العنوان المجتمع الثقافي عدد 1335
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999
مشاهدات 14
نشر في العدد 1335
نشر في الصفحة 50
الاثنين 01-فبراير-1999
حمار في المعتقل!!
بقلم: محمد السيد
«لا بد أن العوالم من حولي قد ارتدت ألبسة تنكرية حتى جعلت للغرباء وجوهًا شبيهة بالوجوه الأصلية»... كانت تلك همهمات دارت في حنجرة العجوز، وهو يضع أول قدم له خارج عتبة الباب الخارجي لبيته الريفي العتيق.
كان الوقت مبكرًا عندما خرج العجوز أبو حامد من منزله، وكان الهواء الطري ينشر أجنحته رخية ممزوجة برذاذ ناعم، ينفثه ذلك الصباح التشريني الغائم، ومع ذلك فقد كان إصرار العجوز على متابعة السير نحو عمله عنيداً، لذا فقد بدأ خط سيره بقولته فليكن ما يكون... لقد تعلمت في المدارس والكتاتيب كثيرًا وعملت كثيرًا، وعشت كثيرًا.
كان الجو الماطر ينمو شيئًا فشيئًا، كلما ابتعد العجوز عن منزله، وبين الحين والآخر يمد أبو حامد كفه فيمسح لحيته الكثة البيضاء، ليزيل عنها القطرات المتراكمة، ثم يميل بالكف إلى مساحة وجهه الخالية من الشعر، فيفرك به الجلد والأنف، قابضًا على أرنبة أنفه التي يبللها الرذاذ المتبوع بالهواء الرطب، ومع ذلك الإصرار العنيد على الذهاب إلى العمل الذي أبداه أبو حامد، فإن حركة قدميه كانت مثقلة بالثمانين عامًا، التي تكدست فوق كاهله المنحني، ورسمت على سحنته أخاديد واضحة المعالم متميزة الخطوط.
«إيه.. هموم العيش كثيرة حتى الحمار استكثروه علي.. إنهم يحاولون إسكات أنين الأرض..» خرجت الكلمات من حنجرته حشرجة، فقد اختلطت هناك بدمعة غالبت جفنه، وضيقت في قلبه مساحة الصبر، إذ انتمت تلك اللحظة الذي ساومته إلى عصر البراكين.
عند آخر حرف نطقه أبو حامد من تلك الجملة، من إحدى يديه بصورة (لا إرادية)، ورفع طاقية الصوف التي كان يعتمرها، بينما راحت يده الأخرى تمسح جلدة رأسه التي خلا من الشعر إلا قليلاً منه، بقي شاهدًا على ما كان من عز لذلك التاج، مثلما بقي هو يمثل البقية الباقية ممن ذاقوا طعم العز لحظات من الزمن فوق تراب هذه الأرض.
«إيه يا زمن... ما أعجب ما يجري، لو أن بي قوة ما تركته لهم، لكنها مغامرتي الأخيرة.. في عالم من حولي تتنكر فيه الوجوه ...!»
ردد الشيخ هذه الكلمات في حسرة، ولكنه لم يتوقف عن الكلام حتى أضاف كلمات ترددت مع موجات الربح مسموعة حية رطبة:
«لا تتماوت أيها العجوز، فأنت الزيتونة العتيقة، والمئذنة التي لا تنحني».
فجأة توقف أبو حامد عن المشي، واستدار جسده نحو قريته القريبة من رام الله، ومد بصره الواهن خلال الضباب المتقطع، فلم يتبين له من منازل القرية سوى أشباح تغيب وتظهر برتابة وحينئذ نقل بصره نحو قدميه اللتين لفهما نعل متهافت لم يرق له المنظر فتمتم ببعض كلمات:
«رحماك يا رب.. وحدنا كتب علينا أن نتجرع هذا البلاء المقيم».
وفي الحال عاجلته دمعتان حارتان، نالتا من أطراف فمه، فجعلت الملوحة ترتاد حنجرته، فتحدث موجات من السعال الحاد، الذي اضطره لوضعية القرفصاء ريثما ذهبت الموجة الداهمة فسوى ثيابه المبتلة وغذ السير الثقيل من جديد، واضعًا الأفق الغربي نصب عينيه، أملاً أن يصل مبكرًا إلى مكان العمل، بينما كانت تدور في رأسه فكرة تلج عليه ولم تغادره منذ لحظة خروجه.
غير أن كل ما تحدث به الشيخ، وكل ما لاقاه من متاعب الطريق لم ينسه موضوع الحمار المعتقل، بل إنه وجد لسانه يدير الكلام عنه قائلاً:
«كل شيء ولا حكاية الحمار الذي اتهموه بمساعدة ابني عمرو في القيام بأعمال مقاومتهم ها .. ها... ها .. إنه يستحق التهمة، وإلا كيف يترك عمر يركبه أو ينقل عليه الخضار المبطنة بأدوات المقاومة عاش المدعي العام الذي اكتشف جناية الحمار بعبقرية، فأمر بشاحنة عسكرية، حضرت إلى منزلي مع ثلاثة جنود، واعتقلوا الحمار بتهمة المشاركة في عمليات الإخلال بالنظام العام.
لقد قلت لهم وقتها: إنني كما ترون شيخ عجوز، وقد قتلتم ولدي قبل فترة، وهذا الحمار ينقلني إلى حيث عملي، فأبقوه لي، إنه دابة لا تعقل ولا تقدر، وقد انتقمتم ممن كان يسخره كما تدعون.
لكن جوابهم لي لم يكن أكثر من نكتة، إني أسمعه هذه اللحظة يتردد، فيسحق بضجيجه وغبائه حفيف الرذاذ الناعم، ويطحن بالته العجماء ذرات الإنسانية.
أتدرون ماذا قالوا لي: «أنتم وحيواناتكم تتأمرون على دولتنا، حتى حميركم تقض مضاجع زعمائنا» ..
«إيه شر البلية ما يضحك»..
واستغرق أبو حامد في قهقهة صاخبة، وهو يردد بلهجة متهدجة: لقد أكلوا المواسم، وأشعلوا نیران القتل بمواعيد السلام.. لكنه فجأة صمت واتجه بكليته إلى مكان عمله، وفتح ثيابه عن صدره الأشيب مستقبلاً به الريح والرذاذ، حاثاً الخطى بهمة لم يعهدها من قبل، بينما رفرفرت روحه الشفيفة خلف ذكريات ولديه وأشياء أخرى نقلت من قلبه كلمات لامست أطراف شفتيه وكأنها حلم يقول:
«تلألأت سنوات العمر نجومًا بين جفني حملت شلالاتها الصدق والإيمان والزيتون وجنات القرية الحالمة، وحبات التين المعسولة».
«هدلت بضع حمامات على مقربة من النهاية التي تناوشني، قالت إحداهن: الليل لا يمحوه إلا النهار».
وقالت ثانية: «غصن الزيتون لا يحمله إلا السيل الجارف».
وقالت ثالثة: «الموت لا يحجبه برقع الجبن».
وقالت رابعة: «والسواعد الناصعة المتينة أشرعة النهار».
وعند نهاية قول الرابعة، خيل إليه أنه يسمع صوت نداء يقول: يا شيخ يا شيخ كان الصوت عميقاً رخيماً، وبلا إرادة منه دار ببصره إلى الجهة التي أتاه منها الصوت، بينما كانت ابتسامة عريضة مستبشرة تناوش محياه، فتمتلئ بها أساريره رويدًا رويدًا .. إذ تراءت له في الفضاء صورة عمرو ، فانطلق لسانه يصيح:
- هذا أنت يا عمرو ... ابني عمرو! كيف أنت يا بني؟ ولكن قل لي: ألم ... أل... ألم.. تعلم أنهم يريدون مني أن أقدم لهم طلبًا لاسترداد حمارك؟!
- يا إلهي.. هذا هو أخوك محمد أيضًا .. لقد اجتمعنا من جديد!!
وفجأة مرت سيارة جيب عسكرية، فرشت وجه العجوز أبي حامد بماء انطلق من تحت عجلاتها حيث لامست بركة تجمع فيها الماء في وسط الطريق.
أفاق العجوز من الحلم الذي كان يعيش معه فترة غير قليلة من الطريق، فأخذ يدور حول نفسه، ويتفقد الرؤى، ويبحث عن الأولاد، غير أن صوتًا أتاه من الخلف يقول:
أهلاً بالعجوز (المتشبشب)، ماذا فعلت بنفسك يا رجل؟ أبهذا الجو البارد تفتح صدرك المريح، وتلقي بقدميك له.
- أبو صالح لا تمزح.
قالها أبو حامد دون أن يلتفت إلى صديقه وابن قريته، ثم تابع سيره، متظاهرًا بالتوجه لاستلام العمل الذي وصل مكانه للتو، لكن أبا صالح لم يدعه يذهب دون أن يقول له:
ولكن يا شيخ يا أبا حامد، لقد جاءتك رسالة من الحاكم العسكري.
-ها .. هل تعرفوا حماري الذي اعتقلوه؟.
ومضى أبو حامد بعيدًا مضيفًا٠: لماذا لا يفطنون ويركزون على موضوع الحمار، وينسون كل شيء؛ القتل.. الاحتلال.. الإذلال؟
- يا أبا حامد .. إن رسالة المستشار قالت:
إن هناك حمارًا معتقلاً منذ سنة لدى جيش الدفاع، بتهمة القيام بأعمال عدائية ضد الدولة، ولم يتعرف أحد ذلك الحمار، بل لم يتقدم أحد المطالبة به إننا نعرف أن الحمار المعتقل ملك العجوز أبي حامد، وأن العجوز يذهب إلى مكان عمله مشيًا على الأقدام، لذا قررنا الإبقاء على اعتقال الحمار جزءًا من العقوبة لأبي حامد.
لم يحفل أبو حامد بما قاله صديقه أبو صالح، بل توجه مسرعًا إلى غرفة رب العمل وهو يتمتم: اليوم سوف أكشف عن الوجوه التنكرية إن شاء الله.
في الطريق إلى غرفة رب العمل تناول قضيبًا ثم دخل الغرفة وبدون أي مقدمات راح يضرب رب العمل الصهيوني على رأسه بكل ما أوتي من قوة، وبدون كلل، حتى سقط على الأرض، راح الشيخ يصيح بأعلى صوته رغم الوجوه التنكرية فأنا ولي الدم... أنا ولي الأرض... هل تفهمون .
جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد
قام الإمام ابن الأثير بجمع أصول أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكانت ستة كتب وسماه٠ جامع الأصول، ثم قام الإمام الهيثمي بجمع الزوائد، فكانت أيضًا ستة كتب وأسماه الزوائد، ثم جاء الإمام محمد بن سليمان المغربي وضم الأصول إلى الزوائد وأضاف إليها ثلاثة كتب وسماه جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد، ثم رأيت أن هذا الكتاب القيم الذي يجمع زبدة أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يخدم بعد فقمت فيه بالعمل الآتي:
1-تحقيق المخطوط.
۲- تخريج أحاديثه.
٣- وضع أقوال أهل العلم على معظم أحاديثه من حيث الصحة والضعف.
٤- وضع فهرسة لأطراف أحاديثه.
٥- تصويب الأخطاء الواردة في الكتاب من الأصول والمصادر.
وأخيرًا فإن هذا العمل بحمد الله تعالى قد لقى قبولاً وتم توزيعه على أنحاء العالم، كما ترجم إلى اللغة الأردية، وهو يحتوي على أربعة أجزاء، هذا وقد حققه وخرج أحاديثه:
المؤلف: سليمان بن دريع العازمي.
الناشر: مكتبة ابن كثير – الكويت – خولي ص.ب ١١٠٦، ت ٢٦٣١٢٩٨، فاكس ٢٦٥٧٠٤٦
العيد
أتانا العيد يبتسم | *** | وفي طياته الألم |
يواسي كل مقهور | *** | ويبكي من بهم صمم |
شعوبًا همها ترف | *** | من اللذات تغتنم |
تعيش الأمن والدعة | *** | حياة قلوبها النغم |
غثاء – أخبر الهادي – | *** | عليه تداعت الأمم |
يضيع الوقت في عبث | *** | وجيش الكفر ينتظم |
علوج البغى في الأقصى | *** | مع الأشبال تصطدم |
«جزائر» حسرة فيها | *** | أوار القتل يحتدم |
وفي «كشمير» يذبحهم | *** | يشردهم ويقتسم |
وكم من غادة أسرت | *** | فيعصر قلبها الألم |
وكم من أسرة ماتت | *** | وسقف البيت ينهدم |
وينجو منه منكوب | *** | فيحلف سوف ينتقم |
ينادي أمة الإسلام | *** | ينشد من بهم شمم |
أيحلو العيد بينكم | *** | وفي أرض يراق دم |
شعر: سحر كامل
سياسة القيعان المتلاحقة
هوى التخاذل العربي إلى قاع مدريد فصارت مدريد سقفًا للنضال .... ثم هوى إلى قاع أوسلو فصارت أوسلو سقفًا، ثم هوى إلى قاع واي بلانتيشن وأصبحت سقفًا .... فإلى أي درك سيكون سقف التخاذل العربي القادم؟
بقلم: د. محمد وليد ([1])
هوى للقاع أبطال العوالي | *** | وصار القاع سقفًا للنضال |
فيا نسرًا يحووم فوق سفح | *** | ويحسب أنه قمم الجبال |
تعبت فلم تعد نسرًا جسورًا | *** | وهدتك الحوادث والليالي |
فقدت الحس من زمن بعيد | *** | فما تدري الجنوب من الشمال |
وما تدري صديقًا من عدو | *** | وغابت عنك ذاكرة الرجال |
ولقنك اليهود فصرت تهذي | *** | بما قد لقنوك من الضلال |
رضيت بأن تكون لهم شريكًا | *** | وهم راضون عن سوء المال |
فإملاءاتهم تلقى انصياعًا | *** | ولو كانت لتدمير الأهالي |
تصورها اقتدارًا وانتصارًا | *** | وتشمخ في زهو واحتيال |
حسبنا قاع مدريد قرارًا | *** | يقر بقعره أهل النضال |
إذا بالقاع يصبح حد سقف | *** | لقيعان تجيء على التوالي |
وقال الذل ليس له قرار | *** | وليس هناك حد للتعالي |
مزارع «واي» ما كانت ببالي | *** | ولا خطرت بأفهام الخيال |
ورود ماؤها سم زعاف | *** | وأشواك لها حد النضال |
وأنهار جرت بدماء قانا | *** | وقانا جنة فوق الرمال |
أتحتفلون ويلكم وقدسي | *** | تدنسها جنود الاحتلال |
أعندكم شفاه للتغني | *** | وعندكم قلوب الوصال |
أتحتفلون يا همل البرايا | *** | وماذا عندكم للاحتفال؟ |
وكيف شريتم وطنًا وشعبًا | *** | بكرسي يؤؤل إلى زوال |
كرامتكم هوت قعرًا فقعرًا | *** | وداستها يهود بالفعال |
أتبغون الحياة بلا جهاد | *** | وتبغون الديار بلا قتال |
وتستجدون أمريكا لتقصي | *** | نتنياهو وأمريكا تمالي |
هي الأحلام فارتاحوا عليها | *** | وناموا نوم ربات الحجاب |
وأعلوا في أراضيكم قصورًا | *** | مشيدة وفيئوا الظلال |
إلام الذل يا أبناء قومي | *** | وفي أخلاقكم طيب الخصال |
إذا لم تستطيعوا كسب سلم | *** | يشرفكم فعودًا للقتال |
ففي سيف الجهاد سبيل عز | *** | وفيه الطب للداء العضال |
وفي ظل الجهاد جنات عدن | *** | ووعد النصر من رب الجلال |
(1) عضو رابطة الأدب الإسلامي
مؤتمر يناقش وضع اللغة العربية في الألفية الميلادية الثالثة
لغتنا تزخر بملايين الألفاظ القادرة على استيعاب معظم المخترعات الأجنبية
القاهرة: محمود خليل
توصية بإنشاء مجمع وطني للترجمة، ووضع ضمانات منهجية مدروسة لإنجاز المشروع الحضاري الكبير.
العلماء والباحثون يؤكدون ضرورة بث الثقة الحضارية في المعلم والمتعلم – بقدرة لغتنا على التطور والتقدم. اللسان العالمي
عولمة اللغة العربية، ووضعها في الصف الأول للغات الحية، يقتضي منا أن ندخل الألف الثالثة، ونحن موقنون بأهمية لغتنا وجدارتها بأن تكون لغة عالمية، وأن نبث هذا اليقين في الناشئة عن طريق المدارس والجامعات والمعاهد ووسائل الإعلام المختلفة، مع تقرير أن اللغة العربية سيدة لغات البشر قاطبة، باعتبارها لغة الوحي الإلهي الخالد، إضافة إلى خصائصها التي تجعلها مؤهلة لأن تكون لسان العالم دون منازع.
وحول أوضاع ومشكلات اللغة العربية في الألفية الميلادية الثالثة، عقدت جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية مؤتمرها السنوي الخامس مؤخرًا تحت رعاية جامعة الدول العربية، حيث شارك فيه أكثر من مائة باحث ولغوي برئاسة الدكتور شوقي ضيف رئيس المجمع اللغوي، والدكتور عاطف نصار رئيس جمعية لسان العرب الذي أكد أن اللغة العربية تمتاز عن غيرها من اللغات بحيوية ونفاذ وتأجج لا مثيل له، حيث زايلت ألسنة الشعوب التي فتحها الإسلام لغاتهم، وحلت محلها اللغة العربية كلغة فكر وعلم وفلسفة وجمال، حتى قادت العالم كله علميًا وأدبيًا وفكريًا طوال سنة قرون.
ولكن الخطورة القادمة تكمن في العقبات التي ستعترض طريق اللغة العربية مع العولمة القادمة وما تحمله من أخطار على مقومات الشعوب وخصوصياتها.
فيما أكد الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية علاقات التأثير والتأثر المعروفة بين لغات الأرض جميعًا، وقال إن مجمع اللغة العربية قد أصدر حتى الآن ١٤ مجلدًا ضخمًا في كل العلوم العلمية المعاصرة، تدل بكل قوة على أن اللغة العربية لغة علم وفكر، ولغة عصر وتقدم، وليست لغة أدب وثقافة فقط، كما يدعي البعض.
لغتنا والحضارة المعاصرة
وقال الدكتور شوقي ضيف: إن الدعوة إلى التنمية اللغوية لا بد من أن يواكبها دراسة في التخطيط للإصلاح اللغوي لحل مشاكلها، وتطوير استعمالنا لها في كل الاتجاهات الحضارية المعاصرة وحذر من أن روح العصر وآلياته الحضارية لا تبقي لنا خيارًا في ضرورة استخدام كل المنجزات في العلم والتكنولوجيا، ولم يعد هناك بد من فتح آفاق اللغة أكبر بكثير من الاستخدام الوطني الضيق لها، وتساءل: كيف؟ وديننا دين عالمي يحتم علينا أن يكون لساننا لسانًا عالميًا.
وأشار الدكتور عبد الصبور شاهين إلى أن اللغة شيء خطير، إذ ليست هي مجرد وسيلة أو آلة للترجمة عن الفكر والاتصال بالغير، بل هي قبل ذلك تأكيد لماهيتنا الأصلية، وتزكية لذواتنا في الحياة الاجتماعية، ومهمة اللغة في حياة كل إنسان أكبر وأخطر مما يبدو للنظرة العجلى.
ثم قال: إن دراسة اللغة قد دخلت ميدان التجربة العلمية، وأصبح لها قوانينها الخاصة ومناهجها الدقيقة، ومما يبشر بالخير أو الأمل أن لغتنا تمتاز عن غيرها من اللغات بالقدرة والقوة والمرونة والسعة اللفظية والأسلوبية اللامتناهية التي تسمح لها أن تستوعب كل جديد في العلم والاختراع، ولكن لابد من وضع تصورات للتخطيط المستقبلي للتنمية اللغوية في الألف الميلادية الثلاثة.
الجينات الإلكترونية واللغات
وإذا كان البعض يطلق على الألفية الميلادية الثالثة ألفية الجينات والإلكترونات، فقد قال الدكتور عبد الصبور شاهين: ونحن نطلق عليها أيضًا «ألفية اللغات»، لأن تحديات المعلوماتية والحاسبات والجينات تحمل في طياتها تحديات لغوية هائلة، وإلا ضاعت لغتنا في خضم هذا العصر وتداعياته الخطيرة، فلا يجب أبدًا أن نقف موقف المعادي لهذا العصر فحسب !!! بل لا بد من أن تكون اللغة أداة طيعة لهذا التقدم، وأن يتوجه علماؤنا ومفكرونا إلى لغتهم المقدسة، ليذودوا عن ثغورها ويرابطوا على حراستها ومن فضل الله أن لغتنا ثرية ثراء لا نظير له في أي لغة أخرى، بكثرة مواردها المعجمية، وكلماتها التي بلغت بالتحليل الرياضي – كما يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي – (ت ١٧٥هـ)، اثني عشر ألف ألف «أي اثني عشر مليونًا من الكلمات»، مما يجعلها صالحة لنقل العلوم والمعارف الإنسانية... بل وقيادتها إن وجدت حضارة علمية تساندها.
وناقش الدكتور أحمد فؤاد باشا – أستاذ الفيزياء بكلية العلوم بجامعة القاهرة – صياغة المصطلحات العلمية ودلالتها في اللغة العربية، حيث أكد أن التعريب ضرورة من ضرورات النهضة التي تنشدها أمتنا العربية والإسلامية لاستئناف مسيرتها الحضارية – بلغة القرآن الكريم – في مختلف مجالات الحياة العلمية والعملية وتأتي صياغة المصطلحات وتداولها في مقدمة القضايا التي ينبغي الاهتمام بها في عملية التعريب وضرب عددًا من الأمثلة بترجماته وتعريباته عن الروسية والإنجليزية في علم الفيزياء مدللاً على أن التعريب ليس قضية لغة فقط، ولكنه قضية فكر بالتلازم، لأن لكل لغة عقلها وإطارها الفكري الذي يعطي لمفاهيمها دلالات وظلالاً وإيحاءات خاصة بها وبذاتيتها الثقافية، ومن هنا لا بد من التصويب الدقيق للمصطلحات المترجمة المعربة – إن كنا نريد لها الحياة – باعتبارها إحدى أدوات المواجهة الفكرية في معركة التذويب الثقافي القادم الذي يتهدد الشعوب في ظل العولمة، وعصر السماوات المفتوحة.
وأشار الدكتور أحمد حمد – أستاذ الفقه والأصول السابق بجامعة قطر – إلى بعض المقترحات في بحثه حول «اللغة العربية واللسان العالمي» لتمهيد السبيل أمام سيدة اللغات لتكون اللسان العالمي، مما يحتم ضرورة تعريف العالم كله مدى تميزها في ألفاظها وعباراتها عن اللغتين الإنجليزية التي تستأثر بتسعين في المائة من الكتابات العلمية والفرنسية لغة الفرانكوفونية الاستعمارية الزاحفة.
والتأكيد على أن للغة العربية خصائص لا يشاركها فيها غيرها من اللغات... وذلك بإصدار مجلة فصلية ذات أبواب ثابتة تضم جميع الموضوعات التي تتجلى بها أصالة هذه اللغة، ومدى مرونتها في استيعاب كل جديد وتكوين لجنة عليا من خبراء اللغة العربية تجمع إلى خبرتها وأصالتها بالعربية الإلمام الجيد باللغات الإنجليزية الفرنسية، على أن ترسل نشرتها كل شهر تجمع لديها من حصيلة أعمالها إلى جميع المراكز الإسلامية في العالم (٤٠٠ مركز)، وإلى جميع السفارات العربية والإسلامية، وإلى المؤسسات التجمعات الفاعلة من عرب أو مسلمين بالخارج واستخدام الناسوخ الآلي وشبكة المعلومات في هذا المجال.
كما طالب د. أحمد حمد بإعداد فئات متخصصة من خلال أقسام جديدة بالكليات الجامعات المعنية باللغة العربية تسمى «أقسام اللسان العالمي»، أو «قسم لغة المستقبل»، يتم فيها تأهيل هذا الجيل الجديد الذي يمتلك مهارات استخدام اللغة وفق أحدث أساليب التقنية والبرمجة التي تتجاوب مع التقدم الهائل في مختلف مجالات الحياة، وتوزيع هذه الاهتمامات الجديدة على مرحلتي الدراسة الجامعية مرحلتي الليسانس أو البكالوريوس والدبلومات والماجستير والدكتوراه بما يؤدي إلى ضرورة وضع الأجيال القادمة في بؤرة المستقبل، وعدم تجمدها على القديم المتعارف عليه.
وحول البعد اللغوي في منظمة حماية المستهلك، أكد الدكتور محمد يونس الحملاوي – أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر - أن تكامل الخدمة أو السلعة شرط لازم لحصول الفائدة من وراء عملية تداولها، ومن ثم فإن عدم كتابة بيانات السلعة باللغة العربية لهو تدليس هدفه إخفاء قصور أو إيهام بباطل أو تحقير للغة، وكلها جرائم!! آن لنا أن ننظر في تشريع عقوبة رادعة لها، ثم تساءل د. الحملاوي: أليس هذا هو الرسالة الضمنية لاستعمال الكلمات الأجنبية للشركات والمنتجات ولاستعمال الكلمات والحروف اللاتينية للدلالة على منتجات بعينها تحت دعاوي عديدة؟؟ أليس هذا بث لفكر القابلية للاستعباد؟ أم أن هذا ترويج للقيم الغربية عن المجتمع من خلال الأسماء الأجنبية للمنتجات كل هذه الروافد لا بد من أن تدخل اللغة العربية لحمايتها وأخذ حقها فيها من الحماية والأصالة والذيوع، ولا بد من أن يوضع هذا الاعتبار في عمليات التبادل السلعي بين كل أرجاء الوطن العربي على الأقل، لأن اللغة العربية هي العمود الفقري لأمتنا، ونبه الدكتور محمود فهمي حجازي إلى نقطة مهمة قائلاً: لو أننا سمينا مستحدثات الحضارة بأسماء عربية واصطلحنا على هذه التسمية أو تلك... عند أول ظهور هذا المستحدث الحضاري أو ذاك، وعملت وسائل الإعلام المختلفة عندنا على ذيوعه وانتشاره لارتبط في أذهان الناس باسمه، وقضينا على هذه المشكلة من أساسها، وإنك لتعجب حيث ترى الألمان يقومون في لغتهم بمثل ما ننادي به هنا، فمعظم المخترعات الأجنبية عنهم، لها عندهم أسماء ألمانية خالصة، وفي قدرتنا النسج على هذا المنوال للحفاظ على عروبة اللغة أمام هذا الغزو الهائل من الألفاظ الأجنبية.
وحول ضرورة بث الثقة الحضارية عندنا من جدید، أشار الدكتور محمد نايل أحمد - عضو المجمع اللغوي، والعميد الأسبق لكلية اللغة العربية بالأزهر - إلى هذه القضية قائلاً: إنها لا ترجع إلى لغتنا العربية، ولا إلى أي عجز عندها في التعبير عن مدلولات الأشياء ومدركاتها، ولكنها ترجع إلى عجز أهلها، وما أصابهم من خمول وجمود، واعتماد على أصحاب اللغات الأخرى في كل شيء، حتى في إمدادهم بالقوت الضروري كالدقيق - أي الطعام دون إدام - وقد اكتفوا بذلك عن كل طموح، الأمر الذي يشكل عجزًا نفسيًا أصاب المسلمين بعقدة الدونية، أمام استعلاء الغرب وعلوه في الأرض واستكباره وعتوه.
وقال الدكتور نايل: إن هذا العجز النفسي يمكن التغلب عليه بكل يسر، وذلك بضرورة إعداد المعلم والمتعلم على السواء، أفرادًا وجماعات، بعد تحطيم حواجز الخوف التي تحول دون تقدمنا ونهضتنا، ببث الثقافة الحضارية في المسلمين من جديد.
توصيات
وقد أوصت أبحاث المؤتمر بضرورة إنشاء مجمع وطني للترجمة، يكون متصلاً بأكاديميات البحث العلمي، ومجمع اللغة العربية على الدوام مما ينشط تداول المصطلحات مع محاولة توحيدها في البلاد العربية، كما أكدت التوصيات أهمية إيجاد القناعة النفسية لدى المعلم بجدوى تدريس العلوم بالعربية، وأن يؤمن بوجوب ذلك عليه دينًا، وحرصًا على الصالح العام لبلده، وأن يؤمن أن ذلك وسيلة فاعلة في تقدم بلاده علميًا وإبداعيًا، حتى لا تزداد الشقة بين ما كان علميًا وبين لغته العربية بعد إغراق العرب المسلمين في وهم عجز العربية عن ملء الفراغ الثقافي والعلمي.
وبخصوص الإعلام ناشد المؤتمر أجهزة ووسائل الإعلام الحفاظ على لغتنا، ودق ناقوس الخطر مما يتهددها، والوقوف أمام كل مظاهر إعاقتها أو تشويهها وضرورة تكامل المؤسسات التعليمية والإعلامية في تحقيق الأحداث اللغوية، ومتابعة الجديد في المصطلحات، وإعدادها وتخزينها وإتاحتها لحل القضية اللغوية وتحقيق الذاتية الثقافية والإسلامية العربية.
كما أوصى المؤتمر بضرورة تدخل القرار السياسي بالعمل على إصدار قانون إلزام العربية كما فعلت فرنسا عام ١٩٩٤م، بإصدار قانون الفرنسية، على أن يلتزم به جميع المؤسسات والهيئات وفق أسس وضمانات منهجية مدروسة، وعن طريق آليات ومؤسسات قادرة على إنجاز المشروع الحضاري الكبير.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلقيادات إسلامية في الغرب لـ«المجتمع»: الأعياد فرصة للتعبير عن الهوية الإسلامية
نشر في العدد 2109
129
السبت 01-يوليو-2017
رمضان في أوساط الأقليات المسلمة بالغرب.. عادات مختلفة وفرحة واحدة
نشر في العدد 2120
43
الجمعة 01-يونيو-2018