الطبيعية الخلابة - بأهمية تاريخية استثنائية عبر العصور، وتتبوأ موقعاً ثقافياً وحضارياً مؤثراً في شمال العراق، ففيها آثار تاريخية تعود الى آلاف السنين.

ومن أهم معالمها التاريخية قلعة أربيل التي تعتبر جزءاً من التراث العالمي بقرار من منظمة «اليونسكو» التابعة للأمم المتحدة التي أدرجتها كأثر تاريخي، وتعتبر أربيل أقدم مدينة مأهولة بالسكان حتى الآن، وظهر اسمها في المدونات التاريخية منذ حوالي 3000 عام قبل الميلاد.

العاصمة السياحية للعرب

وفي عام 2012م عقد في مدينة القاهرة مؤتمر لوزراء السياحة العرب لاختيار العاصمة السياحية العربية، فوقع اختيار اللجنة التحكيمية للمؤتمر على مدينة أربيل لتكون العاصمة السياحية العربية لعام 2014م، وأصبحت أربيل منذ ذلك اليوم عاصمة سياحية للعرب.

وقد وفرت أربيل كافة المستلزمات والمعايير لإقناع وزراء السياحة العرب لاختيارها عاصمة للسياحة العربية؛ مثل تطوير شبكة الطرق والمواصلات، منها مطار دولي، وشبكة طرق دولية، ووجود المستشفيات المتقدمة لمن يأتي إليها بقصد السياحة العلاجية، ومواقع أثرية ومتنزهات ومطاعم ومرافق سياحية، وفنادق بمواصفات عالمية.

ومن أهم شروط الجذب السياحي التي تتوافر في إقليم كردستان إطلاقاً وضعه الأمني المستقر، حيث تتدفق أعداد غفيرة من الزوار والسياح من جميع أنحاء العراق على الإقليم رغم التدهور الأمني في معظم المدن العراقية، وبحسب الهيئة العامة للسياحة في إقليم كردستان العراق؛ فإذنه استقبل خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2014م نحو مليونين ونصف مليون زائر، بينهم نحو مليون سائح.

الملاذ الآمن

هذا الإقبال الكبير الذي شهدته مصايف كردستان ومنتجعاتها في السنوات الأخيرة، والذي فاق توقعات القائمين على شؤون السياحة في الإقليم، دفعهم إلى مضاعفة الجهود لتوفير أماكن إضافية مناسبة لإيواء هذا العدد الهائل من القادمين من الوسط والجنوب إلى حيث الأمان والجمال وراحة البال، ولم تقتصر وفود الزائرين على السياح العاديين فحسب، بل امتدت إلى السياسيين والمستثمرين ورجال الأعمال وغيرهم من المهنيين؛ كالأساتذة الجامعيين والأطباء، فقد تحولت أربيل العاصمة منذ سقوط نظام البعث إلى ملاذ آمن للعراقيين بكافة شرائحهم وانتماءاتهم الطائفية، وخاصة المعارضين السياسيين السُّنة الفارين من قمع النظام في بغداد.

نجاح سياحي واستثماري

ومن العادات التي أصبحت مألوفة لدى سكان العاصمة أربيل أن يروا وجوهاً سياسية عراقية معروفة، وهي تتجول في شوارع مدينتهم وتدخل أسواقها الكبيرة التي تُبقي أبوابها مفتوحة لوقت متأخر من الليل، دون الحاجة إلى رجال حراسة يحرسونهم، فالبلد آمن، والوضع مستقر وتحت السيطرة، وليس كما هو السائد في المناطق الأخرى من العراق.

 يقول «هاري شوت»، وهو كولونيل أمريكي متقاعد ويعمل مستشاراً أمنياً لرئيس الإقليم: أشعر في أربيل والسليمانية بأمان أكبر منه في كامدن بنيوجرزي، ويردف قائلاً: إن أربيل وبغداد عالمان مختلفان، وهذا ما دفع برجال أعمال عراقيين وغير عراقيين لاستثمار أموالهم في مجالات البناء والإعمار وفتح المدارس والكليات والمستشفيات الخاصة، وقد بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية في الإقليم إلى 18 مليار دولار خلال مدة لم تتجاوز السنتين، على حد قول رئيس هيئة الاستثمار في الإقليم هيرش محرم، فيما تدفقت مئات الشركات التركية لفتح مكاتبها في العاصمة أربيل، حتى وصل حجم التبادل التجاري مع الدولة التركية إلى 12 مليار دولار.

وكما وفرت حكومة الإقليم الفرص الجيدة للمستثمرين لإقامة مشاريعهم التجارية عبر تقديم تسهيلات وإعطاء ضمانات لهم من خلال سن قوانين خاصة؛ مثل قانون الاستثمار الذي صدر عام 2006م الذي أعطى حق التملك للمستثمرين في الإقليم مع إعفاءات ضريبية لرؤوس أموالهم المستثمرة كحوافز تشجيعية؛ الأمر الذي دفع بالعديد من الشركات الاستثمارية الأجنبية والعربية إلى التوجه نحو إقليم كردستان وإقامة مشاريع متنوعة فيه، وشجع دولاً عربية وأجنبية عدة على فتح قنصلياتها ومراكزها التجارية في عاصمة الإقليم، وقد بلغ حجم استثمار الكويت في كردستان 1.5 مليار دولار، فيما وصل حجم استثمار لبنان إلى 755 مليون دولار.

نجاح يعقبه تدهور

انعكست هذه الأجواء الصحية على مختلف المشاهد في إقليم كردستان العراق، خصوصاً المشهد السياسي، حيث شهد الإقليم حراكاً سياسياً ملحوظاً على الصعيدين الداخلي والخارجي منذ تأسيس الدولة العراقية الجديدة، وأصبح مركزاً إستراتيجياً للأنشطة السياسية العراقية، واستطاع من خلال تبنيه سياسة متوازنة ومرنة مرتكزة على الحوار والتهدئة، بعيداً عن لغة التصعيد والتهديد السائدة في المنطقة أن يلفت أنظار العالم إليه، فتدافعت دول كبرى ذات نفوذ سياسي كبير كفرنسا وألمانيا وتركيا وأستراليا وإسبانيا وهولندا ومصر على فتح قنصلياتها ومكاتبها الدبلوماسية في العاصمة أربيل.

لكن بظهور تنظيم «داعش» واحتلاله للمدن العراقية ووصوله إلى مشارف أربيل العاصمة، فجأة توقف كل شيء، وأصيبت الاستثمارات بمختلف قطاعاتها وخاصة قطاع السياحة بشلل تام، وبالتزامن مع ظهور تنظيم «داعش» واحتلاله لمدينة الموصل عام 2014م، وزحفه نحو مدينة أربيل، وكاد أن يدخلها لولا تدخل التحالف الدولي، في هذا الوقت العصيب، فرضت بغداد حصاراً شديداً على إقليم كردستان وقطعت حصته من الميزانية العامة البالغة 17%؛ الأمر الذي أدى إلى قطع رواتب الموظفين، وانتشار البطالة، وتوقف الاستثمارات، وظهور حالة من الفقر المدقع شيئاً فشيئاً، تفاقم هذه الأزمات المتتالية أصاب حكومة الإقليم بالذهول، وعجزت عن استيعاب الموقف الصعب والتكيف مع الواقع الجديد، ومنيت بإخفاقات تلو الأخرى؛ إخفاق في دفع رواتب الموظفين، وإخفاق في تغطية المصاريف الخدمية والإنتاجية والتمويلية، رغم تصدير نفط الإقليم إلى الخارج من خلال ميناء جيهان التركي، فإنها عجزت حتى الآن عن إيجاد أسواق عالمية مفتوحة لشراء نفطها بالسعر الرسمي العالمي الذي حددته منظمة «أوبك»؛ الأمر الذي اضطرت فيه إلى بيعها بسعر أقل بكثير من سعره الأصلي، وهو لا يكفي لتغطية نفقات الإقليم وتأمين رواتب الموظفين.

تهديدات «داعش» وأزمة الحصار المفروض من قبل بغداد، أضيفت إليها أزمة أخرى سياسية داخل الإقليم بين الأحزاب الكردية التي تشارك في إدارة الحكومة، حيث وصلت العلاقة بينها إلى نقطة تنذر بتقسيم الإقليم إلى قسمين؛ قسم متحالف مع إيران ويشمل مدينتي السليمانية وكركوك، ويسيطر عليه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، وقسم متحالف مع تركيا ويشمل مدينتي أربيل ودهوك بزعامة مسعود بارزاني، ويوماً بعد آخر تتفاقم المشكلات، والصراع يزداد احتداماً بين هذه الأحزاب، والعلاقة شبه مقطوعة مع بغداد؛ وهو ما تسبب في تزايد معاناة المواطنين المعاشية، وارتفاع نسبة البطالة، وانتشار الفقر المدقع في الإقليم.

الرابط المختصر :