; الأسرة - العدد 28 | مجلة المجتمع

العنوان الأسرة - العدد 28

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

مشاهدات 18

نشر في العدد 28

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

الأسرة

الفردوس الأرضي الذي تصنعه المرأة

البيت هو ذلك المسكن الذي يأوي إليه الإنسان من متاعب اليوم، ويستريح إليه الفرد من مشاكل العمل في معترك الحياة، ويلجأ إليه من عوادي الظروف والأحوال في رحاب الأسرة والأهل، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ( النحل: ٨٠)، وعن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح والمركب الهنئ.

ويقول الأستاذ الشهيد: سيد قطب -رحمه الله-: «البيت مثابة وسكن، وفي ظله تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة، ومن سماته تأخذ سماتها وطابعها، وفي جوه تتنفس وتتكيف، وكم من أحداث وقعت على مسرح المجتمع وأثرت في سير التاريخ، تكمن بواعثها الخفية في مؤثرات بيتية».

والبيت الرحب السعيد هو ذلك الفردوس الأرضي الذي تصنعه المرأة المؤمنة الصالحة، تصنعه بعقلها وقلبها وإيمانها الواعي وطهرها النقي، فيفيض عليه من هذه المعاني الجميلة عبير السعادة والهناء.

للأسرة في الإسلام قيمة عالية وتقدير كبير؛ لأنها الخلية الأولى في بناء المجتمع. وللمرأة في الإسلام مسؤولية عظمى؛ لأنها هي بانية الأسرة وعماد البيت.

ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها».

ألا فلتعلم المرأة المؤمنة الصالحة أن في عنقها أمانة غالية ومسئولية كبرى، وهي أن تكون راعية أمينة في بيتها، وأن تؤسسه على التقوى وركائز الإيمان من أول يوم، وأن تبث فيه شذى الروحانية العطرة، وتجعل كل ما فيه من مكان وأثاث ورياش وجنان مما يلهم بالخير ويرضي الرب -سبحانه وتعالى- كما يشرح الصدر بحسن التنسيق والنظافة دون تكلف أو إسراف، وما يتطلبه ذلك من تدبر واعتدال في كل أمورها المادية والمعنوية.

وأن تعتبر بفخر واعتزاز أن البيت مملكتها الصغيرة التي أعدتها لها العناية الإلهية الحكيمة، ولا يتسنى لها النجاح في هذه المهمة المقدسة وما يتبعها من مسؤوليات الأمومة والتربية إلا إذا أفرغت لهذا الشأن قلبها وعقلها، وآثرته على كل ما سواه من مهام؛ لأن ذلك جدير بكل وقتها وعنايتها وخير مؤنس لها في الحياة.

وإن على المرأة المسلمة الصالحة أن تأخذ بعين الاعتبار والثقة واليقين المتناهي قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (النساء: 34)

فإن ذلك من حكم العليم الخبير، ومن محاسن التنظيم الإسلامي للقيادة الصالحة الناجحة التي تضع كل شيء في محله اللائق به، فإن تغيير المقاييس في الحياة العصرية الحاضرة، مما يثقل كاهل المرأة المسكينة؛ لتحملها مسئوليات خارج اختصاصها وقابلياتها الإنسانية، بما يفسد في كيانها عنصر الرقة والحنان والوداعة، فيفقدها سر جمالها النفساني الذي يفئ إلى ظله الرجل كلما أحرجته الحياة، وأثقلته عوادي الزمن المنقلب.

 قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: ٢١).

 وكلمة أخيرة لربة البيت المؤمنة الصالحة التي تعبد الله -تعالى- في كل حركة من حركاتها اليومية، أقول: إن من أهم ما يمتاز به البيت المسلم هو النظافة، وأهمها نظافة القلب والجوارح، ونظافة كل أجواء البيت. قال الرسول -عليه الصلاة والسلام: «النظافة من الإيمان»، وقال: «إن الله طيب يحب الطيب ونظيف يحب النظافة» وقد جعل الله تعالى الطهارة الكاملة شرطًا لابد منه لكل صلاة خمس مرات في اليوم، فالنظافة من مظاهر الإيمان والإسلام؛ لأن النظافة هي الطريق المباشر إلى الصحة والقوة، وهما موضع اهتمام الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

ويقول الأستاذ: محمد الغزالي في كتابه خلق المسلم: إن عناية الإسلام بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية، فهو يتطلب أجسامًا تجري في عروقها دماء العافية، ويمتلئ أصحابها فتوة ونشاطًا فإن الأجسام المهزولة لا تطيق عبئًا، والأيدي المرتعشة لا تقدم خيرًا.

(بهيرة الخوجة)

 

 

زوجة بطلة

أين الموعد يا حبيب؟

كانت أيام تاريخنا أمجادًا وأعراسًا وفتوحًا حافلة، صنعها رجال ونساء أمتنا العظيمة، لقد كانوا بشرًا مثلنا، ولكنهم كانوا كأبطال الأساطير الذين يسبحون في الخيال غير المحسوس.

عاشوا في رحاب القرآن ودرسوا فيه دروس العزة والتحرر والانطلاق من ضيق الدنيا وعبادة الطواغيت، كان ترتيلهم العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْن إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(آل عمران: ١٣٩).

﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُون (الأنفال: ٦٠).

وغير ذلك من آيات العلم والأدب وآيات الفضيلة والكرامة والطهر، فآمنوا وعملوا الصالحات، ولم يقتصر هذا الإيمان الوثاب والوعي الشامل على الرجال، بل نافستهم النساء في الورود من هذا المنهل العذب الفياض بالخير والنور فالتقوا جميعًا على دروب الجهاد والفتوح.

والتاريخ يقدم لنا موقفًا ومثلًا رائعًا من مواقف المرأة المؤمنة الواعية، التي ساهمت مع الرجل في معارك الإسلام، وصنعت معه أمجاد ذلك التاريخ التليد، تلك البطلة المسلمة: أم عبد الله الكلبية -زوجة القائد العظيم حبيب بن مسلمة الفهري فاتح القفقاس- التي كانت ترافق زوجها في معارك الجهاد الإسلامي، وذات ليلة كان القائد المسلم حبيب يعد العدة لقتال الروم، وفي الصباح التفتت إليه زوجته وقالت: أين الموعد يا حبيب غدًا؟

فأجابها: في سرادق الطاغية يا أم عبد الله، أي: في مقر القائد الرومي أو في الجنة، فما أروع هذا السؤال وما أروع هذا الجواب!

وكان القتال في اليوم الثاني شديدًا استبسل فيه حبيب قائد المسلمين، وانتضت زوجته سيفها، واخترقت صفوف الجند تفرق الكتائب، حتى انتهت المعركة، فسارع القائد البطل حبيب إلى خيمة القائد الرومي، فوجد زوجته المجاهدة البارة قد سبقته إلى السرادق، فكبر وحيا في زوجته الباسلة هذه البطولة الفذة والإيمان العميق والعزة الشامخة، فاعتبروا يا أولي الألباب، وميزوا بين الأمس واليوم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

بريد الأسرة 4

نشر في العدد 4

29

الثلاثاء 07-أبريل-1970

الاحتشام سر الجمال

نشر في العدد 8

59

الثلاثاء 05-مايو-1970