; المجتمع التربوي.. عدد (1050) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي.. عدد (1050)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1993

مشاهدات 5

نشر في العدد 1050

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 18-مايو-1993

أساليب كفار قريش في مواجهة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم

يقول جل وعلا ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (الصف: 8) منذ نزل قول تعالى ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء: 214) وقوله تعالى ﴿فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (الحجر: 94) قام صلى الله عليه وسلم مشمرًا عن ساعد الجد في الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وترك عبادة الأوثان مبينًا حقائق الإسلام، داحضًا أباطيل الوثنية، وقف عليه الصلاة والسلام على الصفا ودعا قريش فقال لهم «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباء قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شدید، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم لهذا جمعتنا» فنزل قوله تعالى ﴿تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ (المسد: 1) «منذ هذه اللحظة بدأت قريش طريقها طريق اللدد ومجانبة الصواب..» واستخدمت في طريقها كل الوسائل الممكنة لمواجهة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الأساليب هي التي يستخدمها الكفار في كل زمان ومكان فمن أبرز تلك الأساليب..

 «1» التفاوض مع أبي طالب:

فعندما مضى عليه الصلاة والسلام في طريقه يدعو إلى توحيد الله عز وجل والدعوة إلى الإسلام مشى بعض أشراف قريش فيهم «أبو جهل وأبو سفيان وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن هشام» إلى أبي طالب وقالوا له «يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا، وضلل أبانا فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه...» فرد عليهم أبو طالب ردًا جميلاً وقولاً رقيقًا فانصرفوا عنه..

لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو إلى دعوة الله سبحانه وتعالى ويبلغ دعوة ربه فغضبت قريش لذلك فمشوا مرة أخرى إلى أبي طالب وقال له: يا أبا طالب إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فبينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنه عنا وإنا والله لنصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو تنازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.. ثم عنه رغم هذا التهديد الواضح من زعماء قريش إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأبه بهذا ولم يخفه هذا التهديد بل نجده صلى الله عليه وسلم يقول: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه.. ما تركته» ثم بكى عليه الصلاة والسلام وقام، أما الرواية الصحيحة في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضر إلى عمه قال له «إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال: أترون هذه الشمس، قالوا نعم، قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة، فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي فارجعوا» هكذا أخفق الإغراء والإرهاب في تعويق الدعوة وعرفت قريش أن ما تريده صار بعيد المنال، كم من موقف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، يأخذ منه شباب ودعاة الصحوة هل نصبر على تبليغ دعوة الله عز وجل إلى جميع الناس، هل نبلغ دعوة الله عز وجل إلى جميع البشر هل ندعو إلى عبادة الله تعالى.. هل هل!!!

«2» الحرب الدعائية:

لما عرفت قريش أن أبا طالب خذلها بدأ زعماء قريش في إعلان التهم والأكاذيب الباطلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لكي تصد بذلك الناس عن دعوته صلى الله عليه وسلم فتجد إنهم قالوا عنه:

أ‌- إنه المجنون، فرد عليهم سبحانه وتعالى ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (القلم: 2) وقوله تعالى ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (القلم: 51)

ب‌- وأنه ساحر، فقال تعالى فيهم ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (ص: 4) وقال تعالى ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (الفرقان: 8) بل نجد أن الوليد بن المغيرة قد تحير في القرآن الكريم فلما قدم موسم الحج جمع زعماء قريش وقال لهم «يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم ووفود العرب سوف تقدم عليكم فاجمعوا أمركم عليه ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا» ورغم كونهم استبعدوا أن يكون صلى الله عليه وسلم مجنونًا أو ساحرًا أو كذابًا أو شاعرًا.. إلا أن الوليد قال: إن أقرب الأقاويل فيه أنه ساحرًا لأنه يفرق بين المرء وزوجه فأنزل الله تعالى في الوليد ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (المدثر: 11) ثم أخذوا يحذرون العرب من أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

جوإنه كذاب قال تعالى في ذلك ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (ص: 4)

د- وإنه يأتي بالأساطير قال تعالى ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفرقان: 5)

هـثم قالوا عن القرآن الكريم إنه ليس من عند الله سبحانه وتعالى بل هو من عند البشر ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل: 103)

«3» الأذى النفسي:

وهو من أشد وأقوى الأساليب التي واجهت قريش بها دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولدرجة تأثير هذا الأسلوب نجد أن زعماء قريش قد ركزت على هذا الأسلوب، ورغم هذا الأسلوب القوي إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتقبل ذلك بعزم ويصر على تبليغ دعوة ربه عز وجل مهما استهزئ به فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفًا بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال: فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتم بالذبح.. لننظر قول عبد الله بن عمرو بن العاص فعرفت ذلك في وجهه وقد قال سبحانه وتعالى عن ضحك وغمز الكافرين ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (المطففين: 29: 31) كم من غمز يتعرض له شباب الصحوة كم من استهزاء يتعرض له الدعاة إلى الله كم من سخرية من هذا الدين، فمرة أصولي ومرة متطرف وثالثة إرهابي ورابعة متشدد وغيرها كثير ولكن قدوتنا هو محمد صلى الله عليه وسلم نصبر كما صبر عليه السلام لا نهتم بالاستهزاء والغمز ما دمنا نسير على طريقته صلى الله عليه وسلم.

4- أسلوب الجدال والعناد والمكابرة وطلب المستحيل

من ذلك قولهم.. ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (الفرقان: 7) أو يلقى اليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقولهم ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَعِنَبٖ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَٰرَ خِلَٰلَهَا تَفۡجِيرًا أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ قَبِيلًا أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ (الإسراء: 90: 93) روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ادع لنا ربك يصبح لنا الصفا ذهبة فإن أصبحت ذهبة اتبعناك وعرفنا أن ما قلت كما قلت: فسأل ربه عز وجل فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن شئت أصبحت لهم هذه الصفا ذهبة فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابًا لا أعذابه أحدًا من العالمين وإن شئت فتحنا لهم أبواب التوبة.. قال يا رب لا بل بل افتح لهم أبواب التوبة».

 والسبب في عدم استجابة الله لهم ذلك إنه علم سبحانه وتعالى أن مطالبهم تلك ليست إلا كفرًا وعناد أو استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو واضح في أسلوبهم ومطالبهم ولو علم سبحانه وتعالى حسن وصدق نواياهم وتأكدهم من صدق النبي صلى الله عليه وسلم لتحقق لهم ذلك.

5- المساومة مع الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم..

ومن ذلك قولهم: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فنزل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (الكافرون: 1) بل وصل بهم الأمر أن قدموا بعمارة بن الوليد إلى أبي طالب وقالوا له: هذا عمارة بن الوليد أشد فتى في قريش وأجمله فأخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدًا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال: والله لبئس ما تساومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدًا... هكذا يساومون الكفار دائمًا.. كم من المساومات تطرح اليوم لكي يلتقي الإسلام والجاهلية.. وما الحوارات الإسلامية المسيحية إلا صورة من مساومات كفار قريش للرسول صلى الله عليه وسلم.

 6- الإغراء بالأموال والمناصب:

وذلك واضح عندما أرسلت قريش عتبة بن ربيعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يغروه عليه السلام بالمال والنساء والملك.. وعندما كلم عتبة الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم قال: فاسمع مني فاسمع مني، فقرأ عليه الصلاة والسلام صدر سورة فصلت، ثم انتهى عليه السلام إلى السجدة منها فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك» كم من المناصب تعرض على بعض الدعاة ليكون في طريقهم سائرًا وللدعاة الآخرين محاربًا.. كم من الأموال تعرض للدعاة مقابل التنازل عن بعض الأمور الشرعية ليواكب أهواء الحاكم! كم من أصحاب الأقلام الدعوية تقرب للحاكم لكي يوجه قلمه السيال إلى شباب الصحوة! كم وكم.. وكم.

هذا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عرضت له الأموال والمناصب وكل ما يتمنى المسلم ومع هذا رفض صلى الله عليه وسلم واستمر في طريقه، الدعوة إلى الله، واستمرت قريش في طريقها طريق مواجهة الدعوة الإسلامية.

رضاء الناس غاية لا تدرك

بقلم: ناجي الخرس

قال أحمد بن حنبل- رحمه الله- لحاتم الأصم:

أخبرني يا حاتم فيم أتخلص من الناس؟

قال: يا أبا عبد الله، في ثلاث خصال.

قال: وما هي؟

قال: أن تعطيهم مالك، ولا تأخذ من مالهم شيئًا.

  قال: وتقضي حقوقهم، ولا تستقضي منهم حقًا.

 قال: وتحمل مكروههم، ولا تكره واحدًا منهم على شيء.

 قال: فأطرق أحمد ينكت بإصبعه الأرض ثم رفع رأسه، وقال:

يا حاتم إنها لشديدة.

فقال له حاتم: وليتك تسلم، وليتك تسلم، وليتك تسلم.

«وفيات الأعيان، لابن خلكان: 2/ 27»

اعلم أخي المسلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك لذلك مهما فعلت فل تجد الذي يرضى في كل شيء ولأن المسلم غايته لا تبرر وسيلته كان واجبًا عليه أن يرضي الله وإن سخط الناس بل إن من يرضي الله يرضى الله عنه والناس، كما جاء في الحديث «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» رواه ابن حبان في صحيحه.

 ونأتي الآن إلى شرح الخصال الثلاثة:

 1- أن تعطيهم مالك، ولا تأخذ من مالهم شيئًا:

يقول الشيخ حسن أيوب حفظه الله:

والذي يجود بالمال لأخيه في الله أقل مرتبة له أن يجعل أخاه عند الحاجة مثل أولاده ينفق عليه بدون أن يرجع عليه بشيء ما دام محتاجًا، وأعلى مرتبة أن يؤثره على نفسه كما فعل الصحابة الذين نزل فيهم قول الله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (سورة الحشر: 9)

يقول ابن عمر رضي الله عنه عن الأخوة بين الصحابة حيث قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاه، فقال: أخي فلان أحوج إليه مني، فبعث له إليه فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة.

وروي أن مسروقًا أدان دينُا ثقيلًا، وكان على أخيه خيثمة دين قال فذهب مسروق فقضى دین خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم.

وقال أبو سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له.

 وهذا ذو القرنين لما عرضوا عليه المال، قال: لا أحتاج إليه وإنما أحتاج إليكم فأعينوني بقوة أي اخدموا أنفسكم معي فإن الأموال عندي والرجال عندكم.

واستمع أخي الحبيب إلى تعليق الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي وهو يتحدث عن قصة ذي القرنين عندما قال ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ْ (الكهف: 95) يقول الدكتور صلاح: رد ذو القرنين على عرضهم المادي بعفة وزهد في الأجرة والمال وقال لهم: ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ْ (الكهف: 95) لا حاجة لي في مالكم، فقد أتاني الله خيرًا مما عندكم، ومنحني من مظاهر التمكين والقوة ما جعلني زاهدًا في مالكم مستعليًا عليه.

 إن زهد ذي القرنين في المال يقدم لنا صفة من صفات الحاكم الصالح العادل الزاهد، وهو يدعو حكام المسلمين ليقتدوا به في هذه الصفة.

ونأخذ من موقف ذي القرنين مع أولئك القوم وجوب زهد الإمام في أموال رعيته وتعففه عنها وعدم أخذ شيء منها.

 إنه مطالب بحفظ البلدان وحماية الناس ولا يأخذ على ذلك أجرًا ولا مالاً، لأن هذا من لوازم كونه إمامًا لهم.

وقد وقف الإمام أبو بكر بن العربي أمام رد ذي القرنين واستخرج منه قاعدة عامة في تعامل الحاكم مع رعيته وزهده في أموالهم فقال:

«وعلى الملك فرض أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم وسد فرجتهم وإصلاح ثغرهم من أموالهم التي تفي عليهم وحقوقهم التي يجمعها خزنتهم تحت يده ونظره حتى لو أكلتها الحقوق وأنفذتها المؤن واستوفتها العوارض لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم وعليه حسن النظر في ذلك بثلاثة شروط.

الأول: ألا يستأثر بشيء عليهم.

الثاني: أن يبدأ بأهل الحاجة منهم فيعينهم.

 الثالث: أن يسوي في العطاء بينهم على مقدار منازلهم.

 فإذا فنيت بعد هذا ذخائر الخزانة وبقيت صفرًا فاطلعت الحوادث أمرًا بذلوا أنفسهم قبل أموالهم فإن لم يغن ذلك فأموالهم تؤخذ منهم على تقدير وتصرف بأحسن تدبير..

 فهذا ذو القرنين لما عرضوا عليه المال، قال: لا أحتاج إليه وإنما أحتاج إليكم فأعينوني بقوة أي اخدموا أنفسكم معي فإن الأموال عندي والرجال عندكم؟ وضبط الأمر فيه أنه لا يحل أخذ مال أحد إلا لضرورة تعرض فيؤخذ ذلك المال جهرًا لا سرًا وينفق بالعدل لا بالاستئثار وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالرأي.

 2- تقضي حقوقهم ولا تقتض منهم حقًا:

 يقول الشيخ حسن أيوب حفظه الله:

وذلك بأن يضع نفسه في خدمة أخيه بمجرد أن يشعر أن أخاه محتاج إليه من غير انتظار للطلب من أخيه ولهذا الحق مراتب أقلها المساعدة كلما طلب الأخ ذلك ولكن مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وأوسطها أن تجعل حاجته مثل حاجتك تفكر فيها وتتعرف على أحواله كما تعرف أحوال نفسك وتقوم بأمره من غير سؤال كما تفعل بالنسبة لأهلك ومن تعول وأعلاها أن تقدم قضاء حاجته والتعرف على متطلباته على حاجات نفسك وأهلك لأن الإيثار كما يكون بالمال يكون بالنفس.

قال بعضهم: إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره ثانية فلعله أن يكون قد نسي فإن لم يقضها فكبر عليه.

وقضى ابن شبرمة حاجة لبعض إخوانه كبيرة فجاءه بهدية فقال: ما هذه؟ قال: لما أسديته إلي فقال: خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى. وكان في السلف من يتفقد عيال أخية وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم ويتردد إليهم كل يوم ويمونهم من ماله فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه «ذاته».

 3- تحمل مكروههم ولا تكره واحدًا منهم على شيء:

يقول الشاعر:

وما بي جهل غير أن خليقتي

                   تطيق احتمال الكره فيما يحاول

وقال محمد بن إسحاق رحمه الله:

 كان أناس بالمدينة يعيشون ولا يدرون من أين يعيشون؟ ومن يعطيهم؟ فلما مات زين العابدين بن الحسين- رحمه الله- فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم بالليل بما يأيتهم به ولما مات وجدوا- أثناء تغسيله- في ظهره وأكتافه أثر حمل أكياس الطعام إلى بيوت الأرامل والمساكين.

 تأمل أخي المسلم في المثال الرائع لمعنى قضاء الحوائج.

أحكام القرآن لابن العربي 3: 1248

وانظر: ذو القرنين ليوسف: ٢٧٤- ٢٧٥

أريج الإخاء

ماهر صالح الحافظ

 الأحساء- الهفوف

ما أجمل الحياة يكسوها الخير بجلبابه ويظلها الحب بظلاله.

وما أحلى الحياة وما ألذها حينما تكون لله تعالى فقط ومن أجل الله.

المحبة والمولاة لله ومن أجل الله، والبغض والمعاداة لله ومن أجل الله، وحينما يجمع الله القلوب على محبته يتنسم المحبون عبيرًا إلهيًا رائحته أعطر من كل شيء، ويشعر المحبون بلذة لا تعدلها أي لذة دنيوية، ويحس المتحابون في الله بقرب معنوي وحسي منه تعالى، فتفوح منهم روائح نسيم المحبة وإن كتموها، وتظهر عليهم دلائلها وإن أخفوها، وتبدو عليهم وإن ستروها. لماذا؟

لأن الله جمع بين هذه القلوب حينما «تعارفت في الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» رواه البخاري «رقم ٣٣٣٦» ومسلم «رقم/ ٢٦٣٨» فعرى أصحاب هذه القلوب قد تواصلت وموداتهم قد توثقت وأوثق المودات ما كان لله عز وجل فوصلت المحبة بين هؤلاء المتآخين إلى درجة عجيبة إلى حقيقة المحبة وصلت أي أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء، ولكن المتحابين في الله يأبون إلا أن يزيدوا وثاق هذه العلاقة وعرى هذه الصلة بالابتسامة المخلصة والكلمة الطيبة والهدية المناسبة والزيارة المقربة، والدعاء في ظهر الغيب، وقضاء الحوائج وتفقد الأحوال وبذل المهج والأموال والإعانة بكل شيء يستطاع، وإدخال السرور على القلوب فلسان حال ومقال كل محب يقول لأخيه في الله

ته احتمل واستطل أصبر وعز أهن

         ووال أقبل وقل أسمع ومر أطع

 فأدت هذه الأمور إلى استحكام المحبة والمودة فبطلت الكلفة ولكن مع احترام وإنزال كل شخص منزلته التي يستحقها، واستغلت الأوقات فيما ينفع في الدنيا والآخرة، وتعاهدت القلوب والجوارح على عمل الصالحات ودعوة الناس إليها وترك المنكرات وتنفير الناس منها والنصيحة لكل مسلم وطلب العلم ومجالسة الأخيار حتى تتلقح العقول بلقاح ما قال الله وما قال رسوله صلى الله عليه وسلم وقال الصالحون قديمًا وحديثًا.

فأصبحت المجالس حياة للنفوس الميتة وغذاء للأرواح الجائعة، ومسكنًا للأفئدة التائهة فهنيئًا لمن سار في ركب هؤلاء المحبين لله وفي الله ويا سعادة من تخلق بأخلاق هؤلاء المحبين من العالمين ورب العالمين فكان جزاؤهم أن استمرت هذه المحبة والعلاقة في الدنيا والآخرة وحقت محبة الله للمتحابين فيه وحقت محبة العظيم للمتواصلين فيه وحقت محبة العزيز للمتزاورين فيه وحقت محبة الرحيم للمتباذلين فيه فالمتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون والشهداء بمكانهم من الله.

ويوم القيامة يشفع كل واحد للآخر ويلاقي المحب أخاه ويكرم الله المتحابين بدرجة عالية ومنزلة رفيعة ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف: 67).

فهل تريد أن تكون منهم؟

إذا أردت ذلك: فكن مع الله وتخلق بأخلاقهم واعمل أعمالهم واصبر نفسك معهم ولا تعد عيناك عنهم واركب سفينتهم وجدف معهم حتى تصل إلى شاطئ الأمان لتلتقي بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

الله اجعلني وأنت منهم.

قالوا عن

النصيحة «1»

- قال الشافعي رحمه الله تعالى «ما نصحت أحدًا فقبل مني إلا هبته واعتقدت مودته، ولا رد أحد علي النصح إلا سقط من عيني ورفضته».

- قال الحسن البصري رحمه الله «لم يبق من العيش إلا ثلاث: أخ لك تصيب من عشرته خيرًا فإن زغت عن الطريق قومك، وكفاف من عيش ليس لأحد عليك فيه تبعة، وصلاة في جمع تكفي سواها وتستوجب أجرها».

 - قال أبو حاتم البستي رحمه الله- خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة كما أن خير الأعمال أحمدها عاقبة وأحسنها إخلاصًا وضرب الناصح خير من تحية الشانيء.

- قال الحارث المحاسبي «واعلم أن من نصحك فقد أحبك ومن داهنك فقد غشك، ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك».

- قال الحسن البصري رحمه الله «المؤمن شعبة من المؤمن وهو مرآة أخيه إن رأى منه ما لا يعجبه سدده وقومه ونصحه بالسر والعلانية».

إذا نصحت لذي عجب لترشده

                     فلم يطعك فلا تنصح له أبدًا

فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته

                               ولا يجيب إلى إرشاده أحدًا

أبو أسامة الحارثي- الظهران

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد684

18

الثلاثاء 18-سبتمبر-1984

نشر في العدد 876

51

الثلاثاء 26-يوليو-1988