; الجوع علاج | مجلة المجتمع

العنوان الجوع علاج

الكاتب أبو بلال

تاريخ النشر الثلاثاء 07-يوليو-1970

مشاهدات 29

نشر في العدد 17

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 07-يوليو-1970

 

العُلوم

«إبداع الخَلْق.. من قُدْرَة الخَالقِ»

الجوع علاج

 

                                                            إعداد: أبو بلال

الإنسان يمكنه الاستغنَاء عَن الأكل أكثر من أربعين يومًا!

 

 

من المعلوم أن الإنسان يمكنه أن يعيش عشرين يومًا دون أن يتناول سوى الماء من غير ضرر كبير بجسمه وأكبر من ذلك فتجربة الأطباء الذين يستعملون الجوع للعلاج تدل على أن الإنسان يمكنه الاستغناء عن الأكل لأكثر من أربعين يومًا، ومع ذلك فبعد ساعات قليلة من تناولنا طعام الغداء نشعر بالمعدة خاوية ونحس عندئذ بالجوع.

الإحساس المخادع بالجوع:

وقد فسر عالم الفيزيولوجيا المرضية «باشوتين» أن للجسم في كفاحه ضد الجوع شكلين": إحداهما إيجابي والآخر سلبي وفي الإنسان يبدو هذان الشكلان مندمجين وهما يبرزان في انتظام معين بحيث يحل أحدهما محل الآخر فالإحساس الفوري المباشر بالجوع يمكن اعتباره إحساسًا مخادعًا، ترى فما سبب وجوده؟

لقد أودع الله في جسم الإنسان أجهزة تقوم بوظائفها على الوجه الأكمل وهذه بدورها تقوم بتقدير حالة الجسم واحتياجاته، ومدى اكتفاء هذه الحاجات يلقى تعبيره بواسطة الأحاسيس والإحساس بالجوع هو من أقوى المشاعر الغريزية في كل الكائنات الحية.

ما هو سبب الجوع؟

من المعروف أن التغيير الغذائي في الخلايا هو أساس كل الحياة البيولوجية ولأجل بقاء علائمه الداخلية على مستوى مستقر ينبغي للجسم أن يكون مطمئنًا لغده وأن يكون واثقًا من احتياطيه من المواد الغذائية والتي تتجدد باستمرار ولا تنفد.

والإحساس بالجوع إنما يهدف؛ بالضبط، إلى ضمان هذا الاطمئنان المهم للجسم ولذلك فهو ينشأ في جسم الإنسان قبل وقت طويل من استخدام احتياطياته الداخلية وأن أول النظريات الفيزيولوجية حول الجوع كانت تنسب الدور الرئيسي في تكون هذا الإحساس إلى عمليات تقلص المعدة الخاوية. وعرضت فيما بعد نظرية الأخلاط، نظرية «الدم المتعطش» ومفادها أن الدم حين يفتقر إلى المواد الغذائية يُعطي تأثيرات على «أجهزة قابلة» معينة فيثير بالتالي بعض المراكز العصبية الخاصة.

 

مراكز الجوع والشبع:

ولقد أثبتت التجارب الدقيقة بأن الإحساس بالجوع والعطش تنتج من تهيج المادة تحت القشرية (وهي طبقة تحت قشرة الدماغ) الجوانب الخاصة من الدوسرير (وهي المنطقة الموجودة في أسفل الدماغ وفيها مركز النشاط التأثري ومركز اليقظة والنعاس ومركز التوازن الحراري) وهي الجوانب المسماة بمراكز الجوع والشبع.

إن القضاء على مركز الجوع يؤدي إلى فقدان الشهية كليًا وإلى الموت من الخور، وعلى العكس من ذلك فإذا قضينا على مركز الشبع عند الفئران مثلًا في معرض تجربة عندما تصبح نهمة تسمن ويزداد وزنها بسرعة.

 

لماذا نحس بالجوع؟

إن مركز الجوع هو إذن أساس الإحساس بالجوع، وما فراغ المعدة وتعطش الدم سوى العوامل المؤثرة على هذه العملية، فحين يشعر الإنسان بخواء في المعدة فهذا يعني أن المعدة الفارغة تبعث دفعًا منتظمًا إلى مركز الجوع في الدوسرير، وهذا المركز يعطي بدوره إثارة عصبية سريعة على أن هذه الإثارة ليست ثابتة ومستقرة ويمكن للمرء أن يتغاضى عنها وأن ينسى تناول الطعام مثلًا حين يكون منهمكًا كليًا في مشاغل مهمة وشاقة، ولكن في هذه الحالة يدخل عامل أقوى من العوامل السابقة.

فالجهاز الإخراجي يحجز احتياطياته السائلة في الكبد والعضلات، وفي الخزانات الكائنة تحت الجلد ويصبح الدم مفتقرًا إلى المواد الغذائية فيولد إثارة مستقرة، هي الإحساس الثابت بالجوع وإذا لم يتأمن الغذاء فإن الجسم يلجأ تلقائيًا إلى التغذية الداخلية ويتكيف معها.

 

العلاج بالجوع:

وقد أثبت الأطباء أنه يمكن استخدام هذه المرحلة بالضبط لمعالجة المرضى، وهي طريقة حديثة في العلاج وفي نفس الوقت قديمة جدًا، فقديما قال سقراط وفيثاغورث إن الجوع المؤقت يلعب بالنسبة للجسم دور المنشط ويزيد في كفاءة الإنسان الجسدية والفكرية، وقد استخدم ابن سينا الجوع في طرق العلاج لعدة أمراض ولم تحل الأدوية مكان هذه الطرق العلاجية إلا بعد فترة طويلة وها هي اليوم تعود من جديد، وإن لم توضع طرق المعالجة بالجوع في إطارها النظري المتكامل غير أن النتائج العملية التي توصل إليها الخبراء تبشر بآمال مشرقة، ومن هنا تبدو حكمة الإسلام البالغة في الصوم.

 

كيف تتم التغذية الداخلية:

وعملية استهلاك الاحتياطيات في التغذية الداخلية ليست ذات طابع فوضوي، بل هي عملية منظمة بأحكام تدخل حيز العمل بالدرجة الأولى المواد المسماة بمواد الاحتياط (وأكثرها الاحتياطيات الشحمية) ثم تأتي المواد الغذائية للأعضاء والأنسجة الأقل أهمية للحياة ومن هنا ينقص وزن الجسم.

وقد سلط العلماء الأضواء على قانون آخر هـو «أن الجسم يستخدم قبل كل شيء النشوءات المرضية، فيجري ما يمكن تسميته بعملية «تنقية القطاع المريض» من الجسم. 

على أن التجارب العديدة منذ سنوات استدل منهـا العلماء أن الجسم في حالة الجوع الطويل الأجل يعمل كنظام يضبط بذاته تحركاته ويوجهها.

وإن تبدلت الظروف الخارجية ترغمه على تبديل الأنظمة الداخلية وتأمين أقصى الاستفادة، لأجل الحفاظ على الحياة، وخلال فترة الجوع تلاحظ ظاهرتان تؤثر الواحدة منهما في الأخرى باستمرار وثبات: من جهة اتجاه تدميري لأن الجسم يصبح مضطرًا لأن يحيا على حساب احتياطياته الخاصة به ومن جهة أخرى اتجاه للبناء سيما وأن الجوع هو محفز قوي لتحريك التفاعلات الدفاعية التي يتكيف بها الجسم مع أقصى درجات فقدان الطاقة ويتخلص بقوة من الفضلات التي تعرقل التغيير الغذائي داخل الخلايا مما يؤدي إلى تجديد النسيج.

 

 كيف يتم العلاج بالجوع المبرمج:

ويستخدم حديثًا العلاج بطريقة الجوع المبرمج في كثير من معاهد الطب النفسي، وفي بداية العلاج يجرى إطلاع المريض على مدى العناية الطبية اللازمة وتتوقف المدة على خطورة المرض وقدمه وعمر المريض، وعلى عدة عوامل أخرى، ومن الضروري رسم آفاق القضية كاملة أمام المريض لكي يكون في الروح الذهنية المطلوبة ولأجل تشجيعه وتقوية عزمه.

وإن أصعب أيام العلاج، هي الأيام الأولى من الجوع وهي مرحلة الإثارة الغذائية حيث يشعر بحاجة ملحة إلى الأكل وبعد 5 إلى ١٢ يومًا تزول الشهية فيشعر بحيوية وتدفق في القوى ورشاقة في الجسم غير معتادة، هذا الانعطاف يعني أن الجسم انتقل كليًا إلى التغذية الداخلية.

والحالة النفسية تتعرض في هذه الحالة للارتجاج الذي هو وسيلة للشفاء والاستقرار السريع ويساهم هذا التفاعل في تجديد عمل جهاز الإفراز الداخلي ويقضي على كثير من اختلالاته عندها تتأمن الراحة للجهاز العصبي المركزي وللدماغ لأن العمليات الغذائية تضطرهما لقيام بعمل مركز.

وحين تعود الشهية ويختفي الغشاء الأصفر عن اللسان «وهو الغشاء الذي يتكون في بداية العلاج»، يكون ذلك بمثابة الإشارة لإنهاء العلاج.

وعندها تبدأ المرحلة الأكثر حسمًا، مرحلة العودة للحياة الطبيعية فيعطى المريض بعض العصير وحساء الفاكهة والخضار، وغذاء صحيًا نباتيًا يراعي الحمية ويعطى بانتظام وإتقان.

 

ويبقى المريض قبل العلاج وبعده تحت رقابة الاختصاصيين الدائبة. وقد نجح العلاج بالجوع لكثير من الأمراض، الضغط – والسمنة - والذبحة القلبية - والقروح، وأمراض الحساسية والإكزيما، والتهاب المرارة وكثير من الأمراض الأخرى.

على أن النجاحات الباهرة التي تحققت لا تعني أنه يمكن للمريض استعمال هذه الطريقة في منزل تحت الإشراف الدقيق من قبل الأطباء، إنما يلزمها عيادات خاصة، وسيبين المستقبل مكانة هذا العلاج من العلم.

(إعداد أبو بلال)

الرابط المختصر :