العنوان الحملة الإعلامية الأمريكية الغربية على الإسلاميين ممثلين في حركة حماس
الكاتب أحمد ابو الجبين
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1993
مشاهدات 7
نشر في العدد 1050
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 18-مايو-1993
«مقاتلون إرهابيون متطرفون، رادیکالیون، همجیون، سفاحون ومروعون هؤلاء
الأصوليون الإسلاميون المتطرفون»! هذا الوابل من النعوت هي التي يكررها القضاة والمحامون وكل من يحاول الإجهاز
على النهضة الإسلامية.
وإن هذا السيل العارم من التهم هى خلاصة ما تزخر به التقارير المغرضة
والمجحفة بحق «حماس» حركة المقاومة الإسلامية داخل الأراضي المحتلة،
وقد أجمعت عصبة من المثقفين على
أن الإسلام السياسي يشهد نموًا مطردًا يومًا بعد يوم مما دفعهم إلى خوض حملة شعواء
لوضع حد لهذا النمو واختلاق أسوأ الافتراءات لتشويه صورة الإسلام المشرفة..
وهكذا فإن العدالة العربية (على نمط الكاوبوي) لم يطرأ عليها أي تغيير وتقوم على المبدأ الآتي:
الإعدام أولًا ثم
المساءلة.
«شهيد».. ومصاب
إن الإسرائيليين الذين قتلوا فى الأسابيع الأخيرة على يد مجموعة أفراد
منتمين إلى حركة «حماس» لم يكونوا أطفالًا أو كبارًا في السن أو مصابين بالشلل بل كانوا جنودًا
مدججين بالسلاح ومدربين تدريبًا عسكريًا.. إن الرقيب نانسیم تولیدانو الذي اختطفه ثم قتله أعضاء حماس كان شرطيًا
ومراقبًا على الحدود، ولم يكن شخصًا عاديًا يمارس هواية الجري في صبيحة أيام الأحد
ولم يكن بريئًا أيضًا. فبالنسبة للفلسطينيين فإن ناسيم توليدانو رمز للاحتلال بكل ما تعنيه الكلمة،
وأن هذا الاحتلال ليس له أي مبرر شرعي مهما كان.
إن هذا القتيل كان واحدًا من بين عدد من حراس الحدود
الذين يقومون بنفس الدور الذي
قامت به القوات الشيوعية فى ألمانيا الشرقية.
وقد بالغت الصحافة الأمريكية فى التباكي على طفل مات إبان اضطرابات لاحقة
وذلك لتأليب الرأي العام الأمريكي على حركة «حماس»، كما بالغت في نشر صور زوجة الجندي المقتول وصور أصدقائه على صفحاتها.
فكيف إذا ما قتل أي جندي إسرائيلي..
اعتبرته الصحافة الأمريكية «شهيدًا» فيما إذا ما قتل أي من الفلسطينيين الذين يعوزهم قوة دفاعية اعتبرته نفس
الصحافة «مصابًا بجروح بالغة»! وعندما قتل عشرة فلسطينيين وخمسة جنود إسرائيليين اهتمت الصحافة الأمريكية
بالإسرائيليين فقط وأهملت مقتل الفلسطينيين.
وإذا تركنا جانبًا الانحياز الواضح فى اختيار الكلمات وفى الإحصائيات والشعور
المتبادل فإنه يمكن القول إن النشطاء من حركة «حماس» الذين قاموا بإعدام توليدانو لم يخرجو عن إطار ممارسة حقهم المشروع
والمعترف به دوليًا، فمن تبين الزخم من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2649 الذي ينص بشكل واضح وصريح على «أن المجتمع الدولي يؤكد على حق الشعوب التي تقع تحت سيطرة الاستعمارية
والأجنبية فى النضال وأن لها الحق في تقرير المصير من أجل استرداد حقوقهم المسلوبة
بأي وسيلة كانت»، ومن البديهي أن للشعوب المقهورة الحق في الدفاع عن ممتلكاتهم وتحرير
أوطانهم.. إذًا أفلا يحق للفلسطينيين مهاجمة المحتلين أم عليهم اتباع نهج غاندي في
العصيان المدني ودعوة الجماهير إلى الاعتصام أمام مبنى
«الكنيسيت» ويجلدون بالهراوات؟
إن واقع الأمور يفرض على
الفلسطينيين ممارسة حقهم وحمل السلاح من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وذلك
بغض النظر عن انتماءاتهم
السياسية.
نحو التطهير الديني
وعلى الرغم من
شرعية المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي فلم يتم بعد محاكمة ولا إدانة
المبعدين الفلسطينيين المتهمين بقتل الجنود الإسرائيليين وحراس الحدود، ثم إن
طردهم من ديارهم لا يمثل خرقًا لاتفاقية جنيف الرابعة والتي تحظر عمليات الإبعاد
وانتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة فحسب، وإنما هو بمثابة إعلان حرب من جانب واحد ضد
الشعب المحتل.
وإذا لم تتم معاقبة
إسرائيل هذه المرة للانتهاكات التي دأبت على ارتكابها فإن ذلك سوف يفتح لها المجال
أمام تنفيذ سياسة التطهير الديني.
إن تجاهل إسرائيل
السافر للقانون الدولي ليس بالأمر الجديد على كل حال فقد تعودت على ضرب القانون
الدولي وميثاق الأمم المتحدة عرض الحائط، حيث ينص هذا الميثاق على أن أي عضو يقوم
بانتهاك المبادئ الواردة في هذا الميثاق يمكن طرده من المنظمة..
ولكن أكثر الإجراءات صرامة لمعاقبة
إسرائيل لم تخرج عن إطار التنديد المكتوب طوال تاريخنا المعاصر.
إن العبارات المغلفة مثل «صحيح دبلوماسيًا» أو «قلق بالغ»، وعبارات أخرى لم تكن ولن يكون لها أي تأثير على ما تقوم به إسرائيل خاصة
بعد كسب عملية الإبعاد تأييدًا من الداخل تجاوز نسبة 90%
من
الإسرائيليين.
ولكن هذا التأييد تجاوز حدود إسرائيل حيث صالت وجالت وسائل الإعلام
الأمريكية والبريطانية مؤيدة هذا الإبعاد ومحذرة في ذات الوقت من الإسلام السياسي،
وحركة حماس على وجه الخصوص، ولم يأل كتاب المقالات المؤيدون لإسرائيل أى جهد فى
هذا الصدد ولو أن هناك قدرًا من الموضوعية فيما كتبه مارتن ولاكوت من «الغارديان»، وباربارا عزيز من «المونيتور»، ولكن الغالبية العظملا من الكتاب صبوا جام غضبهم على «حماس» وشنوا عليها حملة شعواء وفي مقدمتهم الكاتب أم روزنستال الذي وصف أعضاء
حركة «حماس» بأنهم تجار الحقد والكراهية، كما تطرق لـ «الطابع البغيض الذي يتميز به الأصوليون الإسلاميون».
بينما أعلنت «التايمز» البريطانية أن «حماس مصدر تهديد لكل ما يشبه النظام»، متجاهلة أن النشطاء الإسلاميين فى الأراضي المحتلة قاموا بإنشاء مستشفيات
مجانية وتوفير الرعاية الاجتماعية وبناء المدارس والجامعات.
وقد أكد كل من رولان إيفانس وروبرت نوفاك لقراء «واشنطن بوست» أن الأصوليين ينفثون سم الكراهية والنفور من إسرائيل، إلى جانب مغالطات
أخرى تهدف إلى خلق انطباع لدى القارئ بأن الإسلاميين هم مجموعة متخلفين ومجانين،
وهذا يتجافى مع الواقع ذلك أن معظم النشطاء من الإسلاميين من حاملي
الشهادات الجامعية ومنهم
الصحافي والتاجر.
معاداة العرب
والمسلمين
وهناك من الكتاب من يمسك العصا من الوسط وهم من أمثال أنتوني لويس الذي يصف
النشطاء في حماس بأنهم «إرهابيون وسفاحون»، وتارة أخرى يؤيد موقف أحد أعضاء منظمة
«السلام الآن» الرافض لعملية الإبعاد، وقد شاركت فى حملة التشويه صحيفتا «نيويورك تايمز» و«الهيرالد تريبيون»، كما شارك فيها بعض معلقي محطات التلفزيون الذين أبدوا شغفهم لتوجيه
انتقاداتهم العنيفة إلى حماس وأبرزهم كيتلي وسونونو من محطة CNN وما
زالت الجرائد والمجلات الأجنبية
تطالعنا بعناوين معادية للعرب والمسلمين بما فيها «نيويورك تايمز» و«يو. إس. نيوز الأمريكيتين و«التايمز» البريطانية التي دأبت على تأليب الرأي العام على العرب والمسلمين ووصفهم
بأنهم دعاة للعنف.
لم يعد الرأي العام الغربي يولي أي اهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني وذلك بفعل
العدد الهائل من المقالات والبرامج التلفزيونية التي لم تنصف قط مع الإسلاميين ولا
تتردد أيضًا في إبداء انحيازها ضد المسلمين .
ويؤكد علماء الاجتماع أن الانطباعات أقوى من الواقع فبالنسبة للإنسان العربي
أو المسلم فإن لديه انطباعًا بأن وسائل الإعلام تدير خطة تهدف إلى تثبيط الهمم فى البحث عن الشرعية
السياسية.
ومهما يكن في الأمر فإن حركة حماس غدت حقيقة سياسية وإن المبعدين لا يشكلون
العمود الفقري لأسطورة الوحش الإسلامي وإن هذا الإبعاد لن يدفعهم إلى شد الرحال،
ولذا فإذا حرصت إسرائيل على القضاء على الوجود الإسلامي داخل الأراضي المقدسة فإن
المبعدين قد آثروا اتباع استراتيجية الصينيين المتمثلة في مقولتهم «خذ راحتك واترك العدو ينهك نفسه».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل