; المجتمع الأسري عدد 1756 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الأسري عدد 1756

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 16-يونيو-2007

مشاهدات 7

نشر في العدد 1756

نشر في الصفحة 54

السبت 16-يونيو-2007

راتب الزوجة..

محمود إبراهيم

قليل من الراحة.. كثير من المشكلات

الإنفاق على بيت الزوجية مسؤولية الزوج وحده

قضية الإنفاق على بيت الزوجية مازالت تثير بعض المشكلات الاجتماعية الحادة بين الزوج والزوجة، خاصة إذا كانت عاملة أو موظفة، وتكثر القضايا والحوادث في هذه المسألة بين الأزواج والزوجات في مختلف المجتمعات العربية والإسلامية بين أزواج يطالبون الزوجات العاملات بضرورة المساهمة في نفقات البيت نتيجة التقصير في واجباتها الزوجية، وبين زوجات يطالبن الأزواج بضرورة المساعدة في أعمال المنزل المختلفة، وتدبير شؤون الأولاد الصغار نتيجة لمساهمتهن في الإنفاق في مصروفات المنزل والأولاد.

ومازال السؤال مطروحًا: هل الإنفاق يظل مسؤولية الزوج حسب رأي الشريعة الإسلامية؟ أم اختلف الأمر في ظل الأوضاع الاجتماعية الجديدة وخروج المرأة للعمل؛ نظرًا لمتطلبات الحياة المعاصرة؟ وهل تصبح المرأة مطالبة أيضًا بالمساهمة في الإنفاق مع الزوج نتيجة بعض التقصير في حقوق وواجبات الزوج والأبناء فيما يتعلق بشؤونهم الحياتية؟

يقول د. نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الزواج في الإسلام له مكانته الرفيعة؛ إذ به تتكون الأسر التي هي نواة المجتمع وسبيل استقراره، ولقد جعله الله تعالى من نعمه وعده من آياته؛ لأنه يحقق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).

وقررت الشريعة الإسلامية أن من حق الزوجة على زوجها النفقة المقدرة شرعًا وهي كل ما تحتاج إليه الزوجة للمعيشة من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وما يلزمها من فرش وغطاء وسائر أدوات البيت بحسب المتعارف عليه بين المسلمين حتى ولو كانت الزوجة غنية.

ويرجع ذلك لاحتباس الزوجة لأجل الزوج في بيت الزوجية وطاعتها له في غير معصية واستمتاعه بها شرعًا، ذلك بأنه من المقرر شرعًا أن الزوجة لا يجوز لها الخروج من منزل الزوجية والعمل بأي وظيفة إلا بإذن زوجها، حتى لو كان هذا العمل ضروريًّا للغير، وهذا يكون بمقتضى حق القوامة وواجب الإنفاق اللذين خصهما الله بالزوج في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: ٣٤).

العمل قبل الزواج

وحول رأي الشرع فيما إذا كانت المرأة تعمل قبل أن تتزوج، فهل من حق الزوج أن يمنعها من الخروج للعمل بعد الزواج، أوضح واصل أنه إذا تزوجها وهي تعمل أو رضي بعملها بعد الزواج واشترطت عليه أن تعمل فلا يجوز له أن يمنعها من العمل المباح شرعًا.. 

وفي سياق متصل أكد واصل ضرورة التعاون والرفق بين الزوجين والبعد عن المشاحنات، انطلاقًا من أن الإسلام أمر الناس جميعًا ذكورًا وإناثًا بالتعاون، فتعاون الزوجة مع زوجها عامل رئيس في استقرار الحياة الأسرية ونشر السعادة والسرور بين أفراد الأسرة بما يحقق السكن والمودة والرحمة بينهم جميعًا تنفيذًا لقوله تعالى: 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21). كما يجب على الزوجة أن تحظى برضا زوجها وألا تتركه وهو عنها غير راضٍ لقوله ﷺ: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة» كما أنصح الزوجين بأن يراعي كل منهما الآخر ويؤدي حقوقه، وأن يعاون القادر منهما غير القادر؛ حتى يتحقق الود والسكن والرحمة بينهما، والزوجة الصالحة هي التي تساعد زوجها وتعينه على نوائب الدهر، طالما أنه في حاجة للمساعدة.

شراكه إنسانية

د. نصر فريد واصل: أنصح الزوجين بمعاونة كل منهما الآخر وأداء حقوقه كاملة حتى يتحقق الود والسكن والرحمة بينهما

ويؤكد د. علي ليلة أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس أن الأصل في الأسرة أن تقوم على التكامل بين طرفيها الزوج والزوجة والمساهمة بين الطرفين في السراء والضراء، فالزواج شراكة إنسانية في أسمى معانيها، هذه الشراكة تقوم على التعاون والرحمة والإيثار والتضحية بين طرفي الزواج.

أما إذا كان بين طرفي الزواج الأنانية وتسلطت المصلحة المادية على المصلحة العامة للأسرة فسدت العلاقات الزوجية واضطربت الأسرة وخرجت للمجتمع أبناء وفتيات غير أسوياء.

وأشار د. ليلة إلى ال الزوجة مادامت تعمل فلابد أن يعود ناتج أو بعض ناتج عملها «المرتب» للأسرة، ويكون إسهامها في نفقات البيت على حسب درجة ارتباط علم الزوجة بالأسرة ورغبتها في الارتقاء والنهوض بها في مختلف أوجه الحياة.

وهذا الإسهام يكون تعويضًا عن التقصير الذي ينتج عن غيابها لساعات طويلة خارج البيت، هي حق الزوج والأسرة.

أما إذا أمتنعت الزوجة عن الإسهام بجزء من مرتبها في نفقات بيت الزوجية وتمسكت بضرورة مساهمة الزوج في أعمال المنزل من نظافة وغسيل أو تنظيم أو متابعة الأطفال الرضع وعمل اللازم لهم أثناء وجودها في العمل، أو لأنها قسمت الوقت أو أيام الأسبوع العمل هذه الأمور بين زوجها، فهذا غير مقبول منها على الإطلاق، وإذا وصل الحال بين الزوج والزوجة إلى هذا الحد فلا يمكن أن تكون هذه حياة زوجية أمنة مستقرة، ولا يمكن أن تكون هذه هي الحياة الزوجية التي يريدها الله تعالى ورسوله للمجتمعات العربية والإسلامية.

ويضيف ليلة: في ظل غياب مشاعر الإيثار وقيم التضحية والعطاء في الأسرة، وخاصة بين الزوج والزوجة، لا يتصور قيام حياة زوجية سعيدة أو ناجحة بين الطرفين مشيرًا إلى أنه إذا وصلت الأمور بين بعض الأزواج والزوجات إلى هذا الحد من الخلاف والشقاق حول مسألة الإنفاق فيجب أن يكون هناك خطة للعلاج على المدى الطويل، تشترك فيها وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفزيون، وكذلك المدرسة بحيث تكثف التوعية من خلال هذه الوسائل على قيم الترابط والتماسك والتراحم والتعارف والإيثار والتضحية لإسعاد الآخر، وفي الوقت نفسه تهمس في أذن الزوجات العاملات أن المساهمة في نفقات بيت الزوجية يعمل على بقاء الأسرة على قيم المودة والتراحم والتعاون والحب؛ ذلك لأن بقاء الأسرة على هذه الصورة أكثر بكثير من العائد المادي أو المالي.

دعائم السعادة

ويشير د. أحمد أبو العزايم أستاذ الطب النفسي ورئيس «جمعية حل الصراعات الأسرية» بالقاهرة إلى أن مسألة الإنفاق على بيت الزوجية ومساهمة الزوجة العاملة فيه من أهم الموضوعات التي توليها اهتمامًا بالغًا، وتتدخل الجمعية لحل هذه المشكلة لأكثر من 60% من الأسر المصرية․

وتتركز النصيحة أو العلاج لمثل هذه الحالات بالتحليل النفسي لحالة الزوج أو الزوجة، ومدى استعداد الزوجة للمساهمة في نفقات الأسرة، ومحاولة الوصول إلى حل سلمي أو وسط يرضي الطرفين، قائلًا: نلجأ في كثير من الأحيان إلى علماء الدين الإسلامي أو المسيحي لمساعدتنا في حل هذه المسألة؛ لأن جانبًا كبيرًا من الحل يتعلق بالناحية الدينية.

ويشير أبو العزايم إلى أن كل الدراسات النفسية التي أجريت على آلاف العينات التي تعاني من هذه المشكلة، إلى أهمية وضرورة مساهمة الزوجة العاملة بجزء من راتبها في نفقات البيت، وكلما كانت هذه المساهمة فيها نوع من الرضا والسماحة كلما كان التفاهم والاستقرار والسعادة سمات الأسرة العربية؛ سواء كانت في مصر أو في غيرها من البلاد العربية أو الإسلامية. 

حقًا هن شقائق الرجال؟

في ديار الغرب تعطي المرأة المثل الناصع وتصحح نظرة المجتمع حول مكانة المرأة في الإسلام، فقد استطاعت أن تثبت وجودها فيه، مستفيدة من الحرية التي تؤهلها لمشاركة الرجل في بناء الحياة والتعبير والتعمير، مهتدية بقيم دينها الحنيف الذي يقدمها مثلًا أعلى للرجال، كما يقدمها مثلًا أعلى للنساء ليقتدي بسلوكها واستقامة فكرها وشخصيتها اقتداءً بالصالحات «آسية زوجة فرعون، ومريم أم المسيح، وخديجة زوج الرسول محمد ﷺ وفاطمة بن محمد ﷺ».

وهنا تجارب كثيرة في الجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي نلحظ فيها حضورًا لافتًا للنساء وتركيزًا على دور المرأة الحيوي والفعال على المستوى الأسري والدعوي والاجتماعي في ظل ضوابط الشريعة الإسلامية التي حفظت لها مكانتها وكرامتها، وأفسحت لها المجال لإثبات ذاتها والقيام بدورها إلى جانب الرجل.

وقد غدون مكونًا أساسيًّا في مجالس إدارة هذه المؤسسات، ويشاركن في المؤتمرات بالنقاش والتقييم للمرحلة الماضية ومستشرفات للمستقبل بخطط وبرامج تربوية وثقافية واجتماعية، بل ومنهن من يترشحن لمناصب مسؤولة باختيار المؤتمرين، مؤكدات أن المرأة الملتزمة تستطيع أن تقود المؤسسات والجمعيات بفهمها السليم لكتاب الله وسُنة نبيها ﷺ، وتستطيع الإبداع في الإدارة والتطوير وفي كل مجالات الحياة.

وتبقى المرأة المسلمة جزءًا لا يتجزأ من المجتمع، بل هي أم المجتمع وصانعة رجاله، وصدق خير البشر ﷺ؛ حيث قال: «النساء شقائق الرجال».

خميس قشة

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل