العنوان الشيخ محمد عادل الشريف يكتب: مفهوم النقد في الإسلام
الكاتب الشيخ محمد عادل الشريف
تاريخ النشر الثلاثاء 19-يناير-1971
مشاهدات 26
نشر في العدد 44
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 19-يناير-1971
للنقد في الإسلام مكانة سامية لأن فلسفة الإسلام منطقية وبرهانية لا تخشى الإخفاق والتعثر، وللنقد نواح كثيرة أهمها ما جاء في مبدأ الشورى في الإسلام.
فالإسلام بتعاليمه وأهدافه ومراميه لا يستعلي على أحد ولا يتصلب في أمر من الأمور ولا يستبد على أحد يسير على القاعدة القرآنية المهمة في الآية الكريمة ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج: 78) ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185) يهدف إلى تصويب الأخطاء وتصحيحها الواردة في الفروع لا في الأصول ولا أدل على ذلك من رجوع الإمام الشافعي رضي الله عنه عن مذهبه القديم فقد استنبط أحكام مذهبه القديم في بغداد ولكنه انتقد في بعض الفروع المذهبية فلما انتقل إلى مصر ورجع إلى صواب آخر فعمل مذهبًا آخر، والمعروف أن للشافعي مذهبين «المذهب القديم والمذهب الجديد».
دعا الإسلام إلى الاجتهاد، وبالغ في ذلك وجعل للمصيب في اجتهاده أجرين والمخطئ أجرًا واحدًا لأن المقصود هو الوصول إلى حقائق الأمور فمن مزايا مبادئ الشورى في الإسلام ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ (الشوري: 38) ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159).
وما ورد من الآثار «استعينوا على أموركم بالمشورة» والمشورة تتطلب النصيحة والدين النصيحة، وفي الآثار والحكم «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار»، وفي الخبر «ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم»؛ فالشورى هي إحدى الدعائم القوية لبناء مجتمع سليم وهي الأمنية الغالية التي تتطلع إليها الشعوب لتجنب الديكتاتورية والهيمنة والاستبداد، وما أشوق الأمة إلى حكم صالح سليم يأوي إليه كل مظلوم ويرتفع به صرح الأمة فتنقشع عنها سحب الغمة والضلال.
نعم الشورى هي الأنشودة العذبة التي تطمئن لها النفوس وتترنم بها أفواه الشعوب.
وكما قيل والرأي قبل شجاعة الشجعان، وما أجمل الشورى تكون في الأسر والجماعات والحضر والسفر، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يسافر جماعة من أصحابه إلى مكان بعيد يؤمّر عليهم واحدًا من بينهم ليقوم على راحتهم ويرجعوا إليه عند المهمات والملمات، وقد علمنا أن الشورى نابعة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل على رأي الحباب بن المنذر الأنصاري حينما أشار عليه في غزوة بدر أن ينزل في موضع آخر غير الذي نزل فيه، وها هو ذا رسول الإسلام أيضًا ينزل على رأي أبي بكر وعمر في أسرى بدر والدليل الأهم على مكانة الشورى في الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُعين خليفة عنه قبل التحاقه بالرفيق الأعلى بل ترك أمر الخلافة للمسلمين ليختاروا من تتفق عليه الآراء ويقع عليه الاختيار.
النقد في الإسلام ومدى تطابقه مع المنهج الإسلامي:
الإسلام بقبوله مبدأ الشورى فيه دلالة واضحة على حرية الآراء وإطلاق الأفكار من عقالها، على حين أن المنهج الإسلامي يتجه إلى ناحيتين مهمتين: أخذتا من مبدأ الشورى السليم.
فالناحية الأولى لا حرج ولا قسر ولا استبداد في مصالح الأمة العامة والخاصة؛ فللإنسان أن ينقد الآراء والمفاهيم المغلوطة ولا يستسلم للأخطاء التي بتكرارها يضطرب الأمن وتذوب مصالح الأفراد والجامعات، وبعكس ذلك تتحقق المصالح الفردية والجماعية التي تتطلع إليها النفوس البشرية لسابق فطرتها التي فطرها الله عليها.
أما الناحية الثانية فقد نهج الإسلام إلى إشاعة المحبة والمودة والتقارب بين الأقطار المتباعدة والقلوب المتنافرة لتسامحه في كثير من القواعد والنظم التي سارت عليها الأمم المستبدة التي كان من أهم أهدافها الإقطاع والسلبية والاستعمار بسياسة الحديد والنار، وهذه النواحي يندد بها الإسلام ويأباها فدعوة الإسلام لتحصيل العلوم الحديثة الكونية وتحصيل المعارف كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها» كل ذلك دليل على حرص هذا الدين الحنيف على حياة أفضل للأمة جمعاء، وإليكم هذه الحكمة قالها أحد المفكرين الغربيين «إذا كان في الأرض أديان تعادي العلوم فإن الإسلام على العكس دعا إلى انتشار ماهية الفكر وبث العلوم الحديثة النافعة والآراء الصائبة».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل