العنوان المجتمع الأسري (العدد 1084)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994
مشاهدات 9
نشر في العدد 1084
نشر في الصفحة 56
الثلاثاء 18-يناير-1994
أستاذة نمساوية مسلمة تتحدث لـ«للمجتمع» عن:
هموم المرأة العربية ومعاناتها
حاورها في فيينا: النذير المصمودي
آمنة «أم أنفال» أستاذة نمساوية بإحدى ثانويات ڤيينا، اعتنقت الإسلام منذ أكثر من عشر سنوات، وتزوجت عربيًا مسلمًا ساعدها على فهم دينها الجديد وأخذ بيدها نحو حياة النور والهدى، وترى أنه من الواجب دعوة أهل الغرب من المسيحيين إلى الإسلام، لأن المسيحية في نظرها لم تعد قادرة على الإجابة الصحيحة عن تساؤلات الإنسان وما يكتنف عقله من تصورات حول الكون والحياة والإنسان.
التقت بها «المجتمع» في بيتها الذي تحول إلى شبه مدرسة صغيرة تلتقي فيه الأخوات النمساويات المسلمات للتذاكر وتعلم أصول الدين وشرائعه.. وفضلت أن يكون الحوار باللغة العربية التي اجتهدت في تعلمها وإجادتها بطلاقة.
البحث عن الحقيقة قادني إلى اعتناق الإسلام
عن سبب اعتناقها الدين الإسلامي تقول «أم أنفال»: لقد ربتني أمي على الديانة المسيحية، لكن بعد أن كبرت وجدت نفسي أمام أسئلة ضخمة كانت تقلقني، ولذلك بدأت البحث عن الإجابة لتلك الأسئلة، غير أن رجال الكنيسة القائمين عليها لم يستطيعوا إقناعي موضوعيًا بإجاباتهم. وظللت على هذه الحال من التخبط والضياع إلى أن دخلت الجامعة لدراسة الصيدلة، وهناك تعرفت على بعض الطلاب من العرب المسلمين ودارت بيننا نقاشات كثيرة انتهت بي إلى الرغبة في التعرف على الإسلام، وأحمد الله تعالى على أن ساق لي أناسًا من المسلمين ساعدوني كثيرًا على التقرب من الإسلام وفهمه من مصادره الصحيحة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا اقتنعت بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يستطيع إنقاذي من التيه والضياع، فرضيت به دينًا.
المجتمع: ألم يسبب لك هذا مشاكل مع أسرتك؟
أم أنفال: لا والحمد لله. لقد أحست أسرتي تبدلًا مفاجئًا في مواقفي وطبيعتي، وخاصة في الأكل والمظهر، وأخبرت الأسرة بالسبب، فلم يعارضني أحد منهم خاصة وأن تربيتنا كانت على أساس أن كل واحد منا حر في اختيار طريقة حياته والديانة التي يرغب فيها.
المجتمع: الحجاب لم يسبب لكِ مشاكل مع المجتمع؟
أم أنفال: المشاكل لا بد منها، لكن تحديها يرجع إلى شخصية المرأة نفسها، ونحمد الله أن حكومة النمسا - وهي أول حكومة في المجتمع الغربي - تعتبر الإسلام ديانة رسمية، ولا تستطيع أي مؤسسة حكومية فصل المرأة من عملها بسبب لباسها عكس ما يجرى في فرنسا مثلًا، ولكن تبقى دائمًا بعض المشاكل الناتجة عن سوء تصور المجتمع الغربي للإسلام ومظاهره، وأعتقد أن الإعلام الغربي لعب دورًا كبيرًا في تشويه صورة الإسلام وبطرائق تثير الاشمئزاز لدى الرأي العام، لكن لا بد من الصبر والمصابرة ومواصلة طريق الدعوة بالتي هي أحسن.
الحوار ضروري للالتقاء والتقارب والإقناع
بدعوة من الكنيسة الكاثوليكية النمساوية ألقت الأستاذة آمنة عدة محاضرات بالكنائس بڤيينا، حضرت «المجتمع» إحداها وكانت حول المرأة في الإسلام.. وعن ردود الأفعال ونتائج المحاضرات حدثتنا آمنة قائلة:
لقد اكتشفت بعد هذه المحاضرات والنقاشات شيئين أساسيين: أولهما أن المجتمع الغربي كون رصيد تصوره للإسلام من وسائل الإعلام التي أصبحت تصنع الرأي العام، وثانيهما أن المسيحيين المتدينين والملتزمين هم أقرب إلى فهم الإسلام والالتقاء به من العلمانيين الذين نجد فيهم تعنتًا كبيرًا ورفضًا مبالغًا فيه للدين والتدين.
ولذلك لقيت محاضراتي أصداءً طيبة في أوساط المسيحيين المتدينين الذين لم يكونوا يعرفوا عن الإسلام إلا القشور، وتلقيت رسائل شكر وتشجيع منهم، توحي بأن الإقبال والتقبل كان طيبًا ونافعًا. وسأواصل إن شاء الله هذا الحوار معهم لإقامة الحجة عليهم ومحاولة إقناعهم بما هو أفضل.
المرأة الغربية تحررت من عبودية الله فوقعت في عبودية البشر
وعن هموم المرأة الغربية ومعاناتها قالت الأستاذة آمنة: إن ما تعيشه المرأة الغربية اليوم من هموم ومشكلات ومعاناة لم يأت من فراغ إنما كان نتيجة حتمية لأسباب موضوعية بدأت مع بداية حركة تحرير المرأة في الغرب.
وللأسف الشديد فإن الذين قادوا حركة تحرر المرأة في الغرب صوروا للمرأة أن الدين هو السبب في تقييد حركتها وحريتها ولا بد أن تثور عليه لاسترجاع حقوقها وحريتها المغتصبة. وهي في ثورتها هذه استطاعت التحرر من العبودية لله، فوقعت فى العبودية «للرجل» الذي استغلها أيما استغلال، وخسرت علاقتها بالرجل كأب وأخ وزوج، ولم تربح معه إلا علاقتها به «كعشيق» سرعان ما يخدعها!!
وأي استعباد أكبر من أن تصبح المرأة «علامة مسجلة» للإعلانات وترويج السلع؟ وأي استعباد أكبر من أن تصبح المرأة مطالبة بالعمل من أجل أن تضمن لنفسها لقمة العيش؟!
إن المرأة لا بد أن تعمل، ولكن في مجالات معينة لا تتعارض وفطرتها الأنثوية ومقدورها الفسيولوجي، بل أرى من الضروري في المجتمعات الإسلامية أن تعمل المرأة المسلمة في مجال التربية والتعليم، وفى مجال التمريض والتطبيب، أما أن تعمل في المصانع والأعمال الشاقة فتلك إهانة للمرأة وامتهان لأنوثتها، وأعتقد أن أكبر خطر على المجتمع من عمل المرأة وإلزامها بذلك أو دفعها إليه ما يترتب من تفكك أسرى بين الأم وأبنائها الذين لا تراهم إلا في ساعات محدودة بعد أن ترمي بهم إلى دور الحضانة. إن الحاضنة في دار الحضانة تستطيع أن تكون أمًا لطفل أو اثنين أو ثلاثة، لكنها لا تستطيع أن تكون أمًا لعشرين طفلًا، وقد أثبتت التجارب أن أطفال الحضانة ينشؤون على اعوجاج نفسي معين يؤدي في النهاية إلى انحراف اجتماعي في صورة من الصور وهذا ما يعاني منه المجتمع الغربي معاناة كبيرة.
المجتمع: وأنتِ الأخت آمنة.. أم لطفلين صغيرين، وتزاولين العمل خارج البيت كمدرسة، فما مصير طفليك؟
أم أنفال: أولًا بالنسبة لعملي، فأنا في مجتمع غربي ومضطرة للعمل، ولعل تفاهمي مع زوجي وتفهمه لوضعي أدى إلى تعاوننا على رعاية الأطفال دون اللجوء إلى دار الحضانة، ثم إن طبيعة عملي لا تلزمني إلا بعمل نصف النهار الأول، أما النصف الثاني فأقضيه مع أطفالي وزوجي، ولعل هذه حالة استثنائية لا يقاس عليها، والمشكلة تبقى قائمة بالنسبة لآلاف النساء العاملات.
المجتمع: نشاطك الدعوى ما زال مقتصرًا على المحاضرات والندوات.. فهل ترين ذلك كافيًا لتبليغ الدعوة ونشر الإسلام بين بني مجتمعك؟
أم أنفال: للدعوة وسائل كثيرة، وتنقصنا في النمسا المؤسسات الإسلامية كالمراكز والنوادي التي يمكن من خلالها احتضان المسلمين ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
وأوجه دعوتي بهذه المناسبة إلى كل المحسنين في البلاد العربية والإسلامية بالمشاركة بما أعطاهم الله في بناء تلك المؤسسات من مدارس للتعليم إلى مراكز ثقافية، والطاقات البشرية للقيام على تلك المؤسسات موجودة - والحمد لله - سواء من جانب النمساويين المسلمين، أو من جانب الجاليات الإسلامية الموجودة في النمسا، وأنبه إلى أن القوانين النمساوية تعتبر الإسلام ديانة رسمية لا تمانع إقامة مؤسسات لخدمة هذا الدين، وهذه فرصة ينبغي أن نستغلها للدعوة الإسلامية.
المجتمع: هل من كلمة أخيرة للمرأة المسلمة في البلاد العربية والإسلامية؟
أم أنفال: أرجو من أخواتي المسلمات في أي بلد عربي أو إسلامي أن يدرسن دينهن دراسة واعية وأن يتخلين عن بعض التقاليد التي اختلطت بالدين وهي ليست منه.
للداعيات فقط
دعي التفاخر بالأحساب و....
غريب أمر تلك الفئة من الدعاة التي تحرص على الالتزام بأوامر الله تعالى، وتغفل عن أمر مهم ألا وهو التفاخر بالأنساب والأحساب، وإني لأعجب من شخص يعتقد أنه الأفضل لأنه ولد في عائلة فلان أو لأنه ينتسب لقبيلة كذا!!!
ألم يُسال الإمام الحسن البصري عن التواضع فقال: «هو ذلك الشخص الذي يخرج من بيته فلا يلق أحدًا من الناس إلا اعتقد أنه أفضل منه!».
ومع ذلك نجد أصحاب تلك الفئة تجالس الصالحين والعلماء وهي تعتقد في قرارة النفس أنها أفضل منهم فقط لأنها تنتمي إلى هذه العائلة أو تلك القبيلة، أليست هي بقايا جاهلية؟؟
ألم يمر ذلك الشخص على الآية الكريمة: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ﴾ (سورة الحجرات: 13)؟ بلى ولكنها بقايا جاهلية في النفس، وترسبات بيئية تلقاها في طفولته ويجد صعوبة بالغة في التخلص منها والقضاء عليها، لكن الداعية الحق الحريص على تقوى الله في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته يسعى لتخليص نفسه من تلك الشوائب ويعمل على تزكيتها دومًا فلا يبالي بمثل هذه الترهات لأنه يدرك يقينًا أن حسبه ونسبه لن يرد عنه عذاب الله يوم القيامة، والداعية الحق تسعى دومًا لمحاربة هذه الأفكار الخاطئة المترسبة لدى البعض مدركة أن كل جهد تبذله في هذا المجال مأجورة عليه إن شاء الله.
في كل نفس واحد منا شهوات خفية متنوعة، وعلى كل واحدة منا أن تسعى لمحاربة تلك الشهوات، وما حياة المرء إلا جهاد على هذه الأرض، وأصعب الجهاد هو جهاد النفس، فجاهدي شهوات نفسك أختاه.. واذكري دومًا أن كلنا لآدم وأننا سندفن في النهاية في المقبرة ذاتها ومصيرنا للحفرة ذاتها.
فهل نعتبر؟؟!!
سعاد الولايتي
نظام التغذية «الريجيم» من الإسلام
يعتبر الريجيم موضة العصر الحديث، فإذا فتحت مجلة أو جريدة وجدت صفحات المرأة حافلة بالمواضيع والمقالات التي تتحدث عن أهمية الريجيم وضرورة المحافظة على جدول غذائي معين.
مخطئ من يظن أن الريجيم دعوة حديثة مرتبطة بالعلم والعصر الحديث، بل إن الدعوة إلى الريجيم والمحافظة على الصحة تعود إلى العهد النبوي والسلوك الحي لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فهي دعوة إسلامية في المقام الأول، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ (سورة الأعراف: 7) وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من التخمة ثم جاءت بعد ذلك الدراسات المعاصرة لتثبت علاقة التخمة وما يتبعها من بدانة بكثير من الأمراض المختلفة كمرض السكر والقلب وتصلب الشرايين.
وقد وضع الرسول عليه الصلاة والسلام القواعد الأولية للمحافظة على الصحة «الريجيم» فقال صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابد فاعلًا: فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفسه».
وقد أفرد علماء المسلمين أبحاثًا عن أثر الشبع والتخمة والبدانة على نشاط الفرد، ومنهم الإمام الشافعي رضى الله عنه الذي قال: «الشبع يثقل البدن ويقسى القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة».
إيمان سالم البهنساوي
شخصية المرأة المسلمة
كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة
«الحلقة الثالثة»
بقلم: الدكتور محمد علي الهاشمي
إن من أبرز ما يميز شخصية المرأة المسلمة الواعية لدينها، قيامها بالعبادات المفروضة عليها على أكمل وجه وأتم صورة، فهي تقيم الصلوات الخمس في أوقاتها، لا تلهيها عن إقامتها في مواعيدها شواغل البيت وأعباء الأمومة والزوجية، إذ الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين (١). وهي أفضل الأعمال وأجلها، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، قال: سألت رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلتُ: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» (٢).
ذلك أن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي النبع الثري الذى يستمد منه الإنسان القوة والثبات والرحمة والرضوان، ويغسل به أدرانه وذنوبه وخطاياه.
عن جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَّلُ الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ على باب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات» (٣).
فالصلاة رحمة من الله إلى عباده، يفيئون الى ظلالها خمس مرات في اليوم يحمدون فيها ربهم ويسبحونه ويستمدون منه العون، ويطلبون الرحمة والهداية والغفران، ومن ثمّ كانت الصلاة طهورًا للمصلين والمصليات، تمحو عنهم الخطايا، وتكفر الذنوب والزلات.
والأحاديث والآثار والأخبار في فضل الصلاة وأهميتها وخيرها وبركتها على المصلين والمصليات كثيرة مستفيضة، وكلها تؤكد الخير العميم الذي يجنيه المصلون والمصليات منها كلما وقفوا بين يدي الله قانتين خاشعين.
ولقد أعفى الإسلام المرأة من لزوم حضورها صلاة الجماعة في المسجد، ولكنه في الوقت نفسه أباح لها أن تخرج إلى المسجد لحضور الجماعة، وقد خرجت فعلًا وصلّت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أنها قالت: «لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى الفجر، فيشهد معه نساءً من المؤمنات مُتلُفعاتٍ في مُروطِهِنَ (٤)، ثم يرجعن الى بيوتهن ما يعرفهن أحد» (٥).
وعنها أيضًا: «كانت النساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر مُتلَفُّعاتٍ بمروطهن، ثم ينقلبن الى بيوتهن حتى يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغَلَس» (٦).
ولقد كانت رحمة الله كبيرة بالمرأة إذ لم يكلفها لزوم الجماعة في المسجد في الصلوات الخمس المفروضة، ولو كلفها، لأرهقها من أمرها عسرًا، ولناء كاهلها بها، وعجزت عن أدائها في المسجد، كما نرى كثيرًا من الرجال يعجزون عن المداومة الدقيقة على الصلاة في المساجد، فيضطرون إلى الصلاة في مقارّ أعمالهم، أو في بيوتهم، في كثير من الأحيان، ذلك أن أعباء المرأة المنزلية وشواغلها العديدة في القيام على بيتها وزوجها وأولادها لا تمكنها من مغادرة بيتها خمس مرات في اليوم، بل تجعل من المستحيل عليها أن تنهض بهذا كله.
وبذلك تتضح الحكمة من قَصْر لزوم الجماعة في المساجد على الرجال دون النساء، وجُعُلَ صلاة المرأة في بيتها خيرًا لها من صلاتها في المسجد، وترك حرية الاختيار لها إن شاءت صلت في بيتها، وإن شاءت خرجت للصلاة في المسجد وليس لزوجها إذا استأذنته للخروج للمسجد أن يمنعها، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عديد من الأحاديث، ومنها قوله: «لا تمنعوا نساءكم المساجد وبُيوتُهُنَّ خير لَهُنَ» (٧) وقوله: «إذا استأذنت أحَدكُم امراتُهُ الى المسجد فلا يمنعها» (٨).
إزاء هذا الهدى النبوي بالسماح للمرأة بغشيان المسجد، والنهى عن منعها منه، كانت المساجد تشهد تردد النساء عليها كلما تيسر لها ذلك. تؤدى الصلاة، وتشهد دعوة الخير، وتسمع الموعظة، وتشارك في حياة المسلمين العامة، وقد كان ذلك منذ شُرعت صلاة الجماعة في حياة المسلمين، وكان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس قبل تحول قبلتهم الى الكعبة المشرفة. ولما نزل أمر الله باستقبال الكعبة، كانت وجوه المصلين والمصليات متجهة إلى بلاد الشام، فاستداروا إلى الكعبة، واقتضت هذه الاستدارة أن يتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء» (٩).
لقد كان المسجد ولا يزال مركز إشعاع وتنوير وهداية للمسلمين والمسلمات، ففي رحابه الطهور تُؤَدى العبادة ومن على منابره يُلقَى الوعظ والهدى والتوجيه، وكانت للمرأة المسلمة منذ فجر الإسلام فيه مشاركة وحضور.
ففي صحيح مسلم أن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: «ما أخذتُ «ق والقرآن المجيد» إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب».
وتحدثنا النصوص أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه حضرت صلاة الكسوف مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتضح لها كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فسألت رجلًا قريبًا منها، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري عنها، قالت: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا «بعد صلاة الكسوف» فذكر فتنة القبر الذي يفتن فيه المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكت ضجيجهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله فيك ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر كلامه؟ قال: قد أوحى إلىِّ أنكم تُفْتَنون في القبور قريبًا من فتنة الدجال» (١٠).
كانت المرأة المسلمة في عصر النبوة الذهبي واعية أمر دينها، حريصة على فهم ما يدور في ساحة الأحداث من أمور عامة تهم المسلمين في دنياهم وآخرتهم، فإذا سمعت المنادى ينادى في الناس: الصلاة جامعة، انطلقت إلى المسجد لتسمع ما يصدر عن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من توجيه، فعن فاطمة بنت قيس، إحدى المهاجرات الأوائل، قالت: «نُودى في الناس أن الصلاة جامعة، فانطلقت فيمن انطلق من الناس إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في الصف المقدم من النساء» (١١).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر ظروف المرأة التي تحضر الجماعة ويرفق بها، فيوجز في صلاته إذا سمع بكاء طفل كيلا تنشغل أمه عليه، وأخّر صلاة العشاء مرة، فناداه عمر رضى الله عنه: «نام النساء والصبيان»، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما ينتظرها أحدٌ غيركم من أهل الأرض» (١٢).
ولقد ورد في نصوص صحيحة كثيرة تصف تنظيم النبي صلي الله عليه وسلم أمر النساء في صلاة الجماعة، منها قوله: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها».
ومنها ما رواه البخاري في إفساح المجال للنساء ليخرجن قبل الرجال من المسجد بعد انتهاء الصلاة، فعن هند بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمْنَ من المكتوبة قُمْنَ.
وهكذا كانت المرأة المسلمة تغشى المسجد، ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، تؤدى فيه سجدات لله عز وجل، وترجو رحمته، وتسمع دعوة الخير، وتتزود فيه بزاد التقوى خير زاد: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب».
الهوامش:
1- انظر إحياء علوم الدين 1/147
2- متفق عليه.
3- متفق عليه.
4- أي متلففات بحجابهن.
5- رواه البخاري.
6- رواه البخاري ومسلم.
7- رواه أبو داود وأحمد، وهو حديث حسن.
8- رواه البخاري ومسلم.
9- صحيح البخاري: كتاب الصلاة.
10- فتح الباري.. كتاب الجنائز.
11- صحيح مسلم.
12- رواه البخاري ومسلم.
أوائل المؤمنات
أول زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم وأول من أسلمت من النساء
هي خديجة بنت خويلد بن عبد العزى أم المؤمنين الأولى، والزوج الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم، تزوجته وأنجبت له كل أبنائه ما عدا إبراهيم، فأنجبت القاسم وعبد الله، ورقية، وأم كلثوم، وزينب، وفاطمة الزهراء، وكانت سند النبي صلى الله عليه وسلم سواء في الجاهلية أو الإسلام، ففي الجاهلية أعانته على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والعبث وكانت تهيئ له الزاد كل عام ليقضى شهر رمضان في غار حراء متعبدًا متأملًا.
وشاطرته متاعب الدعوة، فكانت ملاك الرحمة والمرفأ الأمين والملاذ المكين، كانت أنسه إذا استوحش، وكنزه إذا احتاج وأمله إذا استيأس وطمأنينته إذا اضطربت من حوله الحياة.
كانت أول من آمن بالله ورسوله من النساء، فخفف الله بها عن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، فشاطرته آلام الرسالة راضية مغتبطة، دخل شعب بن أبى طالب في حصار فرضته قريش عليه وعلى المسلمين فدخلت معه، وذاقت مرارة الحرمان وعضة الجوع وهي ذات المال الوفير، فلا عجب أن يحمل إليها أمين الوحي السلام من فوق سبع سموات.
روى البخاري عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه هي خديجة قد أتت ومعها إناء فيه طعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى، ويشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وظللت وفية للنبي صلى الله عليه وسلم لم تؤذه مرة، ولم ترفع صوتها عليه قط، ولم تتعبه يومًا من الدهر، ولما كانت السنة العاشرة من البعثة وقبل الهجرة بثلاث سنوات، توفيت خديجة رضى الله عنها وحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليها حزنًا عميقًا وسمى العام الذي توفيت فيه هي وعمه أبو طالب عام الحزن.
ماتت خديجة ولكنها لم تمت من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، إنها ماثلة في حياة زوجها فما يسير إلا وطيف منها يتبعه، وما يسرى إلا وسنى مشرق منها يبدد من حوله حالك الغواشى، ظل الرسول وفيًا لها فقد عاشت معه ربع قرن من الزمان لم تشركها فيه زوجة أخرى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرم صديقاتها، ويحن لذكراها ويهش لأهلها، حتى أن عائشة أم المؤمنين أحب أزواجه إليه بعدها غارت منها في قبرها.
قالت عائشة رضى الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يومًا من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أبدلني الله خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء.
قالت: قلت يا رسول الله اعف عنى ولا تسمعني أذكر خديجة بعد اليوم بشيء تكرهه»، فرضى الله عن أول أمهات المؤمنين.
القاهرة: حلمي الخولي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل