; المجتمع تحاور الداعية الإسلامي د. محمد البرازي عن: الوقف الأوروبي مشروع القرن للجالية المسلمة في أوروبا | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع تحاور الداعية الإسلامي د. محمد البرازي عن: الوقف الأوروبي مشروع القرن للجالية المسلمة في أوروبا

الكاتب د. محمد دسوقي

تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997

مشاهدات 30

نشر في العدد 1238

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 11-فبراير-1997

حوار 

  • الوقف الأوروبي إنجاز حضاري في قلب أوروبا المتقدمة يهدف إلى ترسيخ الهوية الإسلامية والحفاظ عليها من الضياع.

أجرى الحوار: شعبان عبد الرحمن

الداعية الإسلامي د. محمد فؤاد البرازي من مدينة حماة في سورية، ومقيم حاليًا في الدانمارك يحمل الدكتوراه في الشريعة الإسلامية شعبة الفقه المقارن، وشارك في الكثير من المؤتمرات الإسلامية والندوات العلمية، وله العديد من الكتب والأبحاث مثل: «البراهين العلمية على وجود الخالق»، «هكذا حجابك أيتها المرأة المسلمة»، «حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، «ميضة من وراء السديم»، تحقيق المقالات للإمام الشهيد حسن البنا. 

وهو من مواليد ١٩٤٧م درس في سورية وتابع تعليمه الجامعي في مصر بكلية الشريعة والقانون في مصر ثم حصل على الدكتوراه في الفقه المقارن.

يعمل الآن مستشارًا للوقف الأوروبي، وهو داعية إسلامي على الساحة الأوروبية فهو صاحب جولات دائمة في أوروبا داعيًا إلى منهج الوسطية والاعتدال بالحكمة والموعظة الحسنة.

التقيته في الكويت خلال زيارة سريعة قام بها مؤخرًا وأجريت معه هذا الحوار حول قضية الوقف الأوروبي وهو مشروع حضاري هام يتعلق بـ ٥٠ مليون مسلم في أوروبا الشرقية والغربية، وإلى تفاصيل الحوار.

  • سألته عن فكرة المشروع .كيف برزت الدوافع التي دعت إليها؟
  • فقال: لقد بات المسلمون اليوم في أوروبا أمرًا واقعًا بعد أن أصبحت كثافتهم البشرية تزيد على الخمسين مليونًا، بعضهم من أهل البلاد الأصليين والباقي من المهاجرين الذين قدموا إلى أوروبا طلبًا للرزق أو طمعًا في الدراسة أو رغبة في الإقامة في بلاد تتمتع بالاستقرار.

وإن الدارس لأوضاع المسلمين في أوروبا وطبيعة المشكلات والمخاطر التي تحيط بهم وما يحتاجونه على ضوء ذلك من مؤسسات إسلامية فعالة في مختلف المجالات وما يتطلبه ذلك من إمكانيات مالية كبيرة تصل إلى أنه لا حل لتلبية هذه الحاجيات الضرورية إلا بوجود وقف خيري ثابت يأخذ مبرراته من العوامل التالية:

١-استقرار المسلمين في أوروبا الغربية وتحولهم من جاليات مهاجرة إلى مواطنين مستقرين مع وجود أعداد من المسلمين المواطنين من أهل البلاد في أوروبا، فرض على المسلمين التفكير الجاد في إقامة مؤسسات إسلامية ثابتة تحمي وجودهم وتحفظ أبناءهم وتكون مصدر إشعاع حضاري لغيرهم.

٢-إن حداثة الوجود خاصة في أوروبا الغربية وما تشهده الجالية المسلمة من صحوة إسلامية مباركة في هذه البلاد جعل المسلمين ينطلقون في بناء كثير من المؤسسات، ولاتزال الحاجة قائمة للمساجد والمدارس، إذ إن المسلمين لم يتوفر لهم ما توفر لغيرهم من المعابد والمدارس التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.

٣-حاجة المسلمين الماسَّة إلى المؤسسات التعليمية إذ إن من المخاطر الكبيرة التي تهدد الجيل الثاني من أبناء المسلمين في أوروبا هو غياب التعليم الإسلامي وعدم توفر المؤسسات التعليمية والثقافية الإسلامية وذلك كله يستلزم نفقات ويحتاج إلى تمويل مستقر لضمان استمرارها. 

٤-إن المؤسسات الإسلامية المختلفة من مساجد ومراكز ومدارس في حاجة إلى سند مالي ثابت لا يعتمد على التبرع العارض وإنما يقوم على مصادر تمويلية أكيدة. 

ومما يشجع على تبنِّي ذلك المشروع «الوقف الأوروبي»، هو أن نظام الوقف على مدى التاريخ كان من أهم الأنظمة التي اعتمدها المسلمون منذ القدم لدعم مؤسساتهم الدينية والتعليمية والاجتماعية بما يحقق لها الاستقرار والاستمرار.... وقد كانت للمساجد والمدارس والمؤسسات أوقافها الخاصة التي تمثل دعامة مالية ثابتة لتأمين احتياجاتها المادية. 

والمؤسسات الإسلامية المنتشرة في أوروبا من مساجد ومراكز تفتقد إلى الدعم الثابت والمستمر، فضلًا عن حاجتها الماسة إلى إقامة مؤسسات جديدة ثقافية وتربوية واجتماعية لأداء رسالتها الدعوية وتغطية متطلبات جاليات مسلمة يصل تعدادها – كما قلت – إلى خمسين مليون مسلم في أوروبا الشرقية والغربية.

  • ماهي الإنجازات العملية التي قمتم بها في هذا الصدد ؟؟
  • رغم حداثة إنشاء الوقف وضعف الإمكانات المادية استطعنا شراء بعض العقارات لاستثمارها من أجل تسيير العمل الإسلامي في أوروبا، فقد اشترينا قطعة أرض في مدينة مانشيستر ببريطانيا بما يبلغ ۲۱۰ آلاف جنيه إسترليني ليقام عليها مجمع سكني للطالبات المسلمات اللاتي يفدن إلى مانشيستر للدراسة في جامعاتها، وذلك يحقق هدفين الأول حماية الطالبات اللاتي كن يسكن لدى العائلات البريطانية من الذوبان في ذلك المجتمع، والثاني تأمين عائد استثماري يستخدم في مشروعات العمل الإسلامي المسجلة رسميًّا في الأقطار الأوروبية.

ونحن الآن بصدد شراء دار للمسنين في بريطانيا لإيواء ورعاية المسنين في أوروبا وتلبية حاجاتهم الروحية والاجتماعية والصحية والتربوية والثقافية، لأننا شعرنا أن بعض هؤلاء قد فتنوا عن دينهم بما رأوه من رعاية اجتماعية في تلك البلاد، ولهذا سعينا إلى إيجاد هذا المشروع حماية لهؤلاء من أن يردوا إلى أرذل العمر وتصل تكاليف هذا المشروع مليون و٥٥١ ألف جنيه إسترليني، وكما أن هذا المشروع يوفر الرعاية الفائقة لهؤلاء وحماية لهم من الضياع فإنه يؤمن عائدًا استثماريًّا معقولًا لدعم المشاريع الإسلامية القائمة على الساحة الأوروبية.

  • ماهي أهداف الوقف بالضبط؟
  • أهدافنا تتركز في: 

1-دعم المدارس الإسلامية القائمة والتي تصل إلى عشرات المدارس وذلك بهدف ترسيخ الهوية الإسلامية لأبناء المسلمين والحفاظ عليهم من الدوران والضياع في تلك المجتمعات.

٢-المساهمة في توفير المنح الدراسية للطلبة المتفوقين حتى يتسنى لهم الحصول على مواقع متقدمة في المجتمع الأوروبي والعربي، ويخصَّص جزء من هذه المنح لإعداد دعاة يتم إيفادهم إلى الكليات الشرعية في جامعات الدول الإسلامية لحاجة الساحة الأوروبية إلى الدعاة والعلماء، ويخصص الجزء الآخر من هذا البند للطلبة المتفوقين للدراسة في الكليات العملية مثل الطب والهندسة والسياسة والاقتصاد وغير ذلك حتى يحصل هؤلاء على مواقع متقدمة في المجتمع الأوروبي والعربي.

٣-إنشاء معاهد وكليات متخصصة في الدراسات الشرعية والعربية لدعم التعليم الديني، وما «الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية»، في فرنسا إلا نموذجا حيًّا من أعمال اتحاد المنظمات الذي إقامته على تلك الساحة.

وقد بدأت هذه الكلية في تخريج العديد من الدراسين فيها للعلوم الشرعية.

٤-توفير المؤسسات الاجتماعية والتعليمية لرعاية المهندسين الجدد الذين يعتنقون الإسلام.. فالعمل الإسلامي في أوروبا في تطور مستمر وذلك أدى إلى دخول عدد كبير من أهل البلاد الأوروبية في دين الله تعالى أفواجًا، وكان لابد لهذه الأعداد الكبيرة من المسلمين الجدد الذين عاشوا ظروفًا حياتية متقدمة من توفير المتطلبات التي تناسب أوضاعهم حتى تكون نظرتهم للإسلام والمسلمين نظرة يملؤها الإكبار والإعجاب.. فالإسلام لا يقف دون التطلعات الحضارية التي ينشرها أبناء هذا القرن. 

٥-تشجيع المؤلفات والترجمات التي ترفع من مستوى الوعي الديني والخلقي بين الجالية المسلمة وقد قام المسلمون في العديد من الأفكار الأوروبية بنشر ترجمات ومؤلفات العديد من الكتب الإسلامية التي لاقت رواجًا كبيرًا واستحسانًا لدى غير المسلمين، مما أدى إلى إسلام البعض منهم.

طموحات المستقبل

  • إلى أي مدي تصل طموحاتكم بهذا الوقف؟
  • لا شك أن طموحتنا كبيرة، وتزداد هذه الطموحات كلما شعرنا بحاجة الجالية المسلمة لهذه الخدمات التي يسعى الوقف لتقديمها لها، وإن طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه تستدعى توفير خدمات ذات مستوى رفيع حتى لا يشعر المسلم بأنه دون الآخرين. 

غير أن هذه الطموحات ترتبط ارتباطا وثيقا - بعد توفيق الله تبارك وتعالى - بما يوفره هذا الوقف من أموال للقيام بمشروعاته الضخمة.

ولهذا فإننا نهيب بأهل الخير والإحسان بالتحرك لدعم هذا الوقف الأوروبي الذي بات اليوم حقيقة واقعة، فبذلهم في هذا السبيل هو من خير ما يخدرونه عند الله عز وجل لاسيما وأنه يساهم في حماية تلك الجالية المسلمة من الذوبان في تلك المجتمعات، ودعمها لأداء رسالتها المنوطة بها.

  • لكن ماهي أوجه تنمية وتطوير هذا الوقف من وجهة نظركم؟
  • هناك عدة أبواب مفتوحة للمساهمة في الدعم المالي لهذا الوقف:

الأول: التبرع المباشر من أهل الخير وبما يتناسب مع رسالة هذا الوقف ودوره الذي يقوم به.

الثاني: وقف عقارات معينة لصالح هذا الوقف تستخدم استثماراتها لتنمية المشروع «مشروع الوقف».

الثالث: وقف عائد عقارات مسجلة بأسماء أصحابها على أن يكون هذا العائد لخدمة الأهداف التي قام الوقف من أجلها. 

الرابع: المشاركة في استثمار بعض المشروعات على أن يكون للمستثمر جزء من الربح وللوقف الأوروبي الجزء الآخر.

 الخامس: القروض الحسنة التي تساعد القائمين على هذا الوقف على إنجاز مشروعاتهم. 

هذه هي مجالات دعم الوقف الأوروبي المتاحة، ونحن على أتم الاستعداد لدراسة أي مقترح يتقدم به أي مشارك لدعم الوقف.

  • هذا الوقف.. هل تم تسجيله رسميًّا لدى إحدى الدول الأوروبية وهل قابلت عملية التسجيل أي صعوبات إجرائية أو قانونية أو سياسية من جانب السلطات؟ 

لقد تمت دراسة قوانين مجموعة من الدول الأوروبية لاختيار أنسب البلاد لتسجيل الوقف فيها، وقد قام بهذه المهمة محام معروف في بريطانيا «بريطاني»، وبعد هذه الدراسة تبين أن بريطانيا هي أنسب البلاد لتسجيل الوقف فيها، فكل وقف يقام في بريطانيا يعفى من الضرائب، وتتوفر له تسهيلات كبيرة لا نجدها في قوانين الدول الأخرى.

ولهذا كان أعضاء هيئة أمناء الوقف من بلاد شتَّى كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا والسويد، وقد تم منح عضوية هيئة الأمناء لمندوب من الكويت وهو الأستاذ عبد اللطيف الهاجري رئيس لجنة الدعوة الإسلامية، والشيخ الدكتور سلطان كايد القاسمي من دولة الإمارات العربية المتحدة لجهودهما المعروفة والطيبة في دعم الوقف الأوروبي، وليتم بذلك رجوع المحسنين من الكويت والإيرادات إليهما للاطمئنان عند الحاجة.

عقبات سياسية

  • هل قابلتكم عقبات قانونية أو سياسية أمام انطلاق هذا الوقف؟
  • لقد تم تسجيل الوقف بالطرق العادية ودون أن يعترضها أي مشاكل قانونية أو إجرائية أو سياسية، وهذا مما سهل في تسجيل الوقف ليقوم بأداء دوره المنشود.
  • في ظل قيام أوروبا بسن قوانين لمكافحة ما يسمى بالإرهاب لتحجيم الصحوة الإسلامية؟ هل تضع القوانين عراقيل من أي نوع ضد جمع التبرعات طبقًا لذلك؟
  • إن التبرعات التي ترد للوقف يتم تسجيلها تسجيلًا رسميًا يخضع للرقابة المالية الدقيقة من مؤسسة الوقف أولًا ثم من الجهات المختصة في بريطانيا... هذه واحدة.

كما أن هذه الأموال يتم إنفاقها على المشروعات الخيرية والاجتماعية في داخل أوروبا، وبالتالي فلن يستفيد من هذا إلا الجالية المسلمة المقيمة على الساحة الأوروبية من خلال الأنشطة المذكورة التي يرعاها الوقف الأوروبي.

وأحب أن أؤكد أن الوقف الأوروبي هو مؤسسة خيرية أوروبية تهدف وتسعى - إضافة إلى ما سبق - إلى:

- المساهمة في نشر تعاليم الإسلام والتعريف به.

- المساعدة على رفع الفقر والضغط عن الجالية المسلمة في أوروبا، والارتقاء بمستوى الرعاية التعليمية والاجتماعية والدينية لها.

- إقامة ودعم المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية لخدمة تلك الأغراض «وليس لهذا الوقف أي امتداد خارج الساحة الأوروبية لأنه نشأ ليلبِّي حاجة الساحة التي نشأ عليها».

وإن جميع القائمين على هذا الوقف لينتهجون المبدأ الإلهي: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: ١٢٥).

الرابط المختصر :