العنوان الصوم.. مثل واقعي «لإمكانية» الانضباط والاستقامة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-أكتوبر-1971
مشاهدات 16
نشر في العدد 82
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 19-أكتوبر-1971
الصوم.. مثل واقعي «لإمكانية» الانضباط والاستقامة
بعد ساعات معدودات يَدْخُلُ المسلمون في رمضان.. أو يدخل رمضان في حياة المسلمين فيُحدث فيها تغييرًا واضحًا سرًا وعلانيةً.
ظل المسلمون أحد عشر شهرًا وهم يتناولون ما أحل الله لهم طوال كل نهار.
وفجأة!!
فجأة يمسك المسلمون عن الطعام، والشراب، وكل المفطرات الأخرى.. وما كان بالأمس حلالًا.. أصبح اليوم «ممنوعًا»!!
إنها نقلة كبيرة بين حياة.. وحياة.
ولم يفعل المسلمون ذلك إثر حملة إعلامية أو سياسية قام بها نظام حكم.. أو جهاز دولة ما ليعبئ المسلمين إعلاميًا، وسياسيًا ويحثّهم على صيام شهر رمضان.
إن المسلمين يَقْدِمون على أداء هذه الفريضة بمحض إرادتهم الحرة.. ومحض اختيارهم.
ولئن كانت النقلة الكبيرة التي يحدثها شهر رمضان في حياة المسلمين تؤكد «القدرة» على الخروج على المألوف فإن أداء الصيام المكتوب -بمحض الإرادة والاختيار- يدل على «عمق» أثر الدين في نفوس الناس.
إن رمضان الكريم مثل واقعي «لإمكانية» الاستقامة والانضباط.
أناس ظلوا أحد عشر شهرًا يتمتعون بالطعام، والشراب، والجنس.. وبدخول رمضان كفُّوا عن ذلك كله خلال نهاره، أفلا يدل ذلك على أن تغيير الحياة أمر ممكن وأن «الانضباط» الخلقي عمل يطيقه الإنسان ويقدر عليه؟.
إنّ رمضان يهزم -تمامًا- تعللات الذين يبررون انحراف الإنسان بعجزه عن تطبيق «المثل الأخلاقية» في حياته..
ويبررون -بالتالي- استمراره في الانحراف بعدم قدرته على الخروج من دائرة الغريزة والشهوة.
نعم.. إن المسلم الذي يلبث نهارًا كاملًا -ويتكرر ذلك خلال شهر کامل- ممتنعًا عن الطعام والشراب والجنس.. لهو مثل واقعي يقيمه الله في هذه الأرض لِيَهِيبُ بالمقصرين، والمسرفين على أنفسهم ويقول لهم: إن الاستقامة في إمكان الإنسان، وإن عزم الإرادة أقوى من نوازع الشهوات.
وهو مثل واقعي يقيمه الله في الأرض؛ لكي يجدّد معاني السمو والكمال في نفوس الذين قطعوا أشواطًا في طريق التجمّل الخلقي والتكامل السلوكي، ويغريهم بمتابعة الترقّي، وبذل مجهودات أخرى من أجل إحراز أنصبة أوفى من مكارم الأخلاق، ومحامد الفضائل.
ولأن رمضان مثل واقعي لـ «إمكان» الاستقامة والانضباط الأخلاقي، فقد وردت تعاليم نبوية حاسمة وواضحة تلزم الصائمين بتربية معنى الالتزام الخلقي في حياتهم..
إذا كان الكَفْ عن الطعام، والشراب، والجنس.. مظهر «انضباط» داخلي أو مظهر تصميم إرادي، فإنه ينبغي أن يهيمن هذا التصميم الإرادي على تصرفات الإنسان كلها.. وإلا فإن الصيام -وهو الذي يكسر طوق الإلف والعادة- يصبح مجاراةً للناس، ومحاكاة شبه غريزية لما يحدث في البيئة.. وهذا تصرف لا يليق بمسلم يعرف مسئولياته، ويدرك معاني الصوم وحقيقته.
وحتى لا يتحول الصيام إلى مجرد «عادة» وضع الإسلام -كما قلنا- توجيهات حاسمة وواضحة تربط الصيام بالانضباط الأخلاقي، والاستقامة السلوكية.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
● «ليس الصيام من الأكل والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد، أو جهل عليك فقل: إني صائم.. إني صائم».
● «من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
● «ربَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، وربَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر».
فهذه التوجيهات النبوية الشريفة تُغْرِس في نفوس الصائمين معاني الالتزام الخلقي والسلوكي.
إن الاسترسال مع شهوة اللغو والرفث يعبر عن «الانفلات» الخلقي.
والخوض في الزور استجابة لشهوة الفساد في الحياة بالقول والعمل.. وهذا مسلك يعبر عن إرادة رخوة، ونفس متدحرجة غير متماسكة.
وينبغي أن يكون «المثل» كاملًا ووضيئًا.
بمعنى أن المسلم الصائم الذي أقامه الله مثلًا حيًا أمام الناس، ونموذجًا واقعيًا للاستقامة.. هذا المسلم ينبغي أن يكون فعلًا.. قوي الإرادة.. متماسك الخلق واضح الاستقامة.. وإلا فإنه يقدم للناس مثلًا عكسيًا، أي يؤكد لهم أن انحرافهم سلوك طبيعي، وأن الناس جميعًا -صائمين وغير صائمين- يستوون في االانحراف وارتكاب المعاصي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل