; أوراق مطوية من الثورة الإرتيرية «2» | مجلة المجتمع

العنوان أوراق مطوية من الثورة الإرتيرية «2»

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1982

مشاهدات 13

نشر في العدد 584

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 24-أغسطس-1982

  • كنا نمشي 13 ساعة في اليوم في الطرق الواعرة وبين الجبال.
  • صار الجنود إلي وينادونني: دكتور.
  • وجدت في عملي الجديد فرصة لممارسة نوع من الضغط على القيادة.
  • كان الثوار يقاتلون ببسالة.
  • عبد القادر بكر حمدان.

في 30\12\1966، نقلنا جوًا إلى جدة حيث كانت باخرة الجبهة في انتظارنا، وواصلنا رحلتنا عبر شواطئ البحر الأحمر إلى السودان، واستقبلنا هناك مسؤول فرع بورتسودان صالح إياي، وساعدنا في الوصول إلى «كسلا» بالقطار، وكان في انتظارنا في «كسلا» عضو القيادة الثورية والمسؤول عن الجهاز الصحي للثورة، فنقلنا إلى الغرف المؤجرة للجنود، وبعد ساعتين من وصولنا ألقيت علينا محاضرة حول الظروف الصحية للثوار في الميدان والمهام المكلفين بها هناك، وأكد لنا المحاضر أننا أول دفعة تدخل الميدان وتؤدي واجبها في المجال الطبي، وأن هناك الكثيرين الذين ينتظروننا بفارغ الصبر للاستفادة من خبرتنا الطبية التي اكتسبناها في الدورة.

  • 30 يومًا نبحث عن الثوار

وبعد بعض الإجراءات الروتينية، اتجهنا إلى الميدان وحسب التعليمات، تولى القيادة أحد الزملاء لخبرته في الطرقات وكونه من أقدم الجنود في الساحة، كنا نمشي في اليوم 13 ساعة بين الجبال وفي الطرق الوعرة باتجاه المرتفعات، وبعد مرور أسبوعين من السير المتواصل التقينا للمرة الأولى بمجموعة من الجبهة مسلحة بأسلحة خفيفة وبقيادة أبو نمرو، فأمضينا معهم الليل، وقدمنا لهم الإسعافات الأولية، ثم اعتذر أبو نمرو من مرافقتنا إلى مكان تواجد قوات الثورة لأنه مكلف بمهمة سرية، ولم يبق أمامنا خيار سوى العودة إلى الخلف للبحث عن القوات، وصرنا نشك بما نحمله من معلومات عن حجم الثورة وانتشارها في الأراضي الإرتيرية، فقد مضى علينا ثلاثون يومًا دون أن نشاهد جنودًا مسلحين باستثناء «أبونمرو» وجماعته.

ولكن لم تمض فترة طويلة أخرى، حتى التقينا بأكثر من ألف جندي متجمعين في مكان واحد، وبعد ساعات من اللقاء تقرر أن أتبع الفصيلة التي كان يرأسها كرار عثمان، وصار الجنود يهرعون إلينا لشرح مشكلاتهم الصحية فقد كانوا يعتقدون أننا تلقينا دورة في المعاهد الطبية العالية، ولهذا صاروا ينادونني بــ «دكتور»، ويعرضون مشكلات صحية تفوق ما تعلمته إضافة إلى ندرة الأدوية، عدا أقراص علاج الملاريا وحقن البنسلين.

  • باش كاتب

أكد لي قائد الجماعة أنه لم يخترني لكوني ممرضًا لمعرفته بندرة الأدوية، بل اختارني بعد أن علم بمعرفتي للقراءة والكتابة باللغتين العربية والتجرتية، وأخبرني كيف أنه تحدى القادة جميعًا للفوز بباش كاتب عندها ندمت على الفترة التي أضعتها في دمشق لأنها ما عادت تفيدني في شيء هنا.

بعد ثلاثة أسابيع توجهت القوات إلى المرتفعات الإرتيرية حيث يتمركز العدو ويسيطر على الممرات الاستراتيجية للمدن الكبيرة، وبدأنا نعد أنفسنا للمواجهة، وكان الاتصال مع الفصائل مستمرًا، كنت أحيط بجميع التحركات لقيامي بكتابة التعليمات وإعطاء أوامر التحركات، وحضوري اجتماعات القادة لكتابة المقررات وتوزيع نشرة للقوات.

ولقد وجدت في عملي الجديد فرصة لممارسة نوع من الضغط على القيادة ومطالبًا بالسماح لي بإلقاء محاضرات عن تجاربنا في سوريا، لكن القائد عارض هذا خشية أن يقل اهتمام الجنود به لكنه وافق عندما أوضحت له أن هذه المحاضرات ستزيد من انضباط الجنود وتقوي عزيمتهم.

  • الهجوم الأول وثغرة النجاة

فجأة تعرضنا لهجوم مكثف، فقد قام العدو بتطويقنا من المنافذ جميعها، فأصدر القائد أمرًا لي مع ستة آخرين بفتح ثغرة للعبور، وتمكنا من فتح الثغرة رغم كثافة النيران، ولكن سرعان ما التفت القوات المعادية وأغلقت الثغرة مستخدمة الأسلحة الثقيلة، ولم تجد نيراننا لقلة عددنا أمام كثافة نيران العدو التي كان يطلقها في الاتجاهات كلها، واستبسلت الفصيلة ولم تلق السلاح حتى أطلقت آخر رصاصة كانت في بنادقها، واستشهد الجميع في المعركة، أما مجموعتنا التي نجحت في النجاة في الوقت المناسب وعلى رأسها قائد الجماعة فلم يكن أمامها خيار سوى مغادرة ساحة المعركة بحثًا عن بقية الفصائل لطلب نجدتهم والقيام بهجوم معاكس لإنقاذ الجرحى إن كان هناك جرحي.

  • 21 شهيدًا

وتمكنا في اليوم نفسه من الاتصال بفصيلة أخرى، وتوجهنا معها إلى مكان المعركة حيث وجدنا مقبرة جماعية لـ 21 شهيدًا تم دفنهم على عجل لإخفاء أي أثر لهم لإبعاد الشبهة عن القرية القريبة، وكانت بقية قواتنا قد سبقتنا إلى تطويق قوة العدو وأبادت مجموعات «الباندا» المشتركة في المعركة بعد أن نصبت لهم كمينًا، وتوقعنا أن تأتي قوات عدوة لنجدة «الباندا»، واكتشفنا أن ما بقي عندنا من الذخائر لا يكفي للمشاركة في معارك أخرى، فتقرر أن تسرع مجموعتنا إلى «بركا» وبرفقتنا الجرحى، لتبليغ نائب المنطقة بأحداث المعارك ومناشدته إرسال النجدات العسكرية للاستمرار في الجهاد والدفاع عن الأراضي المحررة، وهناك فاجأنا القائد بأنه لا يأمر بمواصلة المعارك، وأن ما يملكه من ذخيرة قليل لا يمكنه التصرف فيه، وذكر أنه سيتصل بقيادة الثورة لإعلامها بالتطورات، وأدركنا أنه لا جدوى من مواصلة المعارك طالما الإمدادات غير متوفرة، وأسرعنا بإرسال مجموعة صغيرة إلى القوات تحذرهم من خوض أية معركة.

  • قتالنا كان عفويًا

عند ذلك، اضطرت قواتنا للتراجع إلى الأراضي الآمنة لمقابلة نائب المنطقة الذي كان متمركزًا في قرية «عد كوكوي بيركا»، فقام القائد بتزويد القوات بما كان يملك من ذخائر وأمرهم بالعودة فورًا إلى الأراضي المحررة.

وأدركت، على ضوء الظروف المستجدة، الخطر الذي يهدد بإفناء الجنود لندرة الذخائر، وانعدام الإستراتيجية العسكرية الصحيحة، واتضح أن الارتباط بالقيادة السياسية لا يتعدى الصلة المعنوية، وبالتالي لا يمكن أن تكون لها علاقة وثيقة بالعمل العسكري.

وأدركت أيضًا، بعد المشاركة في عدة معارك، أن قتالنا كان عفويًا وانتصاراتنا لم تكن متوقعة.

  • الحقيقة القبلية

وواصلنا طريقنا المفروش بالصعاب، وقررنا الاستفادة من الفترة التي لا نستطيع فيها دخول المعارك، فوجهنا جهودنا لكسب أهل القرية إلى صفوفنا بالتوعية السياسية، وللمرة الأولى يطلب من اللجنان الشعبية أن تلتقي بالقيادات العسكرية للتفاهم حول ما يمكن الاتفاق عليه للحيلولة دون نشوب معارك بيننا وبين الإرتيريين المخدوعين والمضللين من قبل أثيوبيا، ومن خلال لقائي بالجماهير في منطقة «سراي» اتضح لي لماذا يحارب هذا الشعب إلى جانب العدو الأثيوبي، فقد كان هناك عداء تاريخي بين قبيلة الساهو وقبيلتهم، وانضمام قبيلة الساهو إلى الثورة جعل الآخرين يقفون مع أثيوبيا ليحصلوا منها على السلاح، وحاولت مع الإخوة أن نخلق جوا يبعد الشبهات، وأن تجعل من الإرتيربين صفًا واحد ضد أعدائهم.

إلا أن القيادة لم توافق على مواصلة حملة التوعية هذه، وطلبت مغادرة المنطقة على الفور، وإجراء بعض المناورات العسكرية حتى لا يعتقد العدو أن الثوار هجروا المنطقة، وأحدث هذا بعض الاضطراب ودعيت لحضور اجتماع عاجل مع قادة الفصائل حيث قرأت رسالة نائب المنطقة إليهم وفيها يشعرهم بمسؤولياتهم ويبدي قلقه لتركهم قيادة الفصائل للمستجدين، وطلب منهم التوجه الفوري إلى «بركا» وأن على الدكتور -حمدان– يقصدني- أن يكون مع القوات المتجهة إلى «بركا».

  • وأصبحت في القيادة

غادرت المنطقة وكلي حزن لتوقف برنامج التوعية، وكان حلمًا قصيرًا أمام طموحات الجنود الذين ينشدون البطولات في قتال أعداء أبائهم وأجدادهم.

وبعد أسابيع التقينا بنائب المنطقة الذي كان ينتظرنا بفارغ الصبر، وكان شديد الحرص على تجاهل محاولاتنا التوجيهية لأهل القرية، وذكر أنه لم يضعنا في المكان المناسب، وأشار إلى أننا -بعد الآن- سنحتل مكانتنا الطبيعية في القيادة، وأني -بصورة خاصة- سأرافقه باستمرار.

الرابط المختصر :