; الربا... وفشل الشق الاقتصادي للعولمة | مجلة المجتمع

العنوان الربا... وفشل الشق الاقتصادي للعولمة

الكاتب د. أحمد صبحي آل سلوم

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999

مشاهدات 15

نشر في العدد 1350

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 18-مايو-1999

الذي يستقرأ حركة الواقع اليوم في المجال الاقتصادي، يجد أن العالم بكل أطرافه يحبس أنفاسه خوفًا من انهيار اقتصادي عظيم أو هزة مالية عنيفة كتلك التي وقعت في بعض دول آسيا الشرقية واليابان بعدما أفرزت نوعًا من الفوضى الاقتصادية العالمية العارمة، فعلى أثر التحرر المفرط للسوق وانتقال الرساميل الأجنبية في كل الاتجاهات في العالم دون قيد أو ضبط وما رافق ذلك من توسع فيما يسمى بظاهرة الاقتراض المضاعف التي أغرقت الكثير من الشركات والدول بالديون الضخمة أفرزت العولمة الرأسمالية هذه أزمات وهزات اقتصادية خلخلت العالم برمته. 

لقد سمحت دول شرق آسيا في فترة ما لبعض المضاربين الكبار أمثال اليهودي المجري الأصل جورج سوروس بالمضاربة بعملاتها المحلية والتلاعب بها دون قيود أو محاسبة، مما أدى إلى انهيار الأسواق المالية الآسيوية، فنتج عنها هبوط حاد لقيمة العملات المحلية في كل من تايلند وإندونيسيا وماليزيا وإلى حد ما في هونج كونج، ثم انتقلت عدوى هذا المرض إلى أقوى الاقتصادات في العالم ليصيب اليابان حيث خسرت قرابة ٨٠٠ مليار دولار أمريكي في وقت قياسي، وأفلس على أثرها بعض مصارفها الرئيسة بالإضافة إلى إعلان أكثر من ۲۲۱ شركة يابانية إفلاسها مع انهيار العديد من مؤسساتها المالية، وارتفاع نسبة البطالة إلى ٤.١% كما انخفض حجم الاستهلاك المحلي وبدأ القطاع المصرفي يعاني من داء الديون المعدومة أو السيئة والمشكوك في تحصيلها والبالغ قيمتها نحو ٥٦٠ مليار دولار أمريكي، ناهيك عن التدهور الحاد في سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي، وقد ساهم في استمرار هذا الوضع تزايد درجات التشاؤم المسيطر على المتعاملين في البورصة إزاء إمكان تحسن أوضاع الاقتصاد الراكدة في المستقبل القريب.

 ثم امتدت الأزمة لتلحق بروسيا الفيدرالية التي خسر فيها المستثمرون نحو ۲۰۰ مليون دولار، وما تبع ذلك من خفض لقيمة الروبل، مما أثار البلبلة داخل الأسواق الروسية، وأدت فيما بعد إلى انخفاض أسعار الأسهم مباشرة في البورصة الروسية بمقدار %١٥، وهكذا دخلت روسيا في دائرة مغلقة من التضخم المفرط وانهيار العملة.

 ولم تسلم البرازيل ثامن أقوى اقتصاد في العالم من هذه الأزمة، فخسرت هي الأخرى ۲۰۰ مليار دولار أمريكي، بسبب هروب الرساميل الأجنبية، بل إن الولايات المتحدة بلغت جملة ديونها ٣,٥ تريليون دولار، وتكون بذلك قد بلغت الذروة منذ نشوئها وهي تغرق في مشكلاتها الاقتصادية يومًا بعد يوم، مع ارتفاع عجزها المالي ونسبة البطالة فيها.. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الحالي، بعد الانخفاض الكبير في أسعار السلع في العالم بشكل عام والانخفاض غير المسبوق في أسعار البترول، حيث وصل لأقل معدلاته منذ سنوات طويلة، ناهيك عن ضعف السيولة المالية وارتفاع معدل البطالة.

وبمراجعة بسيطة لحقائق الكون وقوانين التشريع الإلهي مع الخلق، نجد أن الذي يشهده العالم وما تبعه من نتائج في الجانب الاقتصادي. مثلًا لا حصرًا - ما هو إلا نوع من أنواع العقاب الإلهي لمن خالف أمر الله عز وجل وتعدي على حدوده، وإنه حقًا لبعض الثمن، وجزء من الحساب نتيجة للممارسات الربوية التي حرمها الله تبارك وتعالى في جميع شرائعه وكان آخرها وأشملها دين الإسلام العظيم.

قال تعالى ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك: ١٤). وقال ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ (البقرة: ٢٧٥). وها هو ذا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة والذين بشروا معها في مطلع التسعينيات بنهاية التاريخ، وحسم الصراع نهائيًا لصالح قيم الرأسمالية، لابد من أنهم الآن يعيدون حساباتهم مع كثير من الحرج والخجل، والعولمة التي وصفها إيجانسيو رامونيت بأنها قد قامت دولتها الخاصة بها لأنها تملك الآليات والشيكات والوسائل الخاصة بها متمثلة بصندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه أمريكا والبنك الدولي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ومنظمة التجارة العالمية أدخلت معظم دول العالم وشعوبها في أزمات خانقة ومدمرة وهي الآن أقرب إلى إعلان فشلها كسياسة اقتصادية وليست البلسم الشافي الجروح الدول والشعوب المتطلعة للازدهار والتقدم.

 إن تغيير الوضع الراهن يحتاج إلى إدارة وقدرة وعلم ويقين حتى يتيسر الوعي بالحقائق وتتحدد علاقات الدول بعضها ببعض، لكي تصمد وتقاوم دون تزعزع، ثم لابد من فهم وإدراك عميقين لسنن الله تعالى في قيام الحضارات والدول ونتمسك بمبدأ الحلال فنتبعه والجرام فنتركه قال تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ (الأعراف: 96).

 لا بد من أنظمة اقتصادية وسياسية تنشأ على مبادئ يؤمن بها أصحابها إيمانًا قاطعًا ترتبط بالله عز وجل لأنه أعلم بخلقه وأعرف بما ينفعهم، أنظمة تجعل خصائص وملكات الإنسان هي المحور الأساسي للعملية الاقتصادية والتي تحفظ كرامته وعزته ودينه، لابد من نزعة تتوسط بين التقتير والترف وتلقن الإنسان سلوكًا استهلاكيًا رشيدًا من غير أن يكون هدفًا أو غاية، بل وسيلة للوصول إلى أهداف سامية تكسبه سعادته وكرامته ورضا ربه جل شأنه..

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مع القراء - العدد 6

نشر في العدد 6

40

الثلاثاء 21-أبريل-1970