; أزمة الضمير الإنسانى.. في أحداث باكستان الشرقية | مجلة المجتمع

العنوان أزمة الضمير الإنسانى.. في أحداث باكستان الشرقية

الكاتب مولانا: متين هاشم

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أغسطس-1971

مشاهدات 46

نشر في العدد 73

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 17-أغسطس-1971

أزمة الضمير الإنسانى..

في أحداث باكستان الشرقية

مولانا: متين هاشم

رئيس جمعية اللاجئين بباكستان الشرقية

 

ثاکر غاؤن:

قصبة تتبع مديرية «ديناجبور» يسكن فيها حوالي تسعة آلاف نفر من غير البنغاليين، ما نجا منهم إلا ثلاثة عشر نفرًا فقط، وأنكى من ذلك وأمَرُّ أن الذين نجوا من الموت لم ينجوا إلا إذا تظاهروا بأنهم هندوس «وليسوا بمسلمين» وارتَدَوا اللباس الهندوسي، ووشموا شعار الهندوس على جبينهم، ولو بدا للبنغاليين أنهم مسلمون وبهاريون «أي من المهاجرين من منطقة بهار الهندية» وينتمون إلى الأمة الإسلامية، يؤدون الشهادة، ويقيمون الصلاة لَمَا تركوهم أحياء أبدًا.

وفي هذه القصبة تابع ضابط من الجيش برتبة الميجور وكان بنجابيًّا يقاوم مع زوجته العصاة والمهاجمين ۷۲ ساعة باستمرار، ثم نَفِدَ ما كان لديه من الذخيرة.

وقبضوا عليه وعلى زوجته وقتلوهما شر قِتلة ووضعوهما في ركشا «مركب نقل له رواج كبير في باكستان» وعرضوا جثتهما العارية على البنغاليين في القصبة؛ ليتفرجوا عليها، ويشفوا بها غليلهم، وتكبدت هذه القصبة الصغيرة خسائر مالية كبيرة على أيدي العنصريين، قدرت بما يساوي مائة وثلاثين مليون روبية باكستانية.

بونجا کره:

هذه القصبة كذلك تابعة لمديرية «دينجابور» ويسكنها حوالي خمسة آلاف من غير البنغاليين، فقتلوا عن آخرهم، ويقال نجا منهم خمسة وعشرون نفرًا، منهم أربعة رجال، والباقون أطفال ونساء، وفي هذه القصبة أيضًا حدثت عمليات شنيعة لخطف الفتيات وانتهاك حرماتهن، أما الفتيات الشابات الجميلات فأرسلوهن إلى الهند، وقدرت الخسائر المالية في هذه القصبة بنصف مليون روبية.

ضواحي دينجابور:

وفي ضواحي مدينة دينجابور تقع قرى كبيرة، وأحياء مزدحمة لغير البنغاليين، وأكبرها مساحة وأعظمها شأنًا قرية «شتاب كنج» بها مصانع للسكر؛ ولذلك كان يسكنها العمال البارعون من غير البنغاليين قبل تأسیس باکستان، كما أن الحكومات التي توالت في هذا الإقليم منحت لغير البنغالبين قطاعات كبيرة من الأراضي للزراعة، فجعلوها قابلة للزراعة بعد جهد جهيد وسعي دائب؛ الأمر الذي دفع اللاجئين إلى أن يتخذوا هذه القرية مأوى لهم، ولكن هذه القرية التي كانت تحتوي على أكثر من سبعة آلاف نفر؛ تحولت إلى مقبرة رهيبة بين أواخر شهر مارس وأوائل شهر إبريل، وترى اليوم قرية شتاب كنج يسودها الصمت الهائل.

كما ترى في الوقت نفسه، مائة وخمسين نسمة من النساء الأيامى والأطفال اليتامى يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء؛ لعلهم ينتظرون الآباء والأزواج، وتتصل بشتاب كنج قرية أخرى اسمها «هير كنج».

كان يسكنها سبعمائة نفـرٍ من المزارعين غير البنغاليين، استشهدوا عن آخرهم ما عدا أربعة شيوخ مُتَفانِينَ وثلاثة أولاد صغار، وأوقف المجرمون رجال القرية في أحد ميادينها قبل أن يقتلوهم، ثم أخذوا زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، وجردوهن من اللباس، وساروا بهن عاريات في الشوارع.

وجاءوا بهن في نفس الميدان؛ ثم انتهكوا حرماتهن أمام آبائهن وأزواجهن وإخوتهم، ثم قتلوا الرجال قبل أن يقتلوا النساء، ونفس الأسلوب اتبعوه في كل قرية من قری «مانك كنج» و«بير كنج» و«شيب كنج» وهذه القرى التي كانت تضم عشرة آلاف من السكان من اللاجئين والبنجابيين أبیدت بأسرها واستشهد من فيها، ولحقت بها الخسائر الكبيرة في الأموال قدرت بعشرين مليون روبية.

لماذا؟

لماذا تتفجر إنسانية الأمريكان، والإنجليز، والروس، وصحافة العبودية والإفك.. ويستيقظ ضمير اليمين واليسار، ويبكي الجميع ويقيمون مأتمًا، ويشتمون الباكستان، ويقطعون عنها المعونات، ويهددونها بحاضر متعب ومستقبل مظلم؟ لأنها آمنت بوحدة أراضيها، واستعملت حقها المشروع في إحباط مؤامرات الانفصاليين العنصريين.

ولماذا ينضم «الأهرام» إلى هذا التحامل السافر على الباكستان، ويبكي على مجيب الرحمن مع المتباكين؟

لماذا يفعل هؤلاء كل ذلك؟

هل هي الرقة الإنسانية ويقظة الضمير؟ بالتأكيد..لا.. ذلك أن هذا الضمير تَحَجَّرَ.. والمشاعر الإنسانية تجمدت، إزاء المذابح المفجعة التي أقامها الانفصاليون، واستعملوا فيها كل وسيلة تمتهن كرامة الإنسان وحقه وحرمته.

أم أن الدماء التي أراقها الانفصاليون رخيصة، ولا تستحق رأفة ضمير، ولا دمعة عين؟

إن ما فعله العصاة الانفصاليون في باكستان الشرقية شيء بشع.. بشع! ولئن تواطأت أجهزة الإعلام العالمية على التحيز للانفصاليين والحَنَق على باكستان؛ فإن الوجه الآخر من المأساة لا بد أن يوضح! للعالم الإسلامي على الأقل..

وفي العدد الماضي، نشرت المجتمع جزءًا من هذا التحقيق الخطير.. وفي هذا العدد ننشر بقيته .

جور كائي، وفول باري، وهلي :

هذه المناطق كذلك تقع في مديرية دينجابور، وكان يسكنها أكثر من خمسة آلاف من الزراع والتجار وأصحاب المصانع، فقتلوا جميعهم ما عدا بضعًا من النساء والأطفال، وطبقت في هذه المناطق أساليب بشعة من الهمجية والوحشية والفتك من قبل رجال حزب عوامي، ورجال كتائب البنادق الشرقية الباكستانية، منها -مثلًا- زَجُّوا بجماعة من الناس في أحد الأبنية، وأغلقوا على وجوههم الأبواب بحجة المحافظة على أرواحهم، ولم يعطوهم شيئًا من الماء والطعام لغاية أسبوع كامل.

وفي النهاية رشوا عليهم البنزين، وأشعلوا فيهم النيران، وهكذا حرقوهم وهم أحياء، كما صبوا في أفواه بعضهم البنزين، وألهبوا النار؛ فطارت بهذه الطريقة جماجمهم في الفضاء، وتحولت المنطقة إلى جحيم من النار، والخسائر المالية فيها تجاوزت عشرين مليونًا.

باكسي:

باكسي محطة رئيسية للسكة الحديدية في شمال بنغال، ومعظم سكانها كانوا من عمال السكة الحديدية، وكانوا من غير البنغاليين.. الذين استوطنوها بعد هجرتهم من الهند علم ١٩٤٧م، ولاقوا متاعب جمة وظروفًا قاسية في تمشية السكة الحديدية؛ حيث إنهم كانوا يحملون معهم أولادهم الصغار خلال الدوام، ويضعونهم في القاطرات؛ ليواصلوا ليلهم بنهارهم في تصليح السكة الحديدية وتمشيتها، وها قد نالوا جزاء كفاحهم من إخوانهم البنغاليين أن هجموا عليهم بالأسلحة الفتاكة من أواخر شهر مارس إلى أوائل شهر إبريل، ودمروا المدينة بأسرها، كما أنهم جمعوا آلافًا من الناس في فناءٍ لإحدى المدارس، وجردوهم من السلاح بعد أن أعطوهم وعودًا قاطعة بالمحافظة على أنفسهم؛ ثم جاء هؤلاء القوم يشنون عليهم الهجوم بمساعدة من قوات كتائب البنادق الشرقية، وقوات فرقة بنغال الشرقية؛ حتى لم ينج من هذه القرية التي كان سكانها يبلغون ألفين إلا خمسة عشر رجلًا، ومجموعة من النساء صرن أيَامى، وإن الأمهات الباكستانيات شاهدن بأم أعینهن؛ كيف قُطعت أفلاذ أكبـادهن -إربًا إربًا- أمامهن، وبلغت الخسائر المالية فيها ما يساوي نصف مليون روبية.

درشنا :

قرية من قرى الخطوط الأمامية في مديرية «كشتيا» كان يسكنها خمسة آلاف من اللاجئين؛ معظمهم كانوا يشتغلون في مصانع السكر، وفي أيام المجازر جاء هذه القريةَ قطارٌ خاص من الهنـد غاصٌّ بالمتسللين والعصاة، الذين شنوا الهجوم على هذه القرية ودمروها تدميرًا؛ إلى أن لم يبق لها عين ولا أثر، اللهم إلا إمام للجامع ومؤذن هما اللذان أنقذهما الله من أيديهم؛ ليكونا عبرة للمعتبرين.

لال منيرهات، وبونا بارة :

هذه المناطق تقع في مديرية «رنكبور» أما «لال منيرهات» فكان يعيش فيها قرابة خمسة وعشرين من اللاجئين، ومن أهالي باکستان الغربية، وتوالت عليها الهجمات تلو الهجمات من العصاة، وأحرقوا منها خمسمائة بيتٍ، إلا أن الخسائر في الأرواح كانت قليلة؛ لأن فيها مطارًا، وبادر إليهـا الجيش الباكستاني بالطائرات الحربية بسرعة هائلة، وسيطر على الموقف.

وكذلك «بونا بارة» لم تحصل فيها خسائر في الأرواح والأنفس إلا قليلًا، إلا أن سكانها غير البنغاليين -وعددهم خمسمائة نفر- نالوا تدميرًا كاملًا من الناحية الاقتصـادية، وبلغت الخسائر المالية مجموعها ما قدر بمليون روبية باكستانية.

رنكبور:

استمرت القلاقل والمجازر وأعمــال النهب والسلب حوالي أربع ساعات، تحت إشراف حاكم «رنكبور» وحطم فيها من كان لا ينتمي إلى العنصر البنغالي من الناحية الاقتصادية؛ لأن جميع المحلات التجارية لغير البنغاليين تعرضت لأعمال السلب والنهب، وقدروا ما حدث فيها من الخسائر المالية بما يساوي خمسين مليون روبية.

فلفا ماري وضواحيها:

منطقة تابعة لمديرية «فلفا ماري» تقع في ضواحيها قرى «دومر» و«جيلابائي» و«سالادانكة» يعيش فيها حوالي خمسة آلاف لاجئ؛ ممن يمتهنون الزراعة والتجارة، وقتل نصفهم، وفي سالادانكة جاءت كتائب البنادق الشرقية، ورجال الشرطة، والعصاة، ورجال حزب عوامي، ودفنوا معظم أهلها في الحفائر؛ وهم أحياء، وقدرت الخسائر المالية بما يساوي نصف مليون روبية.

بوغرا:

وصلت قوات الجيش الباكستاني هذه المدينة فى أوانها؛ ولذلك أنجاها الله من مخالب الهمجيين ومع ذلك قتل فيها ستة عشر نفرًا، وأحرق من بيوتها خمسون بیتًا.

ولبنك دولة باكستان فيها فرع نهبوه، وبعثوا الأسلاب إلى الهند.

جوا دنكة:

هذه المدينة كانت مقرًا لقيادة «بنغالة ديش الحرة» فالسؤال عن نجاة أيٍّ غيرِ بنغالي فيها من أيدي البنغاليين غير وارد.

کشتيا :

علمت أن هذه المدينة كذلك أنقذها الله من المصير المحتوم، بفضل مبادرة الجيش الباكستاني إليها، ولكن مع ذلك استشهد فيها أكثر من مائة نفر، كما تكبدت المدينة خسائر مالية باهظة تجاوزت الملايين.

جهان جهان بارة:

قرية في ضاحية مدينة جيسور، استشهد فيها سبعة آلاف من غير البنغاليين، وتكبدت خسائر مالية باهظة قدرت بما يساوي خمسين مليون روبية.

سید بور:

مقر وحيد للاجئين في مديرية «رنكبور» هجم عليها حوالي ستمائة ألف نفر من العصاة المدججين بالأسلحة في يومي ٢٣ و ٢٤ من شهر مارس، إلا أن السكان قاوموهم ببطولات نادرة، وفي خلال هذه المدة وصلت قوات الجيش الباكستاني؛ ولذلك لم يتمكن المهاجمون من أن يفعلوا شيئًا سوى عمليات الإحراق والتدمير، واستشهد خلال المقاومة أحد عشر نفرًا، وجرح أربعون نفرًا، والخسائر المالية قدرت بما يساوي خمسة ملايين، ولما وصلت قوات الجيش الباكستاني لاذ العصاة بالفرار.

خلنا:

«خالص بور» و«دولت بور» منطقتان صناعيتان في مديرية «خلنا» فيهما مصانع للجوت والورق؛ ولذلك يسكن فيهما عدد كبير من غير البنغاليين، واكفَهَرَّ الجو فيهما في 25 من شهر مارس، وبدأ غير البنغاليين يغادرونها إلى مناطق مأمونة، إلا أن البنغاليين المحليين فيهما كانوا يؤكدون عليهم مقسمين بالله؛ بأنهم إخوان لهم، وسيدافعون عن أنفسهم وأموالهم قدر المستطاع، بشرط ألا يخرجوا من حدود المصانع، فاقتنع المسلمون بقول هؤلاء المنافقين، وبقوا معتصمين داخل منطقة المصانع، إلا أنه لما حل يوم ٢٨ من شهر مارس فوجئ المسلمون بهجوم عنيف من نفس البنغاليين ومن عصابات العصاة، وأنشأ العصاة البنغاليون مراكز لأجل السفاح مع الفتيات، ونصبوا مشانق لإعدام المسلمين، وإليكم ما جرى فيها من المجازر والأعمال الشنيعة على لسان إحدى المدرسات في «مدرسة قائدملت الثانوية للبنات»:

«أحرق العصاة مستودعات مصانع كريسنتا، وسيطر على الباب الرئيسي للمصنع رجال كتائب البنادق الشرقية، وشرعوا في قصف المصانع، وإن الجدران الخلفية للمصانع يجري وراءها النهر؛ ولذلك لم يتمكن أحد من الهرب منها، ولما انتهوا من قتل الرجال.. ساقوا النساء إلى فيلا ضابط الجمرك؛ حيث خصصوا فيها ثلاث غرف للسفاح معهن، كما أنشأوا فيها ثلاثة مشانق: واحد للأطفال الصغار، وثانٍ للنساء المُسِنَّات، وثالث للفتيات المنكوبات، فكانوا يُسلمون فتاة واحدة لعشرة رجال، وهؤلاء الهمج كانوا ينتهكون حرماتهن في نشوة من الانتصار، وفي حالة السُكر، ثم يقتلونهن رميًا بالرصاص».

وترى اليوم «خالص بور» تحولت إلى أطلال وخرائب، ولا تجد فيها إلا معالم سوداء من الشباب الذي أضيع، ومن الحياة التي قضى عليها، وإذا زرت هذه المدينة فتستطيع أن تشاهد بأم عينك الأساور المكسرة، والسواري الملطخة بالدماء، وملابس الأطفال الصغار وأحـذيتهم الصغيرة، وفي منطقة خالص بور وحدها نال خمسة آلاف لاجئ الشهـادة، وتكبدت المنطقة خسائر مالية قدرت بما يساوي ثلاثين مليونًا.

راجشاهي:

حصلت اشتباكات عنيفة بين العصاة وبين قوات الجيش الباكستاني، إلا أن العصاة لاذوا بالفرار في آخر الأمر، ولكن الجبناء انتقموا لهزيمتهم النكراء من الناطقين بلغة الأردو العزل الأبرياء؛ حيث إنهـم قتلوا عديدًا من الأساتذة والطلبة في هذه المدينة دون هوادة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 11

48

الثلاثاء 26-مايو-1970

صحافة 11

نشر في العدد 44

73

الثلاثاء 19-يناير-1971

مع القراء (44)