; الجوانب الروحية للحج | مجلة المجتمع

العنوان الجوانب الروحية للحج

الكاتب د. حسين شحاتة

تاريخ النشر الثلاثاء 13-أغسطس-1985

مشاهدات 18

نشر في العدد 729

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 13-أغسطس-1985

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ولكن تجتمع فيه كل شعائر العبادات، ففيه يعلن الناس الشهادة بالوحدانية لله سبحانه وتعالى ولا حاكمية لغيره يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك وفيه تؤدى الصلاة خشوعًا لله ورجاء وفيه يصوم الناس إيمانًا واحتسابًا لوجه الله الكريم، وفيه يتضرع الناس بالدعاء يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وفيه ينفق الناس المال على حبِّه ابتغاء مرضاة الله يرجون تجارة لن تبور... وفيه يجاهد الناس بالمال والنفس... وبكل نفيس في سبيل الفوز بالجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين.

والحج مدرسة روحية تصقل فيها النفوس وتستنير فيها الأفئدة وتطمئن فيها القلوب وتظهر فيها الأحاسيس وتقوى فيها المعنويات، كما تعمل على توحيد المسلمين على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ففي الحج منافع روحية عظيمة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

أولًا: في الحج استشعار القلوب بوحدانية الله:

يستشعر الناس في شعيرة الحج بوحدانية الله سبحانه وتعالى وذلك من خلال وحدة المناسك والمشاعر والقصد والسعي والقول والدعاء، الجميع مسلمون يطوفون ببيت واحد، ويعبدون إلهًا واحدًا، ويتبعون رسولًا واحدًا، وينتهجون منهجًا واحدًا، كل هذا تجسيد حقيقي لمدلول «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده»، إن هذا الشعور يترك في نفوس المسلمين أهمية الوحدة والعمل في ظل جماعة واحدة حتى يتمكنوا من الانتصار على أعدائهم... ويكونوا بحق خير أمة أخرجت للناس، وذلك مصداقًا لقوله تبارك وتعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهَ عَلَيْكُمْ﴾ (آل عمران:١٠٣).

ثانيًا: في الحج تعويد للنفس على الطاعة والامتثال لأمر الله:

الحج فرض في العمر مرة على كل مسلم ومسلمة لمن استطاع ذلك ومن ينكر فرضية الحج فقد كفر، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ (البقرة:١٩٦).

وقوله جل وعلا: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ (آل عمران:٩٧).

ولقد بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضية الحج فقال: «يأيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا»..

وتأسيسًا على فرضية الحج نجد أن الحجاج يؤدون نسكه: الطواف والوقوف بعرفة، والسعي، والحلق والتقصير والهَدْي... وغير ذلك من النسك دون نقاش و جدل، بل طاعة وامتثال واستسلام لأمر الله سبحانه وتعالى، وفي هذا تعويد للنفس البشرية على الالتقاء على طاعة الله والاتحاد على دعوته، ولقد وعد الله سبحانه وتعالى أصحاب هذه النفوس المطيعة والمستسلمة له بالجنة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره، إن سألوه أعطاهم، وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استُجيب لهم وإن شَفَعُوا شُفِّعُوا» (رواه ابن ماجه).

ثالثًا: في الحج تزويد القلوب بالإيمان والتقوى:

من منافع الحج الروحية التزود بالتقوى ولقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الحج:٣٧).

وقوله جل شأنه: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة:١٩٧).

وقال أيضًا: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج:٣٢).

ولقد ورد في تفسير هذه الآيات أن من أهم مقاصد أداء مناسك الحج هو استشعار التقوى والتزود منها، فقد ورد في ظلال القرآن في هذا الشأن «أن التقوى زاد القلوب والأرواح منه تقتات، وبها تقوى وترف وتشرق وعليها تستند في الوصول والنجاة وأولو الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى وخير من ينتفع بهذا الزاد» «الظلال الجزء ٤ صفحة ۱۹۷».

فالحج مناسبة طيبة مباركة لتزويد القلوب بالتقوى وهو خير الزاد.

رابعًا: في الحج اختبار لقوة الإيمان:

من أهم غرائز النفس البشرية حب الشهوات من النساء والبنين والأموال والتمتع بلذائذ الحياة الدنيا المختلفة، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ (آل عمران:١٤).

وفي الحج يترك الناس هذه اللذائذ وينسون رغبات الدنيا ويتجنبون الشهوات.. ففي ذلك اختبار على قوة الإيمان وصدق العقيدة والإخلاص في حب الله ورسوله. فالحجاج أثناء أداء المناسك يؤمنون إيمانًا بأن تقوى الله والعمل على الفوز برضائه وغفرانه خير من تلك الشهوات الزائلة ويتذكرون قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ (البقرة:١٦٥).

كما أنهم يحسون بحلاوة الإيمان ولقد قال عن هؤلاء صلى الله عليه وسلم «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (متفق عليه)، ولذلك يعتبر الحج المبرور من مقاييس صدق العقيدة وقوة الإيمان.

خامسًا: في الحج تطهير للنفس البشرية من مظاهر الكبرياء والعظمة:

يلبس الحجاج ملابس بسيطة، يستبدل الغني الفاخر الثمن من الثياب بثوبين لا زينة ولا زخرفة فيهما كما يقف أمام الله سبحانه وتعالى متجردًا من كل مظاهر الحياة الدنيا الزائلة يتذكر يوم لقاء الله، وهذا يطهر النفس البشرية من الكبرياء والعظمة والغرور والتفاخر بالأنساب والألقاب، كما يعود النفس البشرية على التواضع حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد متذكرين قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات:١٣).

سادسًا: في الحج تعويد للنفس على الجهاد:

لقد خلق الله سبحانه وتعالى في النفس البشرية نوازع الخير والشر، وأصل ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس:10:7).

فالإنسان قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر، ولذلك يجب على المسلم أن يستخدم القدرة الكامنة في كيانه في توجيه نفسه إلى الخير، وذلك عن طريق كثرة الذكر والطاعات والالتزام بالطريق المستقيم ويعتبر ذلك من أنواع جهاد النفس الأمارة بالسوء.

ويعتبر الحج من وسائل تزكية النفس وتطهيرها وتنمية استعدادها للسير في طريق الخير، فالحجاج يضحون بالمال مع حبه، ويتجنبون الشهوات مع لذائذها، ويركبون الصعاب ويعانون من المتاعب... في سبيل أداء تلك الفريضة ليفوزوا برضاء الله ... فهذا يعتبر نوعًا من أنواع جهاد النفس ولقد أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «يا رسول الله ترى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لكن أفضل الجهاد هو حج مبرور»، وعن ابن خزيمة في صحيحه، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: عليهن جهاد لا قتال فيه.. الحج والعمرة»، وروى النسائي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جهاد الكبير والضعيف والمرأة.. الحج والعمرة». ولذلك يعتبر الحج من الشعائر التي تعود النفس البشرية على التضحية والجهاد.

الحج مدرسة ربانية روحية

تبرز المنافع الروحية للحج أنه مدرسة لتربية النفس والسمو بها إلى العلا، فيها يتعلم المسلم كيف يعيش في عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى، وأن يكبح الشهوات واللذائذ ونزوات الشر، فيما يعود الإنسان نفسه على التضحية والجهاد والالتزام بالطريق السوي فيها يربي الإنسان نفسه على حب الله ورسوله والولاء للإسلام كمنهج حياة لا اشتراكية ولا رأسمالية.. فيها يتحسس الإنسان الاقتداء برسول الله وبأصحابه والمجاهدين الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين وتركوا لنا راية الإسلام مرفوعة في ربوع العالم أن من يتعلم في هذه المدرسة ويحرص على الاستفادة بما فيها من دروس تربوية يكون جزاؤه الجنة بأمر الله سبحانه وتعالى الذي وعد بذلك على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (متفق عليه).

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 4

64

الثلاثاء 07-أبريل-1970

نشر في العدد 10

51

الثلاثاء 19-مايو-1970

نشر في العدد 17

56

الثلاثاء 07-يوليو-1970