; أقبلَ.. فهيا نُقْبِل | مجلة المجتمع

العنوان أقبلَ.. فهيا نُقْبِل

الكاتب أ. د. سمير يونس

تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010

مشاهدات 42

نشر في العدد 1915

نشر في الصفحة 40

السبت 14-أغسطس-2010

مرت الشهور والأسابيع، والأيام والساعات والدقائق والثواني.. وسرعان ما انتهى العام، أقبل رمضان المعظم علينا ضيفًا عزيزًا كريمًا.. أقبل ونحن غافلون، غير مستعدين لاستقباله، أثقلتنا الدنيا، فاثاقلنا إلى الأرض، وأعيتنا الذنوب والآثام فتمادينا في طريقنا المظلم من نفق المعاصي والغرور، فما أحوجنا إلى أن نعود إلى طريق الله المنير، ما أحوجنا إلى أن نقترب من الله الرحمن الرحيم الغفور، أما أن لنا أن نعود ونقترب؟! أما آن لهذه القلوب التي قست وتحجرت أن تخشع لذكر الله وترق؟! أما أن للعين أن تذرف دموعها؟! أما أن للسان أن يسبح بذكر ربه؟ أما أن للتائهين أن يهتدوا؟! أما أن لأهل الظلام أن يقبلوا على طريق النور؟! أما أن للجوارح أن تستغفر وتكف عن الآثام؟! أما آن للسان أن يقلع عن الغيبة وسب عباد الله وقذفهم؟! أما أن لأهل الهوى أن يعقلوا؟! أما أن لأصحاب النزوات والشهوات أن يقلعوا؟! 

مع إقبال شهر رمضان الكريم ظللت أفكر في نفسي وبني جلدتي وأتساءل: هل يمكن أن نفوز؟ هل يمكن أن نقتنص الفرصة فلربما لا تعود؟! ومن يدري هل سيبلغنا الله رمضان بعد ذلك أم سينتهي الأجل فلا نملك الفرصة؟! وبينما أنا في حيرة من أمري إذا بي أقول في نفسي: نعم.. نعم.. يمكن اقتناص الفرصة.. نعم إن ربي لغفور ودود، إن ربي يفرح بتوبتي كما بشرني حبيبيﷺ.. نعم إن ربي نهائي عن اليأس والقنوط، وأخبرني بأنه يغفر الذنوب جميعًا، فقال سبحانه:﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾ (الزمر: 53).

إن الإنسان منا في حياته الدنيا كمن يسير في طريق صعبة وشاقة، ويحتاج فيه إلى الزاد كي يصل إلى مراده وغايته العظمى ألا وهي الجنة، إنه يحتاج إلى زاد الإيمان، وكلما نقص الزاد تزود المسافر في طريقه، وإلا هلك بسبب فقدان الزاد فلابد من تجديد الإيمان وتزويده، لأنه يزيد وينقص، فقد أخبرنا الله عز وجل بحقيقة زيادة الإيمان بقوله تعالى:﴿وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا﴾ (الأحزاب: 22).

إذن، فمع اقتراب رمضان نحن في حاجة إلى أن نتقرب إلى الله تعالى طلبًا للزاد، فكيف نتقرب ونجدد زاد الإيمان؟

الخطوة الأولى: إحسان النية

الأعمال بالنيات، فأصلح نيتك، واعقد النية على الإكثار من الخيرات والنفحات، فإذا قضي الأجل قبل حلول شهر رمضان كتب الله لك الأجر، وإن كتب الله لك الحياة قبلت أعمالك، لأن جناحي قبول العمل هما : النية وصحة العمل.

الخطوة الثانية: التوبة

فما أحوجنا إلى كف اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب، وليقاوم اللسان آفاته ولتصم ألسنتنا عن التافة من القول واللغو والكلام الذي ليس من ورائه فائدة ولتقلع ألسنتنا عن كلمات النفاق والفحش والبذاءات.

ولنتب جميعًا عن تضييع الوقت أمام التلفاز والفضائيات لنشاهد التهريج ونسمعه. 

ولا تجلس شارد الذهن دون أن تشغل نفسك بذكر أو تسبيح أو استغفار، فلا تضيع لحظة من عمرك لأنه رأسمالك، فهل يعقل أن نضيع رأس المال ثم ننتظر ربحًا؟! 

وليست التوبة المقصودة هنا هي توبة الجوارح فحسب، بل إن معصية الجوارح أخف بكثير من معصية القلب، فآدم كانت معصيته معصية جوارح، لأنه أكل من شجرة نهاه الله عن الأكل منها، وبرغم ذلك تاب الله عليه﴿فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾

 (البقرة:37) أما إبليس فقد كانت معصيته معصية قلب، وفرقٌ بين معصية الجوارح ومعصية القلب، فمعصية القلب أشد وأنكى، لقد كان الكبر هو المعصية التي ارتكبها إبليس، وتمادى في كبره، فتوعده الله بالعذاب الأليم.

إذن، لابد أن نتوب عن معصية القلب، فتعالوا نتقرب إلى الله بنبذ الكبر والحقد والغل والحسد والبغضاء والإعجاب بالنفس.

ويرتبط بذلك-أيضًا-أن تدرب القلب على أن يكون حبه لله أعظم من حبه لأي شيء، ووطن قلبك على أن يكون مشتاقًا للقاء ربه في الصلاة والدعاء والمناجاة والذكر والتسبيح والاستغفار.

