; الجماعية في دولة الفكرة الإسلامية | مجلة المجتمع

العنوان الجماعية في دولة الفكرة الإسلامية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1978

مشاهدات 7

نشر في العدد 396

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 25-أبريل-1978

محاضرات

في مساء يوم الأربعاء الحادي عشر من جمادى الأولى- الموافق للتاسع عشر من شهر نيسان- أبريل- أقامت رابطة الأدباء محاضرة تحت عنوان- الجماعية في دولة الفكرة الإسلامية- تحدث فيها الدكتور عبد الله النفيسي الأستاذ المساعد في العلوم السياسية، ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت. 

بدأ النفيسي محاضرته بقراءة آيات من القرآن الكريم تصور حوارا جرى بين فرعون وموسى:

(قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ* قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ  قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ  قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)

ثم قال النفيسي: في القرن السابع الميلادي بدأ تقويم جديد، اتخذ الهجرة أساسًا له، وكان اختيار موفقًا. 

فلو اختير مولد الرسول بداية لهذا التقويم لما كان فيه غير دلالات عاطفية، في حين نجد في الهجرة تشخيصًا إيمانيًا أقوى دلالة من ميلاد المصطفى، فقد أبرزت الهجرة الكيان العملي في صورة محسوسة، وكانت حدثًا كبيرًا قامت على أثرها دولة الإسلام في المدينة.

فقال إن شبهات كثيرة أثيرت لعزل الإسلام عن الحكم والسياسة، أن الحكم الإسلام قائم على مستويات ثلاثة. 

أولًا: القرآن الكريم الذي وردت فيه آيات كثيرة توجب قيام الدولة الإسلامية، ومنها قوله تعالى- ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ (سورة المائدة: 49) وقوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (سورة المائدة: 47) ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (سورة المائدة: 45) ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (سورة المائدة: 44)  وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ  (سورة النساء: 105) ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾  (النساء: 65) وقوله: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ (النساء: 60)

ثانيًا: الرسول وسنته عليه الصلاة والسلام. لقد مارس الدولة ومارس الحكم، فقضى في مختلف الشؤون المالية والعائلية والجنائية، وأقام الحدود، وعين الولاة، وأرسل السرايا، وشارك كما يقول ابن هشام في سبع وعشرين غزوة. رماه عتبة بن أبي وقاص فكسر رباعيته اليمنى وجرح شفته السفلى، وشجه عبد الله بن شهاب في جبهته. وهكذا 

محمد -صلى الله عليه وسلم- قبض الخمس والفيء والزكاة ووزعها، وإلى غير ذلك من شؤون الحكم، وبذلك قامت دولة الإسلام في المدينة برئاسته فأسس سلطة مركزية ورص الجبهة الداخلية للجماعة. 

ثالثًا: ما ذكرته المصادر الرئيسية لتاريخنا الإسلامي، كلها تؤكد ما جاء في القرآن، وما صدر عن الرسول ومنها الماوردي في أحكامه السلطانية والغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد-، وابن تيمية في- السياسة الشرعية وابن خلدون في مقدمته.

هذه المستويات الثلاثة كلها تصب في مجرى واحد هو أن الإسلام يوجب إقامة الدولة التي تدين بنظامه وفكره وعقيدته.

وبعد أن تحدث المحاضر في هذا عرج على الألقاب السياسية، فذكر كيف أن أبا بكر كان لقبه خليفة رسول الله، فلما مات، وجاء عمر ولقب خليفة خليفة رسول الله، وصار الأمر أكثر طولًا وادخل في التعقيد.. بحثوا عن لقب آخر..

وهنا يعرض النفيسي لقصص صغيرة تصور زهد الراشدين في الألقاب، فيذكر حوارًا جرى بين سلمان الفارسي وعمر بن الخطاب يسأله الأخير إن كان ملكًا أم خليفة؟ فيقول له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهمًا أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه.. فأنت ملك غير خليفة.

ثم يمضي المحاضر في سرد صور من تاريخ الخلافة الراشدة تظهر وقوف الخلفاء عند الحدود التي خطها لهم فلا يتجاوزونها.

وينتقل بعدها إلى ولاية العهد وما اتفق الجمهور في مسألتها فينقل عنهم هذه الشروط الثلاثة:

١- لا يجوز عقد ولاية العهد للأبناء إذا كانت النية في حفظ الحكم للفروع.

۲- يجوز عقد الولاية للأبناء عند تحقق المصلحة العامة بعد قرارها مَن أهل الحل والعقد.

٣- يشترط بعد قرار أهل الحل والعقد لولاية الأبناء مبايعة عامة للمسلمين. ويذكر قولة ابن تيمية إن الخليفة الذي يختار من يوجد أصلح منه للمسلمين فقد خان الله وخان الرسول وخان المسلمين.

ثم ينتقل المحاضر إلى الحديث عن القضايا الاقتصادية في الإسلام، والعدالة الاجتماعية في نظامه.
ويختتم محاضرته فيقول: 

إذا كان عصرنا الحاضر هو عصر الجماعة وإلغاء الامتيازات الفردية لبعض الأفراد والعائلات على حساب الجماعات؟

وإذا كانت الأمم لم تستطع أن تحقق هذا إلا في القرن العشرين وبعد فإن دولة الإسلام، وبصورة واضحة وفي خلافة ابن الخطاب الراشدة حروب ودماء؟

حققت هذه الجماعية قبل أربعة عشر قرنًا، وجعلته كأحد مقررات التشريع الإسلامي.

ولعل ما يثير الدهشة، تلك البساطة التي كان يحقق بها عمر أشد الأمور على الحكام من بعده. 

ولقد قال الفاروق عمر قولة تلخص هذا كله:- لا يزالون مستقيمين ما استقام ولاتهم.. فإذا رتع الحكام رتعوا-.

أليس لهذا السفه حدود؟

لم نكن نتوقع أن يبلغ الاستخفاف بأثرياء العرب المسلمين إلى هذا الحد من السفه، فقد قرأت في الصحف أن مجموعة من أثرياء السعودية ذهبوا إلى مصر ليعرضوا على المسئولين هناك استثمار أموالهم في تنمية السينما المصرية، وكان أن استجاب المسئولون المصريون لهذه النخوة العربية، وتشكلت اللجان من الجانبين: السعودي والمصري لبحث خطوات التنفيذ.. 

ويبدو أن مصر قد استوعبت كل متطلباتها من المشروعات الاستثمارية الجادة النافعة، ولم يبق إلا أن ترحب بمشروع استثماري من أجل تنمية السينما، حتى يتمكن الشعب المصري المطحون أن يحصل -بلا مهانة وبلا مشقة- على لقمة العيش وقطعة القماش، والمسكن المتواضع، ووسيلة المواصلات الأكثر تواضعًا..  ويبدو أن الأخوة الأثرياء من السعودية قد فاضت أموالهم الطائلة على كل المشروعات الاستثمارية الجادة النافعة في البلاد العربية المتخلفة، ولم يبق إلا أن يستثمر الفائض في تنمية السينما، ومن يدري فلعل هؤلاء الأثرياء السعوديين يفكرون بعد ذلك في استثمار الفائض من أموالهم في تنمية شارع الهرم، وصالات الميسر في شيراتون والهيلتون والميريديان بالقاهرة.

ومما يدعو إلى الأسى المرير أن وزير الثقافة المصري يعلن في مجلس الشعب أن مصر في حاجة ملحة إلى بناء ثمانمائة دار للسينما، ومسكين هذا الوزير الذي يسكن القصور، فهو لم يدر بعد أن آلاف الأسر المصرية التي تهدمت منازلها منذ بضعة عشر عامًا، لم تزل تعيش في خيام، وإن بعضها لم يزل عاجزًا عن الحصول حتى على الخيام.. 

وإذا لم يكن هذا سفهًا فماذا يكون السفه؟؟

أبو هالة

الرابط المختصر :