; اليهودية تنتعش من جديد في كردستان العراق (1 - 2) | مجلة المجتمع

العنوان اليهودية تنتعش من جديد في كردستان العراق (1 - 2)

الكاتب أ. د. فرست مرعي

تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-2016

مشاهدات 17

نشر في العدد 2092

نشر في الصفحة 64

الاثنين 01-فبراير-2016

شهدت مدينة أربيل في كردستان العراق أول احتفال يهودي علني، بحضور مسؤولين حكوميين وممثلين أجانب، لإحياء الذكرى السبعين لترحيل العائلات اليهودية من المدينة إلى العاصمة بغداد قبل تسفيرهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في منتصف القرن الماضي.

ونظمت الاحتفال الذي أطلق علية تسمية «هولكوست منسي»، ممثلية الديانة اليهودية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان، وبحضور محافظ أربيل نوزاد هادي، وعدد من ممثلي القنصليات الأجنبية، وقد جرت الفعاليات في «بارك شاندر» التي تعد أكبر حديقة عامة، وتقع في مركز مدينة أربيل.

وتم تنظيم قاعة الاحتفال بوضع الشمعدان اليهودي السباعي المسمى «مينواره» إلى جانب كتاب التوراة، وغطاء الرأس اليهودي، مع قطعة القماش المسماة «طاليت»، ويستخدمها الرجل اليهودي لتغطية رأسه أثناء الصلاة، ووضعت جميع هذه الأشياء إلى جانب علم إقليم كردستان العراق.

وقال ممثل الديانة اليهودية في إقليم كردستان شيرزاد ماموستيان: إن اختيارهم لهذا المكان لأنه يقع بجوار محطة القطار التي تم ترحيل العائلات اليهودية من خلالها إلى بغداد قبل أن يتم تسفيرهم إلى الخارج.

وأضاف ماموستيان في تصريح لـ «عربي21»؛ أن إقامة هذا الاحتفال في إقليم كردستان يحمل دلالة واضحة بأن الإقليم أصبح مكاناً جامعاً لكل المكونات والديانات، واصفاً الإقليم بأنه أشبه بسفينة نوح التي تحمل الجميع، وفق قوله.

400 عائلة يهودية

طالب ماموستيان بتعويض اليهود عن جميع الأضرار التي قال: إنها لحقت بهم طيلة الفترة الماضية، وأسوة ببقية المكونات في الإقليم والعراق بشكل عام، معتبراً أن مأساتهم بدأت منذ الأربعينيات من القرن الماضي.

وكشف ممثل الديانة اليهودية عن وجود أكثر من 400 عائلة يهودية تعيش في إقليم كردستان وتمتلك معابد خاصة بها، مشيراً إلى أن حكومة الإقليم ستباشر بإعمار وترميم معابدهم فور انتهاء الأزمة المالية التي يمر بها الإقليم في الوقت الحالي.

وكان الناطق باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان مريوان النقشبندي، قد أكد في وقت سابق؛ أن إنشاء ممثلية الديانة اليهودية في الوزارة تم وفق القانون (رقم 5) الصادر عن برلمان الإقليم الخاص بحقوق الأقليات، ووفق طلب مقدم إلى وزارة الأوقاف من ممثلي اليهود القاطنين في محافظات الإقليم.

وأشار النقشبندي إلى أنه، وبموجب قانون حقوق الأقليات، فإن اليهود بإمكانهم تقديم طلبات إلى المحاكم من أجل استرجاع المعابد والأملاك الأخرى، في حال تمكنهم من تقديم أدلة رسمية تثبت ملكيتهم لها.

مجلة «ئيسرائيل - كورد»

كانت نقابة الصحفيين في إقليم كردستان العراق قد وافقت في وقت سابق على أول مجلة من نوعها تحمل عنوان «ئيسرائيل - كورد»، التي تسعى من خلال حملة صحفية موسعة لتشجيع اليهود الأكراد على العودة إلى إقليم كردستان، وشهدت أربيل لأول مرة إحياء ذكرى تعرض 100 عراقي يهودي لمذبحة في عام 1941م، وذلك بحضور مسؤولين وأكراد من الديانة اليهودية، وبهذه المناسبة نصبت حكومة كردستان رسمياً ممثلاً للطائفة اليهودية في وزارة الشؤون الدينية في هذه المنطقة ذات الغالبية المسلمة.

ونص قانون حماية الأقليات الذي تم التصويت عليه في مايو أنه «حتى إن وجد شخص واحد فقط من أي ديانة كانت، فإن حقوقه ستتم حمايتها»، وفق ما صرح شيرزاد عمر مامساني، ممثل اليهود في وزارة الشؤون الدينية، وأضاف أن الموكب الذي نظم مؤخراً في أربيل يأتي إحياء لذكرى مذبحة شهدتها بغداد في الأول والثاني من يونيو 1941م عرفت باسم «فرهود»؛ حيث قُتل 100 يهودي حين هاجمت جموع ونهبت منازل يهود في بغداد.

وقال «زاك هوف»، الباحث الأمريكي المقيم في «إسرائيل»: هناك نحو 200 ألف كردي يهودي يعيشون في «إسرائيل»، ويرغبون في التواصل مع جذورهم في كردستان، حتى إن كانوا من الجيل الثاني أو الثالث في «إسرائيل».

ولا يوجد كنيس يهودي في كردستان، لكن ممثل اليهود في وزارة الشؤون الدينية أعرب عن الأمل في أن تتغير الأمور سريعاً.

سياسة محيط

وضع جهاز الاستخبارات «الإسرائيلي» (الموساد) ما عرف باسم «سياسة محيط» في الشرق الأوسط من أجل إقامة علاقات مع الأقليات العرقية والدينية في المنطقة من أجل كسر الحصار العربي والعزل الذي تعانيه «إسرائيل»؛ وبالتالي عززت «إسرائيل» علاقات وثيقة مع بعض الموارنة والدروز والأقباط، وشاه إيران وقادة الجماعات الكردية، وفقاً لـ «مايكل جونتر»، وهو عالم أمريكي مختص في المسألة الكردية، وكان «د. كاميران بدر خان» أداة فعالة جداً في تنفيذ هذه السياسة فيما يتعلق بالعرب والأكراد.

ففي عام 1934م وصل «روبين»، أحد عملاء الوكالة، إلى العراق في مهمة سرية، وقدم نفسه على مدى ثلاث سنوات متتالية على أنه أستاذ مدرسة وصحفي يعمل بدوام جزئي، وعلى هذا الأساس تجول في مختلف مناطق العراق، وأقام علاقات واسعة مع الكرد وسائر الأقليات غير العربية، بحجة تجميع المواد الضرورية لكتابة مقالات مزعومة لم تنشر أبداً.

وفي أكتوبر عام 1942م قام «مائير مريدور» بزيارة كردستان موفداً من قبل «الموساد» للهجرة الثانية (الشعبة السياسية للوكالة اليهودية)، للعمل مع اليهودي الآخر «أنزو سيريني» على إنشاء وحدات دفاع ذاتية في الأحياء اليهودية في العراق لمواجهة هجمات العراقيين، خاصة بعد أحداث ما يسمى بـ «الفرهود» عام 1941م، التي قتل فيها العشرات من يهود بغداد في أعقاب فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني.

 وأفاد في تقريره أن علاقات اليهود بجيرانهم في كردستان بصورة عامة جيدة، غير أن العراقيين كانوا يقومون دائماً بمحاولات لإذكاء الخلافات والصراعات بينهم، وكتب «مريدور» يقول: لقد أصبح وضع اليهود الأمني في تلك المنطقة سيئاً جراء قيام العراقيين بتحريض الأكراد، ويمتنع يهود سندور في الآونة الأخيرة عن التوجه إلى الحقول لحراسة كرومهم؛ خشية توريط أنفسهم فيما لا تحمد عقباه.

جالية صهيونية

 وكان يهود قرية سندور (القرية اليهودية الوحيدة في كردستان العراق) قد تعرضوا إلى حادثة قتل لعدد منهم على يد بعض وجهاء قبيلة الدوسكي الكردية لأسباب عشائرية في شهر فبراير 1942م، وقد أشارت الصحافة اليهودية في فلسطين إلى هذه الحادثة التي جرت لهؤلاء اليهود.

ويضيف «مريدور» في تقريره قائلاً: تسكن مدينة أربيل أغلبية كردية ساحقة، والأكراد هم عناصر متمردة باحثة عن الحرية، والأكراد يتميزون في مظهرهم الخارجي بملابسهم الملونة، ومظهرهم الجسماني الممتلئ بالقوة بعكس العراقيين، وكذلك اليهود الذين يسكنون تلك المدينة يبدون أصحاء، ورئيس الجالية اليهودية يتكلم العبرية وقد زاره ميجر (رائد) إنجليزي، وسأله حول موقف الجالية اليهودية تجاه الصهيونية، فقال رئيس الجالية: إن كل يهودي صهيوني، وإن أعضاء جاليته هم أيضاً كذلك.

في عام 1946م أرسلت الوكالة اليهودية اثنين من أعضاء شبكتها السياسية إلى العراق «موريس فيشر»، «يهودا هيلمان» لتجنيد الكرد والآشوريين (المسيحيين النساطرة) ضد العرب، وفي أعقاب الزيارة التي قام بها الاثنان إلى كردستان العراق، كتبت الوكالة اليهودية إلى اللجنة الأمريكية – البريطانية لدراسة مشكلة فلسطين (أرض «إسرائيل»): يكفي أن نشير إلى المصير الذي آل إليه الأكراد والآشوريون في العراق (فشل حركات بارزان في الأعوام 1932، 1943، 1945م، وحركة الآثوريين عام 1933م)، كي ندرك مدى ضعف فرص قيام أي نظام عربي بالتعامل بروحية حكم ذاتي فيدرالي، ووفقاً لمبادئ مع أقلية ذات طابع سياسي وحضاري مختلف عن حضارته.

عرَّاب العلاقات الكردية اليهودية

وكان عرَّاب العلاقات الكردية اليهودية ومن ثم «الإسرائيلية» هو كاميران بن أمين عالي بن بدرخان باشا، وهو سليل عائلة كردية أرستقراطية من سلالة أمراء بوتان الذين حكموا أجزاء من كردستان العثمانية لأكثر من قرنين ابتداء من القرن الثامن عشر وإلى نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر.

ولد كاميران أمين عالي بدرخان في مدينة إسطنبول عام 1895م, درس الابتدائية والمتوسطة في إسطنبول, ودخل فرع الحقوق في الجامعة السلطانية، وبعد تخرجه في كلية الحقوق عام 1912م التي صادفت حروب البلقان اختار السلك العسكري بإرادته، عمل بعدها في مطلع شبابه كمرشد ومترجم لأشهر خبير بريطاني في الشؤون الكردية، وهو الرائد «إدوارد. س. نوئيل» الذي تسببت بعثته إلى كردستان العثمانية في شهر أبريل 1919م في إغاظة السلطات العثمانية إلى درجة دفعت لندن إلى استدعائه.

هاجر كاميران بعدها إلى ألمانيا بعد صدور حكم الإعدام بحقه، وهناك دخل كلية الحقوق (الدراسات العليا) في جامعة لايبزج وبقي حتى نال شهادة دكتوراه في الحقوق، وبعد أن أنهى دراسته عاد إلى دمشق, وأثناء انتفاضة آكري عام 1930م ضد النظام التركي الأتاتوركي دخل إلى تركيا سراً برفقة شقيقه جلادت للاشتراك فيها، وبعد فشل الانتفاضة حكمت تركيا عليه بالإعدام؛ لذا استقر في بيروت منذ عام 1930م وتنقل بينها وبين دمشق حتى عام 1947م، وكانت سورية ولبنان خاضعتين للانتداب الفرنسي في تلك الحقبة.

كان «روجيه ليسكو» ضابطاً في الاستخبارات أوفدته الحكومة الفرنسية إلى مصر بصفة رجل سياسي، وهو الذي سعى لدى حكومته للحصول على موافقة للدكتور كاميران عالي بدرخان للعمل في فرنسا، وكان يمارس في تلك الفترة مهنة المحاماة، وكان يعتقد أن العمل في فرنسا سيفيد في دعم القضية الكردية، وفكر في اتخاذ باريس مركزاً لهذا العمل.

في عام 1947م سافر كاميران بدرخان إلى فرنسا وأصبح مسؤولاً عن معهد البحوث الكردية، وفي عام 1948م توجه إلى أمريكا وقدم مذكرة باسم الشعب الكردي للسكرتير العام للأمم المتحدة بشأن القضية الكردية.

وخلال وجوده في فرنسا وممارسته لمهنة التدريس في جامعة السوربون قسم اللغات الشرقية، أقام علاقات متينة بالمسؤولين والمفكرين والسياسيين الفرنسيين، ونال منهم الحب والتقدير وخاصة من المقدم الفرنسي «بيير روندو»، مدير معهد الدراسات الإسلامية العليا في باريس، وابنه «فيليب روندو»، وفي أثناء إقامته في فرنسا كان بصفة رسول للقضية الكردية، ونظم كثيراً من الندوات حول هذه القضية، ثم تزوج عام 1954م من السيدة «ناتاليا دوستوفسكي» البولونية الأصل، ولم يرزق من زوجته أولاداً حسب طلبه.

يأتي د. كاميران بدرخان في مقدمة الشخصيات الوطنية الكردية التي مارست دوراً بارزاً في رفع اسم الكرد عالياً في الندوات والمحافل الدولية، وتعريف الرأي العام الأوروبي بالقضية الكردية، كما كان له دور شخصي كبير في تأسيس «المعهد الكردي» في باريس، ثاني أكبر صرح ثقافي أجنبي في العاصمة الفرنسية، بعد معهد العالم العربي.

الهروب إلى ألمانيا

وفي عام 1919م رافق الأمير كاميران بن أمين أخاه جلادت، وأكرم جميل باشا، وفائق توفيق؛ رافقوا الميجر «نوئيل» الإنجليزي في رحلتهم إلى كردستان للوقوف على مطالب الشعب الكردي، وما إذا كان الكرد قادرين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وتقديم مطالب الكرد لمؤتمر الصلح في باريس قبيل التوقيع على معاهدة «سيفر» عام 1920م.

وفي هذه الفترة استولى مصطفى كمال أتاتورك على السلطة في تركيا، فأصدر قراراً باعتقال قادة الكرد؛ وكان من الطبيعي أن تكون عائلة بدرخان على رأس القائمة، وعندما وصل الخبر إلى أفراد هذه العائلة، توجه كاميران وإخوته إلى ألمانيا لمتابعة تحصيلهم العلمي، واستقر في مدينة لايبزج الألمانية لاستكمال دراسته العليا؛ حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق، وبعد أن أنهى دراسته عاد إلى المنطقة واستقر في بيروت، وانضم إلى جمعية «خويبون – الاستقلال»، وتحولت داره إلى مركز لتجمع الكرد في لبنان، وفي بيروت كان يساعد أخاه جلادت في إصدار مجلة «هاوار»، ومجلة «روناهي» في دمشق، ثم أصدر صحيفتين كرديتين «روژا نو» الأسبوعية بالكردية والفرنسية، وكذلك «ستير» الشهرية بالكردية فقط.

وكان الأمير كاميران أول كردي ترجم القرآن الكريم والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة إلى الكردية بالأحرف اللاتينية، وعمل لفترة من الوقت مذيعاً في القسم الكردي بإذاعة «الشرق» الفرنسية في لبنان، وهو من افتتح أول مدرسة كردية في بيروت في حي زقاق البلاط للمهجرين الكرد، وكان يشرف على المدرسة ويعلم فيها وينفق عليها من ماله الخاص.>

الرابط المختصر :