الثلاثاء 30-يونيو-1970
· الامتحانات بشكلها التقليديّ ليسَت مقيَاسًا للنجاح.
· نحن وآباؤنا بين العلم والشهادات.
· نسبة النجاح في الشهادة المتوسطة ١٩٦٦– 5,87% ونسبة النجاح لسنة ١٩٧٠- ٥٥%.
· النجاح في مدارس قرية الجهراء أكثر من ٩٠% وفي قلب العاصمة في الفيحَاء 13,5%.
وانتهت الامتحانات، وظهرت النتائج، وفرح العاملون بنتائج أعمالهم، وبدأ غير الناجحين يستعدون للجولة الثانية، فالامتحان في نظر القائمين عليه ميزان أعمال يعطي كل ذي حقٍ حقه، ولا يرحم من یتوانی أو يهمل.
رجال التربية في بلادنا يعتبرون هذه الامتحانات بشكلها التقليديّ أمرًا لا بُدّ منه ومقياسًا للتلاميذ لا مفرّ من الاعتماد عليه، مع أن أساليب الامتحانات في كثيرٍ من البلدان الأوروبيَّة تطوَّرت وخرجت على الأساليب الكلاسيكيَّة، وأصبح تقويم الطالب يعتمد على مقدار ذكائه وكفاءته الحقيقيَّة، لا على مقدار ما يجمع في دماغه من محفوظاتٍ ينساها بعد الانتهاء من الامتحان مباشرة.
أساليب خاطئة:
إن الأساليب التي نتبعها في الامتحانات تقتل الموهبة عند التلاميذ وتدفعهم إلى الاستظهار، استظهار كل شيءٍ حتى الكيمياء والطبيعة، فإن لم يكونوا من القادرين على الاستظهار حاولوا الاعتماد على الغش، وسلكوا إليه كل سبيل، وتخصَّص بعضهم فيه، فصارعندنا طبقة من التلاميذ العالة على غيرهم، والذين لا يفكرون إلا في ابتكار طرق خفيفة للغش، وقد يجدون من المشرفين على مراقبتهم عينًا تفضي عمَّا ترى وتترك للتلاميذ حريَّة التعاون فيما بينهم، ظانين أن ذلك من باب الرحمة أو الشفقة وأحيانًا من باب عدم الاكتراث والتهاون في الواجب، وهم لا يعملون حسابًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: آية 2)، ولا قول رسوله: «من غشنا فليس منا»، ولا قوله أيضًا «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». فهم يفسدون الطلاب بتعويدهم
على الغش، طلبًا للأمان وكسب رضا الطلاب عنهم.
﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ (النحل: آية 25).
وبذلك يتخرَّج من مدارسنا تلاميذ جهلة لا يُعتَمَد على علمهم في شيءٍ من الأشياء، وندفع بهم إلى الحياة العامة، وقد تعودوا الغش، ونسوا الأمانة، واستمرؤوا الجهل، وسخروا من العلم والعلماء، همهم تحصيل مادة أو الوصول إلى منصب، فلا تربية صحيحة نالوا، ولا علمًا نافعًا حصَّلوا.
نماذج تحتذى:
في كلية المعلمين هذه السنة نماذج من الامتحانات تحتذى ويطمئن الإنسان إلى نتائجها السليمة وليس فيها فرصة للغش، مجموعة من المعلومات الكثيرة جدًا والشاملة لكل ما تعلَّمه التلاميذ من خلال العام الدراسيّ، منها الصحيح ومنها الخطأ، ولكنها كثيرة كثرة تشغل التلميذ عن كل شيءٍ، وما على التلميذ إلا أن يفرِّق بين ما هو خطأ وما هو صحيح منها، عملية دقيقة تعتمد على فهم الطالب واستيعابه لِمَا قرأ، وسرعة ذكائه لا على حافظته ومقدرته على «الصم».
فلماذا لا نحاول تجربة أساليب جديدة، ولا نعدم بعد التجربة أن نجد ما يصلح أن يكون مقياسًا أفضل؟
إن بعض الإجابات عن بعض الامتحانات التقليديَّة لا يمكن الحكم عليها حكمًا قطعيًّا، وقد أثبتت التجارب التي قام بها الخبراء أخطاء التقدير الذي يقرره المصححون، ذلك أن ورقة إجابة واحدة عرضت على عدة مصححين فكانت تقديراتهم متفاوتة تفاوتًا عجيبًا بين ۲۰ إلی ۹۰ من مائة والإجابة واحدة، وعرضت الورقة أيضًا على مصححٍ بعينه في فترات زمنيَّة متباعدة فأعطاها تقديرات مختلفة تتراوح بين ٤٠ إلى ٩٠ من مائة، كل هذا يثبت عدم الدقة في نتائج الامتحانات التقليديَّة.
نحن أمة أصبحنا ننظر إلى الشهادات على أنها مقاييس علم ومعرفة وبدونها لا تفتح الطريق أمام أحد، فهلا منحنا هذه الشهادات من يستحقها فقط؟ هلا تحرينا الدقة واخترنا السبيل الصحيح في منحها؟
أجدادنا علماء الدنيا
كان آباؤنا يجلسون إلى العلماء فيستمعون إليهم وينتفعون بعلمهم ويقبلون على هذا العلم رغبةً فيه وشوقًا إليه، وإذا جاءهم كتاب جديد أو عثروا عليه عند «كتبي» استنسخوه أو نسخوه بخطوطهم، وسرعان ما يقرأونه وينتقدونه ويكتبون عليه الحواشي، مدفوعين بنهمهم ورغبتهم في تحري العلـم الصحيح. وإذا سمعوا بعالمٍ في بلدٍ بعيد شدوا إليه الرحال ينشـدون الاستماع إليه والإفادة منه، ولمَّا لم يكن لهم غرض في التكسُّب من وراء هذا العلم، فلم يكن عندهم شهادات، بل كان علمهم ومعرفتهم التي يعرفون بها عند الناس هي شهادتهم، لذلك لم يسلكوا إلى العلم طريقًا ملتويًا ولم يلجأوا إلى الغش ولا تعودوه، فظلوا إلى جانب علمهم الواسع عبادًا أتقياء وعلماء عاملين، فاستفادت منهم الأمة الإسلاميَّة ورفعوا أعلامها في الشرق والغرب، وبذلك كنا علماء الدنيا وأساتذتها، أعطينا للإنسان كرامة الإنسان وأفسحنا للعلم أرفع مكان، فأين أمسنا من يومنا؟
نحن لا نطالب بأن نسير في نظم تعليمنا على نظم التعليم في ذلك العصر، وقد تعقَّدت الحياة وتعدَّدت التخصُّصات وتنوَّعت المدارس، واحتاج كل علمٍ وكل فنٍّ إلى سنين من الجهد المتواصل المنظم والكفاح المستمر الطويل، لكننا نستطيع أن ننقل التقرير السليم الصحيح للعالم حتى لا نحمل الشهادات وعقولنا من العلم خواء، وحتى لا تكون هذه الشهادات أسمى ما نصبو إليه من غايات.
وماذا عن نسب النجاح؟
والكلام عن الامتحانات ونظمها والشهادات وتقويمها ينقلنا إلى الحديث عن النتائج التي أعلنت ونسب النجاح، والتي يجب ألا تمر دون دراسة وتمحيص رغم ما قدمناه من نقدٍ لأساليب الامتحان.
بين أيدينا إحصاء عام وتحليليّ، نتيجة امتحان الشهادة المتوسطة في الدور الأوَّل لسنة ۱۹۷۰م.
ورغم أننا قرأنا في بعض الصحف بعض التفسيرات لنسب النجاح في هذه الإحصائيَّة، فإننا لا يسعنا إلا أن نضع علامات استفهام كثيرة حول نتائج هذه الامتحانات.
مع السنين:
◘ تقول هذه النتائج إن نسب النجاح في السنوات الماضية أفضل منها في هذه السنة، فهي في سنة ١٩٦٦ ٨٧,٥% وفي سنة ۱۹۷۰ ٥٥%، فهل مستوى التلاميذ في هبوطٍ؟ ولماذا؟
هل هو قصور من التلاميذ يتدرَّج مع السنين، أم قصور من المربين، أم قصور من الأنظمة والكتب والمناهج، أم قصور من أولياء الأمور أو البيئة الاجتماعيَّة؟، ألا يستحق هذا دراسة شاملة تقوم بها وزارة التربية لتضع النقاط على الحروف؟
المدارس الأهليَّة:
◘ ومن هذه الإحصائيَّة نرى أن نسب النجاح في المدارس الأهليَّة 9,82% بينما في المدارس الحكوميَّة 4,57%، والمعروف أن أفضل المدرسين ينتقون إلى المدارس الحكوميَّة، وما يتبقى منهم تأخذهم المدارس الأهليَّة، فما سبب هذا التفوق؟ وهل هذا مدعاة لأولياء الأمور الحريصين أن يأخذوا أبناءهم من مدارس الحكومة ليلحقوهم في المدارس الأهليَّة؟
البنون والبنات:
◘ وتقول هذه الإحصائيَّة: «إن نسب نجاح مدارس البنات عمومًا أعلى من نسب نجاح مدارس البنين، والأوائل العشرة منهم ثماني طالباتٍ وطالبان فقط»، فما معنى ذلك؟
قالت الصحف نقلًا عن تصريحات وزارة التربية: «إن البنات يجلسن في البيوت فلا يجدن إلا الانشغال بالقراءة، وأن البنين يخرجون إلى الشوارع ويضيّعون وقتًا طويلًا خارج البيت».
وعند هذا التفسير نقف وقفة قصيرة فنقول: ماذا يحدث لو أن الكويت شجَّعت البنات على الخروج إلى الشوارع، وفتحت لهن النوادي المختلطة، وأباحت لهن الخروج مع البنين، وجعلت الحياة الاجتماعيَّة خارج المنزل مفتوحة أمامهن، والسهر في النوادي الليليَّة مباحًا لهن، فهل يتفوق عليهن البنون أم ستتخلَّف البنات عن البنين المتخلفين؟ وماذا يحدث لو رُبِيَ البنون تربيةً أخلاقيَّة إسلاميَّة سليمة، ووُجِهوا نحو حُبّ العلم والعمل، واهتم كلٌ من له صلة بهم بتنظيم وقتهم ورعايتهم رعاية سليمة، واهتمت الدولة بإصلاح كل ما يعوقهم عن الجد والاجتهاد، وأبعدت عنهم كل ما يجرهم إلى اللهو والعبث والاستهتار؟ فهل ستتخلَّف البنات عنهم حينئذ، أم سيتفوقون على البنات المتفوقات؟
القرى والمدن :
◘ في بعض مدارس القرى مثل قرية الجهراء نسبة النجاح أكثر من ٩٠% وفي بعض مدارس العاصمة وفي ضاحية كالفيحاء نجد أن نسبة النجاح ١٣,٥ % لماذا؟ الأن تلك قرية وهذه مدينة؟
الكويتيون وغيرهم:
◘ نسبة النجاح عمومًا في غير الكويتيين أفضل منها في الكويتيين، لماذا؟ هل هذا راجع إلى اهتمام الأسرة في التعليم، أم إلى الأحوال المادية؟ أم إلى تعليق الآمال على نتائج الامتحان؟ وإلى متى نظل ننظر باستخفاف إلى أهمية العلم ونتهاون مع أبنائنا ولا نرعاهم الرعاية المطلوبة؟
نسب النجاح في المدارس المتوسطة في السنوات الخمس الأخيرة:
1966 87,5 %
1967 70,93 %
1968 55,1 %
1969 64,92 %
1970 55 %
نسب النجاح في بعض مدارس العاصمة:
الفيحاء 13,5 %
القادسية 31,3 %
الشعب 41,6 %
المباركية 26,8 %
عمرو بن العاص 21,5 %
الرميثية 20,6 %
نسب النجاح في غير مدارس العاصمة:
الجهراء 91,9 %
أبو حليفة 61,9 %
الشعبية 58,9 %
الجهراء بنات 94,1 %
نسب النجاح في مدارس للبنين تقابلها نسب النجاح في مدارس للبنات في الحي نفسه:
المتنبي في الشرق 55,4 %
الخنساء في الشرق 79,2 %
الفيحاء بنين 13,5 %
الفيحاء بنات 82,1 %
حولي بنين 60,9 %
حولي بنات 87 %
النسبة العامة بنين 46,9 %
النسبة العامة بنات 71,8 %
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

