العنوان التعليق الأسبوعي (199)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 07-مايو-1974
مشاهدات 45
نشر في العدد 199
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 07-مايو-1974
لا فوائض مالية.. لدى العــرب، حاجات التنمية« تبتلع» آخر فلس
- في الأسبوع الماضي عقدت- غرفة التجارة والصناعة الكويتية- ندوة عن« دور الفوائض النفطية الإنمائي والنقدي محليًا وعربيًا ودوليًا».
وفي مطلع الندوة ألقى السيد عبد العزيز الصقر- رئيس الغرفة- كلمة مسهبة، تناول فيها قضايا جد هامة حيوية.
وألقى بعد ذلك السيد عبد الرحمن العتيقي- وزير المالية والنفط- كلمة دعا فيها إلى إنشاء سوق مالية ونقدية عربية.
وموضوع الندوة- في الحقيقة- هو موضوع« القدرة» العربية على توجيه واستغلال أموالها، وموضوع« الصراع» بين أصحاب الحق .. والقوى الطامعة في أموالنا وخيراتنا.
ليس هناك فوائض!!
خبراء المال في أوروبا وأمريكا، وكذلك البنوك والبيوتات التجارية وأصحاب الصناعات وأجهزة الإعلام.. هؤلاء جميعًا غارقون في عمليات حسابية لأموالنا.. يعدونها على الأصابع.. وبالكمبيوتر!! ومن الأرقام التي توصلوا إليها، أن فوائض الأموال لدى الدول العربية المنتجة للنفط ستبلغ بعد ٦ سنوات فقط- أي عام ۱۹۸۰- ستبلغ ۱۰۰ مائة مليار دولار.
وعلى افتراض صحة هذا الرقم.. فهل يعتبر هذا الحجم- بمقياس التنمية الشاملة في الوطن العربي-
فائضًا حقيقيًا فعليًا؟
هذا الرقم يعد فائضًا حقيقيًا إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه..
- إذا ظل متوسط دخل الفرد في الوطن العربي مجمدًا في مستواه المتدني الحالي أو إذا تقدم بسرعة السلحفاة.
- إذا ظلت أوعية خطط التنمية في الوطن العربي بحجمها الراهن، أو إذا توسعت بنسبة تعجز عن استيعاب الفائض.
- إذا ظلت منجمًا للمواد الخام ، وسوقًا لبضائع المصانع الأوروبية والأمريكية.
- إذا قبلت الدول المنتجة للنفط بالوصاية الأجنبية على أموالها وخيراتها وألقت مفاتيح خزانتها
لـ« مكنيمارا» وبنكه الدولي.
- إذا قفزت الدول المنتجة للنفط.. فوق السلم الطبيعي والترتيب الضروري لتوجيه المال، فآثرت الدول الأوروبية وأمريكا على الوطن العربي والعالم الإسلامي.
في هذه الحالات– فحسب- يمكن أن يكون ثمة فائض ينطوي على مشكلة معقدة؛ لأن مشكلات الفوائض لا تقل حدة عن مشكلات الفقر والمخمصة.
بيد أن هذه الحالات لن تكون إلا إذا قرر الوطن العربي البقاء في دائرة التخلف، وتحت الوصاية الأجنبية، فهل يمكن اتخاذ هذا القرار؟
مستحيل، فعلى الرغم من بعض مظاهر التخلف من أمتنا، تجد هناك وعيًا متزايدًا و إحساسًا متعاظمًا بمشكلة التخلف وضرورة الخروج منها.. وتجد هناك ارتفاعًا مطردًا في نسبة التعليم.. ومع ارتفاع نسبة التعليم تتزايد حاجات الإنسان وتتفجر عبقريته في استغلال موارده و إمكاناته. وتجد هناك نزوعًا قويًا نحو التخطيط للمستقبل في برامج التنمية، توسعًا وتنوعًا.
وتجد هنــاك نقمة عامة على محاولات فرض الوصاية الأجنبية على أموالنا.
هذه المؤشرات تؤكد أن الوطن العربي لن يبقى كما هو، لا في طموح الأفراد ولا في حركة التنمية، وهنا لا يكون ثمة فائض يدور الصراع حوله.
متوسط دخل الفرد في أمريكا
الأمريكيون- مثلا- يطمعون في فوائض أموالنا.. لا من أجل إقامة توازن عالمي في الدخول ومستوى المعيشة.
وإنما من أجل أن يزدادوا هم غنى... وتزداد شعوبنا فقرًا.
ولندع الأرقام تتحدث.
- متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة٣٠٥٠ ثلاثة آلاف وخمسون دولارًا.
- متوسط دخل الفرد في السودان ۸۰ ثمانون دولارًا.
- متوسط دخل الفرد في اليمن الشمالي ٤٠ دولارًا.
وفي آخر تقرير نشرته الأمم المتحدة، جاء السودان وبنغلادش وتشاد في أسفل الخط البياني للدخول في العالم.
ما معنى هذا ؟
معناه: أن العالم العربي- الإسلامي- يعاني شبه مجاعة في الحاجات الأولية الضرورية مثل الغذاء والدواء والتعليم .
معناه: أن الأمريكيين يريدون فوائض أموالنا حتى تصعد نسبة متوسط دخل الفرد عندهم إلى فوق فتبلغ 4 الآف أو ٥ آلاف دولار.. بينما يظل الإنسان العربي المسلم في حالة بؤسه وشقائه، نصيبه اليومي من المال ۸۰ ثمانون فلسًا يواجه بها حاجات الغذاء والكساء والمسكن والدواء!!
هل هذا منطق اقتصادی ؟ فهل هذا ضمير إنساني؟
- وفي صورة أشمل، فإن الوطن العربي لم يدخل مرحلة التصنيع الشامل بعد.
والتصنيع بالنسبة له مسألة حياة أو موت.
إما التصنيع.. وإما التخلف الذي يحفر القبور ويجهز الأكفان.
والاختيار الأول هو المناسب لأمة ذات رسالة وحضارة.
وبدخول الوطن العربي في مرحلة التصنيع الشامل، يصبح حجم الـ ١٠٠ مائة مليار- التي ادعوا بأنها فائضة- رقمًا صغيرًا أمام حاجات ومطالب متعددة وشاهقة.
لماذا تنقل خاماتنا إلى مراكز الصناعة الأجنبية.. ثم توظف أموالنا نفسها في تصنيع خاماتنا ذاتها.. ثم تصدر إلينا بأغلى الأسعار؟
حتى متى نظل هذه المهزلة العالمية؟
هنا- في بلادنا- يجب أن تقوم وتترسخ الصناعات، خاماتها من مناجمنا.. ونفقاتها من أموالنا، وحين يحدث ذلك، فإن المال يكون موظفًا باستمرار.
- وأثناء قطع النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية، هددنا زبانيتها بأنهم سوف يمنعون عنا القمح ومختلف الأغذية الأخرى.
وحتى لا نبقى دومًا تحت ضغط التهديد وما ينطوي عليه من مهانة سياسية، وغرور حضاري، يجب أن يكون غذاؤنا من أرضنا، وأرض العرب- بحمد الله- واسعة المدى، خصيبة التربة.
ولا ينقصها سوى الري والتسميدوالآلة الحديثة، وهذه الإمكانات تحتاج إلى المال، فإذا نشطت النهضة الزراعية- وهذا أمر بالغ الضرورة- فإنها ستبتلع من الأموال أرقامًا عظيمة جدًا، وثمة مجالات أخرى للإنفاق.
- نسبة التعليم في الوطن العربي- إجمالا- ٢٥ % أيأن هناك ما يقرب من ١٠٠ مائة مليون عربي يحتاجون إلى التعليم بمستوياته المتنوعة والمتدرجة، والتوسع في التعليم يحتاج إلى مال.
- هناك ما يقرب من ١٤٠ مرض مستوطن في العالم العربي، يضاف إلى ذلك الأوبئة الموسمية والأمراض الطارئة، ومكافحة هذه الأمراض، والوقاية منها تحتاج إلى مال.
- نصف العالم العربي– وبالتحديد ٥٥%- يعانون من سوء التغذية بنوعيها المعروفين، الكميات القليلة.. وفقدان بعض الأنواع.
ووضع خطة تتضمن برامج عاجلة وطويلة المدى للتغذية.. يحتاج إلى مال.
- وباستثناء دول قليلة لا يزال معظم الناس في العالم العربي يستعملون الوسائل البدائية في المواصلات.
ومن المعروف أن المواصلات هي شريان الحضارة، ونبضها وإنشاء شبكات للمواصلات.. يحتاج بداهة إلى مال.
- ثم إن الأمة العربية الإسلامية، ذات رسالة ممتدة-زمانًا- منذ نزول القرآن الكريم، إلىأن يرث الله الأرض ومن عليها.
وممتدة- مكانًا- في قارات الأرض كلها، وحيثما وجد إنسان، والأمة ذات الرسالة تسخر أموالها في خدمة رسالتها، والتمكين لها في الأرض.
ونحن أمة مكلفة بتبليغ رسالة الإسلام للناس.
نحن أمة شهيدة على الناس، وهذا يقتضي:
۱ - تفريغ ألوف الدعاة المسلمين وانتدابهم لمهمة البلاغ .
۲ - تأسيس المنشآت العلمية من رياض الأطفال إلى الجامعات.
٣ -تخصيص محطات إذاعية وتلفزيونية تفجر طاقات فكرية جديدة في العالم.
٤ - إقامة مؤسسات صحفية ومطابع، ودور متخصصة في الترجمة والنشر.
5 - إنشاء مستشفيات، ومراكز تغذية وتوجيه اجتماعي للمؤلفة قلوبهم في آسيا وأفريقيا.
وهذا كله يحتاج إلى مال، إن أهل الباطل ينفقون أموالهم في خدمة باطلهم، فلماذا لا ينفق أصحاب الحق أموالهم في سبيل حقهم؟
- « مكنمارا»: هو مدير صندوق النقد الدولي، وفي نفس الوقت هو عضو مجلس الكنائس العالمي،
ومجلس الكنائس العالمي يشرف على حركة التبشير في العالم.
و« مكنمارا» يخدم هذه الحركة باعتباره عضوا في المجلس، وباعتباره يملك إمکانات مالية وفيرة .
- الفاتيكان: هو إحدى عشر دول استثمارية كبرى في العالم، يسخر أمواله في خدمة العقيدة الكاثوليكية.
- يهود العالم يسخرون أموالهم في خدمة فكرتهم، وتحقيق حلمهم الصهيوني في فلسطين.
في مواجهة هذا الصراع العقائدي العالمي المدعوم بالمال، لا بد من أن يقف وراء عقيدة الإسلام مال متكافئ أو متفوق.
لا وصاية والقرض بلا ربا
وفي الندوة ذاتها قال السيد الصقر: « ليس من المنطق في شيء أن يظل مصرف أمريكي- مثلا- وسيطا بين دولة عربية تملك مالًا وأخرى تحتاج إلى قرض».
وهذا أمر غريب فعلًا فبأي منطق يحشر الأمريكان أنفسهم بين العربي وأخيه، وبأي منطق يقبل العرب هذا الوضع؟
- يجب أن ينتهي عهد الوصاية.
ذلك أن الوصاية لا تفرض إلا على نوعين من الناس:
-القاصر. - والسفيه.
بيد أن للقضية جانبا آخر، وهو : أن القرض يجب أن يخلو تمامًا من الربا، والقرض نوعان:
قرض للخدمات، وليس من اللائق أن يأخذ المقرض فائدة على مال عولج به مریض، أو أطعم به جائع، أو علم به جاهل.
يكفيه في هذه الحال، أن يعود إليه ماله في مدة قصيرة أو طويلة الأجل.
النوع الثاني: قرض للإنتاج، وفي هذه الحالة يمكن أن يقوم تعاون بين الطرفين يدخل القرض على أساسه في عمليات استثمارية يتحملان فيها معًا الربح والخسارة.
وهذا مما يفسح للقروض مجالًا أوسع وفرصًا أحسن، وفي نفس الوقت يعفى المقترض من متاعب ومآسي الفوائد.
ترتيب الدوائر
ترتيب الدوائر في توجيه المال ينبغي أن يتم على النحو التالي:
- دائرة النفس، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.
- دائرة الأقربين، وهم هنا العرب- المسلمون-.
- ثم القوى التي تقف معنا سياسيا و اقتصاديا ضد خصومنا.
- ثم النجدة الموجهةإلى عموم الإنسانية.
أما أن يتظاهر أناس بالإنسانية فيعطون الأبعد ويتركون الأقرب فهؤلاء ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