العنوان الصوم: تربية لروح القوة والجهاد
الكاتب محمد عبدالله الخطيب
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
مشاهدات 15
نشر في العدد 1282
نشر في الصفحة 56
الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
يا باغي الخير أقبل. جاء في الأثر: «إذا دخل رمضان، فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين». «إذا كان أول ليلة من رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».
إن لله في أيام دهركم نفحات، والسعيد الموفق من يملأ نفسه وقلبه بهذه الفيوضات الربانية، ولشهر رمضان المبارك، النصيب العظيم من هذه الفيوضات.
إنه الواحة الوارفة الظلال، العذبة الماء، الطيبة التربة الموفورة الفاكهة، يرفرف عليها الأمن والأمان والسلام الحقيقي، الواحة التي يصل إليها الإنسان بعد مرحلة شاقة مرهقة في صحراء الحياة، مرحلة طولها أحد عشر شهرًا من الكفاح والعمل، ففي هذه الواحة يحط المؤمن رحاله ويسترد أنفاسه، وتتحرر إرادته، ويحل ضيفًا على أرحب ساحة، وأكرم جوار. في رمضان عبودية كاملة لله، وهذه هي الحرية الكاملة للإنسان إن أوسع الناس حرية أشدهم لله عبودية، هؤلاء لا تتحكم فيهم شهوة، ولا يستذلهم مال ولا تضيع شهامتهم لذة، ولا يذل كرامتهم طمع أو جزع ولا يتملكهم خوف ولا هلع، لقد حررتهم عبادة الله من خوف ما عداه، فقد انقطعوا بعبوديتهم لله عن كل خضوع لغيره، فإذا هم في أنفسهم سادة، وفي حقيقتهم أحرار، وفي أخلاقهم نبلاء وفي قلوبهم أغنياء، وذلك لعمري هو التحرر العظيم. وأي فضل يفوق ما قاله سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في عظمة هذا الشهر يقول: «أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا لم يعطهن نبي قبلي:
أما الأولى: فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل إليهم ومن نظر إليه لم يعذبه أبدًا.
وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك.
وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة.
وأما الرابعة: فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي، أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي.
وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعًا، فقال رجل من القوم أهي ليلة القدر؟ قال: لا.. ألم ترَ إلى العمال، فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم؟».
إن الأمة الإسلامية اليوم لا ينقصها العلم فالجامعات والعلماء لا حصر لها في الوطن العربي والإسلامي، ولا ينقصها المال، فهي بلاد الثروة الطبيعية، مما يجعلها أغنى أمم الأرض لو أحسنت استخدام هذه النعم، كما لا ينقصها العدد فالمسلمون يزيدون على ألف مليون، لكن الذي ينقصها صدق الانتماء لهذه الرسالة التي أخرجت العالم من الظلمات إلى النور ينقصها الصلابة في الحق، ومقاومة الباطل بحق والعمل بدينها والالتزام به، ينقصها الضمير المؤمن المعتصم بالله، والمراقب لله عز وجل. ينقصها وحدتها في الوسيلة والهدف والغاية تحت راية الإسلام. ويأتي شهر رمضان كل عام ليقيم الحجة علينا. ففي ميدان الأمة الواحدة لا عذر لأحد، فنحن في شهر الصيام نصوم معًا في مشارق الأرض ومغاربها ونفطر معًا، في لحظة واحدة، ونتجه في صلاة القيام وفي الفرائض كلها إلى قبلة واحدة، والقرآن الذي نزل في هذا الشهر دستور المسلمين جميعًا، وشهادة التوحيد الخالص، هي عنوان لكل مسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لنا جميعًا ولغيرنا.
كل مقومات الوحدة والاتحاد قائمة وينقصنا جميعًا التجرد والإخلاص والخروج من حظ النفس، عندها يتحقق فينا قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(المؤمنون: ٥٢).
شهر الانتصارات الكبرى:
في رمضان كانت غزوة بدر الكبرى معركة الفرقان بين الحق والباطل، وتحقق وعد الله للأبرار من المؤمنين من كتيبة بدر التي تخرجت في رحاب الإسلام، وفي رمضان زحف حَمَلة المنهج الإلهي على مكة يرفعون لواء التوحيد، ويفتحون أكبر الأبواب لمن يريد الدخول في هذا الحق ونكست دولة الأصنام والأوثان إلى الأبد وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: ٨١). وانتهي الفجار الذين وقفوا في وجه دعوة الحق، ووقف صلى الله عليه وسلم عليهم ينادي: «يا أبا جهل، يا عتبة، يا شيبة.. هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًّا، فقال عمر يا رسول الله أتناديهم وقد جيفوا؟ قال: يا عمر: ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون». (السيرة لابن هشام).
وفي رمضان كانت معركة عين جالوت التي ردت التتار الذين اكتسحوا البلدان الإسلامية واحدة بعد الأخرى. ولم ينجُ من شرورهم إلا الذين اعتصموا بالله ورفعوا لواء الجهاد وحرصوا على الشهادة فوهبت لهم الحياة، وكانت الفاصل في إيقاف هذا السيل المدمر وهزيمته وإعلاء كلمة الله وحده.يقول أحد المؤرخين: «تعتبر معركة عين جالوت من أهم المعارك الحاسمة في التاريخ، وما أحرزه المماليك من انتصار أنقذ الإسلام من أخطر تهديد تعرض له».
وأخيرا ننادي: أيها الصائمون:
يا من تزيدون على ألف مليون.. من يستطيع أن ينصر الحق المهدور والشرف الضائع والأمة المسلوبة إلا أنتم؟ أيها المسلمون.. عار عليكم أن يطغى اليهود ويتفرعنوا، ويعربدوا، ويهدموا ويشردوا إخوانكم وأنتم نائمون ساكتون لا تتحركون، وكأنكم في غيبوبة لا أمل في الاستيقاظ منها، كيف تلقون الله غدًا؟ وبماذا تجيبون حين تسألون؟ وماذا تقولون للمعذبين المقهورين؟ وماذا يقول التاريخ عنكم للأجيال؟ احذروا من التهديد الرباني الحاسم وعواقبه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. (المائدة: ٥٤).
[*] من علماء الأزهر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل