العنوان استهداف المدنيين.. وضريبة المقاومة
الكاتب أحمد عز الدين
تاريخ النشر السبت 24-يناير-2009
مشاهدات 7
نشر في العدد 1836
نشر في الصفحة 18
السبت 24-يناير-2009
لقد فرضت الحرب على الفلسطينيين ولم يكن أمامهم خيار سوى المقاومة مهما كانت التضحيات.. لأن أي خيار آخر لن يجدي
كانت المقاومة دائماً مثار إعجاب الشعوب، ونال زعماء المقاومة التقدير والتكريم حتى رفعتهم بعض الشعوب إلى درجة القديسين، وقدم شعب الجزائر مليونا ونصف المليون شهيد ، كانت دماؤهم وقودا للمقاومة ولم يقل أحد آنذاك: إن المقاومة الجزائرية تتسبب في إفناء شعبها.
- استبسل السوفييت الشيوعيون في الدفاع عن «ليننجراد»، ورفضوا تسليمها للألمان وأصبحت المدينة رمزا للبطولة والصمود واليوم يأبى المتخاذلون أن تنال غزة ومجاهدوها مثل هذا الشرف!
- كانت «فيتنام» تلفظ أنفاسها بكل ما للكلمة من معنى تحت وطأة ضربات أقوى ماكينة عسكرية لم يسبق لقوة مثلها في التاريخ أن أطلق لها العنان في مثل هذه البقعة الصغيرة، لكن «فيتنام» لم تستسلم.
- يتردد في الإعلام العربي أن «حماس» برفضها للهدنة مع الصهاينة كانت السبب المباشر للحرب التي شنها الصهاينة على «غزة»، وهي بقرارها هذا قد أوردت أهل غزة من المدنيين موارد التهلكة، ودفعت بهم إلى حرب لا طاقة لهم بها. ويذرف أصحاب هذه الأقوال دموع التماسيح على القتلى المدنيين الذين راحوا ضحية تعنت حماس وبقية المنظمات الفلسطينية، وعدم فهمها للواقع الإقليمي والدولي ويدعون أن ما قامت به «حماس» هو نوع من الانتحار الجماعي !!
وقد ينطلي مثل هذا الكلام على العامة ممن ترعبهم آلة الحرب الصهيونية، ويرون أن المقاومة ما كان لها أن تواجه هذا الطوفان وأن إيثار السلامة حفاظا على النفس أولى من الدخول في مهلكة لا مخرج منها !
بداية، لا نشك في أن الأمة بأسرها تتألم أشد الألم لما يجري لإخواننا في «غزة»، وتأسى لكل امرأة أو طفل سال دمه غدرا، وتعلم أن حرمة دم المسلم أشد عند الله من حرمة الكعبة، كما أن رابطة الإسلام والعروبة.. ورابطة الإنسانية تأبى على المسلم إلا أن يهتم بأمر إخوانه، ويتمنى لهم الخير، لكن ذلك كله لا يعني التسليم بمنطق أولئك المثبطين؛ فهم أبعد الناس عن الاهتمام بقضايا أمتهم، ولا يتحدثون إلا بلهجة الشماتة والتشفي، واختلاق الأكاذيب والدعوة للاستسلام والانهزامية، وبدل أن يملكوا الجرأة ليدينوا الجاني نراهم يلومون الضحية !!
الحروب ليست بجديدة
رافقت الحروب بين الدول كافة مراحل التاريخ الإنساني، واستأثرت بجزء كبير من صفحاته، ومثلت جزءا مهما من أحداثه وأثرت على مساراته، وقد شنت دول تري في نفسها القوة أو القدرة أو الأحقية حروبا على دول أخرى، وعانت دول آسيا وأفريقيا على وجه الخصوص من الاستعمار الغربي وناضلت شعوب وجاهدت أخرى، ونشأت حركات مقاومة وتحرر وطني في كل تلك البلدان.. ولكن لم يقل أحد مثل ما يقال اليوم عن المقاومة الفلسطينية، ولم يجرؤ أحد على التصريح بأن حياة الذل والهوان خير من ميتة الشرفاء!
فهؤلاء المثبطون لا يؤمنون أصلا بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ولكنهم لا يملكون الشجاعة على إعلان ذلك، ويتذرعون بدواعي العقل والحكمة التي تخفي وراءها نوازع الاستسلام والانبطاح!
استهداف المدنيين
حين تدلهم الخطوب وتضطرب الأحوال وتختلط الأمور يكون التاريخ ملاذا مفضلا نقلب صفحاته، ونستقي منه العبر ونقارن سيرته السالفة بحاضرنا المؤسف، وسنقلب في عجالة عددا من صفحات التاريخ كانت الحروب التقليدية تقع قديماً في ميادين القتال بعيدا عن المدنيين غير المحاربين، لكن آثارها كانت تمتد حتما إلى المدنيين، فالجيش المنتصر لا يكتفي بالقضاء على الجنود، ولكنه يجتاح المدن والقرى فيقتل الرجال غير المحاربين ويسبي النساء والأطفال والشيوخ، ويدمر البيوت ويحرق المزارع.
وفي الحروب الحديثة - وبصفة خاصة منذ الحرب العالمية الأولى ( ١٩١٤- ۱۹۱۸م) واستخدام المدفعية البعيدة المدى ثم القصف بالطائرات والصواريخ - أصبح المدنيون ميدانا مباشرا للحرب التي أخذت شكلا جديدا في أساليبها بتدخل التكنولوجيا بدرجة كبيرة في الأمور الحربية، وبعدما كانت الحروب تجري بتقابل جيشين في ساحة المعركة بعيدا عن المناطق المدنية أصبحت المدن المأهولة بالسكان ساحات للمعركة...
أصبح المدنيون نقطة الضعف الكبيرة التي تستهدف إضعاف الجبهة الداخلية للدولة المحاربة، ومع ذلك لم نسمع أن شعبا رفض مقاومة المحتل حفاظا على حياة أبنائه وشكل المدنيون غالبية الضحايا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي حرب فيتنام وفي الغزو السوفييتي لأفغانستان، وفي حرب العراق، وفي الغزو الأمريكي لأفغانستان ومثلوا في بعض الحروب ما بين ۸۰-۹۰٪ من الضحايا .
ففي الحرب العالمية الأولى تم قصف المدنيين من السماء لأول مرة في التاريخ وإبان الحرب العالمية الثانية تكبد المدنيون خسائر في الأرواح أكثر من أي حرب أخرى عبر التاريخ، ويعزى السبب في ذلك إلى القصف الجوي الكثيف على المدن والقرى الذي ابتدعه الجيش الألماني النازي، فقد ركز الألمان على قصف المدن البريطانية ما بين خريف ١٩٤٠م، وربيع ١٩٤١م، ورد الحلفاء بالمثل، ففي عام ١٩٤٢م قامت ۱۰۰۰ قاذفة قنابل بريطانية بقصف مدينة ألمانية واحدة، وعندما دخلت الولايات المتحدة الحرب في العام نفسه، كانت «بريطانيا»، و«أمريكا» تتبادلان القصف على المدن الألمانية: قصف بريطاني في الليل، يتبعه قصف أمريكي في النهار .. وفي ١٤ فبراير ١٩٤٥م، سجلت أكبر الحرائق في التاريخ على مدينة «دريسدن» وذلك بتكوين عاصفة نار إثر القصف أدت إلى مقتل مابين ۲۵،۰۰۰ ٣٥،٠٠٠ نسمة غير أن القصف على مدينة «هامبورج» في يوليو ١٩٤٣م، وعلى «طوكيو» في أغسطس ١٩٤٥م، وضرب ناجازاكي بالقنابل الذرية في 9 أغسطس ١٩٤٥م خلف ضحايا من المدنيين أكثر مما سبق.
أضف إلى ذلك المذابح التي ارتكبها الجيش الياباني بحق الشعبين الصيني والكوري؛ لقد ارتفع عدد ضحايا تلك الحرب من المدنيين إلى ثلثي القتلى البالغ عددهم ٦٠ مليون نسمة، أي أكثر من ٢ من تعداد سكان العالم في ذلك الحين فضلا عن عشرات الملايين من الجرحى والمشوهين، واعتقال الأطفال والنساء ( ولم يقل أحد مثلما قال رئيس السلطة الفلسطينية: إذا كانت المقاومة ستفني الشعب الفلسطيني فلا نريدها ) فلا قيمة لحياة الذل والهوان.
بين «غزة».. و«ليننجراد »: بعد بداية الغزو الألماني لروسيا بنحو ثلاثة شهور قامت الجيوش الألمانية بضرب حصار شديد على مدينة ليننجراد بمساعدة من القوات الفنلندية، لكن الأخيرة امتنعت عن مهاجمة المدينة، فيما أصدر «هتلر» أوامره بأن تمحى «ليننجراد» عن وجه الأرض، وقام بقطع إمدادات المؤن الغذائية والمعدات الطبية عن المدينة، حتى حصلت مجاعة في البلاد.
أدى حصار «ليننجراد» إلى موت نحو مليون مدني ٨٠٠ ألف منهم ماتوا بسبب المجاعة والحصار الذي استمر أكثر من ٥٠٠ يوم، وكان المنفذ الوحيد للمدينة هو بحيرة «لودجا» (شبيه المنفذ رفح، والتي تقع بين معسكرات الجنود الألمان والفنلنديين.
لقد قتل في الحرب ۲۷ مليون سوفييتي منهم ۲۰ مليون مدني قتلوا بسبب الغزو الألماني، وتم إحراق الكثير من المدنيين أو إعدامهم بدم بارد خلال احتلال الألمان للمدن واستبسل السوفييت الشيوعيون في الدفاع ورفضوا تسليم «ليننجراد»، وأصبحت المدينة رمزا للبطولة والصمود، واليوم يأبى المتخاذلون أن تنال غزة ومجاهدوها مثل هذا الشرف !!
الحروب الأمريكية
وقد ارتكبت الولايات المتحدة في حروبها في «فيتنام»، و«أفغانستان»، و«العراق» أهوالا تزيد عما جرى في الحرب العالمية الثانية بسبب فارق الخبرة التقنية، وإذا كانت فظائع حربي أفغانستان»، و«العراق» لم توثق بالقدر الكافي، فإننا نروي بعض ما حدث في فيتنام:
- يقول برنارد فال أحد مؤرخي حرب فيتنام إن عدد الفيتناميين الذين لقوا مصرعهم حتى عام ١٩٦٥م أكثر من ١٥٠،٠٠٠ مواطن بفعل قوة سحق الآلة العسكرية الأمريكية واستخدام الأمريكان لجميع الأسلحة؛ بما في ذلك قنابل النابالم.
في عام ١٩٦٧م حذر «فال» من أن فيتنام كوحدة تاريخية وحضارية معرضة الخطر الاندثار؛ فتلك الدولة كانت تلفظ أنفاسها بكل ما للكلمة من معنى تحت وطأة ضربات أقوى ماكينة عسكرية لم يسبق لقوة مثلها في التاريخ أن أطلق لها العنان في مثل هذه البقعة الصغيرة.. لقد ارتكب الأمريكيون مذابح مروعة، ففي مارس ١٩٦٨م قتل الجنود الأمريكان ۳۰۰ قرويا فيتناميا في مذبحة «ماي لاي»، وبالإجمال يتراوح مجموع عدد الضحايا بين ٢ إلى ٤ مليون.. لكن «فيتنام» لم تستسلم.
وفي نهاية الستينيات عمدت «أمريكا» إلى توسيع رقعة الحرب لتشمل جميع أجزاء الهند الصينية؛ وفي لاوس» أجبر الناس على العيش في قرى تحت الأرض لمدة عامين متواصلين هربا من القصف الوحشي، وأكد أكثر من ۲۰۰۰ قروي نجوا من عمليات القصف أن قراهم سويت بالأرض تماما، وبعد ذلك امتدت الحرب إلى «كمبوديا »، وحسب شهادة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق «هنري كيسنجر» فإن الرئيس نيكسون» أصدر أوامره بشن قصف شامل على «كمبوديا» يستهدف كل شيء متحرك.
العصر لم يتغير
قد يقال: إن هذا تاريخ وانتهى، وإن البشرية قد تخلصت من تلك الويلات. وهذا غير صحيح فما جرائم حرب العراق وأفغانستان منا ببعيد، كما أن الصهاينة هم ورثة أولئك الأوروبيين الذين أشعلوا نار حربين عالميتين كانتا سببا في دمار العالم مرة تلو مرة.
لقد فرضت الحرب على الفلسطينيين وليس أمامهم من خيار سوى المقاومة مهما كانت التضحيات، خاصة وأن أي خيار آخر لن يجدي سبيلا، وقد انقضى عام ٢٠٠٨م وأنهى الرئيس الأمريكي مدة حكمه دون تنفيذ شيء من وعوده بشأن الدولة الفلسطينية (التي نراها منقوصة لا تحقق آمال الشعب الفلسطيني).
وقد ارتقى في الانتفاضة الأولى (۱۹۸۷-۱۹۹۲م) ألف شهيد، وفي الثانية ( ۲۰۰۰-۲۰۰۳م) ألفان من الشهداء وجرى اجتياح «غزة»، و«الضفة» أكثر من مرة، وجرت مذابح لا تقل بشاعة عن مذبحة غزة الأخيرة، خاصة مذبحة جنين، وكان المدنيون دائما الضحية الأولى لهذه الجرائم حدث ذلك في عهد «سلطة عرفات»، وقبل أن تصل «حماس» للسلطة، ولم يوجه أحد وقتها اللوم لـ «عرفات» أو يتهمه بالتسبب في هلاك شعبه. وما نرى سبباً لهذه الحرب على «حماس» سوى توجهها الإسلامي!
وفيما يلي سرد لبعض الحروب الناجمة عن عمليات الاعتداء الخارجي وعدد ضحاياها ولن نعرض لضحايا الحروب الأهلية أو الثورات، وهي كثيرة؛ فقد قتل في الثورة السوفييتية ه ملايين شخص، وفي حملة التطهير التي قادها ستالين» ۱۳ مليونا وفي الحرب الأهلية الصينية مليونان.
| الحرب | السنة | عدد الضحايا |
حرب بلجيكا في الكونغو حرب إنجلترا في جنوب أفريقيا ( حرب البوير) الحرب الأمريكية على الفلبين الحرب الألمانية على نامبيا الحرب الروسية اليابانية حروب البلقان الحرب العالمية الأولى ثورة قرغيزيا ضد روسيا الحرب اليونانية التركية الغزو الياباني له منشوريا . غزو إيطاليا للحبشة الغزو الياباني لـه الصين الحرب العالمية الثانية الغزو الفرنسي له فيتنام تقسيم الهند وباكستان الصراع العربي الصهيوني الحرب الكورية حرب استقلال الجزائر الغزو الأمريكي لـ فيتنام حرب استقلال جنوب الفلبين الغزو السوفييتي لأفغانستان الحرب العراقية الإيرانية شعب كشمير الانتفاضة الأولى حرب تحرير الكويت حرب استقلال الشيشان الغزو الأنجلو أمريكي لأفغانستان الغزو الأمريكي للعراق | ١٨٨٦ - ١٩٠٨م ۱۸۹۹ - ۱۹۰۲م ۱۸۹۹ - ۱۹۰۲م ١٩٠٤م 1905م ۱۹۱۲ - ۱۹۱۳م 1914 - 1918م 1916م ۱۹۱۷ - ۱۹۱۹م ۱۹۳۱م ١٩٣٦ م ١٩٣٧ - ١٩٤٥ م ١٩٣٩ - ١٩٤٥ م ١٩٤٦ - ١٩٥٤ م ١٩٤٧م ١٩٤٨ - ١٩٧٣ م ١٩٥٠ - ١٩٥٣م ١٩٥٤ - ١٩٦٢م ١٩٦٤ - ١٩٧٣ م ۱۹۷۲م - إلى الآن ۱۹۷۹ - ۱۹۸۸م ۱۹۸۰ - ۱۹۸۸م ١٩٨٦م - إلى الآن ۱۹۸۷م ۱۹۹۱م ۱۹۹۱ م - إلى الآن ٢٠٠١م - إلى الآن ۲۰۰۳ م وما تبعه من أحداث
| 3ملايين شخص 100,000 ۲۰,۰۰۰ ٦٥,٠٠٠ ۱۵۰,۰۰۰ ۱۵۰,۰۰۰ ۲۰ مليون شخص ۱۲۰,۰۰۰ ٤٥,٠٠٠ ۱٫۱ مليون 200,000
500,000 ٦٠ مليون 600,000 مليون ۷۰,۰۰۰ 4ملايين ١,٥ مليون شهيد 3ملايين ۱۲۰,۰۰۰ ۱٫۳ مليون مليون 60,۰۰۰ ٤٥٠٠ ۸۵,۰۰۰ 200,000 أكثر من ٤٠,٠٠٠ 660,000
|
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل