العنوان العيد.. معانٍ ربانية ومظاهر إنسانية
الكاتب محمد نوشاد النوري
تاريخ النشر السبت 01-يوليو-2017
مشاهدات 41
نشر في العدد 2109
نشر في الصفحة 26

السبت 01-يوليو-2017
بأقلامهم
العيد..
معانٍ ربانية ومظاهر إنسانية
بقلم: محمد نوشاد النوري
أستاذ بالجامعة الإسلامية دار العلوم وقف ديوبند، ومساعد تحرير مجلة وحدة الأمة العربية العلمية المحكمة الدولية، الهند
للعيد فرحة عظيمة لدى جميع المسلمين في العالم؛ يفرحون بتوفيق الله إياهم لصيام رمضان وقيامه، وبما خصهم به الله عز وجل من نعم عظيمة وآلاء جسيمة في هذا الشهر الكريم، نعم قد اختلف المسلمون في العالم في التعبير عن هذا الفرح الغامر والسرور العامر، فللمسلمين العرب سمات وعادات في الأعياد، وللهنود عادات خاصة، وللباكستانيين عادات تخصهم، وللمسلمين في الغرب ما ليس لغيرهم من تقاليد وعادات.
وللمسلمين في الهند عادات وتقاليد في عيد الفطر، وهم أيضاً فيما بينهم مختلفون اختلافاً كبيراً، إلا أن القاسم المشترك أنهم إذا دخل رمضان تملّك على عقول بعض المسلمين – بجانب استقبال رمضان - فكرة الاستعدادات والتحضيرات للعيد، لا سيما النساء اللواتي ينشغلن بشراء الثياب وأجمل النعال وغيرها من المواد اللازمة المتعلقة باللباس والتزين والطعام.
وإذا جاء ذلك اليوم الأغر المشهود، يوم العيد؛ عمّ السرور والابتهاج كل فئات المسلمين، لا سيما الأطفال، فسرورهم لا يقدر، وفرحتهم لا توصف، وهمَّ المسلمون بالاغتسال ولبس الثوب الجديد، وانشغلت النساء بطبخ طعام خاص بيوم العيد يسمى «سيوي»، المصنوع من الحليب والخبز وغيره، ثم يخرجون إلى المصلى مسبحين مكبرين، وإذا انتهوا من الصلاة يتبادلون التهاني والزيارات.
إحياء الهوية الإسلامية
أما استثمار الأعياد في إحياء الهوية الإسلامية فهو قضية ذات أهمية كبيرة؛ فإن الله تعالى أودع أعيادنا من معالم التوحيد والإيمان والخلق النبيل؛ ما يقوي الإيمان، ويرسخ دعائم التوحيد، ويحبب الأعمال الصالحة إلى قلوب المسلمين، ويربطهم بالهوية الإسلامية ربطاً موثقاً.
ولكن المسلمين في الحقيقة تجاهلوا هذه المعاني القيمة، وتناسوا الهدف الأصيل من العيد الإسلامي النبيل، فيجب أولاً استظهار المعاني الإسلامية الكريمة في العيد.
وقد اشتمل العيد الإسلامي على معانٍ ربانية ومظاهر إسلامية، أما المعاني الربانية فتتمثل في أنه يبدأ بالتكبير والصلاة، فهو عيد موصول الحبل بالله عز وجل، فعيدنا ليس يوم كأس وطاس، ولا يوم انفلات للشهوات، ولا جري وراء الملذات، وإنما هو عيد رباني، يفرح المؤمن بتوفيق الله عز وجل لعبادة عظيمة، فهي فرحة التوفيق لطاعة الله عز وجل، وفرحة الرحمة والغفران إن شاء الله.
كما أن للعيد مظاهر إنسانية كريمة، تتجلى فيه أعظم التجلي، فالإسلام لا يريد للمسلم أن يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده؛ ولذلك شرع الله تعالى في عيد الفطر زكاة الفطر طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، وقال: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم»(1)، وشرع في عيد الأضحى الأضحية، ليوسع الإنسان على أهله، ويوسع على أحبائه وجيرانه، ويوسع على فقراء المسلمين، بل شمل التسامح الإسلامي المسلمين وغير المسلمين، فقد روى أبو داود والترمذي أن عبدالله بن عمرو بن العاص ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار؛ حتى ظننت أنه سيورثه»(2).
ولذلك أرى أن العيد فرصة قيمة لإحياء الهوية الإسلامية، فيجب أن نستغل هذه الفرصة، ونوظفها خير توظيف لصالح الإسلام والمسلمين، ونجعل منه فرصة لبعث الأمل في قلوب الشباب الإسلامي، التي أحبطها اليأس، وأحاط بها القنوط.
ومن أول معالم الهوية الإسلامية الانتماء للعقيدة الإسلامية، وهي أشرف وأعلى هوية يمكن أن يتصف بها الإنسان، فهي انتماء إلى أكمل دين وأشرف كتاب نزل على أشرف رسول إلى أشرف أمة، بأشرف لغة، بسفارة أشرف الملائكة في أشرف بقاع الأرض، في أشرف شهور السنة، في أشرف لياليه، وهي ليلة القدر.
إن مناسبة الأعياد من أحسن الأوقات التي نعالج فيها التربية وتصحيح المفاهيم الخاطئة، التي قد تسربت إلى أبنائنا، حيث يكون لديهم بهذه المناسبة من انشراح الصدر وانبساط النفس ما يجعلهم في درجة عالية من القبول.
فيجب علينا أولاً أن نضبط مفهوم العيد بصفة خاصة في ذهن الناشئة، ونؤصله وفق مراد الشرع الحنيف، ونزرع الكراهية للأعياد المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ضبط معنى العيد: «الأعياد من جملة الشرائع والمناسك كالقبلة والصلاة والصيام، وليست مجرد عادات، وهنا يكون أمر التشبه والتقليد فيها للكافرين أشد وأخطر، وكذلك تشريع أعياد لم يشرعها الله يكون حكماً بغير ما أنزل الله، وقولاً على الله بغير علم، وافتراء عليه، وابتداعاً في دينه»(3).
كما يجب أن نغرس في قلوب أبنائنا بهذه المناسبة معاني الريادة والتقدم، ونشحن قلوبهم بالأمل والتفاؤل؛ ليحققوا معاني الوسطية بسلوكهم وأخلاقهم.
وينبغي ألا نجعل من العيد درساً مملاً، بل درساً واعياً منشطاً منعشاً، يتحكم فيه السرور والبهجة، وتقديم الهدايا وإبراز يسر الإسلام من خلال ما أباحه الله من اللهو والتوسع في المباحات.
وينبغي إبراز معاني العزة الواضحة في خروج المسلمين جماعات إلى الساحات، مظهرين الترابط والقوة والعزة لجماعة المسلمين، وهم في أثناء ذلك يرفعون أصواتهم مكبرين مهللين شاكرين لربهم ومعتزين بدينهم.
ويحسن التركيز على ألا يجعل المسلمون صلاة العيد آخر عهدهم بالصلاة والمساجد، بل قاعدة للانطلاق الديني، وبعثاً جديداً لمواصلة المسير الديني والدعوي بتوفيق الله عز وجل.
فالعيد فرصة جيدة لمحاسبة النفوس، وطرح السقيم من الأفكار، وغرس الهوية الإسلامية بكل معانيها في نفوس الناشئين.>
الهوامش
(1) ابن حجر العسقلاني، بُلُوغُ اَلْمَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ اَلْأَحْكَامِ، ج1، ص229.
(2) أخرجه الترمذي في سننه (1944)، وأبو داود في سننه (5152).
(3) شيخ الإسلام ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ج1، ص58.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلقيادات إسلامية في الغرب لـ«المجتمع»: الأعياد فرصة للتعبير عن الهوية الإسلامية
نشر في العدد 2109
104
السبت 01-يوليو-2017

رمضان في أوساط الأقليات المسلمة بالغرب.. عادات مختلفة وفرحة واحدة
نشر في العدد 2120
23
الجمعة 01-يونيو-2018

