العنوان الانتخابات الأردنية والإخوان خطوة في الاتجاه الصحيح
الكاتب د. عصام العريان
تاريخ النشر السبت 28-يونيو-2003
مشاهدات 26
نشر في العدد 1557
نشر في الصفحة 24
السبت 28-يونيو-2003
رشحت جبهة العمل الإسلامي ثلاثين مرشحًا للتنافس على المقاعد الـ 110 للبرلمان الأردني، وهذا يعكس روح المشاركة لا الاستحواذ، كما يبين نفسية التدرج الهادئ والتغيير السلمي وتفهم دور البرلمان في نظام سياسي لم ينضج النضج الكافي لتداول السلطة.
وهذه فلسفة التغيير التي يتبناها الإخوان المسلمون من قديم والتي تجعل النضال الدستوري طريقًا لإعلاء إرادة الشعب ورغباته، وهذا يتواكب مع النشاط الأصلي للإخوان في الدعوة والتربية والعمل المجتمعي والنشاط الثقافي والفكري، كي يتبنى الشعب الخيار الإسلامي عن اقتناع تام وتغيير حقيقي في فكره وثقافته وسلوكه، مما يهيئ البلاد لقيام نظام إسلامي مستقر قادر على الوفاء بمتطلبات الواقع وتحقيق الأمن والاستقرار، كما يوفر الرعاية الاجتماعية والاقتصادية للجماهير، ويحقق تداول السلطة سلميًا بين النخب الفكرية التي تستجيب لإرادة الأمة وتحقق طموحاتها في ظل نظام دستوري نيابي يتفق مع القواعد الإسلامية والقطعيات الشرعية.
العودة عن المقاطعة: لذلك كانت عودة الإخوان المسلمين في الأردن عن قرارهم بمقاطعة انتخابات ۱۹۹۷م بعد استشارة واسعة للقواعد ثم اجتماع لمجلس الشورى ولقاءات مستمرة لجبهة العمل الإسلامي وقيادة الإخوان، مما أسفر في النهاية عن قرار المشاركة رغم الاعتراض على نظام الانتخاب الذي يراه الإخوان ظالمًا وهو قانون «الصوت الواحد» ويتفق كل المراقبين تقريبًا على عدم عدالة هذا القانون وأنه جاء ليحجم دور الإخوان.
ولعل في تصريح العاهل الأردني أثناء تفقده للانتخابات ما ينبئ عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الإخوان والقصر فقد قال: «إن الانتخابات نموذج يحتذى في المنطقة» وامتدح مشاركة جماعة الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أنها «جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي في الأردن» «الحياة- 18/ 6».
ولكي يصبح الأردن نموذجًا يحتذى في المنطقة لا بد من إعادة النظر في قضايا عديدة ليس في مقدمتها قانون الصوت الواحد، فهو إفراز لتوجه سياسي عام، لكن أهم القضايا هي تحويل الأردن إلى «ملكية دستورية» بكل ما يعنيه المصطلح من تداعيات، بحيث تصبح الحكومة هي المسؤولة تمامًا عن رسم السياسات ووضع البرامج وتغيير ما يلزم من مواد دستورية أو قوانين، مع التحديد الواضح للتهديدات التي تواجه الأردن خاصة من العدو الصهيوني، والاتفاق على أن الحفاظ على أمن الأردن القومي لن يتم بعيدًا عن الأمن القومي العربي كله والاعتماد على وحدة عربية حقيقية مع السعي إليها، بديلًا عن الاعتماد على الحماية الأجنبية والوعود الأمريكية، وهذا توجه صعب لكن يمكن التحول إليه ببطء وعبر إجراءات جزئية تسير في الاتجاه الصحيح.
تراجع الأحزاب
كانت العشائر هي الفائز الأكبر في الانتخابات الأردنية وسيشكل المستقلون العشائريون الموالون للحكومة -والذين ليس لهم برامج سياسية، ولا تجمعهم أحزاب واضحة المعالم -الكتلة الرئيسة في البرلمان «أكثر من ۸۰%».
وقد تراجع دور الأحزاب السياسية في هذه الانتخابات باستثناء جبهة العمل الإسلامي، فهي جميعها لم تترشح على المقاعد النيابية كافة، وتنافست في المدن الكبرى ومع ذلك لم يفز مرشح حزبي يساري أو قومي في العاصمة عمان، وهذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة جادة عن تراجع دور الأحزاب السياسية وتصاعد الأحزاب الإسلامية، في مصر واليمن والأردن وتركيا وباكستان، مما يدلل على أن الأحزاب التقليدية على النمط الغربي «اشتراكية -قومية -ليبرالية» والعلماني فشلت في كسب ثقة المواطن العادي وفشلت في تقديم نموذج سياسي يتوافق مع دعوتها السياسية وفشلت في إقناع الناس والنخب بأنها ديمقراطية في تشكيلها وبرامجها وسياستها، فهي على مدار نصف قرن أو يزيد ضاعفت مشكلات المجتمع سواء أكانت في المعارضة أم في الحكم، وباعدت بينها وبين ثقافة المجتمع، فأصبحت أشبه بنبتة مستوردة رفضت البيئة والتربة احتضانها، ولم توفر لها مقومات النمو والحياة فكانت إلى ذبول، بينما نجحت الحركات الإسلامية عبر النشاط الشامل وليس السياسي فقط.
وهذا ما أشار إليه د. رفيق حبيب في كتابه «الأمة والدولة» إصدار دار الشروق ۲۰۰۱م في الفصل الثاني «الجماعة والحزب: نحو بديل سياسي حركة» إذ يقول باختصار.
«عرف التاريخ العربي الإسلامي الكثير من الجماعات والحركات الفاعلة، والتي كان لها دور مؤثر في العمل السياسي وفي الحركة الفكرية والفقهية.
في المقابل لم يعرف الأحزاب بوصفها القوة السياسية وأداة العمل السياسي، ومع صعود الحضارة الغربية وانتشار الحديث عن الديمقراطية أصبحت الأحزاب مفهومًا يتم تداوله على المستوى الفكري، ثم أصبحت نظامًا يطبق في عدد من البلدان العربية ولم تختف الجماعات، بل نجد أن أحد أهم قوى المعارضة في الكثير من البلدان العربية، الحركة الإسلامية تعد جماعات وليست أحزابًا، ومن خلال التجارب الحزبية يلاحظ أن الحزب كدعاء لحركة الشارع السياسي لم يحقق النجاح المرجو، بل ظل يبدو كيانًا غريبًا محدود التأثير.
ويصل في حديثه إلى القول: «مما سبق نصل إلى تصورنا عن الحياة السياسية، والتي نرى إمكانية تطويرها وتجديدها من خلال بناء النظام السياسي على البنية الجماعية، كبديل للبنية الحزبية».
وهذا كلام مهم من باحث مدقق ومراقب مهتم وليس ناشطًا متهمًا يحتاج إلى تأمل في ضوء التردي الواضح لأداء الأحزاب العربية جميعًا ومقارنته بالصعود الكبير للحركة الإسلامية.
الصعود العشائري
الوحيدون الذين يستطيعون استيعاب التوجه إلى القبيلة والعشيرة الذي تريد النظم العربية الاحتماء بها هم الإسلاميون، لأن ثقافة الإسلام لا ترفض انتماء المواطن لأسرته أو قبيلته أو عشيرته، بل هي تهذب وتشذب هذا الانتماء الغريزي وتضعه في الإطار السليم الذي لا يجعله متصادمًا مع الانتماء العام للمجتمع، ولا تضع مصالح العشيرة في مواجهة المصلحة العامة، وفي الفقه الإسلامي نجد أن «عاقلة» الرجل مسؤولة عن بعض أفعاله ونظام الميراث الإسلامي يحافظ على النسيج الاجتماعي القائم على الأسرة والأرحام، وإذا كان توجه النظم إلى العشائر، يظنونه بديلًا عن الإسلاميين بعد أن فشلت الأحزاب السياسية فأعتقد أن عليهم مواجهة الحقيقة الساطعة وهي أنه لا بديل عن الإصلاح الحقيقي الشامل الذي يكون الإسلام مرجعيته الأصلية والذي لا يستبعد أحدًا ولا يقصي تيارًا شعبيًا ويتيح للجميع فرصًا متكافئة.
وإذا كان المطلوب التحديث فليس من الحكمة وضع التحديث في مواجهة ثقافة المجتمع الإسلامية بل إن صدقت النيات في التحديث والمعاصرة، فأقدر الاتجاهات على المواءمة بين الثقافة المجتمعية والمرجعية الإسلامية وبين تحديث المجتمعات هو الاتجاه الإسلامي الإصلاحي الذي يمثله الإخوان المسلمون، فرجالهم وقادتهم يمثلون الطبقة الوسطى في المجتمع التي جاءت نتيجة التحديث وتخرجوا في الجامعات الحديثة والكليات العلمية وتعلم كثير منهم في الغرب ولكنهم احتفظوا بهويتهم الإسلامية ولم تمسخ شخصياتهم أو تذب في الإطار الثقافي التغريبي، بل أخذوا من الحضارة الغربية أفضل ما فيها ورفضوا منها ما لا يتفق مع ديننا وشريعتنا وقيمنا، أخذوا النظم السياسية والإدارية والعلوم التطبيقية الحديثة ورفضوا الانحلال الأخلاقي والتفسخ الاجتماعي والتحلل من ربقة الدين وتأليه الإنسان وتعظيم الربح على حساب القيم والأخلاق.
الانتخابات في السياق الإقليمي
تأتي الانتخابات البرلمانية الأردنية في سياق التوجه الأمريكي لإحداث تغييرات ضخمة في المنطقة كما يعلن رجال الإدارة، وقد سبقتها انتخابات في المغرب والبحرين واليمن وستتلوها أخرى في الكويت، وقد أثبتت كل هذه الانتخابات أن الأحزاب الإسلامية متجذرة في المجتمعات وأنه يصعب إن لم يستحل نزعها أو إقصاؤها وأن على كل من يريد التغيير أن يتعامل مع هذا الواقع بجدية وتفكير سليم.
وبينما تتنوع الاتجاهات الحكومية في المنطقة العربية تجاه الإسلاميين لا نجد وضوحًا في السياسة الأمريكية، بل نجد العكس تمامًا الغموض المريب، فهي تصم حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان بالإرهاب انسياقًا وراء التوجه الصهيوني، بينما هذه الحركات الشعبية وسياسية وإصلاحية واجتماعية، وعنصر المقاومة فيها نتيجة للاحتلال الصهيوني ورد فعل له، وكما صرح قادة حماس دومًا ستبقى المقاومة ما بقي الاحتلال، فهي معادلة شديدة الوضوح يرفض الأمريكيون المتصهينون الاعتراف بها.
وفي المنطقة العربية نجد ترحيبًا بالإدماج الجزئي أو الكلي للإسلاميين في بلاد مثل الأردن والبحرين والكويت وإلى حد ما لبنان بينما نجد الترحيب الحذر أو التخوف، والإدماج مع الحصار في اليمن والمغرب والجزائر، حيث التجارب تسير بصورة جيدة إلا أن صوت العلمانيين اليساريين المتراجعين سياسيًا يرتفع مطالبًا بالإقصاء التام والدخول في مواجهة مع الإسلاميين لن يخسر منها إلا الوطن.
وهناك بلاد تعيش منزلة بين المنزلتين ولا يتم حسم القرار فيها مثل مصر التي تعيش حالة بالغة الغرابة، فالإخوان المسلمون قوة شعبية تحظى بأكبر عدد من المقاعد النيابية مقارنة بجميع الأحزاب الرسمية، ومع ذلك يرفض النظام الاعتراف بها قانونًا، وإن اعترف بها واقعيًا وهي تكتسب شرعيتها من القبول الشعبي لها في كل المنتديات بينما يصنفها البعض بالمحجوبة عن الشرعية أو المحظورة، ولا يسمع الناس بأحزاب المعارضة الـ ١٦ «منها ٧ مجمدة» بينما ينتشر ذكر الإخوان في كل المنتديات.
وفي الطرف المقابل هناك الحالة الإقصائية شديدة الشذوذ والغرابة في ليبيا وسورية وتونس ولا بد من مراجعة أمينة لهذا الشذوذ الذي لن يجد له مكانًا في ظل التغييرات الهائلة التي يشهدها العالم.
لقد كسب الإخوان المسلمون في الأردن باختيارهم المشاركة، وكان فوزهم تتويجًا لحضور مجتمعي وتأثير شعبي ملحوظ، فعليهم أن يعبروا عن طموحات المواطن الأردني البسيط كما يحملون في الوقت نفسه هموم الأردن وفلسطين والأمة العربية، وعليهم ألا يحملوا الأردن أكبر مما يحتمل وأن يعيدوا بناء أولوياتهم في ظل ما يشهده العالم العربي والإسلامي من تغييرات.
التصدي للفكر الانسحابي من الساحة أو الفكر التدميري للمجتمع من أهم ما يجب إنجازه، وقد كان خيار المشاركة يصب في هذا الاتجاه، ويبقى على الحكومة المقبلة وعلى بقية النخبة الأردنية أن تساهم في حماية الأردن والحفاظ على مصالحه وأمنه واستقراره وأن تدرك أن التهديد الحقيقي ليس من الأردنيين أبدًا، بل هو من هؤلاء الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ويتربصون بنا الدوائر، عليهم دائرة السوء إن شاء الله.
أولويات المرحلة القادمة
جاءت تشكيلة البرلمان الأردني كالتالي:
- أغلبية ساحقة من العشائريين ورجال الدولة والضباط السابقين.
- أقلية منظمة من أعضاء جبهة العمل الإسلامي.
- أفراد من المستقلين.
ويغلب عليه حضور ناشطين من المجتمع الأهلي كنقابيين سابقين ورجال دولة «رؤساء وزارات ورؤساء برلمانات.. إلخ».
وفي مقدمة ما ينتظره:
- مراجعة إقرار التشريعات العديدة التي صدرت خلال سنتين غاب عنها البرلمان وتأجلت فيها الانتخابات أو تلك القديمة.
- ومنها تشريعات حساسة تتعلق بالمسار الانتخابي مثل قانون الصوت الواحد وقانون البلديات.
- التطورات في الساحة العراقية وتأثيراتها على الاقتصاد الأردني والمجتمع العربي.
- الدور الأردني في «خريطة الطريق» وما يتعلق بالتطبيع مع العدو الصهيوني ومنع التحريض ضد معاهدة «وادي عربة» والسياسات الأردنية تجاه فلسطين.
- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأردن خاصة مع رفع شعار «الأردن أولًا».
وقد حدد الأستاذ حمزة منصور الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي أولويات أعضاء الحزب في البرلمان في هذه القضايا، موضحًا التوجه العام للحركة في الآتي:
1- ضبط السلوك السياسي والاقتصادي للحكومة ووقف التطبيع ودعم مقاومة الشعبين الفلسطيني والعراقي.
2- إطلاق الحريات العامة والتصويت ضد القوانين التي صدرت وتقيد هذه الحريات في الانتخابات والبلديات والاجتماعات العامة.
3- الرقابة الفعالة على الحكومة خاصة في مجال إرهاق المواطنين بالضرائب.
وأعلنت الجبهة أنها إذا شاركت في الحكومة فستشارك بشروطها هي وليس بشروط غيرها، في حكومة ضد اتفاقيات وادي عربة وضد التطبيع، وهو ما يبدو شرطًا مستحيلًا.
تقييم الأداء
تحتاج الحركة الإسلامية بالأردن إلى وقفة لتقييم الأداء في مجالات متعددة:
1- استقرار سياسة المشاركة البرلمانية وتقييم قرار المقاطعة.
2- المشاركة في الحكومة.
3- الموقف من ضوابط الترشح وقرارات الفصل، في ضوء الفوز الكبير الذي حققه الشيخ عبد المنعم أبو زنط، حيث جاء أولًا في دوائر العاصمة وحصل على أعلى الأصوات.
4- قرار ترشيح الوجوه الجديدة، وهو قرار شجاع يتواكب مع منع قيادات العمل التربوي والدعوي من الترشح وهو ما يحتاج إلى تقييم وإعادة نظر.
5- الموقف من المرشحين الإسلاميين المستقلين وكيفية التنسيق معهم والاستفادة من أداء بعضهم المتميز مثل الوزير السابق عبد الله العكايلة.
6- الملفات الصعبة التي سيواجهها النواب وتشكيل بيوت خبرة وطنية ومحلية للمساعدة في اكتساب الخبرة وتأهيل عدد ضخم للنشاط السياسي ودعم نشاط النواب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل