; ثقافة وفنون (1058) | مجلة المجتمع

العنوان ثقافة وفنون (1058)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1993

مشاهدات 721

نشر في العدد 1058

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 20-يوليو-1993

اللسان العربي 

 جمعية أصدقاء الفصحى

لقد ارتبط اللسان العربي بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، ثم من خلالهما– بكل علوم الإسلام وتراث حضارته عبر القرون ويقدر تمكن المسلم من اللسان الفصيح وأدواته يكون توفيقه في حسن الاتصال بالمصدرين وعلومهما ولن يتأتى هذا التمكن المجموع الأمة إلا إذا أصبحت العربية أداة تواصل حي في شتى مجالات الحياة الجادة، وبين الأغلبية الساحقة من أبناء الأمة فأين هذا مما نحن فيه اليوم حيث الساحة ملأى بالعاميات والرطانات.. والأغلبية تتباهى باللغات الأجنبية وتعجز عن العربية أو تخجل من التحدث بها. حتى الدروس والمحاضرات، ولو كان موضوعها اللغة العربية. غزتها هذه الأوبئة اللغوية.

ضج المخلصون والغيورون على الإسلام ولغته، وأهابوا بأولى الأمر أن يقوموا بواجبهم ويدركوا الأمر قبل استفحاله، ولكن الاستجابة كانت ولاتزال ضعيفة جدًا على حين أن مخططات إضعاف الفصحى كانت جارية بنشاط في كل ميدان وصعيد تنفيذا للسياسة التي وضعها «مستر دتلوب» الإنجليزي  «المستشار– بل الموجه الأعلى– لوزارة المعارف المصرية» وهي السياسة التي صارت– إلى حد كبير– نموذجًا– يطبق في كل البلاد العربية والتي أتت أكلها المر فيما نراه واقعًا من ضعف لغوي مؤسف في مقابل انتشار للغات الأجنبية على الألسنة وفي مؤسسات التعليم. ومن رفض الدعوات التعريب وتعثر وانتكاس لتجاربه في كل البلاد العربية تقريبًا.

والحل؟ إنه ليس لنا خيار إلا أن نصون لغتنا بكل وسيلة ولا نشارك المضيعين لها في جرمهم إن اليهود شذاذ الآفاق– قد أحيوا لغتهم «العبرية» من شبه موت امتد الفي عام وتمكنوا– خلال أقل من نصف قرن قبل قيام دولتهم وتجمعهم فيها . من جعلها جاهزة لتبدأ دورها أداة تواصل في كل المجالات وهي الآن كذلك ولا تزاحمها أي لغة أجنبية اليس عارًا وفضيحة أن نترك لغتنا– الحية المحفوظة بوعد الله لكتابه، تنكمش وتنزوي كما يريد لها أعداؤها وإذا كنا قد ابتلينا بمن يخون الأمانة فأين دورنا نحن؟

إن الجهد الشعبي يستطيع– بالصدق والالتزام والبذل– أن يحقق «رغم العقبات» ما عجزت عنه الحكومات بل أن يصلح ما خربته إن سلفنا الصالح الذي أنشأ للعربية صرحا مجيدا لم تحظ به لغة أخرى، لم يكونوا حكامًا ولا وزراء للتربية، وإنما كانوا قومًا استشعروا واجبهم نحو دينهم، ولغتهم وأمتهم فاستنفروا أنفسهم لهذه المسؤولية وقاموا بها على خير وجه صحيح أن حكام زمانهم كانوا صالحين يباركون كل جهد بناء ويدعمونه لكن متى كان المسلم الحق يستهدف بعمله غير وجه ربه الكريم، أو يرجو ثوابه من المخلوقين؟

 ما الذي يمنع كل مسلم ووطني من أن يحب لغته ويغار عليها ويعتز بها أو من أن يغرس في أولاده ذلك الشعور النبيل؟ بل ما الذي يمنع كل أسرة أن تتحول إلى نواة «جمعية أصدقاء الفصحى» تعني بهذه اللغة ويتعاون أفرادها على التمكن منها ويتعودون على التحدث والكتابة بها وحين تتعارف هذه النويات وتتبادل الخبرات يسرى ويتنامي في جسد الأمة وعي لغوي جديد فتنشأ في كل بيت أو بناية جمعية، وفي كل شارع أو حي أو مدينة عشرات الجمعيات ما بين صغيرة وكبيرة جمعيات للشباب والشابات للرجال والنساء تتنافس كلها في هذا الخير.

ما الذي يمنع أن تتكون في كل فصل في المدارس والمعاهد والجامعات ، جمعية من أصدقاء الفصحي وكذلك في الوزارات والمصالح والشركات يتميز أعضاء هذه الجمعيات بسمت وأضح حب الفصحى والحرص على استخدامها في كل مقام، ودعوة غيرهم إلى ذلك لا يبالون بانتقاد أو حتى سخرية ممن هم على غير طريقهم من المتغربين ما الذي يمنع أساتذة العربية– وكذلك المواد الأخرى في المدارس والجامعات أن يكونوا كسائر الأساتذة في بلاد الدنيا يدرسون  ويتواصلون مع طلابهم باللغة الفصحى لا بالعاميات، وهم بين الطلاب في موضع القدوة والأسوة؟

ما الذي يدفع مؤلفي المسرحيات والتمثيليات والأغاني إلى اصطناع العاميات أداة للتعبير مع أنهم يعلمون قطعًا– أن في ذلك جناية على لغة الأمة؟ اليس الأجدر بهم أن يسهموا بإنتاجهم الفني في ترقية الذوق والمستوى اللغويين لا في الهبوط به و العاميات– بلا جدال . هبوط بالنسبة للفصحى

كل تلك التجمعات والنشاطات يمكن أن تقوم وتنتشر دون خوف من تدخل أي سلطة ولست أظن أن أي سلطة وطنية يعينها شأن الأمة وشأن لغتها تقف حجر عثرة أمام قيام جمعيات رسمية ونواد وهيئات مفتوحة للراغبين من أبناء الأمة تكون غايتها نشر الوعي بأهمية اللغة والعمل بكل وسيلة– على ترقيتها والدفاع عنها، وأن تصدر عنها في ذلك النشرات والدوريات أليس أمر اللغة– من بين اهتمامات الأمة والسلطة المتولية أمرها. يأتي في الأهمية قبل الرياضة  بأنواعها وشتى الهوايات المباحة من رسم وتصوير ونحوها، دع منك ما هو منكر ومذموم أین دور جمعیات ونقابات المعلمين والخريجين والأدباء وسائر جمعيات النفع العام، خاصة ذات التوجه الإسلامي منها في التوعية بهذا الأمر المهم وتشجيعه ودعمه متى تسمع عن «الديوانية» الأولى التي يتواصى روادها من المثقفين بالتزام الفصحى أداة للنقاش في جلساتها؟ هل نظن الأمر غير ممكن أو نخاف من الأخطاء اللغوية إننا حين نكتب طلبًا أو مقالًا تستخدم الفصحى لا العامية، فالأمر ممكن إذن والأخطاء أمر طبيعي تتخلص منها الممارسة التي تنضج الملكة وتقوي السليقة وتكسر حاجز الخوف وما هي إلا جلسات حتى يصبح الحديث بالفصحى أمرا طبيعيًا ممتعًا في الوقت نفسه فهل نبدأ " عسى إلا نتردد كثيرًا.

عبد الوارث سعيد

إصدارات:

 من سمات الأدب الإسلامي

هناك قول يتداوله بعض النقاد مفاده أن الإسلام أضعف المستوى الأدائي عند الشعراء. فهبط الشعر إلى درجة متدنية قياسًا بالشعر الجاهلي.

كما أن هناك رأيًا يصحح هذه النظرة السطحية، فلا يجعل مسألة الضعف بسبب ظهور الإسلام وإنما بسبب القصور الذاتي عند الشعراء الذين لم يستطيعوا التعامل مع المرحلة الجديدة ذات الأهداف والأغراض والمتغيرات التي كانت أسرع من قدرتهم على الاستيعاب وأعمق من رؤيتهم التقليدية للأشياء، وأوسع من الآفاق الثقافية السائدة والتي لم يؤهلوا لتجاوزها والتحرر من إسارها، فضلًا عن مواكبتهم للرسالة الجديدة الهادفة لإحداث صدمة فكرية واجتماعية، تنتقل معها الأوضاع نقلةً نوعيةً من الأسود إلى الأبيض أو بالتعبير القرآني من الظلمات إلى النور.

والدكتور مصطفى عبد الواحد في كتابه «من سمات الأدب الإسلامي» دلل على أثر الإسلام في حركة الأدب وإسهامه في رفع مستوى الأداء الشعري، كما أثبت بالشواهد التاريخية الأدبية أن الشاعر يستطيع الإبداع مع المحافظة على التزامه الديني، ومع حضوره الفعال في إطار الحركة الاجتماعية الناشطة.

كتاب «من سمات الأدب الإسلامي» صدر عن رابطة العالم الإسلامي ضمن سلسلة دعوة الحق، ويطلب من إدارة الصحافة والنشر برابطة العالم الإسلامي.

صب: ۱۳۸. هاتف: ٥١٣٥٦٣٠. مكة المكرمة.

قصة قصيرة:

ليلة اغتيال حسن الساعاتي:

بقلم: يوسف مصطفى عبد الله– المدينة المنورة

حسن الساعاتي رجل امتلأ قلبه حبًّا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وألمه الوضع المؤلم للأمة الإسلامية، فأقام جماعة إسلامية تهدف إلى إعادة المسلمين إلى دينهم وعزهم، ونجح في مراميه أيما نجاح، وغدت جماعته أكثر الجماعات عددًا وانتشارًا، فأحس الظالمون بالخطر، وخافوا على فروشهم وكروشهم وعروشهم، فحاولوا إيقافه وتوهين عزيمته بشتى الطرق، فما لان لهم ولا استكان، فقرروا في نهاية المطاف حل جماعته واغتياله.

نظمي رئيس الوزراء يلتقي بوزير الداخلية صبحي.

نظمي: لقد صدرت الأوامر بحل جماعة الساعاتي واغتياله.

صبحي: اغتياله!!

نظمي: نعم، لقد أصبح خطرًا على أمن البلاد.

صبحي: ولكن ذلك سيثير أتباعه وعددهم كبير، وسيشكلون خطرًا على الدولة.

نظمي: لا تخف الليلة سيدخلون السجون، لن يبقى أحد منهم خارج السجن.

 صبحي: ولكن الأمر لن يمر بسهولة.

نظمي: لا تخف كل شيء سيكون تمام التمام، والأمر الذي عباس عنده، عنده باقي التفاصيل، وسياتي إليك غدًا لتسوية باقي الأمور.

وفي اليوم التالي حضر عباس إلى مكتب وزير الداخلية صبحي، وبدأ النقاش على الفور.

صبحي: ما الذي تم تنفيذه ليلة أمس؟ 

عباس: لقد اعتقلنا معظم جماعته، ومن لم يعتقل يجري البحث عنه لاعتقاله وهو الآن بمفرده ليس حوله أحد من أتباعه. صادرنا سلاحه الشخصي، وسحبنا رخصة سلاحه فلن يستطيع المقاومة. منعناه من السفر خارج المدينة أو خارج القطر إلا بإذن رسمي هو تحت المراقبة الشديدة المستمرة على مدار ٢٤ ساعة، اعتقلنا جميع أشقائه بما فيهم شقيقه عبد الباسط ضابط البوليس.

ثم طوى عباس الملف الذي بين يديه قائلًا عباس: هذه الخطوات التي تم تنفيذها.

صبحي: وما الذي بقي؟

عباس: اللمسات الأخيرة لاغتياله.

صبحي: ومن الذي سينفذ العملية.

عباس: لقد استدعينا ثلاثة رجال مدربين من خارج المدينة، وأعددناهم للتنفيذ وزودناهم بالأسلحة والسيارة، وسيغادرون فورًا من موقع العملية إلى خارج المدينة، ومن ثم سيتم إبعادهم إلى منطقة بعيدة فترة من الزمن.

صبحي: وأين سيتم التنفيذ؟

عباس: هذا الذي لم يحدد حتى الآن. ولكن طبقًا لتقارير المراقبة فإن أنسب مكان للتنفيذ هو شارع جمعية الشباب؛ لأنه يتردد هناك باستمرار، ولكن المشكلة في كيف نستدرجه بشكل لا يدعو للريبة في الوقت الذي نریده؟

صبحي: هل هناك عقبة أخرى غير هذه؟

عباس: كل حاجة تمام التمام يا صبحي، دع أمر استدراجه لي، واهتم أنت بالباقي، وسأبلغك حين يتم أمر استدراجه. 

عباس: إذن سأنصرف لإكمال المتبقي. 

يغادر عباس مكتب رئيس الوزراء ويقوم صبحي بالاتصال برئيس الوزراء نظمي.

نظمي: إيه الأخبار يا صبحي؟

صبحي: كل شيء تمام، ولكن بقي موضوع استدراجه إلى موقع التنفيذ.

نظمي: وأين موقع التنفيذ؟

صبحي: شارع جمعية الشباب

نظمي: لا قلق. الأمر بسيط إن الساعاتي – هذا يحاول بشتى الوسائل الاتصال بي– للتفاهم حول جماعته المنحلة، وهو يريد مقابلة مجلس الإرشاد في السجن، وسأسرب إليه أن الحكومة موافقة على التفاهم معه بهذا الشأن في جمعية الشباب.

صبحي: إذن لم يبق إلا تحديد الوقت والتنفيذ.

نظمي: إذن جهز رجالك وكن مستعدًا.

خلال ٤٨ ساعة لتنفيذ العملية.

يحاول الساعاتي إصلاح الأمور، ولكن– لا فائدة، ولم يبق بقربه أحد، وكلما ظهر من أتباعه أحد اعتقل على الفور، طلب منهم أن يعتقلوه مع باقي جماعته فرفضوا. طلب منهم أن يقابل مجلس الإرشاد في السجن فرفضوا، حاول مقابلة المسؤولين للتفاهم حول هذه الاعتقالات وما يترتب عليها، ولكن لا فائدة الأبواب موصده، وبينما هو مستغرق في آلامه؛ إذ جاء أحد أصدقائه يخبره أن الحكومة وافقت على التفاهم معه بشأن مقابلة مجلس الإرشاد في السجن. فرح الشيخ حسن أيما فرح، وبدت بوادر الانشراح على محياه، وسارع للاستفسار عن موعد اللقاء والمكان، فأجابه صديقه موسى.

موسى الموعد يا شيخ حسن في جمعية الشباب يوم السبت الساعة الخامسة مساءً. وستجد الأستاذ غسان بانتظارك للتفاهم حول المسألة وترتيبات اللقاء.

الشيخ حسن: سأكون هناك في الموعد إن شاء الله.

أخذ الشيخ حسن يعد نفسه ليوم اللقاء. وفي ليلة اللقاء رأى الشيخ حسن في المنام أنه سيقتل في تلك الليلة، وعندما استيقظ أخبر أهله وأبناءه بما رأى، فبكوا وطلبوا منه عدم الذهاب للموعد، لكنه رفض وأصر على الذهاب، وكيف لا يذهب وهو الذي ربَّى أتباعه على حب الشهادة في سبيل الله، وخرج وهو يقول لأهله: كيف أهاب الموت والله يقول: ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖ﴾   (النساء: 78). 

وفي الشارع كان صديقه موسى ومعه الأستاذ كامل ينتظرانه للذهاب إلى الموعد، وما أن خرج الشيخ حسن حتى استقل ثلاثتهم سيارة أجرة، وذهبوا إلى جمعية الشباب، توقفت سيارة التاكسي أمام مبنى جمعية الشباب في الساعة الخامسة إلا بضع دقائق، ونزل منها الشيخ حسن ومعه الأستاذ كامل وموسى، يدخل الثلاثة جمعية الشباب، ويتم اللقاء بالأستاذ غسان ويبدأ النقاش، ويستمر إلى ما يقارب ثلاث ساعات، ولكن دون نتيجة وأحس الشيخ حسن بالضيق؛ إذ تبين له أن الأمر ليس فيه جديد، ولا يبدو أن الحكومة في نيتها السماح له بما طلب، فانفض الاجتماع وخرج الشيخ حسن ورفاقه من مبنى جمعية الشباب بعد أن طلبوا سيارة لتقلهم. 

الساعة الثامنة والنصف مساءً، المكان شارع جمعية الشباب، الشارع خالٍ تقريبًا من الحركة، الشيخ حسن ورفيقاه يغادرون مبنى جمعية الشباب ينتظر الثلاثة برهة ريثما تأتي سيارة التاكسي، سيارة التاكسي تأتي وتقف يركب الأستاذ موسى بجانب السائق، ويركب الأستاذ كامل خلف السائق، وفي الجهة الأخرى ركب الشيخ حسن البنا الساعاتي، ولم تكد السيارة تتحرك حتى هجم ثلاثة رجال مسلحين على السيارة، وأخذوا يطلقون النار على من بداخلها، موسى والسائق لم يصابا بسوء. 

أما الأستاذ كامل فحاول أحد الجناة فتح الباب من جهته فأغلقه فكسر الجاني الزجاج وأطلق النار فأصاب الأستاذ كامل إصابات بليغة.

أما الشيخ حسن البنا عندما فتح الجاني الباب من جهته هب لمقاومته، فاطلق الجاني النار عليه، فأصابه في ذراعه، ومع ذلك فقد هجم الشيخ حسن البنا الساعاتي على الجاني، وحاول الإمساك به في شجاعة ورجولة، فهرب الجناة والشيخ حسن يحاول اللحاق بهم، ولكنهم كانوا أسرع منه، فركبوا السيارة التي كانت بانتظارهم وهربوا، ولكن الشيخ حسن الساعاتي استطاع التقاط رقم السيارة وكان (۹۹۷۹) وتبين فيما بعد أنها مسجلة باسم وزارة الداخلية. 

عاد الأستاذ البنا إلى موقع الحادث والدماء تنزف من ذراعه، ورأى إصابة الأستاذ كامل خطيرة، فدخل مبنى جمعية الشباب وطلب الإسعاف سريعًا للأستاذ كامل، أما هو فبالرغم من النزيف الذي أصابه إلا أن حالته لم تكن خطرة. جاءت سيارة الإسعاف ونقل الثلاثة إلى مستشفى العيون، وبدأ العاملون في المستشفى في إسعاف الأستاذ كامل والشيخ حسن البنا. أدخل الأستاذ كامل إلى غرفة، والشيخ حسن البنا إلى غرفة أخرى، وبينما كان الطبيب يستعد لإسعاف الشيخ حسن جاء استدعاء طارئ خرج الطبيب، وأغلق الباب على الشيخ حسن وترك وحيدًا والدماء تنزف منه، لم يكن الاستدعاء الطارئ لأمر أعظم، بل لأن الأوامر صدرت بمنع علاج الشيخ البنا وتركه ينزف حتى الموت. 

وترك البنا مسجى دون علاج ودماؤه تنزف حتى فاضت روحه إلى باريها تشكو ظلم الطواغيت وغدرهم ووحشيتهم. 

وبعد قتل الشيخ البنا حملت جثته تحت الحراسة المشددة إلى منزله، ولم يسمح لأحد غير أهله بالاقتراب من جثمانه، وتولى أبوه الشيخ الكبير غسله وحمل على النعش، ولم يمش في جنازته رجل واحد سوى والده، أما البقية فكانوا نساء أهل بيته، ودفن وسط إجراءات مشددة، ولم يسمح لأحد بتقديم العزاء فيه أو زيارة قبره، وظل قبره تحت الحراسة فترة من الزمن كأنهم كانوا يخشون أن يبعث من قبره ليفضح ظلمهم وغدرهم. 

وهكذا طويت صفحة من صفحات تاريخ الدعوة عاش صاحبها ومات وهو يعلم الناس: والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

شعر:

باق على العهد:

باق على العهد صرخة على ألسن الصادقين الأبرياء الذين امتدت إليهم أيدي الظالمين بالقتل والتعذيب والسجن والتشريد، وما نقموا منهم إلا أن قالوا: ربنا الله

شعر:

عبد الله بن عبد الكريم الخميس

السعودية – بريدة

ثار القريض وأجلبت أشعاري *** وتملكتني نشوة الإبحار

فتركتُ يابسة الوجود وخضت في *** بحري من الأحلام والأفكار

ملكت على زمام نفسي أمة *** ضاقت عليها الأرض بالأضرار

أحببتها وكرهت طول عذابها *** وخجلت منها تحتمي بجواري

يقتادني شوقي إليها ذاهلا *** وأحس ما وافيتها بدوار

هي أمتي وأنا المعذب ليس لي *** إلا البكاء وصرخة استنفار

سطرت شعري عاشقًا متغزلًا *** رغم الظلام يباهر الأنوار

وسقيته مما بنفسي جرعة *** فمضي بغضبته كطالب ثار

وأعرته قلبي فأنشد حبه *** للخير في عذب من استفسار

وزرعته أملًا بأرض میته *** فأسأل لهيب الحر عن صًبَاري

شعري لظى حراقه ودعاية *** للحب صادقة، وخجلة عار

شعري من الجبهات صوت كرامة *** ومن المذابح نظرة استفسار

شعري من المنفى صدى متردد *** ومن المهاجر فكرة استقرار

شعري من الغرف الدفينة نبعه *** ومن السجون عتيدة الأسوار

قول من الأزهار يأخذ عطره *** فتخاله شعرًا من الأشعار

شعري بكاء أسيرة مظلومة *** قيدت بأمر الظالم الغدار

شعري دموع البائسين وعبرة *** في وجه طفل لائذ بجدار

شعري سلاحي حينما جردت من *** سيفي وعات الظالمون بداري

سأظل أشهره بقول صادق *** وبه سأفضح كل جذوة نار

وبه وما في حوزتي سأذود عن *** حبي الكبير على مدى مشواري

وجه الحياة مقنع أبغضته *** ويشوقني وجه الحياة العاري

يا ساسة القمع الرهيب تأهبوا *** وتسلحوا بحديدكم والنار

إني صحوت فلا تخدرني حلاوة *** منطق ومهارة استعمار

إني صحوت فجردوا أسيافكم *** وتجسسوا وتحسسوا أخباري

إني صحوت ولست أخدع بعدها *** يومًا بزيف خادع الأبصار

ما عدت أؤمن بالأباطيل التي *** تروي عن الأشباح والأخطار

ما عاد يرعبني الدوى ولم تعد *** نفسي تراود نفسها بقرار

ماض إلى الظل الظليل برحمة الر *** حمن والرمضاء للكفار

يا ساسة القمع الرهيب تفننوا *** بالقتل والتعذيب بالإعسار

واستخدموا الإعلام في ترويجكم *** للفسق في التضليل والإسكار

فضوا المزاد فلن أبيع كرامتي *** وتفرقوا يا طغمة الأشرار

إني صحوت فعلموا أشياءكم *** الله أكبر منهجي وشعاري

هي صحوتي فاستنصروا بعدوكم *** وتربصوا بالخير والأخيار

هاتوا معاول هدمكم ودماركم *** واستجمعوا طاقاتكم لحصاري

وابنوا السدود على حديث طرازها *** لن تحجزوا بسدودكم أنهاري

يا ظالمي – بشري تسوقك إنني *** استيقظت من نومي نفضت غباري

حرك جيوشك لن تواجه صحوتي *** بالواقفين على شفير هار

حرك جيوشك لن تناطح صخرتي *** بحمام صنعت من الفخار

جسمي النحيل وسيلة محدودة *** ونقاء فكري فسحة استمرار

الهب نحيلي بالسياط وشدني *** للقيد حرق وجنتي بالنار

مشط بأمشاط الحديد جوانحي *** ها مفرقي فانشره بالمنشار

ما في يديك سوى نحيل بائد *** فاقتله تحيا بعده أفكاري

اقتل فلست بمسجد لك جبهتي *** اقتل فلست برادع تياري

اسفك دمي، تأتيك آخر قطرة *** برسول جيش قادم جرار

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الثَور الأبيَض

نشر في العدد 2

29

الثلاثاء 24-مارس-1970

النصر الأعظم

نشر في العدد 10

23

الثلاثاء 19-مايو-1970