العنوان الحصاد المرّ للمجالس المشوهة!!
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 02-مارس-1993
مشاهدات 12
نشر في العدد 1040
نشر في الصفحة 39
الثلاثاء 02-مارس-1993
معالم على الطريق
المجالس السلطوية المصنعة محليًا لتلبس عباءة الديمقراطية قد انكشفت عوراتها من قديم، والمؤسسات الصورية التي شكلتها الأنظمة لتمثل دور الرقابة الشعبية قد افتضحت سوءاتها من زمن، لأنه يستحيل على هذه الهياكل والتماثيل والدُّمى والخشُب المسندة أن تؤدي عملًا فاعلًا بهذا القناع الزائف، كما يستحيل على أي قوة مهما عظمت أن تجري فيها دماء، أو تبيض فيها قلبًا، أو تبعث فيها فكرًا، وإنما تظل دُمًى تحركها أصابع صانعيها، وتوجهها مصالح وشهوات مشكليها، وقد اخترع هذه المسوخ وجمع هؤلاء البهلوانات دكتاتوريات العسكر ومن لف لفَّهم، حينما أحسوا بأنفاس الشعوب تعلوا وأصواتهم تتصاعد، ليلتفوا حولها، ولكن هذه الخيالات الكذاب لم تخدع أحدًا أو تضلل إنسانًا، بل قوبلت بالسخرية والازدراء من الأفراد والأمم، وقد صورت هذه الأبيات حال طاغية ومجلس من هذه المجالس المؤلفة تأليفها هزلي دكتاتوريًا في الأمم البائسة المنكوبة بهؤلاء وأولئك فقالت:
ها هم كما تهوى -فحركهم- دُمى *** لا يفتحون بغير ما تهوى فما
إنا لنعلم أنهم قد جمعوا *** ليصفقوا إن شئت أن تتكلما
وهم الذين إذا صببت لنا الأسى *** هتفوا بأن تحيا للبلاد وتسلما
قد كنت مكشوف النوايا فاتخذ *** منهم لتحقيق المطامع سُلما
وسطوت قبل اليوم تحذر لائمًا *** فالآن تسطو لا تخاف اللُّوَّما
أي الشياطين احتباك فكنت في *** إحكام تدبير المكيدة ملهما
كلماتك الجوفاء كان طنينها *** صرخات ذئب في أهابك قد نما
تنساب في آذاننا معسولة *** وإذا جلاها الذوق كانت علقما
وظللت تنسج جنة من أحرف *** للشعب يلمسها الغداة جهنما
ودعوتنا لنقيم مجلس أمة *** حر.. فصدَّقنا وقلنا ربما
فأبيت إلا أن تكون كعهدنا *** بك في النعومة والضراوة أرقما
وفجعت أمتنا بمجلسها الذي *** سقتم إليه موافقين ونُوَّما
فالمجالس الهزلية الكرتونية ما هي إلا مسوخ ومعوقات لفاعليات الأمم وانطلاقات الشعوب والأمم تريد أن تربأ بنفسها عن لوثات الجهالة وشطحات الدجالين وحقيقة تلك المجالس في المجتمع المدني الحديث تنبع أساسًا من إرادة الأمة يقيمها الناس وينخرطون فيها، أو يقضونها وينسحبون منها حسب أطر ومقاييس معينة تحقق لهم توجهاتهم وتفاعلاتهم ونهضتهم، لأن مؤسسات المجتمع المدنِي ليست في حقيقة الأمر إلا الأطر الاجتماعية التي تنظم فعاليات الأمم بجمهورها ونخبها، في توجهاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
أما المجالس ماركة صناعة حكومية، فالسُلطة الحاكمة هي التي تنشئها لنفسها وتربيها على عينها، لتغذيها بتوجهاتها، وتمنحها السُلطة والنفوذ إذا أرادت وتسلبها إذا شاءت أما المضمون الديمقراطي الحقيقي لهذه المؤسسات فقد سلبته الدولة وامتصته امتصاصًا، فأصبحت الديمقراطية مهمتها تفريط الحكام وتنفيذ رغباتهم، وإطلاق البخور في مجالسهم العامرة ولا تمارس الديمقراطية إلا على مستوى الحزب الحاكم أو الهوى الشخصي، وانقلبت تجارب الديمقراطية في العالم الثالث بعد أن كانت وسيلة تمكن المجتمع من مراقبة الدولة، إلى مؤسسات تمارسها الدولة على المجتمع لقهره وخداعه وتكبيله بأساليب قانونية مغشوشة ومشبوهة، وألبست بهذه الدكتاتوريات غباءها وحملت مفاسدها وألصقت جرائمها ووضعت خبثها في سَلك تلك المجالس لتحملها أوزارها وعارها على أعناقها في التاريخ وأمام الأمم.
والحق أن مجالس الشورى الحقيقية لازمة اليوم للأمم المتخلفة كلزوم الدواء للمريض والشفاء للعليل، لأنها ستبعثه وتطلق طاقاته من جديد نحو نهضة حقيقية فاعلة، ولكن هل ستصحو الشعوب وتجاهد لتنعم بإنسانيتها وخيراتها أم تظل تجنِي الحصاد المُرَّ لتلك الصنعات المشوهة والمجالس الموهومة!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل