العنوان التوظيف السياسي للدراما: 2170
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الاثنين 01-أغسطس-2022
مشاهدات 20
نشر في العدد 2170
نشر في الصفحة 10
الاثنين 01-أغسطس-2022
بين الأداء الناعم والصياغة الخشنة!
أ. د. حلمي
محمد القاعود
أستاذ الأدب
والنقد
أدرك الساسة الغربيون الاستعماريون
منذ نشوء فن الصورة المتحركة أهمي لدور السياسي للسينما، ثم الدراما القصيرة
والمسلسلة، وقد أعطت الصورة التي نتجتها هوليوود نموذجا لشخصية «السوبر مان»
المتحضر الذي لا يُهزم أبدًا، سواء كان من رعاة البقر، أم القادة العسكريين، أم
الشخصيات الأخرى في ميادين العلم والصناعة والزراعة والعلاقات الإنسانية، كما قدمت
السينما الأمريكية لخطط المستقبلية للغرب الاستعماري في صورة خيال قد يحدث في
المستقبل، وهيأت العالم لقبوله » تدمير برجي
التجارة في نيويورك مثلا«.. وفي الوقت نفسه، صورت الآخر الأفريقي أو
الآسيوي أو اللاتيني أو المسلم في صورة غير حقيقية مجوفة من الداخل، تملأ تجاويفها
مفردات العجز والهزيمة والتخلف والضعف والغباء والجهل والقصور والوحشية.
تسريب الصورة الذهنية
عبر وجدان المشاهدين خدم السياسة الأمريكية أو الغربية الاستعمارية عمومًا تسريب
الصورة الذهنية عبر وجدان المشاهدين خدم السياسة الأمريكية أو الغربية الاستعمارية
عمومًا، ومن ضمنها صورة اليهودي المظلوم المضطهد الذي ينتصر دائمًا على خصومه
بذكائه وتفوقه وفطنته وقدرته على تجاوز الاضطهاد والظلم والعنصرية والتنمر والعدوان!
هذه الصورة
تحض على أن النجاة مرهونة باللحاق بالنموذج الغربي سياسيًا وفكريًا وثقافيًا، بل
وعقديًا، وضرورة تقليده في الملبس والمأكل، والمشرب والسلوك، مهما كان مخالفا
للمعتقدات والثوابت الفكرية والثقافية.
وجاء اختراع التلفزيون ومن بعده الشبكة الضوئية ووسائل التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها المتنوعة، وانتقالها إلى الهواتف التي تسمى بالذكية لتمثل مرحلة متقدمة في تسريب الرؤى السياسية للقوى القاهرة والخائنة عبر الدراما، فضلاً عن الأفلام وأحياناً المسرحيات المصورة.
أدركت أخيرًا
الحكومات – خاصة الاستبدادية- أن تغيير سمعتها أو صورتها السياسية والاجتماعية، أو
بقاءها الوجودي والإنساني يقتضي توظيف الدراما لإعطاء سمعة جديدة لها، ووضعها في
إطار جديد مخالف يبرز ملامح تطورها ومنجزاتها، مع تجميل ممارساتها السلبية، وتضخيم
قيمة بعض مشروعاتها المفيدة.
بالإضافة إلى
ما سبق، فإن تحسين صورة العدوّ اليهودي الغاصب وأنسنته وتقديمه مالكا لقلب يفيض
بالرحمة والمودة والتعاطف، بينما يقتل ويبيد ويطرد أصحاب الأرض من بيوتهم ويستولي
على ممتلكاتهم وثرواتهم، يمثل ذروة الجريمة لفنية، إن صح التعبير، وفي مسلسلي »حارة اليهود»، و«أم هارون» -اللذين قام لليهما عرب مسلمون إنتاجًا وتنفيًا وأداء- ما يقدم نموذجًا لمن
يمهدون للتطبيع الشعبي، وقبول الأمر الواقع، والرضا بضياع المقدسات والأرض، والخضوع للإرادة اليهودية الإجرامية الغاصبة، القوم يقدمون اليهودي في صورة المضطهَد المظلوم بسبب ذكائه وتفوقه وإنسانيته، وعلينا أن نكافئهم على جرائمهم لأنهم أذكياء
فائقون إنسانيون،
وأظنهم لو قدموا «حارة اليهود» عن
رواية تحمل الاسم نفسه للروائي الراحل نجيب لكيلاني لاختلف الأمر؛ فروايته تعرض الطبيعة اليهودية النكدة على حقيقته دون تزييف أو تضليل لقد ساعدت ثقافة الزحام، والخواء الفكري، وضعف التعليم أو انهياره في بعض الدول، والفراغ الذي تنتجه
البطالة، لتكون الدراما سلوى الجمهور، يتسلى بما يشاهد، ويستمتع بالأحداث الشائقة، ويتقبل ما يرى دون مراجعة أو تمحيص؛ فالفن الناعم يتسلل إليه وهو
مسترخ في السرير أو على مقعد وثير، أو متكئ على أريكة مريحة، ولا سيما إذا جاء
المسلسل في حبكة فنية محكمة جاذبة للمتابعة والاستنتاج.
نشاط اقتصادي مهم ولا ريب أن الحكومات الذكية أدركت أن النموذج الأمريكي أو الغربي - خاصة الفرنسي أو الإنجليزي- يجب تقليده، لتقدم نفسها في صورة مختلفة، وتغير الصورة النمطية الشائعة عنها، وتعطي نموذجًا آخر لحكومات تؤمن بالحرية والعدل والشورى والثقافة والفكر وبعث الحضارة الموروثة والترحيب بالمدنية المستجدة.
لقد باتت الدراما نشاطًا اقتصاديًا مهمًا، إلى جانب كونها بريدًا يحمل رسائل سياسية أكثر أهمية، ومنها شطب الممارسات الاستعمارية الهمجية، وإثارة التعاطف مع الغزاة القتلة ببعض السلوكيات الزائفة، والكشف عن إنسانيتهم من خلال بعض المواقف التي تغطي على ما اقترفته حكوماتهم وجيوشهم في عمليات السلب والنهب للشعوب المستضعفة، لا ننكر أن هناك بعض المسلسلات التي جسدت، أو أبرزت مآسي المستعمرين الغزاة مع بعض الشعوب مثل مسلسل »جذور» الشهير، الذي أبرز مأساة الأفارقة، ونقلهم إلى الولايات المتحدة بوصفهم عبيدا، وماتت أعداد كبيرة منهم لسوء المعاملة في أثناء النقل.
وفي المقابل،
نجد وضعًا معاكسًا لتصوير الظالمين الأقوياء؛ حيث قدمتهم الدراما في صورة مثالية
ومجتمعهم أكثر ثراء وتقدمًا، ولا يبالي إلا بالقوة والمزيد من الربح والثراء
والمتع الحسية، ثم يدهس في طريقة أصحاب الحقوق، فضلًا عن لقيم الإنسانية في إطار
مبالغات وخيال عريض، ولكن الأداء الفني الاحترافي الناعم يجعل المشاهد يستسلم لها
في حلقات ممتدة «فالكون كريست» مثلا!.
لقد لجأت دول
مختلفة إلى تغيير صورتها السياسية النمطية التي ترسخت في الأذهان، مثل اليابان
والصين والهند والمكسيك والبرازيل وإيران وتركيا، حيث ترسبت صورة نمطية ترى هذه
الدول مشغولة بالواقع العملي والمادي الجامد، أو مجرد كيانات تابعة لا وجود حضاريا
لها، وتعيش بعيدًا عن العلاقات الإنسانية
«حارة اليهود» و«آم
هارون» قدما نموذجًا لتمهيد للتطبيع الشعبي وقبول الأمر الواقع والرضا بضياع
المقدسات الدراما باتت نشاطًا اقتصاديًا مهمًا إلى جانب كونها بريدًا يحمل رسائل
سياسية والعواطف البشرية التي تؤسس للسلام والمودة والتعاون بين الشعوب والأفراد،
فأنتجت هذه الدول دراما تغير الصورة الذهنية الراسخة، وتبرز اهتمامها بصورة جديدة
تصوّب الصورة النمطية، من خلال التفاعل مع العلاقات الإنسانية سواء عبر الواقع أو
التاريخ!
في عقود مضت،
كانت مصر ولبنان وسورية وفلسطين والأردن تنتج -على تفاوت- مسلسلات تخدم الفكرة
لسياسية بالولاء للحاكم، أو تعرض قضية
سياسية عامة تتمثل في الكفاح ضد الاستعمار أو الحكومات الفاسدة، أو تعرض المعاناة
والكفاح ضد اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، أو قضايا أخرى ترتبط بالسياسة والهوية
المحلية، وكان ذلك يتم من خلال فن ناعم يسعى للإقناع والتشويق، مع أن بعضها كان
يهدف لترسيخ الفكرة غير المباشرة وهي الولاء لنظام الحكم -ولو كان مستبدًا-
والإيمان بضرورة استمراره وبقائه وعدم التمرّد عليه ولو اقتضى ذلك حرمان الشعوب من
الحرية والشورى والعدل والانتصار على الأعداء »
تأمل مثلاً مسلسل «ليالي لحلمية»
المصري بأجزائه المتعددة، ويقابله مسلسل «باب الحارة» السوري«، وكانت هناك محاولات
جيدة مختلفة لعرض القضية الفلسطينية ومظلومية شعبها »مسلسل «التغريبة الفلسطينية» ومسلسلات أخرى مهمة«.
«عثمان» و«ممالك النار» عرض
التلفزيون المصري في العقود الماضية دراما على مستوى عال من الفن والحرفية »كثير
منها باللغة الفصحى لسهلة، أو العامية القريبة من الفصحى«، خاصة في المجال
التاريخي، فشكل ذلك قوة ناعمة حقيقية هيأت لمصر مكانة
بينما فشل
«ممالك النار» المصري ولم يلق رواجاً اقتصادياً نجح «عثمان» التركي واشترته 142
قناة
سياسية مرموقة
على امتداد العالم الإسلامي لدى الأجيال الجديدة، ولكن تغير الأحوال، وهبوط ثقافة
المنتجين إلى مستوى التاجر الذي لا يهمه إلا الربح، فضلًا عن تدخل فظ وفج من بعض
الجهات المحلية والخارجية في إنتاج بعض الأعمال الدرامية والسينمائية، أدى إلى
هبوط تأثير الدراما المصرية، بسبب التوظيف السياسي الفظ والفج لمكايدة دول أخرى
تختلف مع النظام، أو رغبة في تغيير هوية المجتمع الإسلامية وطبيعته الإنسانية وسحق
قيمه الخلقية لمستقرة.
خذ مثلًا
مسلسل «ممالك النار» الذي أنتج في سياق الحملات الهجائية للأتراك وسياستهم،
ومحاولة المنافسة مع لمسلسل التركي «المؤسس عثمان»، فشل «ممالك النار» لأنه تبنى
الفكر الشعوبي العنصري، وخالف الحقائق التاريخية وفي مقدمتها أن الصراع كان بين
أتراك وأتراك، والمصريون ليسوا طرفًا فيه؛
فالمماليك
أتراك مثل العثمانيين، وكانوا في مصر يتكلمون فيما بينهم اللغة التركية، وتشير بعض
روايات التاريخ إلى أن علماء الدين المصريين قابلوا السلطان »سليم
الأول» في الشام وطلبوا منه أن بنقذهم من ظلم المماليك الذين يقودهم طومان باي،
ولذا لم يحتشد المصريون في الصراع بين العثمانيين والمماليك، كما احتشدوا مثلا ضد
الحملة الفرنسية.
لقد نجح مسلسل
«عثمان» التركي وفشل مسلسل «ممالك النار»، ولم يلق رواجًا في الجانب الاقتصادي،
بينما »عثمان» تشتريه 142 قناة تلفزيونية في العالم وتترجمه إلى لغاتها أو
تدبلجه، ويحظى بنسبة مشاهدة عالية، وتدخل عائداته ضمن 350 مليون دولار تحصدها لسلسلات التركية كل عام بعد أن
وصلت تركيا حسب وكالة «الأناضول»- إلى المرتبة الثانية في تصدير الدراما على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة!
ولعل حرص الرئيس
السادات على الدراما الناعمة جعله ينشئ ما يسمى «عيد الفن» كل عام، يحضره بنفسه، ويكرم
فيه كبار الفنانين الذين شاركوا في أعمال مهمة، جعلت لبلاده تأثيرًا سياسيًا ملحوظًا
في المحيط الإسلامي، وخاصة من خلال المسلسلات الإسلامية »«محمد رسول اللّه» صلى اللّٰه عليه وسلم«، وقصص الأنبياء والصحابة والقادة، وغيرهم.
دراما خشنة
تراجعت
الدراما العربية الناعمة إلى دراما خشنة وفظة وفجة ومنحلة ومباشرة لتبييض وجه
النظم والحكومات عمومًا وبعض الأجهزة المؤذية خصوصًا، وتمييع قضية فلسطين
والمقدسات، فضلًا عن تشويه الإسلام وقيمه من خلال معالجة قضايا التطرف والإرهاب،
ولقد كان تشجيع المسلسلات التي تعالج التطرف والإرهاب فرصة ذهبية لأنصار التهويد والتغريب
والاستبداد كي يضربوا الثوابت الإسلامية، ويسعوا لنشر القيم الغربية في صورتها
المبتذلة المنحطة، وليس الصورة الإيجابية المنتجة، ويروجوا لمظلومية المرأة المدّعاة،
ويشجعوا التمرد على مؤسسة الزواج، ويشهِّروا بالتشريعات الإسلامية في مجال الأسرة،
وينتقدوا توزيع الميراث كما شرعه الوحي، ويلحوا على تقديم سلوكيات المدمنين
والمنحرفين بتفصيلاتها الدقيقة كي يقلدها الشباب.
وكان هذا
للأسف توظيفًا سياسيًا غشيمًا لاستئصال الإسلام من وجدان الناس، بيد أن الناس في
البلاد العربية انصرفوا عن الإنتاج الدرامي العربي، وراحوا يتابعون المسلسلات
الأجنبية، وخاصة التركية والمكسيكية والهندية مترجمة أو مدبلجة، وما بالك بحرص
لجمهور العربي على متابعة الإنتاج الدراما العربية الناعمة تراجعت إلى دراما خشنة ومنحلة
لتبييض وجه النظم والحكومات الجمهور العربي الإسلامي يشاهد بالدراما التركية الجديدة
قادة متواضعين يحرصون على إرضاء ربهم التركي الذي يقدم جهاد الأتراك من أجل الوحدة
وبناء الدولة، والفتوحات، ونشر الإسلام، ورفع المظالم، والسعي نحو العلم والمعرفة
والحضارة في جوانبها المختلفة؟
إن الجمهور
العربي الإسلامي الآن يرى دراما تركية فنية خالية من الابتذال والسوقية والبلطجة
والتزوير والمنكرات، وإن لم تخل من ضعف البشر وسلبياتهم التي يراها الفن التركي
بشكل بعيد عن الافتعال والتكلف، الجمهور العربي الإسلامي يشاهد في الدراما التركية
الجديدة قادة متواضعين يحرصون على إرضاء ربهم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والعطف
على الفقراء والضعفاء والمساكين، وإجارة اللاجئين والمطاردين،
وإقامة العدل
ونصرة المظلومين والمقهورين، وقبل ذلك يتشاورون ويتحاورون، هذه رسالة سياسية
بالدرجة الأولى تمسح ما علق بالأذهان عن صورة للتركي الدموي الغبي الشرس الظالم
الطامع في ممتلكات الآخرين، وهي الصورة التي فرضتها النخب العربية في التعليم
والإعلام والثقافة العربية اقتداء بالرؤية الاستعمارية الغربية التي تكره من
يقاومها وتشوهه.
وللأسف
الشديد، فإن أبواق بعض الأنظمة في البلاد العربية لا يعجبهم أن تتبنى الدراما
التركية تصور الإسلام؛ لأنهم يرون الإسلام مرادفاً للتطرف والإرهاب والجمود
والتخلف والظلام، كما علمهم الغرب والاستبداد المحلي.
والسؤال هو:
لماذا يتابع الملايين في العالم الإسلامي وخارجه (142 دولة) هذه المسلسلات، لدرجة
أن بعض المشاهدين من غير المسلمين أعلنوا إسلامهم نتيجة المشاهدة «أرطغرل» و«نهضة
السلاجقة»
و«ألب
أرسلان»؟ ولماذا راجع كثير من الناس مواقفهم بعد مشاهدة «عاصمة عبدالحميد» ورأوا
ما فعله اليهود ومنظماتهم الشيوعية والماسونية والأرمن وبريطانيا وفرنسا وروسيا من
تآمر وغدر وقتل ؟•
قضايا الأسرة
فاطمة عبدالرؤوف
كاتبة متخصصة بقضايا المرأة
والمجتمع
ليس من المبالغة في شيء أن
نعتبر الدراما بمثابة المدفعية الثقيلة التي توجه لتحطيم القيم الأصيلة للأسرة،
تلك القيم المستمدة بالأساس من التشريع الإسلامي، فالدراما تصل بسهولة ويسر لجميع
الفئات والشرائح العمرية، وتلقى نسب مشاهدة عالية جدا عكس البرامج الفكرية والثقافية
التي لا تخاطب إلا النخبة ولا تكمن أهمية وخطورة الدراما في استهدافها لقطاعات
شاسعة فحسب لعدد طويل من الساعات، ولكن منهجية الدراما في توصيل الأفكار أنها
تخاطب العواطف الإنسانية ولا؛ فتنساب الأفكار تتخلل هذه العاطفة.
المشاهد للدراما لا يكون في
كامل وعيه، فهو لا يجلس أمام العمل الدرامي يناقش ويحلل وينتقد، بل يشاهد ويتفاعل
ويتأثر، والعمل الدرامي الجيد هو ذلك الذي يخترق وعي المشاهد وصولاً لعقله الباطن
أو اللاوعي؛ فيرسم صورًا ذهنية غائرة وعميقة وثابتة تقوم بما يشبه لبرمجة لشخصية
المشاهد ولمنهجيته في لتفكير والتعاطي مع القضايا المختلفة.
وإذا تحدثنا عن الدور الذي
تؤديه الدراما في التأثير وتوجيه الرأي العام فيما يتعلق بقضايا الأسرة، سنجد
التأثير الأقوى على الإطلاق؛ لأنها قضايا تلمس الناس بشكل مباشر ومن ثم يكون
التفاعل مهما كثر واقعًا.
عندما تتجه الدراما لتحطيم
قيم الأسرة الأصيلة، فهي تستغل أن هذه القيم اختلطت بعادات ما أنزل اللّٰه بها من
سلطان، وسلوكيات رديئة تتناقض مع التشريع، وبدلا من إماطة هذا الأذى النفسي
والسلوكي والانتصار للقيم الحقيقية والأصيلة، يتم الخلط والتدليس بهدف النيل من
هذه القيم التي تقف كحاجز منيع يحول بين الأسرة والمخطط الأممي الغربي لتفكيكها وتحويلها
لأنماط جديدة تنتصر لقيم «الجندر» »النوع الاجتماعي« وتوابعه، هذا المخطط الأممي الذي لا يمثل سوى الوجه الكالح لثقافة
الغرب التي يسعى لفرضها باعتبارها قيماً إنسانية عالمية أخرجت قضايا الأسرة من دائرة
القضايا الاجتماعية لدائرة القضايا السياسية، حيث نصت المادة (1) من وثيقة إلغاء
كافة أشكال التمييز ضد المرأة »سيداو« على «اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها،
لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزًا
ضد المرأة».
عندما تحولت قضايا الأسرة إلى
قضايا سياسية تتخذ جميع التدابير من أجل فرض قيمها الجديدة المغايرة، كان لا بد من
استخدام التدابير الثقافية وعلى رأسها استخدام الدراما وتوظيفها لتحقيق هذا الهدف
الذي أعربت عنه المادة الخامسة من نفس الوثيقة، حيث نصت في المادة »أ « على تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية
لسلوك الرجل والمرأة والقضاء على أي أدوار نمطية للرجل والمرأه كما نصت في المادة »ب« على اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية «فمن الممكن آن يقوم بها الرجل
أو المرآة أو المتحول أو العابر جنسيًا»، هذه الأفكار الصادمة التي تسعى لها
الوثيقة الأممية لا يمكن لأي تدابير تشريعية أن تقوم بها دون تدابير ثقافية، وهذا
هو الدور الذي مارسته الدراما باقتدار.
إستراتيجية العمل
»كثير
من العسل، قليل من السم: مع الاستمرارية؛ يتحقق الهدف»، هذه هي إستراتيجية القائمين
على الأعمال لدرامية الموجهة للأسرة، وبالتدريج يرتفع مقدار السم، ولا بآس بصدمة
بين الحين والآخر تكون بمثابة بالون اختبار لقياس مدى تقبل الجماهير لتلك الأفكار
السامة، لو أخذنا مسلسل «فاتن أمل حربي» الذي عرض على شاشات التلفاز في رمضان
الماضي، نجده يجسد هذه الإستراتيجية بأكبر قدر من الفاعلية، فالمشاهد يتعاطف مع
بطلة المسلسل التي تعاني أشد المعاناة مع زوج يعنفها ويهينها ويبخل عليها حتى
ينتهي الأمر بالطلاق، وهنا تبدأ العقدة الحقيقية للمسلسل؛ حيث معاناة الزوجة في
أروقة محاكم الأسرة حتى تنتزع حقوقها الشرعية من هذا الرجل.
هذا هو العسل الذي يجذب
المشاهد من خلال قصة رغم ما فيها من ألم ووجع، فإنها تحدث بالفعل، فمن الممكن أن
ترى المرأة نفسها أو أختها أو جارتها مكان البطلة؛ وبالتالي تحدث حالة من التوحد
العاطفي معها .
الدراما بمثابة المدفعية الثقيلة
التي توجه تحطيم القيم الأصيلة للأسرة
العمل الدرامي الجيد بخترق
وعي المشاهد وصولًا لعقله الباطن
المخطط الأممي لا يمثل سوى الوجه الكالح ثقافة الغرب التي يسعى لفرضها باعتبارها قيمًا إنسانية عالمية
يرتفع مقدار السم، ولا بآس
بصدمة بين الحين والآخر تكون بمثابة بالون اختبار لقياس مدى تقبل الجماهير لتلك
الأفكار السامة، لو أخذنا مسلسل «فاتن أمل حربي» الذي عرض على شاشات التلفاز في
رمضان الماضي، نجده يجسد هذه الإستراتيجية بأكبر قدر من الفاعلية، فالمشاهد يتعاطف
مع بطلة المسلسل التي تعاني أشد المعاناة مع زوج يعنفها ويهينها ويبخل عليها حتى
ينتهي الأمر بالطلاق، وهنا تبدأ العقدة الحقيقية للمسلسل؛ حيث معاناة الزوجة في
أروقة محاكم الأسرة حتى تنتزع حقوقها الشرعية من هذا الرجل.
هذا هو العسل الذي يجذب
المشاهد من خلال قصة رغم ما فيها من ألم ووجع، فإنها تحدث بالفعل، فمن الممكن أن
ترى المرأة نفسها أو أختها أو جارتها مكان البطلة؛ وبالتالي تحدث حالة من التوحد
العاطفي معها .
أما السم هنا فهو من النوع
الصادم الذي لا يمكن تمريره بسهولة من ذلك النوع الذي يمثل بالون اختبار حقيقيا،
فهنا لا يتم شجب العادات المجتمعية أو لمجتمع الذكوري أو حتى المطالبة بتغيير
قوانين الأحوال الشخصية حتى تتحقق لمساواة بين الرجل والمرأة كما تنص الوثائق
الأممية، بل إن المؤلف هنا يوجه سهامه مباشرة وبشكل صريح لا يقبل المواراة للتشريع
الإسلامي.
المؤلف »إبراهيم
عيسى الذي يقاتل لأجل نشر أفكاره تارة من خلال الرواية كما في روايته «رحلة الدم..
القتلة الأوائل»، ثم في السينما كما في فيلم «مولانا»، الآن يتجه للدراما التي
تدخل كل بيت، عيسى الذي يقاتل لأجل خلخلة الإسلام من الداخل فيرفض السُّنة لنبوية
ويكتفي بالقرآن ويرفض أقوال المفسرين والعلماء بل ويحقر منهم« يعبر عن أفكاره الساقطة بجملة تقولها بطلة المسلسل
وتصل لعامة الناس كخلاصة أفكاره: «هو ربنا بنفسه اللي قال كده؟»، أو جملة «مليش
دعوة بالفقه»، أو جملة
«ربنا اللي قال ولا أنتم؟» »الشيوخ«، «مش محتاجة أدرس علشان أفهم كلام ربنا»، إن المؤلف الذي يدعو
لمذهب القرآنيين ظاهرًا يريد، كما جاء على لسان البطلة، أن يكون الحكم الشرعي
مذكورًا بأدق التفاصيل في النص القرآني، وربما في مرحلة لاحقة يطالب أن يكون
باللهجة العامية كما جاء على لسان البطلة!
هذا السفه ليس توقيرًا ولا
احترامًا لكتاب اللّٰه عز وجل بحال من الأحوال، بل ستهانة واستهزاء بالغي الوضوح،
ولكن البطلة يرتجف صوتها وتتساقط دموعها وهي تهتف بالشيخ اللّٰه رحيم وعادل ولا
يمكن أن يحرم أما من أبنائها بعد أن طالبته بآية تقول: «إن الست المطلقة لما تتجوز
تسقط عنها حضانة أطفالها»، لأنها دارسة للقانون وموظفة في الشهر العقاري، فهي تريد
لائحة واضحة وليس كلام شيوخ وفقهاء لا يرون في المرأة إلا مخلوقا ناقص العقل.
هذا الحوار وهذا الكلام السمج
الذي يقطر جهلاً ويلتحف مشاعر وعواطف يدور على الأقل مع 3 شيوخ، فينحاز لها أحدهم »الشيخ المستنير«.
أثار هذا المسلسل لغطًا شديدًا
أثناء وبعد عرضه وتساؤلات كثيرة لعامة الناس عن الحكم الشرعي ومصادره وعن الفقه
وأصوله.. لكن أخطر ما أثاره يتجاوز الأفكار التي طرحت وإنما في الرسائل المبطنة
التي وصلت للعقل الجمعي اللاواعي خاصة بالنسبة للنساء، تلك الرسائل التي اختلطت
فيها الأفكار بالعاطفة مستغلة حالة الجهل الديني لخدمة قيم فكرية تخدم منظومة تسعى
لاستخدام كافة التدابير خاصة الثقافية»وفي
القلب منها الدراما« لفرض واقع جديد .•
مع بدايات ظهور الشريط
السينمائي واختراع الأخوين »لومير« لآلة العرض السينمائي، انتبهت الحركة الصهيونية إلى هذا الاختراع
الجديد، واستثمرته في دعم مشروعاتها الفكرية والتوسعية، وتنبه صانعو الصهيونية إلى
هذه الوسيلة الجديدة كأداة للدعاية التعبوية القادرة على إعادة بعث شعب تشتت في
العالم لمدة 2000 عام على شكل أمة واحدة، فضلًا عن الترويج لمظلومية مفترضة وهو
نزعه من أرضه ونفيه منها، وبذلك كان لا بد من الترويج لخرافة حق العودة للوطن
المقدس.
نشأ الاهتمام بالسينما
بالنسبة لليهود من خلال المؤتمر التثقيفي الصهيوني المنعقد ببازل عام 1897م، حيث
أكد في بنده الثالث أهمية الإعلام التثقيفي لخلق «إسرائيل»، ومن هنا برزت ضرورة
نشر الروح القومية والوعي القومي بين يهود العالم للاهتمام بالسينما، بعدها قام
المخرج »جورج
ميليه»، أحد رواد فن السينما، بإخراج فيلم «قضية دريفوس» الذي عرض عام 1899م،
مضخما من حجم الاضطهاد الذي عانى منه اليهود في أوروبا، من خلال موقف صغير عمد
المخرج لتهويله ليضع المشاهد أمام قضية إنسانية.
تطورت إستراتيجية الاستخدام
فيما بعد بحيث تم تجنيد السينما العالمية، لدعم فكرة «الوطن الواحد» الذي يضم
القومية
مرحلة ما قبل «النكبة» رسخت عقيدة القومية الواحدة واستخدمت فيها الدراما
التاريخية المعتمدة على نصوص التوراة
.. وافلامها غذت فكرة العنف والقوة الذكورية ضد
الآخر في سبيل الحفاظ على الذات القومية والأرض
فبعد عرض فيلم «قضية دريفوس»، حاول «تيودور هرتزل»، مؤسس الصهيونية العالمية، إنتاج فيلم «أرض الميعاد»، واستمرت المحاولة منذ عام 1899 إلى 1902م، إلا أنه لم يستطع إكمال المشروع، ليظل المشروع متوقفا حتى عام 1903م عندما أوفدت شركة «أديسون» أحد مصوريها لإنتاج سلسلة أفلام دعائية لصالح نشاطات الوكالة اليهودية بهدف توثيق وصول المهاجرين إلى أرض الميعاد، وتصويرها كأرض خالية من السكان.
ستمرت هذه الموجة من الأفلام
حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى لتوثق أيضا هزيمة الجيش التركي، ومشاهد الحرب في
فلسطين، إضافة إلى مجموعة من الأفلام التي راحت تحكي مجموعة من قصص العهد القديم
«الابن الضال»، «شمشون ودليلة»، وذلك بهدف التأكيد على عقيدة أرض الميعاد.
واتسمت مرحلة ما قبل نكبة عام
1948م بأنها مرحلة ترسيخ عقيدة القومية الواحدة، التي يجب أن تعود إلى الأرض التي
وعد اللّٰه بها إبراهيم عليه السلام، واستخدمت فيها الدراما والأفلام التوثيقية
والدراما التاريخية المعتمدة على نصوص التوراة.
ولكن مع انتهاء الحرب
العالمية الثانية، كان لا بد من تعديل الرسائل الدعائية وبناء الشخصية الصهيونية
القادرة على امتلاك الأرض ومحاربة الأعداء، ولكن كيف سيتم ذلك في ظل استمرار تبعية
العقلية اليهودية للغرب، وسقوطها في فخ لعبودية للشخصية الغربية التي عاشت قرونًا
تحتقرها ؟
كان لا بد من تأهيل جديد
وإنتاج ذكورية يهودية للفرد، فالخطاب الطبي في أوروبا كان دومًا يصم الجسد اليهودي
بالخنوثة والمرض والجنون والانحراف الجنسي، وقد ظهرت تلك النزعات في كتابات العديد
من الفلاسفة والمفكرين حتى اليهود منهم مثل «فرويد» عضدوا تلك الصورة الذهنية.
توجهت تلك المرحلة من الإنتاج
السينمائي الدرامي للشخصية اليهودية وتحديدًا للذكر الذي يجب أن يتم تجهيزه ليتحول
إلى أداة قتل واستيلاء على الأرض
والاستغلال السياسي
وامتلاكها بالقوة، فكان من
أهم أفلام تلك المرحلة فيلم «غدًا يوم رائع»، الذي يحكي قصة فتى نجا من
«الهولوكوست» لكنه عاجز عن مواجهة الحياة، إلا أنه عندما انتقل إلى فلسطين يصطدم
بالأسلاك الشائكة ل«الكيبوتس» التي يعيش فيها، فيتعامل بعنف معها ومع النباتات
والحيوانات ويتعافى بعدها، في إشارة إلى تحطيم كل حواجزه ومخاوفه النفسية.
غذت أفلام تلك المرحلة فكرة
العنف والقوة الذكورية ضد الآخر في سبيل الحفاظ على الذات القومية والأرض تمهيدًا
لبناء الوطن، فالبطل الذكر القوي القاتل هو مراد الأرض، أما الذكر القتيل في
المحرقة فهو يستحق ما حدث له لأنه ضعيف، وكان الملاحظ في الدراما من عام 1945 إلى
1948م أنها لا تظهر أي وجود فلسطيني في مشاهد الصراع.
بعد إعلان الدولة الصهيونية،
توجهت الرسائل من خلال الدراما السينمائية إلى الخارج، كان الهدف إقناع العالم
بهذا الكيان، ونسيان مسمى فلسطين، فركزت هذه المرحلة على إظهار اليهودي كشخص مساهم
في الرصيد الحضاري للإنسانية في مواجهة العربي المسلم الهمجي، وكان من أهم أفلام
تلك الفترة فيلم «سيف الصحراء» للمخرج «جورج شيرمان»، الذي تناول ميلاد الكيان
الصهيوني من خلال قائد سفينة إنجليزي مليئة بالمهاجرين، وعليه إما أن يكون جبانا
كالعادة أو أن يصبح بطلًا ويقف بجانب المهاجرين،
موجهًا اتهامًا للإنجليز
بالتعاون والوقوف مع العرب، وذلك بهدف إبراز الشخصية الصهيونية كبطل يواجه العالم
بمفرده من أجل حقه المشروع.
ستطيع القول: إن الفترة من
عام 1948 إلى 1967م ركزت على عدم إظهار العرب في صدارة العمل الدرامي، وحولت
الصراع وامتلاكها بالقوة، فكان من أهم أفلام تلك المرحلة فيلم «غدا يوم رائع»،
الذي يحكي قصة فتى نجا من «الهولوكوست» لكنه عاجز عن مواجهة الحياة، إلا أنه عندما
انتقل إلى فلسطين يصطدم بالأسلاك الشائكة ل«الكيبوتس» التي يعيش فيها، فيتعامل
بعنف معها ومع النباتات والحيوانات ويتعافى بعدها، في إشارة إلى تحطيم كل حواجزه
ومخاوفه النفسية.
غذت أفلام تلك المرحلة فكرة
العنف والقوة الذكورية ضد الآخر في سبيل الحفاظ على الذات القومية والأرض تمهيدًا
لبناء الوطن، فالبطل الذكر القوي القاتل هو مراد الأرض، أما الذكر القتيل في
المحرقة فهو يستحق ما حدث له لأنه ضعيف، وكان الملاحظ في الدراما من عام 1945 إلى
1948م أنها لا تظهر أي وجود فلسطيني في مشاهد الصراع.
بعد إعلان الدولة الصهيونية،
توجهت الرسائل من خلال الدراما السينمائية الصهيوني مع العرب إلى صراع مع القوى
الدولية من أجل إقامة دولتها، فمثلا فيلم «المشي خلال الحقول»، وهو فيلم حربي لا
يقدم مواجهة بين فلسطيني وصهيوني، ولكنه يقدم مواجهة بين العصابات الصهيونية
والبريطانيين، فما زالت دعاية الأرض الخالية من الشعب مسيطرة على لمشهد خلال تلك
الفترة.
الغريب أن تلك المرحلة ورغم
مشاركة الكيان في العدوان الثلاثي على مصر، فإنها منعت إنتاج أفلام حربية عن معارك
الصهاينة في سيناء، بل تعدى الأمر إلى منعها لفيلم «الطلائع الزرقاء» للمخرج «ثورلد
دينكسون))؛ بسبب تناوله لحرب عام 1956م، وتعبيره عن وجهة نظر الأمم لمتحدة، ويبدو
أن ذلك وفقًا لما ذكره منير الصلاحي في دراسته عن الرواية الصهيونية يرجع إلى أن
مصر كانت تواجه ثلاث قوى، منها قوتان من القوى العظمى، وأنها خرجت بنصر سياسي على
القوتين.
بعد إعلان الدولة الصهيونية توجهت الدراما إلى إظهار اليهودي كمساهم في الرصيد الحضاري
بعد «النكسة» روجت الدعاية
الصهيونية لنسيان القضية الفلسطينية وتقبل وجود الصهاينة كملاك للأرض
«النكسة» والسينما الصهيونية
وضعت الدعاية الصهيونية عدة أهداف للإنتاج الدرامي بعد هزيمة العرب في يونيو1967م، فكان هدفها الأول الترويج لضرورة نسيان القضية الفلسطينية، وتقبل وجود لصهاينة كملاك أصليين للأرض، باعتبار أنهم أصحاب حق استعادوه، مضيفة إلى رسائلها أن الدولة الصهيونية تقوم بمهمة سلام في المنطقة وتدافع عن مبادئ العالم لحر في منطقة يسيطر عليها الشيوعيون.
وكان تمجيد القوة العسكرية
الترويج للجيش الذي لا يقهر سمة تلك المرحلة، عبر عن ذلك جيدًا فيلم «سيناء 68»،
الذي صطنع بطولة لثمانية أفراد من جيش الاحتلال يحاصَرون في سيناء وتَدمَّر
المدرعة التي تقلهم، ولكنهم يواصلون مقاومة الجيش المصري رغم العطش والجوع، إلى أن
يلحق بها جيش الاحتلال وينقذهم، وعلى هذا المنوال نسجت أفلام كثيرة في تلك
المرحلة.
المراجع
1- سمير فريد، مدخل إلى السينما الصهيونية.
2 - منير صلاحي، الحقيقة والرواية.
3 - أمير العمري، سينما الهلاك.. اتجاهات
وأشكال السينما الصهيونية.
4- رؤوف توفيق، سينما اليهود دموع وجنائز.
5- محمد عبيدو، السينما
الصهيونية شاشة للتضليل.
6– لينا أبو الحلاوة،
الصهيونية تحولات أساطير لبطولة، ورقة بحثية.
الدراما والسياسة.. بين
الشرق والغرب
مصطفى عاشور
للدراما دورها في تشكيل الوعي
الجماهيري؛ فالصورة التي تقدمها -خاصة في السينم والتلفزيون- تنطبع في العقول، ومع
التكرار والإلحاح تعيد تشكيل الوعي أكثر من قيامها بإعادة صياغة الواقع؛ لذا توصف
بأنها إحدى أدوات «القوة الناعمة» التي نحرص السلطة على امتلاكها وتوظيفها؛ فلم
تعد الدراما أحد أشكال الترفيه أو الإمتاع فقط، لكن تعدى دورها لتصبح إحدى أدوات
لسياسة في التغيير أو التضليل.
يرتكز مفهوم التضليل السياسي
على فكرة احتفاظ الشخص بشدة بالمعلومات الخاطئة، أما على المستوى لجماهيري فيقود
التضليل إلى بناء تحيزات جماهيرية تجاه قضايا وقوى ياسية معينة، بناء على صورة
ذهنية تم ترسيخها، وقد يدفع هذا التضليل إلى قبول الجماهير لتبريرات السلطة في
ارتكاب فظائع واعتقالات وتصفيات ضد المعارضة، دون أن تشعر تلك الجماهير بأي وخز
ضميري؛ فالتضليل يُحدث تغييرًا في معايير الأخلاق والقيم والعدل الفن في أغلبه
يخاطب اللاوعي الإنساني، بغية التأثير في الوعي، وحسب دراسات في علم النفس، فإن
مشاهدة الأفلام تنشط خلايا معينة في المخ وتخلق رغبة في محاكاة الأبطال، وحسب النظريات
السلوكية، فإن مشاهدة الأفلام تؤثر في حياتنا، ومن ثم كان توظيف لسياسة للدراما
أحد أشكال التأثير في الواقع، وربما هذا ما حدا بالأديب الإسباني الراحل «كارلوس
زيفون» أن يعتبر السينما نوعًا من الاحتيال، ووسيلة لتغطية خداع العامة وتجهيلهم،
متهما إياها بأنها أداة لخلق حشود من الأميين.
والعلاقة بين الفن والسياسة
متعددة الأوجه والأغراض؛ فقد كانا على مر التاريخ متشابكين؛ نظرًا لدور الفن في
نشكيل هوية المجتمع الثقافية، وإيصال رسائل ذات أهداف سياسية لإظهار الواقع بشكل
معين، أو حتى تغييب هذا الواقع، أو تشويه قوى سياسية؛ فالفن حاضر مع السياسة توظيفًا
وتأثيرًا ومن يطالع كتاب «من
يدفع للزمار« «
Who paid the pipe » البريطانية «فرانسيس
سوندرز ،«
يلاحظ الدور الذي قامت به
أجهزة الاستخبارات الغربية لتدعيم بعض الفنون وتوظيفها كإحدى الأدوات الفاعلة في
الحرب الباردة، حتى تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من تقويض القوة الأخلاقية
للشيوعية، وإحداث شروخ نفسية وثقافية في النموذج السوفييتي، ونشير هنا إلى سلسلة
أفلام »جيمس بوند» في مطلع
الستينيات من القرن الماضي التي استمرت أكثر من نصف قرن، أنتج خلالها 26 فيلمًا
تناولت موضوع الجاسوسية، واستطاعت تقويض النموذج السوفييتي، حتى انهياره عام 1989م.
تشويه العرب والمسلمين:
أما تشويه العرب والمسلمين من
خلال الدراما في السينما الأمريكية والغربية، فكان مسارًا كبيرًا ازداد بعد أحداث
سبتمبر 2001م؛ إذ طبع في الأذهان صورة ذهنية للمسلم على أنه إرهابي، وتسربت هذه
الصورة إلى الوعي الجماهيري؛ فساهمت في تعميق كراهية الإسلام والمسلمين أو ما
يُعرف ب«الإسلاموفوبيا.«
ربما قد يكون من المفيد
الإشارة إلى إحصاء للدكتور أنس الشيخ علي، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة لندن،
وهو أن عدد الروايات التي هاجمت الإسلام والمسلمين في الغرب بلغت 1800 خلال20 عامًا فقط (1994 - 1974م)، ثم ارتفعت إلى
3600 في وقتنا الحاضر، ولا شك أن بعضها عرف طريقه إلى الدراما.
ففي دراسة صدرت عام 2015م
ل«جيرنوت ماير» عن «الإسلاموفوبيا«
« Homeland »في مسلسل «الوطن« الأكثر شهرة في التلفزيون
الأمريكي، كان من أكثر البرامج تخويفًا من الإسلام والمسلمين، رغم أنه مقتبس من
المسلسل«Prisoners
of War »الصهيوني
«أسرى الحرب«
وكذلك مسلسل (24) الأمريكي الشهير، الذي تم عرضه في نوفمبر2001م »ي في ذروة الغضب الأمريكي بعد أحداث سبتمبر«، وامتد 8 مواسم، عُرضت خلاله 192 حلقة، وأكدت تلك الدراما نمطية الصورة عن الإسلام.
عرضه الدراما لم تعد أحد
أشكال الترفيه فقط بل أصبحت إحدى أدوات التغيير أو التضليل
العلاقة بين الفن والسياسة متعددة الأغراض على مر التاريخ فهما حاضران معًا توظيفًا وتاثيرًا
دراسة: عدد الروايات التي هاجمت الإسلام في الغرب بلغت 1800 خلال عقدين فقط
الدراما والانتقام من الخصوم:
وفي الحالة المصرية، يلاحظ أن
الفن خضع للتوظيف السياسي على امتداد الأجيال المتعاقبة لحركة يوليو 1952م، حيث أدرك الضباط أهمية
الدراما والسينما في سحب البساط من العصر لملكي؛ فكتب اللواء محمد نجيب مقالًا
مبكرًا بعنوان «الفن الذي نريده»، معتبرًا السينما من أدوات التثقيف السياسي وليس
للترفيه أو التسلية فقط، فوضعت الدراما أنشطتها لتدعيم جهود السلطة وإيصال مشروعها
وأهدافها السياسية إلى الجماهير، ومن ناحية أخرى تم تصفية الحسابات بين حركة يوليو
ومعارضيها، فظهرت عدة أفلام تشوّه العصر الملكي، مثل: «غروب وشروق ،« و«القاهرة
30« ، و«رد قلبي»، و«في بيتنا رجل.«
ومع انتهاء الحقبة الناصرية، بدأ الرئيس السادات عصره متكئا على الدراما لإبراز انتهاكات الناصرية لحقوق الإنسان، واتباعها سياسة قمعية عنيفة.
أساءت إلى المواطنين، وكانت
البداية بعد أشهر قليلة من توليه السلطة؛ فكان فيلم «ثرثرة فوق النيل» عام 1971م
الذي ستعرض أسباب هزيمة يونيو 1967م، أما فيلم «زائر الفجر» فعرض فظائع ارتُكبت
بحق السياسيين المعارضين، وحقق شهرة عندما منعته الرقابة بعد أسبوع واحد من عرضه
في السينما عام 1973م، وكذلك فيلم «العصفور» الذي تناول فساد القطاع العام، لكن
الفيلم الأشهر كان »الكرنك»،
أما فيلم «عودة الابن الضال» الذي أخرجه يوسف شاهين؛ فتحول فيه الشاعر صلاح جاهين
من لسان لحركة يوليو إلى ناقد لها بكل ما أوتي من قوة، وكذلك عُرض فيلم «وراء
الشمس،« و«إحنا
بتوع الأتوبيس»، و«الرصاصة لا تزال في جيبي.«
نجحت الأفلام التي أنتجت خلال
سنوات حكم السادات في إزالة الأصباغ والمساحيق التي أخفت حقيقة الناصرية، كذلك
انطلقت تلك الدراما عبر مجموعة الحقائق لانتقاد الناصرية، مرتكزة على قيم إنسانية
وأخلاقية في النقد؛ لعل أبرزها رفض نهج التعذيب والفساد ومراكز القوى وقمع الحريات.
ومع عصر مبارك، تناولت
الدراما في البداية آثار الانفتاح الاقتصادي، وتعملق الفساد، ونمو الطبقات
الطفيلية، وتكاثر الأزمات المعيشية والطبقية، وتنامي الاستيراد والروح
الاستهلاكية، ومن تلك
الأفلام: «سواق الأتوبيس» عام
1982م، وفيلم «البريء» الذي تناول عمليات غسيل المخ التي يتعرض لها جنود الأمن
المركزي، وتأثير ذلك على عنفهم ضد المعارضين، وفيلم «زوجة رجل مهم» الذي تناول
موقف السلطة من أحداث نتفاضة الخبز 1977م، وفيلم «الغول« عام 1983م، وهو مأخوذ
عن مسلسل إذاعي بعنوان «قانون سكسونيا» وقد كتبه وحيد حامد، وفي العام 1987م كان
فيلم «زمن عاطف زهران»، وهنا يلاحظ أن بعض المؤلفين وصناع السينما كانوا من
المتأثرين بالتجربة الناصرية، فاستخدموا
الدراما باحتراف للانتقام من
الحقبة لساداتية.
ومع صعود جماعة الإخوان
المسلمين لسياسي والاجتماعي، بعد منتصف لثمانينيات، ثم مع صدام الدولة مع بعض
الجماعات الدينية المتطرفة، سجت الدراما علاقة بين
التدين والعنف والإرهاب؛ فظهر في تلك السنوات الكثير من الأفلام التي شوهت صورة
المتدين، وأسبغت عليه العنف والإرهاب وضيق الأفق والدموية، مثل فيلم «الإرهاب« عام
1989م، و«الإرهاب والكباب،« و«الإرهابي»،
و«الناجون من النار ،«
و«طيور الظلام. «
ومع تصاعد العداء السياسي عام
2010م
بين مبارك وجماعة الإخوان، ظهر مسلسل «الجماعة»
بتكلفة ضخمة اقتربت من 10 ملايين دولار، وعرض
في بعض المسلسلات تعدى
التشويه إلى التعدي على القيم الدينية مثل »فاتن
أمل حربي«
الدراما المصرية وضعت أنشطتها
لتدعيم السلطة وتم تصفية الحسابات بين حركة يوليو ومعارضيها الأفلام بفترة السادات
جحت في إزالة الأصباغ التي أخفت حقيقة الناصرية في شهر رمضان، والطريف أن وكالة
«أسوشيتد برس» كتبت أن المسلسل أدخل الجماعة في كل بيت، وبدلًا من التشويه زادت
التساؤلات حول الإخوان، وهي مياسة استمرت بعد 30 يوليو 2013م،
فأكدت دراسة بعنوان «الدراما
الوطنية تطارد فلول الوعي الزائف»، أن الدولة لمصرية وجدت ضالتها في الدراما
لتصفية ما أسمته «فلول الوعي الزائف وخطاب المؤامرة»؛ فمنذ ذلك التاريخ قدمت
الدراما بشكل مكثف لتشويه خصوم النظام بلا هوادة، وكان أبرزها مسلسل «الاختيار»
بمواسمه الثلاثة، لكن في مسلسلات أخرى تعدى التشويه إلى التعدي على القيم الدينية
مثل مسلسل»فاتن أمل حربي» الذي
دفع الأزهر لاستنكار ما جاء فيه، في بيان أصدره، في أبريل 2022م.
وتبقى في الفن قوة كامنة على إثارة وجدان الإنسان، وقدرة على إيقاظ المشاعر والأفكار، وطاقة دافعة إذا حسن توظيفها، وروعة وبراعة في شحذ الطاقات، وكما يقال: «الفن الحقيقي هو دفاع عن الضمير»، وكما أشار المفكر الكبير علي عزت بيجوفيتش أن «بحث الفن عما هو إنساني هو بحث عن اللّه»، فهو لحظة تحرر إذا أفلت من مخالب السياسة، لذا تخشى الدكتاتورية هذه اللحظة، وهنا يذكرنا التاريخ بمنع النازية لفيلم «الدكتاتور العظيم» عام 1940م للفنان «شارلي شابلن»، لسخريته من «هتلر»، ورغم مرور 80 عامًا، فإن الدراما نجحت في تجسيد شخصية الدكتاتور والسخرية منها .•
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
المرأة الأمريكية في مأزق.. حركة «ترجيل» المرأة أم تحريرها؟
نشر في العدد 71
24
الثلاثاء 03-أغسطس-1971