; القرآن الكريم.. كتاب الله المحفوظ | مجلة المجتمع

العنوان القرآن الكريم.. كتاب الله المحفوظ

الكاتب د. أحمد عيسى

تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006

مشاهدات 23

نشر في العدد 1704

نشر في الصفحة 54

السبت 03-يونيو-2006

رغم محاولات التحريف والترجمة الخاطئة والتقليد

  • معاني القرآن ترجمت إلى أكثر من ۱۳۰ لغة منها 250 ترجمة إلى الإنجليزية.

  • المستشرقة لورا فاجليري: في مصر وحدها عدد من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل في أوروبا.

إن الله سبحانه وتعالى وعد بحفظ هذا القرآن فقال عز وجل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ «سورة الحجر: 9». ومن أدوات حفظه الأوراق والمصاحف والشرائط والأسطوانات والفيديو وبرامج الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، حتى صار القرآن الكريم أكثر الكتب طباعة وتداولًا وشراء وقراءة في العالم، وكذلك كانت القلوب والصدور من أدوات الحفظ العظيمة، وأصبح -في خاصية ينفرد بها عن أي كتاب مقدس- أكثر كتب العالم حفظًا عن ظهر قلب، فهل يتركنا الحاسدون دون تضييق؟

في بريطانيا أكثر من مائة ألف طفل مسلم يذهبون إلى ۷۰۰ مسجد -بعد إنتهاء اليوم الدراسي في المدارس العامة- لقراءة القرآن الكريم وحفظه، غالبية هؤلاء من الجيل الثالث للمسلمين وما بعده من أصل باكستاني وبنجالي، ويوجد الكثير من المراكز الأخرى التي يقرأ ويحفظ فيها العرب والصوماليون والإنجليز وغيرهم، بالإضافة إلى أكثر من ۱۲۰ مدرسة إسلامية مستقلة تدعم الحكومة ماديًا خمسًا منها فقط. 

ومن المثير للاستغراب أن أوروبا اشتركت أيضًا في حفظ القرآن وحمايته، فقد طبعت أول نسخة في مدينة فينيسيا «البندقية» بإيطاليا عام ١٥٣٧م، وأعلن مؤخرًا عن وجود هذه النسخة في إحدى كنائس إيطاليا. أما المصحف المطبوع بصورة جيدة لأول مرة فكان في هامبورج بألمانيا سنة ١٦٩٤م ودعمت ملكة روسيا طباعته أيضًا سنة ١٧٨٧م. ثم كانت طبعة الآستانة في الدولة العثمانية عام ١٨٧٧م «٢».

ولا ننسى -في هذا السياق- الصرح الرائع «مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف» أكبر مجمع في العالم لطباعة القرآن الكريم، وهو في مدينة رسول الله ﷺ، وتم افتتاحه في ١٩٨٤م، وتبلغ الطاقة التصميمية لآلات المجمع ٣٠ مليون نسخة سنويًا لثلاث ورديات، ومتوسط إنتاج المجمع الفعلي يتجاوز ١٠ ملايين نسخة من المصاحف في العام «۳». 

إن القرآن لم يحفظ في الخزانات بعيدًا عن الناس، بل حفظه الملايين في كل مكان، وزاد من الإعجاز أن حفظه من لم يتعلم العربية ولم يعرف فيها كلمة واحدة، كما في أطفال بريطانيا وباكستان.

أوروبا.. وخطط التضييق

ولكن هناك عيونًا متربصة، ففي بريطانيا بدأ الحديث الآن عن أن المدارس التابعة للمساجد في بريطانيا «قد لا توفر الإجراءات الكافية لسلامة التلاميذ»، وأن المدارس التابعة للمساجد، تشهد إساءات للأطفال، وأن المدرسين في ثلثي المدارس التابعة للمساجد يسيئون للتلاميذ، سواء بالضرب أو التوبيخ، وبدأ الكلام عن مؤهلات المحفظين في حصص القرآن في المساجد، والدعوة إلى التحقق من تاريخهم «الإجرامي» بواسطة الشرطة وذلك بحجة التخوف من احتمال حدوث اعتداءات بدنية أو «جنسية» على الأطفال «١»!

 هل هي خطة التضييق نفسها في أنحاء العالم؟

وعلى طريق التضييق حذرت السُلطات الباكستانية من أنها ستغلق المدارس القرآنية التي لن تسجل نفسها لدى السُلطات خلال المهلة التي حددتها وانتهت بنهاية العام الماضي. ويصل عدد المدارس طبقًا لوزارة الشؤون الدينية الباكستانية منذ أربعة أعوام ١٠ آلاف مدرسة يدرس بها ١.٧ مليون طالب. 

وذكرت تقارير صحفية باكستانية أن حكومة باكستان سوف تحصل على دعم أمريكي مقداره ۱۰۰ مليون دولار لتطبيق برنامج رقابة على المدارس القرآنية، عن طريق تشكيل خلية خاصة من أجهزة الاستخبارات المراقبة المدرسين والطلاب خاصة الذين يتصلون بالخارج، ولتأمين معلومات أساسية عن كل طالب ومدرس في هذه المدارس، وسيكون من أهداف هذا البرنامج أيضًا الرقابة على منشورات هذه المدارس ودور النشر التابعة لها «٤».

والمعروف أنه منذ استقلال باكستان عن الهند عام ١٩٤٧م تحت إطار نظرية الدولتين الأولى للمسلمين والثانية للهندوس بدأت مظاهر التمسك بالدين الإسلامي تتفتق على أرض باكستان -وتعني الأرض الطاهرة- وكان من أبرز هذه المظاهر توجه الشعب الباكستاني نحو القرآن الكريم. ومع استقصاء المعلومات حول عدد حفاظ القرآن الكريم في باكستان أشار كثيرون من المهتمين بهذا الجانب إلى أنه يوجد ما معدله حافظ في كل ثلاثة بيوت، وهو ما يعني أن عدد حفظة القرآن الكريم لا يقل عن سبعة ملايين حافظ «٥».

أشرف الخصائص: وحفظ القرآن الكريم في الصدور من أشرف خصائص القرآن الكريم، وليس هذا لكتاب غير القرآن، فالتوراة والإنجيل ترك لأهلهما أمر الحفظ فاكتفوا بالقراءة دون الحفظ، إلا قلة لا تكاد تذكر، ولم تتوافر الدواعي لحفظهما كما توافرت لحفظ القرآن الكريم، فلم يكن لهما ثبوت قطعي كما هو للقرآن فسهل تحريفهما وتبديلهما.

وفي هذا الصدد تقول المستشرقة لورا فاجليري: إن «في مصر وحدها عددًا من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل في أوروبا» «٦».

وفي حين قلّ بدرجة كبيرة اقتناء النصارى للإنجيل في بريطانيا، فطبقًا لأحد الإحصاءات الرسمية تقلصت نسبة البالغين الذين يقتنون «الكتاب المقدس» من ٩٠% منذ ستين عامًا إلى ٦٥% «٧». ونجد أيضًا أن التغيير فيه ما زال مستمرًا، وكان آخره إصدار نسخة مختصرة منه منذ عدة أشهر في أستراليا قام بها القس البريطاني هنتون بتلخيص الكتاب المكون من ٦٦ جزءًا إلى ما سماه «بايبل المائة دقيقة» أو  The 100 Minute Bible بحيث يمكن قراءته كله في مائة دقيقة! «٨».

ولكن ما زال القرآن الكريم كما هو، دون زيادة أو نقصان منذ أن أنزل على قلب النبي ﷺ، فقد نزل القرآن بلغة العرب وظل محتفظًا بلغته إلى يومنا هذا، وهذا الاحتفاظ جعله مرجعًا لكل من حاول أن يترجمه إلى لغة أخرى، ولقد ترجم منذ العصور الأولى، خاصة ما ورد منه في رسائل النبيﷺ إلى الملوك والأكاسرة والقياصرة، حيث وردت بعض الآيات في هذه الرسائل فترجمت إلى لغات المرسل إليهم أثناء تلاوتها عليهم، والآن ترجمت معاني القرآن إلى أكثر من مائة وثلاثين لغة، بعضها ترجم مرة واحدة وبعضها ترجم أكثر من مائتين وخمسين ترجمة كما هو الحال في اللغة الإنجليزية مثلًا، وكثير منها ترجم مرات عدة وفي كل الأحوال يبقى النَص القرآني هو المرجع.

ومن هنا كان تعرض القرآن الكريم لمحاولات التحريف التي لم تفلح.. والمحاولات الترجمة الخاطئة السيئة النية فلم تؤثر فيه.. ولمحاولة الطباعة المحرفة، فبقى كما هو، ولمحاولة تقليده ومحاكاته بسيئ الكلام وركيكه فلم يزحزح عن مكانته، بل إن كل ذلك أكد معجزته الباقية عبر الزمان، وأعلى من شأنه في صدور الناس، وكان كل ذلك سببًا في تمسك المؤمنين به وبابًا جديدًا للدعوة إلى الله ودخول الناس في دين الله أفواجًا- وبدلًا من إبادة المسلمين -التي أرادها مشركو مكة ومن بعدهم الفرس والروم ومن بعدهم الفرنجة والتتار ومن بعدهم الاستعمار والتعصب في الشرق والغرب- انتشر الإسلام «٩».

الكتاب المحفوظ

سيبقى كتاب الله تعالى محفوظًا في الصدور وفي السطور، ولن تؤثر فيه محاولات التحريف والتزييف، لأن القرآن الكريم باقٍ محفوظ لا يندثر ولا يتبدل، ولا يلتبس بالبّاطل ولا يمسه التحريف برعاية الله وحفظه. 

ولقد بذل أعداء هذا الدين الكثير في الكيد لدين الله.. وقدروا على أشياء كثيرة.…قدروا على الدس في سُنة رسول الله ﷺ وعلى تاريخ الأمة المسلمة. 

وقدروا على تزوير الأحداث ودسّ الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون، وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين.

وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون وبخاصة في العصر الحديث.. ولكنهم لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ  «١٠».

نعم.. لن يتمكن العالم من مقاومة النور الأبلج، نور القرآن؟ ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ «سورة التوبة: 32».

المراجع

  (1) Muslim schools Warningon 'abuse'

http://news.bbc.co.uk/1/hi/uk/ 483114.stm March 200622

(2) www.islamweb.net

(3) http://www.hqmi.org/vb/ showthread.php?p=107#post107 

 «٤»رقابة باكستانية بدعم أمريكي على المدارس القرآنية.

http://www.aljazeera.net/news/ archive/ archive/ Archiveld=78861 

»٢«باكستان بلد سبعة ملايين حافظ للقرآن

 «5»http://www.islamonline.net/Arabic/ news/2005-/  .08/29/article08.shtml

«6» http://www.islamweb.net.qa/ ver2/archive/ readArt.php?id=11720

«7»Big UK decline in Bible owner- ship, www.icmresearch.co.uk

   «8» http://www.the100- minutepress.com

«٩»«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» د. علي جمعة 25/12/2004 الأهرام

المصرية.

«١٠» في ظلال القرآن - سورة الحجر - سيد قطب «بتصرف».

الرابط المختصر :