; المغرب: مؤتمر “العدالة والتنمية”.. نجاح تنظيمي وأسئلة سياسية مفتوحة | مجلة المجتمع

العنوان المغرب: مؤتمر “العدالة والتنمية”.. نجاح تنظيمي وأسئلة سياسية مفتوحة

الكاتب عبدالغني بلوط

تاريخ النشر الاثنين 01-يناير-2018

مشاهدات 17

نشر في العدد 2115

نشر في الصفحة 37

الاثنين 01-يناير-2018

حسم التصويت في المؤتمر الوطني الثامن لحزب العدالة والتنمية المغربي المنعقد في ديسمبر الماضي اسم الأمين العام الجديد بنسبة قاربت 51% لصالح سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، مقابل 49% لصالح إدريس الإدريسي الأزمي، الوزير السابق ورئيس الفريق البرلماني للحزب، وهو فارق ضئيل يعكس بشكل كبير الاختلاف غير المسبوق في تقدير اللحظة السياسية من قبل مناضلي الحزب الإسلامي الأول في المملكة المغربية.

وبالنظر إلى تجربة عدد من الأحزاب المغربية، إضافة إلى النقاش السياسي والقانوني الحادين اللذين سبقا المؤتمر، فقد توقع البعض، وخاصة مناهضي الحزب، أن تنفجر هذه المحطة الانتخابية في وجه المشاركين، ويحدث انشقاق كبير في صفوفهم، لكن استطاع مناضلو الحزب أن يدبروا اختلافهم بشكل ديمقراطي، وأن يخرجوا من المؤتمر دون اعتراض مادي على القيادة الجديدة التي أفرزتها صناديق الاقتراع.

السؤال الذي طرحه الكثيرون: كيف تم لهم ذلك؟ وكيف يرى المناضلون والمتتبعون مستقبل الحزب؟ وكيف سيعمل للحفاظ على هويته في ظل المتغيرات السياسية؟ وكيف سيستمر في تطبيق شعاره المتمثل في مناهضة الفساد ومساندة مسلسل الإصلاح؟

ما قبل بدء المؤتمر

وصل المؤتمرون إلى محطة المؤتمر وهم على خلاف شديد حول الولاية الثالثة لعبدالإله بن كيران، ذلك أن الفريق الذي أصبح يسمى «أنصار ابن كيران» الذي تتقدمه قيادات من الجيل الجديد للحزب ومن شبيبته، يرى أن الزعيم الذي قضى ولايتين على رأس الحزب وقاد انتصارات حاسمة ما زال هو الأصلح لقيادة المرحلة بعد الضربة الموجعة التي تلقاها الحزب عقب إعفائه من تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016م، وأن تعديل مادة من القانون لاستمراره على رأس الأمانة العامة ما زال ممكناً بما أن «المؤتمر سيد نفسه وأنه أعلى هيئة تقريرية»، ولا يمكن أن ينزع منه المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب) ولا الأمانة العامة (المكتب التنفيذي) هذه الصلاحية، وهما الهيئتان اللتان صوتتا في وقت سابق ضد إدراج تعديل مادة القانون الخاصة بالتمديد لولاية ثالثة.

في المقابل، يرى أنصار «عدم التمديد» لابن كيران، ويقودهم عدد من وزراء الحزب في الحكومة المغربية، وعدد من قيادات حركة التوحيد والإصلاح الدعوية التي ينحدر منها أغلب قيادات الحزب من الجيل الأول، أن القبول بتغيير القانون من أجل استمرار ابن كيران على رأس الأمانة العامة هو بداية لتأسيس «حزب الأشخاص» بدل «حزب المؤسسات»، وأن أحسن شيء في الأحزاب السياسية وفي كل مؤسسة تتبنى الديمقراطية منهجاً لها هو التداول على المسؤولية، وحتى لا نتحول إلى أحزاب أشخاص، معتبرين أن العمل داخل العدالة والتنمية غير مرتبط بالمسؤولية.

بداية نجاح المؤتمر

ذهب محللون إلى أن حسم أمر الولاية الثالثة في الجلسة الافتتاحية وقبل بداية الأشغال الفعلية للمؤتمر ساهم بشكل كبير في نجاح المؤتمر، ذلك أن ابن كيران نفسه أنهى الجدل القانوني والسياسي حول موضوع الولاية الثالثة في لحظة حاسمة، وذلك عندما توجه إلى المؤتمرين بضرورة إغلاق النقاش حول هذا الموضوع، والتوجه إلى المستقبل لاختيار قيادة جديدة، وبالتالي فقد كان ابن كيران مفتاح نجاح المؤتمر، كما عبر عن ذلك عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية.

وعلى خلاف عدد من القادة، فقد ترفَّع ابن كيران عن أن ينتصر لنفسه في المؤتمر، وقال بالحرف: «أمر الولاية الثالثة انتهى، ما عليكم إلا أن تختاروا قيادة جديدة»، وبالرغم من ذلك فقد أحس المؤتمرون أن الرجل مجروح، وأن الكثيرين تجاوزوا في حقه، وذلك حين قال: «مررت بفترات صعبة، وأوذيت من البعض، لكن الله يسامح».

وقال محمد شكير، المحلل السياسي المغربي: إن خروج الحزب موحداً بعد المؤتمر ساهم فيه ابن كيران بشكل كبير عندما أعلن تراجعه وانسحابه بشكل واضح ومؤطر من الأمانة العامة وتركها حفاظاً على تماسك الحزب ووحدته التنظيمية.

وعلاوة على الرسالة التي أرسلها ابن كيران إلى مناضلي الحزب حول ضرورة التماسك والخروج موحدين من المؤتمر، فقد أرسل رسالة أخرى إلى القصر الملكي في كلمته الافتتاحية، فبعدما اعتبر إعفاءه من قبل الملك من تشكيل الحكومة ضربة قوية، تلتها ضربات أخرى تمثلت في قبول رئيس الحكومة المعين سعد الدين العثماني إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الائتلاف الحكومي، وشدد ابن كيران على أنه مدافع عن الملكية، لأنها هدية من الله إلى المغاربة، وأضاف: كان من المفترض أن يختار الحزب صفوف المعارضة، غير أنه في النهاية قررتُ امتصاص الضربة، والتفاعل إيجابياً مع تعيين سعد الدين العثماني رئيساً للحكومة.

الرأس الواحد

بعد حسم أمر الولاية الثالثة لابن كيران، وبعد التصويت الأولي، بقي مرشحان للأمانة العامة، هما سعد الدين العثماني الذي يناصره فريق عدم التمديد، وإدريس الإدريسي الأزمي الذي أصبح يدافع عنه أنصار ابن كيران.

ودخل المؤتمرون إلى مرحلة التداول، التي عرفت أيضاً نفس النقاش السياسي والقانوني، وأظهر أنصار ابن كيران أنهم دافعوا عنه ليس لشخصه، ولكن لاستمرار الاستفادة من قيادته الحزب لصلابته في مواجهة الشدائد، ورأوا أن التصويت على الأزمي تخفيف للضرر الذي خلفه عدم وجود ابن كيران على قائمة المتنافسين، بل إن الفكرة الأهم في دفاعهم ضرورة التمايز بين العمل الحزبي (الأصيل والدائم) الذي يجب تقويته، والعمل الحكومي (الظرفي والمتغير) الذي يجب دعمه لكن بدون أن يكون ذلك شيكاً على بياض.

ويرى الفريق الأول أن هذا التمايز هو الأنسب لاستعادة الحزب زمام المبادرة في مواصلة الإصلاح ومواجهة قوى مقاومته، فضلاً عن إمكانية استمرار استفادة الحزب من شعبيته الواسعة في المحطات الانتخابية المقبلة.

فيما يرى الفريق الثاني، أن اختيار غير سعد الدين العثماني أميناً عاماً رسالة مشوشة لباقي الفاعلين السياسيين، ويعد بمثابة سحب الثقة منه، وبالتالي وجب تقديم استقالته من رئاسة الحكومة، كما أن الحزب في حاجة إلى استثمار وجوده في الحكومة من أجل بقائه قوياً.

بعد التصويت

تم التصويت على الأمين العام بعد ست ساعات من التداول حول الاسمين، وعلى خلاف ما كان يتوقعه الخصوم من تحول المؤتمر إلى ساحة للعراك، فقد قَبِل الجميع بالنتيجة وتعانق الأَخَوان، في حين قدم ابن كيران، الأمين العام المنتهية ولايته، لوحة معبرة كان قد تسلمها من مؤسس الحزب د. عبدالكريم الخطيب، نقشت بالآية الكريمة «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، لكن نبرة صوته وإشاراته المتعددة في ذلك اليوم لم تُخفِ جرح الإعفاء.

تقول البرلمانية أمينة ماء العينين، أحد أبرز أنصار ابن كيران: إن المؤتمر لم يخرج بفريق منتصر وآخر منهزم، ذلك أن النقاش كان كبيراً ودالاً ومعبراً، وعكس ديناميكية استثنائية داخل حزب حقيقي ممتد وراسخ في المشهد السياسي، ذلك أن النقاش دل على وعي عالٍ جداً داخل الحزب، كما كشف عن نخبة شابة حاملة لرهانات التغيير.

ويبرز عبد العالي حامي الدين أن المؤتمرين عبروا عن درجة عالية من النضج والإحساس بالمسؤولية، وأسهموا بدورهم في نجاح الحزب في امتحان التداول على القيادة في ظروف سياسية صعبة، جاءت في أعقاب مسلسل من التراجعات تم تسجيلها بشكل واضح قبيل الانتخابات التشريعية، وكادت تعصف بنزاهة الانتخابات، بالإضافة إلى إفشال مهمة عبدالإله ابن كيران في تشكيل حكومته، وانتهاءً بقرار الإعفاء وما تبعه من تشكيل لحكومة تضم ستة أحزاب سياسية على غير الإرادة الأصلية للحزب الأول.

قبول بنتيجة الصندوق

هذه النتيجة تَتبَّعها مناضلو الحزب ومتعاطفون معه ومعارضوه كما تتبعتها وسائل الإعلام بكثير من الاهتمام والترقب، على أساس النقاش السياسي والقانوني الذي سبقها، والجدال الكبير بين الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي.

يضيف حامي الدين أن القبول بالنتائج وعدم تسجيل أي طعن جدي فيها يعني ترسخ الممارسة الديمقراطية في ثقافة الحزب وفِي وعي مناضليه، وهذا امتحان مهم لتأكيد القناعة الديمقراطية العميقة داخل الحزب باعتبارها قيمة ثقافية وفكرية وليست فقط آلية لتدبير الاختلافات الداخلية، خصوصاً أن حجم الخلاف الذي سجل خلال المرحلة السابقة لم يكن بسيطاً.

ويقول سليمان العمراني، القيادي في حزب العدالة والتنمية، أحد أبرز معارضي التمديد بالرغم من أنه ليس وزيراً: إن للفارق البسيط في نسبة الأصوات بين العثماني، والأزمي له دلالة كبيرة، فهو يعكس مقدار الاختلاف والنقاش الذي شهده الحزب في تقدير اللحظة السياسية، والتفاعل مع مجريات الواقع السياسي، مضيفاً أن الحسم في التصويت تم بعدما تداول أكثر من 130 مشاركاً وبحضور المرشحين في تقدير عالٍ لمصلحة الوطن وفي احترام تام للمساطر القانونية، وهو تداول طبعته الصراحة والوضوح وعبّر عن استقلالية الحزب الفكرية والأخلاقية، حيث كان الهم الوحيد للمؤتمرين فرز المرشح المؤهل لقيادة السفينة في المرحلة المقبلة، كما أن الشد والجذب الذي عرفه التداول كان تمريناً ديمقراطياً نادراً في المشهد السياسي الحزبي المغربي.

المرحلة المقبلة

يرى بعض المتابعين أن الحزب خرج موحد القيادة، لكنه ممزق الصفوف، وأن انشقاقه قد يأتي في أي وقت، لكن الكثيرين استبعدوا ذلك؛ لأن النفس النضالي غالب في نشأة الحزب وتكوينه وممارسته السياسية، وأن المناضلين سيسعون طبعاً إلى التغيير نحو الأفضل لأنه رهانهم السياسي.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي محمد الزهري: إن حزب العدالة والتنمية الذي عرف خلافاً غير مسبوق بين تيارين متباعدين في تقدير اللحظة السياسية عرف كيف يحسم في النتيجة بديمقراطيته الداخلية.

وأضاف أن انتخاب العثماني لن يجعل الحزب يعرف انقساماً في الوقت الراهن، وقد يتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر التي قد تضر بشعبيته أو لا تضر.

وتشير ماء العينين إلى أن الأهم بعد المؤتمر هو النظر إلى المستقبل، لأن ماهية السياسة هي التغيير، وهي محطات وحلقات انتصارات وإخفاقات، آمال وإحباطات، والمهم في هذه المرحلة الحفاظ على الحزب موحداً، ليس لأجل الوحدة لذاتها، ولكن من أجل الاستمرار في خدمة مشروع الإصلاح.

أما حامي الدين فيشدد على أن الأولويات الداخلية والخارجية واضحة، فعلى المستوى الداخلي لا بد من العمل على معالجة مخلفات المرحلة السابقة وتداعياتها على الحزب، وهو ما وعد الأمين العام بمعالجته في إطار حوار داخلي عميق، وهو حوار ضروري لتجديد رسالة الحزب خلال هذه المرحلة وتعزيز وحدته التصورية وتقوية مؤسساته الداخلية والحفاظ على رسالته الإصلاحية بما يعزز مكانته في الحياة الحزبية كأمل لجميع المواطنين والمواطنات الذين وضعوا ثقتهم في مشروعه الإصلاحي.

أما على المستوى الخارجي، فلا بد من إعادة الاعتبار للمكانة المؤسساتية لمنصب رئيس الحكومة وإعطائها المضمون السياسي الذي أراده المغاربة الذين صوتوا على دستور 2011، وتحمل المسؤولية في توضيح الإكراهات والعقبات المؤسساتية والحديث إلى المغاربة بلغة الوضوح والصدق والصراحة.

وختم: لا بد من الانتباه أيضاً إلى أن النجاح السياسي المعتبر للمؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية عامل مساعد لتقوية الأداء الحكومي في اتجاه الاستمرار في الإصلاحات الاجتماعية، والإسراع باتخاذ القرارات التي ينبغي أن يلمسها المواطن في حياته اليومية.

الرابط المختصر :