; الزم.. جماعة المسلمين.. وإمامهم - القول بتكفير من لم يبايع.. استدلال مردود | مجلة المجتمع

العنوان الزم.. جماعة المسلمين.. وإمامهم - القول بتكفير من لم يبايع.. استدلال مردود

الكاتب محمد عبد العزيز جبر

تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1972

مشاهدات 15

نشر في العدد 103

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 06-يونيو-1972

صفحات حرة

الزم.. جماعة المسلمين.. وإمامهم

القول بتكفير من لم يبايع.. استدلال مردود

الجهاد من أجل قيام جماعة مسلمة.. ليس عينيًا.. ويدخل في التكليف حسب الطاقة

                                                   بقلم الأستاذ: محمد عبد العزيز جبر

حين ينجي الله عباده من شر فتنة عمياء، ويأخذ بنواصيهم فلا يتخبطون في البيداء، ويعصم عقولهم أن تزيغ مع الأهواء، يزداد إيماننا بفضله ورحمته، وتقوى ثقتنا برعايته وعنايته، ويعظم رجاؤنا في تأييده ونصرته..

وكذلك كان الحال والحمد لله رب العالمين.. لم يكن من النادر الشاذ في تاريخ الدعوات أن ينحرف طائفة من أصحابها نتيجة فهم خاطئ أو هوى طارئ، ولكن النادر الشاذ حقًا هو فيئة أولئك الناس إلى الحق وإلی صراط مستقیم فور صدور التصحيح عن أهله وظهور الحق للتائهين عن سره..

ذلك أن حدث ليكونن من أعجب العجب.. فليس أشق على النفس البشرية من أن تترك معتقدها وتنزل عن رأيها وتسلم لغير مفهومها..

ولئن وقع ذلك ليكونن أبلغ الدليل على صدق ولائهم وأسطع البرهان على تجردهم..

استغفر الله.. فما كان ذلك إليهم.. ولكنها عناية الله، ترعى عباد الله، وتسير دعوة الله.. ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ (النحل:53)

 ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾  (الحجرات: ١٧)

ولقد شهدت بنفسي تلك الفتنة الهائجة وعشت تلك الأيام المضطربة وما حسبت أحدًا يعود ولو كلفه ذلك حياته.. ولكنه والحمد لله حساب البشر ووسعت رحمة ربي كل شيء ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم ۚ إن الله بالناس لرءوف رحيم﴾ (البقرة: ١٤٣)

 وكما شهدت اضطراب الفتنة أدركت انطفاء نارها بإذن الله وانحسار ظلامها بنور الله وفيئة حزب الله إلى صراط الله بفضل الله...

وما احتاج كل ذلك إلا إلى كلمة واحدة أفادت أن إمامهم ومرشدهم على غير فهمهم.. ثم أعقب ذلك بيان واف وضح معالم الطريق ووضع قواعد السلوك.. فاطمأنت القلوب بعد اضطرابها، وهدأت النفوس بعد قلقها، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..

إذا تقدم هذا.. فلنشرع في البيان والله المستعان..

الجماعة المسلمة وبيعة الإمام

ا- بيعة الإمام واجبة..

۲- ولزوم جماعة المسلمين كذلك.

٣- والعمل على إحياء تلك الجماعة مفروض..

ولا ريب.. فبهذا وردت النصوص الصريحة القاطعة، وعليه دلت البراهين الصحيحة الساطعة..

قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: ١٠٣)

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الانفال:46)

 ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء:59)

 ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ (الفتح:١٠)

﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾  (سورة الأنبياء:٩٢)

 ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

(ال عمران:110)

﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ﴾ ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ [1] [1] (سورة غافر: ٤٨،٤٧)

وصح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن قال: «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (رواه مسلم).

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني» (متفق عليه).

وحين أخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حذيفة- رضي الله عنه- عن الفتن قال حذيفة فما ترى أن أدركتم؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (رواه مسلم).

غير أن ما زاده البعض على وجوب البيعة ولزوم الجماعة من اعتبار ذلك شرطًا لصحة الإسلام، فلا يعتبر عندهم مسلمًا حتى يبايع ويلزم الجماعة، ويعتبر مرتدًا إن نزع يدًا من طاعة أو فارق الجماعة فغير صحيح... واستدلالهم بقوله -صلى الله عليه وسلم- «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» استدلال مردود لأن المقصود أنه يموت كما يموت أصحاب الجاهلية في عدم بيعتهم والتزامهم فأشبههم من هذا الوجه وحسب لا من كل وجه كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه: «إنك امرؤ فيك جاهلية» يعني لا يزال فيك أثر من آثارها لم تتخلص بعد منه..

والدليل على ما نقول ما صح ثبوته في السير والأخبار من تأخر بيعة على -كرم الله وجهه- للصديق ستة أشهر وقد بايع الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله عليا- رضي الله عنه- ثم خرجا عليه، واعتزل سعد بن أبا وقاص الجماعة في زمن الفتنة.. وامتنع أسامة بن زيد عن طاعة إمامه الذي بايعه في الخروج معه لحرب معاوية..

وقد فعلوا ذلك- رضي الله عنهم- معتقدين الحق فيما فعلوه ولا يتصور منهم غير ذلك، فما رماهم أحد بكفر ولا ابتداع بل رضي الله عن جميعهم ونحسن الظن بهم ونمسك عن ذكر هفواتهم «وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا» وكذلك نفعل -إن شاء الله-.

ولكن... من نقض البيعة وخرج على الجماعة قاصدًا الفتنة والفساد، مستبيحًا دماء المسلمين وأموالهم؛ حكمنا بكفره ولا شك وما لم يثبت هذا وإنما كان خروجه ظنًا منه أنه على الحق وأن إمامه الباطل، وتأول النصوص معتقدًا صحة ذلك التأويل فهو «باغ» تجرى عليه أحكام البغاة من اعتبار إسلامهم مع وجوب حربهم مع الإمام الشرعي ونصرته عليهم..

هذا ما نص عليه فقهاء أهل السنة واتفقوا عليه ومن أراد الزيادة فليرجع إلى ذلك في موضعه من كتب الفقه باب «أحكام البغاء».

إذا تقرر هذا علمنا بطلان ما ذهب إليه بعض من الحكم بردة من نقض البيعة أو فارق الجماعة متأولًا، وأن الحق على خلاف قولهم مع تقرير وجوب البيعة ولزوم الجماعة ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾  (المائدة: ١٠٥)  

والحمد لله رب العالمين

«فإن لم تكن جماعة ولا إمام»

قالوا: فإن لم تكن جماعة ولا إمام وجب على المسلمين أن يوجدوا الجماعة والإمام تصحيحًا لإيمانهم إذ لا يتم إلا بذلك..

قلت: أما وجوب إحياء الجماعة المسلمة وبيعة الإمام الراشد فأمر لا يماري فيه مسلم ولا ينبغي له..

 ولكن.. أهذا الوجوب عيني على كل فرد من المسلمين..؟ أم لا يكلف به إلا من خلق له وأوتي عزيمة الصبر واليقين..؟

الحق أن الله لا يكلف نفسًا إلا ما آتاها.. واقرءوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ (المائدة: 105)

 واسمعوا تفسيرها من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه.. أبى بكر الصديق وابن مسعود- رضي الله عنهما-..

عن أبي ثعلبة- رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن تفسير قوله تعالى «لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» فقال: يا أبا ثعلبة مر بالمعروف، وأنه عن المنكر، فإذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، إن من ورائكم فتنًا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر خمسين منكم قيل بل منهم يا رسول الله.. قال «لا بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون عليه أعوانًا» (رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي) وقال حديث حسن.

«والحديث إذا كان في درجة الحسن تقوم به الحجة».

وروي عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- أنه قال في خطبة خطبها «أيها الناس.. إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها» «يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» وإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده».

وسئل ابن مسعود- رضي الله عنه- عن تفسيرها فقال «أن هذا ليس زمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكن قد أوشك أن يأتي زمانها.. تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا وتقولون فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم».

وقد تقدم قوله -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة -رضي الله عنه- «تعتزل تلك الفرق كلها..» وزيادة في الفائدة أذكر نص الحديث كاملًا للأهمية وخطر ما يستنبط من الأحكام.

عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله - قد كنا في جاهلية وشر ثم أتانا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر، قال نعم..  قلت: وهل بعد شر من خير قال: وفيه دخن قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت وهل بعد هذا الخير من شر قال نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: صفهم لنا حتى نحذرهم: قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، قلت فما إن أدركتهم قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (رواه مسلم).

وهذا الحديث الصحيح الجامع تضمن أحكامًا مهمة وحقائق تامة.

أولها: إن الخير والشر دول فمرة يسود الخير وأخرى يستشري الشر..

ثانيًا: من الخير ما لا يكون خالصًا ويسمى مع ذلك خيرًا «أيكون بعد الشر من خير قال نعم.. وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هدیي تعرف منهم وتنكر».

ثالثًا: أن ستكون فتنة يدعو دعاتها إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها كما جاء في الحديث.

رابعًا: ولا نجاة منها إلا بالتزام جماعة المسلمين وإمامهم..

خامسًا: وإذا توقفت النجاة على التزام الجماعة وتحقق الهلاك باعتزالها وجب الأخذ بأسباب النجاة وتعين التمسك بما يؤدي إليها..

سادسًا: وأن الفتن ستزيد وتستفحل حتى تعصف بجماعة المسلمين وإمامهم فلا يكون للمسلمين جماعة يعتصمون بها ولا إمام يسترشدون.

سابعًا: فمن أدرك ذلك الزمن ولا يجد في نفسه القدرة والعزيمة على التصدي لتلك الفتنة الهوجاء.. فالفرار.. فالفرار.. والنجاء.. النجاء.. «تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»

إذا تقرر هذا.. علمنا أن التصدي للباطل ومقارعة الفتنة وإعادة بناء الجماعة المسلمة لإعلاء كلمة الله في الأرض كل ذلك لا يجب إلا على من أهلهم الله لذلك وأعانهم عليه وأتاهم اليقين وعزيمة الصبر وإلا كان مثلهم كمثل من خاض لجة البحر في يوم عاصف يريد أن ينقذ الغرقي فيغرق ويغرقون.

ولي عودة- إن شاء الله- إلى هذه المسألة بالذات لزيادة تحقيقها وبيان أعماقها حتى لا تفهم على غير وجهها فتتخذ ذريعة للتخلف والتخاذل والاستسلام.. وإيثار الراحة والقعود عن الجهاد لإعلاء كلمة الله..

وإنما المقصود بيان أن القول بكفر من لا يعمل على إقامة الجماعة المسلمة عن عدم استطاعة منه..

قول مردود ولا دليل عليه كما بینا..

 والحمد لله رب العالمين           

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مجليات 4

نشر في العدد 4

37

الثلاثاء 07-أبريل-1970

كيف ربّى النبي جنده؟

نشر في العدد 10

38

الثلاثاء 19-مايو-1970

لعقلك وقلبك - العدد 17

نشر في العدد 17

48

الثلاثاء 07-يوليو-1970