العنوان الرائد.. هل يكذب أهله ؟
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 17-مارس-2007
مشاهدات 18
نشر في العدد 1743
نشر في الصفحة 41
السبت 17-مارس-2007
مع ضياع الأمم وضحالة الأفكار والثقافات وغياب القيم، وذهاب الأخلاق، وسيادة الأراذل وشيوع عالم السلب والنهب والإباحية المالية والسياسية، اتجه كثير من الصحفيين والإعلاميين والعلماء والكتاب، ومراكز القرار، والدجالين السياسيين، إلى عرض أنفسهم كسلعة للإيجار يخدمون بمجهوداتهم الدكتاتوريات والفساد والظلم، ويحاولون – في يأس ووقاحة – تبييض الوجوه القبيحة والأعمال السيئة.
ولقد أصبحوا من الشهرة والعلانية بما لا يخفى على أحد.
والحقيقة أن حراب هذا القطيع اليائس لا يصوب إلا إلى أجساد العاملين المخلصين لدينهم ووطنهم، ضاربين عرض الحائط بالشرف والرجولة الإيمان والإسلام، وبكل مرتخصٍ وغالٍ، وصدق الله: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (١٦) (البقرة:16).
هذه صورة متحققة في فئة من الناس وستظل أبد الأبدين في مواجهة الحق، حيث سنجد هذا النوع من المنافقين الذين يبيعون كل شيء بعرض من الحياة الدنيا ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (البقرة: ١٦).
خسارة في التجارة وخسارة في الحال والمال، وقد كانوا يملكون الهدى لو أرادوا، ولكنهم ﴿اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى﴾ كأسوأ ما يكون المتجرون.
وهذا الكم الزاخر اليوم من النابحين حول الحق المجرحين له.. هو شيء تصدر ومعلوم لكل صاحب دعوة سامية، وصاحب باطل ذاهب مع الريح، وأمر لأصحاب الحق الهادئ والشر المنتفخ، ويعرفه الشاهدون ويتحسبونه: ﴿كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد:17).
ونحن هنا نلقي الضوء على الحقائق التالية:
أولًا: أن الباطل لا يستمر ولا يمكن أن تسود به ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: ١٧).
ثانيًّا: حين تأتي قوافل الحق وطلائع الإصباح بعد أن يدبر الظلام وتنقشع الدياجير: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (٨١) (الإسراء:81).
ثالثًا: لابد من جهاد وكفاح وعمل واستعداد لبذل التضحية، وهذا هو طريق الرسالة الأولى، ولا بد أن يكون بلاغًا للسائرين في الطريق: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (١٥٥) (البقرة:55)، الكفاح للتمكين لدين الله في الأرض وحماية أمته وحماية منهجها وشريعتها في الحياة وإقرار رايتها في الأرض وحماية عزتها وسعادة بنيها في الحياة وريادتها نحو التقدم والاستقرار.
رابعًا: الصبر في ميادين الكفاح، وهو طريق الفلاح في الدعوات، ومن يتصبر يصبره الله، ولم يعط المؤمن عطاء أوسع من الصبر، ولابد منه بكل سائر في طريق الإسلام الحريص على إعلاء كلمته على مدار الدهور والعصور، قال ﷺ: «إن من ورائكم أيام الصبر، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين يعملون مثل عمله»... وفي رواية قالوا يا رسول الله :أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم، لأن الصبر هو اختبار للإيمان، عن الشعبي عن مسروق قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له..
ولهذا كان ثواب الصبر لا يحد، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (١٠) (الزمر:10). وقيل: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر وهو الذي يستعان به في الملمات، وقيل ثلاثة يدرك بهن العبد رغائب الدنيا الصبر عند البلاء والرضا بالقضاء، والدعاء في الرخاء.
خامسًا: الأمل مع العمل يورث الفرج، والاستعانة بالله تورث القوة وتحقق النصر عن رسول الله ﷺ أنه قال: «سلوا الله من فضله، فإن الله عز وجل يحب أن يسأل من فضله، وأفضل العبادة انتظار الفرج...
وصدق القائل:
إذا تضايق أمر فانتظر فرجًا فأصعب الأمر أدناه من الفرج
وفي حديث رسول الله: «اعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»... والصبر دائمًا هو مفتاح الفرج، وأمل المسلمين دائمًا معلق بقول الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح:5-6). ولهذا فإن اليأس بعيد تمامًا عن مخيلة المسلم الذي يعلم أن الأمر بيد الله، وليس للناس دخل في تسيير الأقدار، ولهذا أنشد محمد بن إبراهيم قائلًا:
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما بها الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهًا ولا أغفى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت فموصول بها الفرج القريب وبعد، فهل تاه من البعض الطريق، وضل السبيل، وتوقف نبض الإحساس، وضاعت البوصلة، وعميت عين الرائد عن رؤية الصواب، فاتخذ من أهله عدوًا، ومن عدوه صديقًا؟
إن الرائد ينبغي له ألا يكذب أهله، ورائدنا يكذب كل يوم مائة مرة في إعلامه وفي أبواق رجاله، وينبغي له أن يجمع الشمل ويرشد الخطو، ويأخذ باليد، ولكنه يشتت الأسر، ويهلك الحرث والنسل، ويحرق الأخضر واليابس، ويفضح البيوت ويخربها، ويستولي على مقدراتها.
والرائد ينبغي له أن يقيم العدالة ويمحق الظلم ويكافئ الصالح والمبدع، ويحفظ المؤمن، ولكن رائدنا أضاع العدل، وقتل الفضيلة، وظلم أهل الصلاح والإيمان، وسجن وطرد أنصار الله، فماذا ينتظر بعد ذلك؟ أهو رضاء الله أم غضبه؟ وقد جاء في الأثر: «اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصرًا غيري» فكيف إذن بدعوة المظلوم التي يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين»؟ وساعة النصر يراها المؤمنون عن قريب، فكيف إذن هي ستكون؟ وماذا سيكون حال الظالمين بعد هذا الإملاء والإمهال؟ والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته...
نسأل الله السلامة، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم، والحمد لله رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل