; المجتمع التربوي (1125) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1125)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994

مشاهدات 13

نشر في العدد 1125

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 15-نوفمبر-1994

وقفة تربوية

اختبار الرسول صلى الله عليه وسلم القيادى

جاءني في البريد كتيب بالإنجليزية صغير الحجم كبير الفائدة بعنوان «القيادة مع اللمسة البشرية» يستشهد فيه الكاتب باختبار للقيادة كان يجريه «رونالد ليرد» وهو أحد العلماء البارزين، وذلك بطرح خمسة أسئلة، وهي كالتالي:

۱- هل يمكنك أن تتلقى التوبيخ من غير أن تغضب؟

۲ - هل يمكنك استقبال الخذلان من غير أن تثبط عزيمتك؟

٣- هل يمكنك أن تضحك مع الآخرين عندما تكون النكتة عليك؟

٤ - هل يمكنك بالاحتفاظ بمعنويات عالية عند الفشل؟

ه - هل يمكنك أن تكون هادئًا في حالات الطوارئ؟

ثم ينهيها بقوله: إذا كانت إجابتك «نعم» لجميع الأسئلة السابقة فأنت على طريق القيادة.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم اختصر كل هذه الأسئلة بعبارة واحدة قبل أربعة عشر قرنًا، وذلك بقوله «ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب».

فالقائد الحق، القوي، ذو التحمل والسيطرة على النفس هو الذي يسيطرعلى نفسه عند الحالات التي تستدعي الغضب، وإذا كان هذا الأمر من أصعب الأمور على النفس البشرية، فكذلك هم القادة الناجحون، هم القلة في المجتمعات، وفي الدعوات، وصدق رسول الله عندما قال: «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة».

أبو بلال

الإيمان الصادق يقود الخلق إلى طريق الحق

بقلم: محمد أبو سيدو

العقيدة السليمة إذا رسخت في النفس واستقرت فى القلب كانت أرسى من الجبال والخير النابع من العقيدة الصادقة يُولد في النفوس الكريمة سعادة ولذة معنوية لا يعدلها شيء، وقد يتعرض المؤمن لبعض الآلام اختبارًا وامتحانًا لجوهر العقيدة فما يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا.

وقد حذرنا القرآن الكريم من الإيمان السطحي الضعيف الذي لا يصمد لعاديات الزمان، قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرف فَإِن أَصَابَهُۥ خَيرٌ ٱطمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنيَا وَٱلآخِرَة ذَٰلِكَ هُوَ ٱلخُسرَانُ ٱلمُبِينُ (الحج:11). 

إن الإيمان أمانة الله في الأرض لا يحملها إلا الذين يؤثرونها على المتاع والإغراء والأمن والسلامة وقيادة الخلق إلى طريق الخالق، والمؤمن لا يستمد قوته من الناس إنما يستمدها من رب الناس، أرسل سعد بن أبي وقاص قبل القادسية ربعي بن عامر رسولًا إلى رستم فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثيابه البسيطة وفرسه القصيرة ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد فقالوا له: ضع سلاحك، فقال إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتمونى هكذا وإلا رجعت، فقال رستم ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فقال له رستم ما جاء بكم: فقال الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام

الإيمان الصادق يصمد للابتلاءات

يتعرض المؤمن للاختبار والله سبحانه وتعالى يعلم حقيقة القلوب قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّه وَلَئِن جَآءَ نَصر مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُم أَوَ لَيسَ ٱللَّهُ بِأَعلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلعَٰلَمِينَ (العنكبوت:10)

لقد وقف رسول الله ﷺ أمام جميع الإغراءات ليقولها عالية: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».

 ويتعرض يوسف عليه السلام للإغراء فيقولها صريحة واضحة ﴿وَرَٰوَدَتهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَّفسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبوَٰبَ وَقَالَت هَيتَ لَك قَالَ مَعَاذَ ٱللَّه إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحسَنَ مَثوَاي إِنَّهُۥ لَا يُفلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ (يوسف: 23)

ويقول أخوة يوسف لأبيهم: ﴿ٱرجِعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيكُم فَقُولُواْ يَٰٓأَبَانَآ إِنَّ ٱبنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمنَا وَمَا كُنَّا لِلغَيبِ حَٰفِظِينَ﴾ (يوسف:81). فيقول عليه السلام: ﴿قَالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرًا فَصَبر جَمِيل عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأتِيَنِي بِهِم جَمِيعًا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلعَلِيمُ ٱلحَكِيمُ (يوسف:83).

وهكذا فالثقة بالله والإخلاص له يأتيان في أعلى مراتب الإيمان، والإخلاص سر من أسرار الله يودعه قلب من يحب من عباده يقول المصطفى: «كلكم هلكى إلا العالمون والعالمون هلكى إلا العاملون والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر شديد».

الإخلاص أعلى مراتب الإيمان

فالإخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء إلى منزلة رفيعة فأهواء النفس والرياء والغايات الشخصية يحاربها الإسلام ليحل محلها الإخلاص.

 والإخلاص أن يأتي الإنسان بأعمال تقيه لا يشوبها رياء: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤتُواْ ٱلزَّكَوٰة وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ (البينة:5)

يقول الرسول: أول من يُسأل يوم القيامة ثلاثة: «رجل أتاه الله العلم فيقول الله له ما صنعت فيما علمت: فيقول يارب كنت أقوم به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول الله كذبت، وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم ألا فقد قيل ذلك، ورجل آتاه الله مالًا فيقول الله له: لقد أنعمت عليك فماذا صنعت؟ فيقول يارب كنت أتصدق به آناء الليل وأطراف النهار فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن يقال فلان جوّاد ألا فقد قيل ذلك، والثالث رجل جاهد في سبيل الله فقتل فيقول الله له: لقد جاهدت ليقال فلان شجاع ألا فقد قيل ثم قال الرسول لأبي هريرة، يا أبا هريرة أولئك أول خلق تُسعّر بهم جهنم يوم القيامة».

وصدق الله العظيم: ﴿قُل إِنَّمَآ أَنَا بَشر مِّثلُكُم يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُم إِلَٰه وَٰحِد فَمَن كَانَ يَرجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَليَعمَل عَمَلاً صَٰلِحا وَلَا يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًا (الكهف:110)

 ثوب الرياء يشف عما تحته ***  فإذا التحقت به فإنك عاري

نفحات ربانية

استثمار العقل والفكر فيما يرضي الله ويجنب سخطه

بقلم: جعفر الحداد

جاء عن الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- أنه قال: «ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع إلى دار معمورة رأيت البزاز ينظر إلى الفرش ويحرز قيمته، والنجار إلى السقف والبناء إلى الحيطان والحائك إلى نسج الثياب. والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلمًا ذكر العقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نيامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة فهمته متعلقة بما ثم وذلك يشغله على كل ما تم» (۱)إن العقل والفكر هبة وهبها الله لخلقه وهكذا ينبغي أن يستثمر ويستفاد منه في تجوال الفكر في أحداث الحياة وربطها بالله تبارك وتعالى كالإمام العابد الزاهد عبد الله بن المبارك حيث روى عنه القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيرًا ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل علينا هذا الرجل حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ قال: فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام نتعشى في بيت إذ انطفأ السراج، فقام بعضنا فاستصلح السراج ثم عاد به فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا ولعله حين فقد السراج وصار في الظلمة ذكر القيامة. (۲)

الحس الإيماني

هكذا هي نفسية المؤمن الموصول بالله -عز وجل- لا يدع الأحداث تسير حوله سيرًا اعتياديًا، بل تراه يتفكر ويتدبر في كل ما يحيط به ويستل منه العبر والدروس والمواعظ فإذا تعرض للحر الشديد تذكر فيح جهنم، فإذا انطفأ السراج وحل الظلام تذكر ظلمة القبر، وإذا استحسن شيئًا من الدنيا تذكر نعيم الجنة الذي لا ينفد، وإذا وقع في زحام تذكر يوم المحشر وتزاحم العباد وكذلك هي حياته يتفكر في أغصان الأشجار وفى أسراب الأطيار وفي جمال الأزهار وفي تقلب الليل والنهار ثم يصل بهذا التفكر إلى العزيز الغفار فيخشع القلب وتعتبر النفس وتستقي دروس الحياة من هذا الكون الفسيح وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ( آل عمران: 189:191) (۳)

الإمام ابن الجوزي وأحوال القمر

يقول الإمام ابن الجوزي:«إن الله عز وجل جعل لأحوال الآدمي أمثلة ليعتبر بها فمن أمثلة أحواله القمر، الذي يبتدئ صغيرًا، ثم يتكامل بدرًا، ثم يتناقص بالمحاق وقد يطرأ عليه ما يفسده كالكسوف، فكذلك الآدمي أوله نطفة، ثم يترقى من الفساد إلى الصلاح فإذا تم كان بمنزلة البدر الكامل، ثم تتناقص أحواله بالضعف، فربما هجم الموت قبل ذلك هجوم الكسوف على القمر» (٤)فكل الناس يشاهد القمر وكل الناس يعجب. بجماله ولكن أين أمثال ابن الجوزي الذي صور لنا القمر بحياة الإنسان يبدأ ضعيفًا ثم يكتمل في حياة الشباب ثم يتضاءل ويفنى بعد الشيخوخة تمامًا كمال القمر، لقد نبعت هذه العبرة من طول الفكرة.

ومن الحيوان نعتبر

يذكر أحمد بن عمار الأسدي أنه خرج مع مصلحة في جنازة ومعه جماعة من أصحابه فرأى في طريقه كلابًا مجتمعات بعضها يلعب مع بعض ويتمرغ عليه ويلحسه، فالتفت إلى أصحابه فقال: انظروا إلى هذه الكلاب ما أحسن أخلاق بعضها مع بعض.قال أحمد بن عمار: ثم عدنا من الجنازة وقد طرحت جيفة وتلك الكلاب مجتمعة عليها يتهاوش بعضها مع بعض ويخطف هذا من هذا ويعوى عليه وهي تتقاتل على تلك الجيفة، فالتفت المعلم فقال: قد رأيتم أصحابنا متى لم تكن الدنيا بينكم فأنتم إخوان ومتى وقعت الدنيا بينكم تهاوشتم عليها تهاوش الكلاب على الجيفة(٥) وما أعمق أثر هذا الأسلوب التربوي الذي ربط فيه المربي بين المشاهدة والواقع وما أجمل تلك العبرة التي استلهمها واستوحاها من تصافي الكلاب ثم تهاوشهم على الجيفة.

صور وعبر

إن حياة السلف كانت مليئة بالصبر والدروس وكانت قلوبهم الموصولة بالله عز وجل وعقولهم النيرة المليئة بالحكمة والاعتبار قد جعلت نفوسهم شفافة تتعظ بكل شيء بالإنسان وبالحيوان وحتى بالجمادات وما هي إلا نظرة ثم فكرة ثم وابل من العبر ينهال على القلب العامر بالإيمان، «فعن الأعمش قال مر الربيع بن خيثم (6) في الحدادين فنظر إلى الكير فصعق وعن محمد بن الحسين قال: قام زبيد اليامي (۷) ذات ليلة ليتهجد فعمد إلى مطهرة له قد كان يتوضأ منها فغمس يده في المطهرة فوجد الماء باردًا شديدًا كاد يجمد من شدة البرد، فذكر زمهرير النار ويده في المطهرة فلم يخرجها منها حتى أصبح»(۸)، وقال عبد الله بن المبارك يومًا لسهل بن علية ورآه ساكنًا متفكرًا أين بلغت؟ قال: الصراط وقال بشر: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل»(۹)

طفل يبكي من النار

قال عبد الله بن واسان -رحمه الله- تعالى: عبرت يومًا في أزقة البصرة فوجدت صبيًا يبكي وينتحب فقلت له يا ولدي: ما الذي يبكيك؟ قال: خوفًا من النار فقلت يا ولدي أنت صغير السن وتخاف من النار؟فقال: يا عم نظرت إلى أمي وهي توقد النار فرأيتها تقدم الحطب الصغار قبل الكبار فقلت لها يا أماه: لم تقدمين الصغار قبل الكبار؟ فقالت: يا ولدي ما تشعل الكبار إلا الصغار، فهو الذي أبكاني وهيج لوعتي وأحزنني.والمؤمن الصادق والعارف الحاذق هو من يجيل النظر في الأحداث ويعتبر من حياة الكائنات ويحد عقله من الأفكار اليومية والنظرات التحتية ويرقى بنفسه وقلبه نحو المعالي يسرح ويمرح ويتعظ ويعتبر في هذا الكون العظيم وهنا نعلم حقًاذا المرء كانت له فكرةففي كل شيء له عبرة

الهوامش

  1. صيد الخاطر- الإمام ابن الجوزي
  2. عبد الله بن المبارك - سير أعلام المسلمين
  3. آل عمران ۱۹۰-۱۹۱
  4. صيد الخاطر-الإمام ابن الجوزي
  5. تهذيب تاريخ دمشق
  6. هو الربيعبن خيثم الثوريمن عباد الكوفةوقد اشتهر بالزهدوالعبادة وقيام الليلوتوفي في الكوفةفي ولاية عبيد الله ابن زیاد
  7. هو زبيد بن الحارث اليامي من عباد الكوفة أدرك من الصحابة ابن عمر وأنس وتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائة.
  8. صفة الصفوة- الإمام ابن الجوزي

من أسباب فقدان الأحبة

لست أدري كيف يعيش من ليس له محب تتألف روحه مع روحه وقلبه مع قلبه؟!! وكيف يغمض عينًا من ليس له أخ يدعو له بظهر الغيب.. ويشعر بالسعادة عند ذكره وبالراحة إذا زاره طيفه وكلما ارتسمت ملامح صورته أمام ناظریه؟!

والمحروم من فقد هذا الإحساس وقد فقه عمر بن الخطاب هذا من قبل فقال: «ما أعطى عبد بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح، فإذا رأى أحدكم من أخيه ودًا فليتمسك به».

والرسول الكريم يصف لنا المسلم بأنه يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف والمؤمن هيّن ليًن سمح ودود قلبه يسع الكبير والصغير من إخوانه المسلمين، وما كان سبب فقدان المحبين من الإخوان إلا سوء الخلق وبذاءة اللسان فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر لنا هذا المعنى فيقول: «إن من شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه» فحُسن الخلق وفن التعامل كفيلان لدوام المحبة.

والذنوب والمعاصي سبب رئيسي في فقدان الأحبة كما جاء في الحديث القدسي «... وإذا أبغض عبًدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء، إن الله أبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض» فمن هان على الله هان على الخلق، وهذا أحد الصالحين يؤكد لنا هذا المعنى فيقول: «إذا رأيت من أحد إخوانك جفوة فذلك لذنب قد أصبته، فتب إلى الله، وإذا رأيت محبة فذلك لطاعة قد أحدثتها فاحمد الله».

وليد عبد الله السبع

احتياجاتنا من الرجال

إن الإسلام العظيم الذي سيطر في فترة من الزمن إنما بلغ ما بلغ بفضل الله أولا ثم بفضل رجال نذروا نفوسهم كاملة للدعوة لهذا الدين ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورًا. وفي عصرنا الحاضر وقد تكالبت أمم الكفر على أمتنا، نحن بحاجة إلى دولة تعز الإسلام وأهله وبحاجة إلى دعاة إلى الله نموذج خاص. إننا بحاجة إلى رجال ذوي همم عالية تناطح الشم الرواسي رجال ترتفع همتهم إلى مستوى همة الأسلمي -رضي الله عنه- يقول ابن القيم: إذا أردت أن تعرف مراتب الهمم فانظر إلى همة ربيعة بن كعب الأسلمي، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلني فقال: أسأل مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قال ربيعة لا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم المربي أعني على نفسك بكثرة السجود. إننا بحاجة إلى رجال صادقي الوعد كما صدق أنس بن النضر رضي الله عنه عندما غاب عن غزوة بدر فقال: أول مشهد شهده الرسول صلى الله عليه وسلم لم أشهده، لئن كان لرسول الله قتال مع المشركين بعد هذا اليوم ليرين الله -عز وجل- ما أصنع وهاب أن يقول غير ذلك فلما جاء يوم أحد وانهزم المسلمون قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يقصد المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يقصد المسلمين. ثم قال سعد بن معاذ وأها إلى ريح الجنة إني لأجد ريحها دون أحد، فقاتل حتى قتل فنزلت الآية: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: 23) نحتاج إلى رجل دعوة عنوانه شجاعة يربطها حذر، وطاعة يحدها وعي، وطاقة يصرفها تخطيط ورغبة تغربلها تجارب، ونريد رجلًا سماته إيمان يعمقه تفكر، وعبادة يصحبها عمل، وألم يبعثه واقع المسلمين. وأمل يفتحه رجاء رحمة الله، وثقة يعززها قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ (المجادلة: 21)، فهو إن سئل عن طريقه قال الاتباع وعن ملبسه قال التقوى وعن مقصودة و مطلوبة قال يريدون وجهه وعن قضائه لأوقاته بالغدو والآصال قال ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ  رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (النور: 36 - 37)هذه هي احتياجاتنا من الرجال. فأين أنت منها يا أخي الداعية؟ وأين هي منك؟ اعرض نفسك على هذه الكلمات القليلة وانظر هل هذه الصفات التي اتصف بها الجيل الأول والسلف الصالح موجودة فيك أم لا. فإن وجدت خيرًا فاحمد الله، وإن وجدت غير ذلك فاستعن بالله على اقتنائها. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه. 

عبد الله المسلم

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

بريد القراء (104)

نشر في العدد 104

17

الثلاثاء 13-يونيو-1972

الإسلام دين السلامة

نشر في العدد 367

13

الثلاثاء 20-سبتمبر-1977