الخطوة الثالثة: اشحذ عزيمتك وهمتك 

فاستعد من الآن لممارسة العبادات والطاعات، وزاحم الكبار من ذوي الإيمان العالي المتميز في تقربهم إلى الله، ودرب عزيمتك وهمتك على المثابرة والثبات والإحسان في أعمالك كلها؛ فالرياضي الذي يتدرب قبل المباراة ويحرص على رفع لياقته البدنية والفنية يتوقع له أن يفوز على العكس من الكسول الخامل المهمل، حيث يتوقع له أن يصاب بهزيمة نكراء.

اعلم أن الناس في رمضان فريقان، فريق يبارك له الجميع لأنه فاز، وفريق خاسر، لأنه لم يستثمر الفرصة وصنيعها؛ ذلك أنه شغل بالمسلسلات والبرامج، وقضى وقته في التعليق على المباريات والمسابقات التافهة في الفضائيات، وهو في غفلة أو سكرة أو غيبوبة، وسرعان ما ينتهي الشهر ويستيقظ إن هو استيقظ وقد فاته كل هذا الخير العظيم. 

لا تقنع-أخي القارئ-بالقليل من العبادات، فليس هذا مقامه؛ لأنك في شهر من أدى فيه خصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.

الخطوة الرابعة: أحسن العبادات والطاعات

درب نفسك أخي الحبيب على التصور الذهني للعبادة أو الطاعة قبل ممارستها، فهذا أدعى إلى إتقانها، وحاول دائمًا أن تتفكر في روحها وأثرها قبل تنفيذها. 

يجب أن نعيش روح العبادة ونستشعرها فعلى سبيل المثال.. إذا قمت إلى صلاتك وكبرت تكبيرة الإحرام فعش معنى«الله أكبر»، وحاول أن تتدبر هذا المعنى وتتفكر فيه، وكذلك إذا قرأ الإمام: «الحمد الله رب العالمين» تدبر معناها، وحاول أن تعيش معه بوجدانك وإحساسك بعد استماعك.. وهكذا.

الخطوة الخامسة: اعرف ذاتك

فاسأل نفسك من أنا؟ أين أنت من خلق الله؟ تفكر في ملكوت الله وخلقه ونعمائه، ثم قارن بين ذلك كله وبين ذاتك.. أين أنت من الملائكة والسماوات والجبال والبحار والأرض والكواكب، فذلك يعرفك بضعفك وحاجتك إلى الله فتستصغر قدرك أمام هذه العظمة، وتعالج غرورك وكبرك، وحينئذ ستطلب من ربك العون واللطف والعفو والعافية، ولن تتكبر على خلقه سبحانه.

الخطوة السادسة: خفف أطماعك في الدنيا وارغب فيما عند الله 

فالآخرة خير وأبقى من الدنيا، لذا يجب أن تتمهل في طلب الدنيا، فيهدأ ذهنك وقلبك، وامنح الآخرة نصيبًا أكبر من الاهتمام.

فالله عز وجل عندما دعانا لتحصيل خير الدنيا أمرنا بصيغة التريث والتمهل، والتأني، أما عندما حثنا على تحصيل خير الآخرة فأمرنا بصيغة المسارعة والمسابقة والمبادرة.

ففي الحث على تحصيل خير الدنيا قال تعالى:﴿فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾(الجمعة:10)، فكلمة﴿فَٱنتَشِرُواْ﴾توحي بالتأني.

كما قال سبحانه وتعالى:﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ﴾(الملك: 15).

فكلمة﴿فَٱمۡشُواْ﴾توحي أيضًا بالتأني والتريث.

أما عندما حثنا على تحصيل خير الآخرة فنجده سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133)، ويقول أيضًا: ﴿سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ (الحديد: ٢١).

وواضح هنا الفرق بين كلمتي﴿وَسَارِعُوٓاْ﴾ و﴿سَابِقُوٓاْ﴾ اللتين تدلان على التأني، وبين كلمتي ﴿فَٱنتَشِرُواْ﴾ و﴿فَٱمۡشُواْ﴾اللتين تدلان على التنافس والسباق.

الخطوة السابعة: تهيأ وابدأ

فالطالب المتميز الفائق يعد للامتحان قبله إعدادًا متقنًا، فليس كل من استعد أجاد الاستعداد.

ومن دعاء النبي ﷺ المأثور:«اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان».

فإذا علمنا أن النبي ﷺ لم يدع الله أن يطيل في عمره إلا في هذا الحديث، وهذا يؤكد أن شهر رمضان فرصة عظيمة، لما فيه من خير.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن كيف نستعد لشهر رمضان؟

لا يمكننا تصور استعداد لشهر رمضان دون أن نقوم بـ:

  1. تلاوة القرآن الكريم.

٢ -تدريب الجوارح على الكف عما يغضب الله، لأنه صيام الجوارح.

  1. صيام القلب، وذلك بالتوجه في كل الأعمال والأقوال لإرضاء الله تعالى فنتحرك لإرضائه، ونسكن لإرضائه، ونتكلم لإرضائه، ونسكت لإرضائه.

4- إذا كانت هناك شحناء أو بغضاء نحو أحد فلا بد من المبادرة إلى مصالحته، وذلك لتحقيق الخيرية، لقولهﷺ: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (رواه مسلم)، ثم الدعاء له بالمغفرة، حتى يدخل المسلم شهر رمضان نقي الصدر، سليم القلب، فيكون قبول العمل من الله عز وجل، وتكون المغفرة أقرب.

(*) أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 3

863

الثلاثاء 31-مارس-1970

نشر في العدد 12

41

الثلاثاء 02-يونيو-1970