; الجامية في الميزان | مجلة المجتمع

العنوان الجامية في الميزان

الكاتب د. محمود المنير

تاريخ النشر الخميس 01-أكتوبر-2020

مشاهدات 21

نشر في العدد 2148

نشر في الصفحة 53

الخميس 01-أكتوبر-2020

قراءة في كتاب

الجامية في الميزان
دراسة موضوعية نقدية من بداية ظهورهم إلى وقتنا الحاضر

الكتاب يعد مرجعاً علمياً للباحثين في دراسة الفرق والجماعات الإسلامية المعاصرة
أسلوب الكاتب اتسم بالسهولة والبعد عن الاستغراق في الفتاوى والمسائل الشرعية
الجامية يدعون أنهم الجماعة السلفية الوحيدة ويرون غيرهم من الجماعات ضالة منحرفة
البدعة عندهم ليس لها تعريف معين ما أدى لإيقاع الناس في الحرج والدخول في المحظور
خالفوا منهج أهل السُّنة والجماعة في التعامل مع أخطاء بعضهم ما أدى لانشقاق جزء منهم
من التناقضات لديهم أنهم يجيزون الخروج على حاكم بعينه ويحرِّمون على آخر
الجامية ليست جماعة فكرية بل وظيفية تحركها الأجهزة الأمنية ببعض الأنظمة لأهداف سياسية
عرض- محمود المنير:

بيانات الكتاب: 
عنوان الكتاب: الجامية في الميزان.. دراسة موضوعية نقدية من بداية ظهورهم إلى وقتنا الحاضر.
المؤلف: د. مشاري سعيد المطرفي.
الناشر: دار النور المبين، عمَّان، الأردن.
سنة النشر: الطبعة الأولى- 2019م.
عدد الصفحات: 500 صفحة.

هذا الكتاب:
يقدم هذا الكتاب دراسة موضوعية نقدية عن جماعة الجامية؛ حيث يرصد المؤلف تاريخها من بداية ظهورها إلى وقتنا الحاضر، وكيف حولت الخلاف الفقهي السائغ إلى عداء وخصومة، مروراً بتتبع لأصولها التي أسست عليه منهجها، وعقدت عليه الولاء والبراء، وذكر ظروف وأسباب نشأتها وخريطة انتشارها، وأشهر مسمياتها وأبرز رموزها، وتقسيماتها، وانتهاء بذكر أشهر موقفهم من علماء الأمة.
كما رصد المؤلف أقوال المؤسسات الدينية كاللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، ومجمع الفقه الإسلامي في السودان، وأعلام الأمة كابن باز، وابن جبرين، وبكر أبوزيد، وعبدالرحمن عبدالخالق في هذه الجماعة. 
والكتاب يعد مرجعاً علمياً موسعاً في موضوعه للباحثين والمهتمين بدراسة الفرق والجماعات الإسلامية المعاصرة.
يرى المؤلف أن ظهور هذا الكتاب بعد ثمانية عشر عاماً من ظهور هذه الجماعة ليس مناكفة لهم ولا ترفاً فكرياً، بل دفاعاً عن الحق وشهادة لله تعالى؛ لأن الكتاب يتناول تاريخ ومواقف جماعة ملأت ساحة العمل الإسلامي وشغلت الناس بأفكارها وفتواها الضالة والمضللة، ولا يزال أثرها السلبي في ميدان الدعوة إلى الله يؤرق كل غيور على هذا الدين لعرضه بهذه الصورة من الغلو والتحريف، ولا يزال شيوخها يعتلون المنصات الإعلامية التي تبث هذا الفكر الضال بين طلاب العلم وجمهور المسلمين، لذا اندفع المؤلف لتوثيق مسيرة هذه الجماعة لبيان التناقضات الفكرية والمنهجية التي تصدر عن شيوخها، وناقش أفكارهم بمنهج علمي رصين يكشف كيف أنهم اختطفوا مصطلح السلفية زوراً وبهتاناً، بينما هم أبعد ما يكونون عن منهج السلف.
ضم هذا الكتاب مقدمتين؛ الأولى لأحد رموز العمل الإسلامي السلفي وهو الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، الذي رصد فيها ابتداعهم في الدين في ثلاث دوائر، هي:
الأولى: ما قالوه في شأن الحكام الذين يحكمون في بلاد المسلمين.
الثانية: في شأن الدعوة والدعاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
الثالثة: في أخلاقهم وما أحدثوه من الشرور والفتن.
ثم مقدمة المؤلف التي صدرها بأبرز معالم الجامية المدخلية وسماتها التي ستدور عليها الدراسة لبيان أنها من الفرق الضالة المنحرفة، ومنها:
1 - الطعن في العلماء والدعاة من أهل السُّنة وتتبع زلاتهم ونشرها وتهويلها. 
2 - تصنيف العلماء والدعاة من أهل السُّنة وتبديعهم وتفسيقهم.
3 - ادعاؤهم أنهم الجماعة السلفية الوحيدة في عصرنا، وما عداهم من الجماعات الأخرى إنما هي جماعة ضالة منحرفة.
ثم قسم المؤلف الدراسة إلى أحد عشر مبحثاً تحدثت عن بداية ظهور الجامية، وسبب تسميتهم بهذا الاسم، وأهم رموزها، وأبرز من طعن فيهم الجامية، وانقسامهم، وطعنهم في بعضهم بعضاً، وأقوال أهل العلم فيهم، وفيمن سار على نهجهم، وموقف أهل السُّنة من العالم إذا أخطأ، وأهم سمات ومعالم الجامية.
واختتمت الدراسة برسالة إلى كل من احترف التصنيف فتاب، وإلى من رمي بالتصنيف فصبر، وهي جملة من الأصول الشرعية التي ينبغي على كل مسلم مراعاتها.

منهج المؤلف وأسلوبه:
استخدم المؤلف المنهج التاريخي الاستقرائي في تتبع تاريخ الجامية وشيوخهم ومواقفهم وما صدر عنهم من فتاوى، وما وقع بينهم من انشقاقات، وما صدر عنهم من تناقضات، ثم عمد إلى تفنيد مواقفهم تجاه المخالفين لهم، وبيان ما لديهم من انحراف في أقوالهم التي اتسمت بالطعن والسب والتجريح من خلال بيان أقوال أهل العلم فيهم والرد عليها من القواعد الشرعية المرعية الثابتة لمنهج أهل السُّنة والجماعة، من خلال ذكر فتاوى الجامية والرد عليها بالحجة والدليل من أقوال علماء الأمة وسلفها الصالح.
كما اتسم أسلوب الكاتب بالسهولة والجزالة والبعد عن الاستغراق والاستطراد في الفتاوى والمسائل الشرعية، والاختلافات بين العلماء، كما حرص على البعد عن الفحش من القول والاستهزاء والطعن والتجريح، فلم يطعن بأحد منهم كما يفعلون هم مع مخالفيهم.
ووطأ المؤلف الكتاب للقارئ غير المتخصص، ورسم خريطة ذهنية واضحة المعالم لدراسته تناول فيها الجامية من مختلف الجوانب، وختمها برسالة طريفة جمع فيها من الأصول الشرعية ما لا يسع المسلم جهله؛ كتحريم النيل من عرض المسلم، وبناء حال المسلم على السلامة والستر؛ لأن اليقين لا يزيله الشك، وإنما يزال بيقين مثله، والتزام الإنصاف مع المخالفين لك في الرأي، والحذر من دعاة «الفتنة» الذين يتصيدون العثرات وغيرهم من الأصول الراقية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي السمحة.
الأصالة العلمية والمصادر:
نظراً لحداثة ظهور فرقة الجامية مقارنة بالفرق الإسلامية التي شهدها التاريخ الإسلامي؛ مثل الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والخوارج وغيرها من الفرق الإسلامية، اعتمد المؤلف على مراجع حديثة نسبياً؛ مثل مجموعة كتب ومؤلفات رموز الجامية، والكثير من المواقع الإلكترونية التي حوت محاضرات ودروس وفتاوى الجامية، حيث تتبع المؤلف إصدارات وخطب ودروس الجامية في مواقعهم وقنواتهم الفضائية ومنابرهم الإعلامية على نحو دقيق لاستقراء أقوالهم ومواقفهم وبيان أقوال أهل العلم فيها.
إلا أنه مما يؤخذ على الدراسة عدم وجود ثبت لهذه المراجع والمصادر وتصنيفها بشكل علمي دقيق، فلم يوثق الكاتب مصادره من الشبكة العنكبوتية خاصة «يوتيوب» بإرفاق الروابط وتاريخ الاطلاع عليها كما هو معمول به في إثبات المصادر الإلكترونية في الرسائل العلمية، واكتفى بذكر عناوين هذه الحلقات كما وردت.

من سمات الجامية
أشار الكاتب إلى الكثير من سمات الجامية المخالفة لمنهج أهل السُّنة والجماعة، لا سيما أن خلافاتهم لم تكن منهجية؛ بل غلب عليها التبديع والتفسيق والتضليل، والسب والشتم واللعن والطعن في النوايا وسوء العبارة بين بعضهم بعضاً، واللغو في ثناء بعضهم على بعض، ثم اللغو في ذم بعضهم بعضاً عند الاختلاف، وهذا بلا شك صنيع أهل البدع، أما أهل السُّنة والجماعة فينصح بعضهم بعضاً، ويصوّب بعضهم بعضاً، ويعذر بعضهم بعضاً، ويأتلفون ولا يختلفون.
ومن أبرز معالم وسمات الجامية التي ساقها المؤلف بكل جلاء ووضوح ودلل عليها ووثقها:
1 - الطعن في العلماء والدعاة من أهل السُّنة وتتبع زلاتهم وهفواتهم وأخطائهم وسقطاتهم ونشرها وتهويلها، من أجل إسقاطهم وتزهيد الناس بهم.
2 - تصنيف العلماء والدعاة من أهل السُّنة وتبديعهم وتفسيقهم.
3 - وضع أصول وقواعد للسلفية، فمن قال بها فهو منهم، ومن لم يقل بها فهو ليس منهم وليس بسلفي، وهي أصول وقواعد لا دليل عليها لا من الكتاب ولا من سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم كقاعدة: «من لم يبدّع المبتدع فهو مبتدع»، التي هي في حقيقتها «من لم يبدّع من بدّعناه فهو مبتدع». 
4 - اختبار وامتحان العلماء والدعاة وعامة الناس بأسماء معينة، فإن أجاب السائل بما يريدون فهو منهم وهو سلفي، وإن أجاب بعكس ما يريدون فهم عندهم ليس بسلفي بل هو ضال، منحرف، مبتدع، خارجي، تكفيري، بحسب وصفهم وتصنيفهم.
5 - ادّعاؤهم أنهم الجماعة السلفية الوحيدة في عصرنا الحاضر، وأن ما عداهم من الجماعات الأخرى إنما هي جماعات ضالة، منحرفة، وليست بجماعات سلفية وإن ادعت ذلك!
6 - التوسع في مفهوم البدعة، فالبدعة عندهم ليس لها مفهوم أو تعريف أو ضابط معين، وهذا التوسع يؤدي إلى إيقاع الناس في الحرج والمشقة والدخول في المحظور من التنطع والتشدد.
رصد الكاتب ملمحاً مهماً في مسيرة وتاريخ الجامية؛ وهي كثرة التناقضات والانشقاقات على نحو لافت للمتابع لهم، سواء في المدينة أو الكويت, والتساؤل الذي يطرح نفسه: ما الأسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة؟ 
يشير المؤلف إلى أن من يتعرف على الجامية يجد الجواب واضحاً؛ فالجامية خالفوا منهج أهل السُّنة والجماعة في التعامل مع أخطاء بعضهم بعضاً، وسلكوا منهج أهل الزيغ والبدع في التعامل مع هذه الأخطاء؛ فضلل بعضهم بعضاً، وحذّر بعضهم من بعض، وطعن بعضهم في بعض، وهذا لا شك منهج أهل البدع والزيغ، فالجامية لما فرغوا من الطعن والتحذير من الذين يخالفونهم في منهجهم القائم على الطعن في العلماء والدعاة باسم الجرح والتعديل، وقعوا وتفرغوا للطعن والتحذير في بعضهم بعضاً. 
من خلال رصد وتتبع الفتاوى والآراء والأقوال والمواقف التي تصدر عن الجامية، لا سيما فيما يتعلق بقضايا مثل الخروج على الحاكم والمظاهرات والشأن العام، يجد الباحث أنه ليس هناك خيط ناظم لمنهج منضبط لدى شيوخها في الفتوى، بل هناك عبث وفوضى في الاستدلال المبتور، وتخبط شديد في استيفاء الأدلة والقياس والاستنباط من الأصول، وتبرير متناقض للواقع؛ فتارة يجيزون الخروج على حاكم بعينه، ويحرمون الخروج على آخر، ومن معالم الاضطرابات الشرعية لديهم:
- الجهل العميق بأدوات الاستنباط الشرعية (علم أصول الفقه).
- الضعف الشديد في الفقه المقارن والخلاف العلمي.
- ضعف بقواعد علم الجرح والتعديل.
- لا يفرقون بين المسائل التي وردت في غير مظانها.
- لديهم ضعف وجهل ظاهر في تحقيق المناط.
ومن الأمثلة الدالة على ذلك التي فندها المؤلف:
- تبديع وجرح العلماء بلا سبب سوى الخصومة معهم.
- قولهم بعدم جواز الصلاة خلف من بدّعوه.
- قولهم: إن أهل البدع أشر من اليهود والنصارى.
- اعتبارهم المظاهرات خروجاً على ولي الأمر.
- اعتبارهم وسائل الدعوة توقيفية.
- اعتبارهم الحاكم الكافر المتغلب ولي أمر.
- قولهم بوجوب السكوت عن انحراف الحكام.
- إنزالهم الآيات النازلة في الكفار على المسلمين.
وسبب هذا التناقض في المواقف والخلل المنهجي الواضح أن الجامية ليست جماعة فكرية، بل جماعة وظيفية تحركها الأنظمة حسب المواقف السياسية، ويسوق المؤلف على ذلك الكثير من الأدلة، ومنها قوله: «لقد بلغ الخزي بأحد شيوخهم.. أنه أفتى بجواز التخابر مع المخابرات الفرنسية للإبلاغ عن المسلمين، وقد سمعته منه» (ص 195).
ومن المسائل التي خالفوا فيها السُّنة السلفية معاداتهم لأهل الحسبة الرسميين وغير الرسميين، بكل أشكالهم، حتى وصفهم عبدالعزيز الريس بأنهم «دواعش»! (ص 179).
ومثال ذلك أيضاً تعاون وقوف شيوخ ورموز الجامية في ليبيا مع القائد العسكري حفتر صاحب التوجه العلماني والمدعوم من الغرب ضد المجاهدين بدعوى أنهم من الإخوان المسلمين. (ص 545). 

خلاصات الأفكار: 
- الذي ينظر في تاريخ الدعوات والفرق والجماعات والأحزاب التي ظهرت على مدار التاريخ الإسلامي لا يجد فرقة مثل هذه الفرقة الخطرة التي تخصصت في تجريح العلماء والجماعات والأحزاب على نحو غير مسبوق، والتوسع في تبديع المخالفين لهم، والتعاون مع الأجهزة الأمنية لإلحاق الضرر بمن خالفهم.
- غياب القدوات في حياة الجامية المداخلة أدى إلى غياب التربية الحقيقية الأخلاقية السلوكية؛ مما أثر في عقولهم وسلوكهم مع مخالفيهم، وهذه ظاهرة ينبغي أن تدرس عن هذه المجاميع المقلدة الهائمة التي ليس لها هدف سوى السب والتجريح والطعن فيمن خالفهم، وكلهم يعتبر نفسه من العلماء، وكلهم يفتي بلا مؤهلات علمية وشرعية للفتيا.
- مجموع ما قدمته الجامية المداخلة إنما هو هدم وتفريق وكلام لا ينتهي في تصنيف الناس والعلماء، وردود جلها السب والطعن والتجريح في المخالفين، وهو منهج مخالف لمنهج أهل السُّنة والجماعة.
- هناك ظاهرة من التناقض الصارخ في مواقف شيوخ ورموز الجامية بين النظرية والتطبيق؛ ففي الوقت الذي يحرمون الخروج على ولي الأمر يحرضون على الخروج على حاكم آخر لمجرد أنه من جماعة مخالفة لهم! وهذا يشير بوضوح إلى أن الجامية المدخلية جهاز وظيفي تحركه الأجهزة الأمنية في بعض الأنظمة لأهداف سياسية.

الرابط المختصر :