; اليمن.. بين أهل الملحمة وأهل المشأمة | مجلة المجتمع

العنوان اليمن.. بين أهل الملحمة وأهل المشأمة

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 07-مايو-2011

مشاهدات 22

نشر في العدد 1951

نشر في الصفحة 49

السبت 07-مايو-2011

الفرق بين أهل الملحمة وأهل المشامة كبير جدا، أهل الملحمة لهم عقيدة يدافعون عنها، وإيمان يحافظون عليه، وهمة يتحركون بها، وشرف أصله ثابت وفرعه في السماء، ليسوا نبتا شيطانيا ينفصل عن أمته، أو ذيلاً إبليسيا يلتصق بغيره وتحركه الفتن والشهوات أهل الملحمة عمالقة النفوس والعزمات كبار العطايا والنفحات خير لأمتهم، فخر لأقوامهم، مثل لأجيالهم، عزم لدينهم، نصر لمبادئهم، صادقوا الوعد أوفياء العهد، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

أما أهل المشأمة، فشياطين مردة، وأبالسة فسقة، ومشعوذون هلكة ليس لهم ذمة ولا كرامة ولا شرف يسبحون في الفتن ويغوصون في الشقاق والنفاق والعمالة شؤم لأممهم، فرقة لديارهم، عار لأقوامهم، لعنات لأجيالهم، هلاك للحرث والنسل لا عهد ولا وفاء هلكي الدهور والعصور والمبادئ.

فكل أمة تربي أهل الملحمة تعز وتبر وتقوى وكل أمة يظهر فيها أهل المشأمة تندحر وتهن وتموت، واليمن قديما قد تعرض للصنفين دخل الإسلام زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت وفوده ورسل ملوكه مقبلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم الدعاة والقضاء ليربوا أهل الخير بالتعاليم والآيات، بعث أبا موسى الأشعري، ومعاذ ابن جبل كل واحد منهما على ناحية، وقال لهما : يسرا ولا تعسرا بشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا ، ثم كان مما قال لمعاذ : اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ، ثم خرج يودعه، ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت راحلته، ثم قال: يا معاذ، إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعل أن تمر بمسجدي هذا وقبري فبكى معاذ تخشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبك يا معاذ للبكاء - أو - إن البكاء من الشيطان، ثم قال صلى الله عليه وسلم : قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، يقاتلون على الحق مرتين، فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك ثم يفيؤون إلى الإسلام، ثم أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن دفعات أخرى من الدعاة، كان منهم علي بن أبي طالب ، فأمن القوم وعزوا.

ثم جاء دور المشأمة، فبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، برز شياطين المشأمة، وظهر دعاتها وظهر مسيلمة الكذاب، وكان شيطاناً مريدا، وظهر الأسود العنسي، وكان إبليسا لعينا، وظهرت الردة وبرزت بقرنيها، وكانت فتنة تركت الحليم حيرانا، وتمزقت الديار وتشتت الناس، وأطبق الإلحاد، وساد جنده وبرزت رؤوس الشياطين.. فانتفض رجال الإيمان من جديد وجاءت عساكر التوحيد فكرت على الكفر والإلحاد والشقاق والنفاق فد حرته، فقتل الأسود العنسي قتله فيروز الديلمي، ونادى من فوق الحصن بأعلى صوته أشهد أن محمدا رسول الله، وأن الأسود الكذاب عدو الله، وألقى برأسه إلى الجمع، فاند حر الكفر وانطوى الإلحاد، وقتل مسيلمة بعد حرب ضروس بقيادة خالد ابن الوليد في موقعة ثبت فيها المسلمون ثبوت الجبال، وقتل فيها من جند مسيلمة في المعركة عشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة من سادات الصحابة، ومات مسيلمة في المعركة ضربه وحشي، بحربة خرجت من جنبيه وسارع إليه أبو دجانة بالسيف فأجهز عليه، ومر به خالد قتيلا وحوله أتباعه صرعى فقال: قبحكم الله وقبح مسعاكم، وساد الحق، ورجعت اليمن بعد أن تخلصت من جنود الإلحاد عزاً للإسلام، ونصرا وفتحا للحق وجندا.

فبعد أن ولى الشؤم واللوم، أراد أبو بكر الصديق أن يوجه الجيوش لفتح فارس والروم، فأرسل الكتب إلى الآفاق يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل الله، فأرسل إلى أهل اليمن بكتاب مع أنس بن مالك - خادم رسول الله - ما مرت الأيام حتى قدم أنس على أبي بكر يبشره بقدوم أهل اليمن وقال: يا خليفة رسول الله، والله ما قرأت كتابك على أحد إلا وبادر إلى طاعة الله ورسوله، وأجاب الدعوة وقد تجهزوا في العدد والعدة وأجابوك شعثا غبرا وهم أبطال اليمن وشجعانها، وقد ساروا إليك بالذراري والأموال والنساء والأطفال، وكأنك بهم وقد أشرفوا عليك ووصلوا إليك، فتأهب إلى لقائهم، فسر أبو بكر بقوله سروراً عظيما، وما هي إلا ساعات حتى أشرقت الكتائب والمواكب يتلو بعضها بعضا، قوم في إثر قوم وقبيلة في إثر قبيلة ظهرت من قبائل اليمن ذو الكلاع الحميري ، فلما قرب الصديق من أنشد يقول:

اتتك حمير بالأهلين والولد *** أهل السوابق والعالون بالرتب

أسد غضارفة شوس عمالقة *** يردوا الكماة غدا في الحرب بالقضب

الحرب عادتنا والضرب همتنا *** وذو الكلاع دعا في الأهل والنسب

قال: فتبسم أبو بكر من قوله، ثم قال لعلي بن أبي طالب : يا أبا الحسن أما سمعت رسول الله يقول إذا أقبلت حمير، ومعها نساؤها تحمل أولادها فأبشر بنصر الله على أهل الشرك أجمعين، فقال الإمام علي صدقت، وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأقبلت من بعدها كتائب مذحج أهل الخيل والعتاق والرماح الدقاق، وأمامهم سیدهم قيس بن هبيرة المرادي ، فلما وصل الصديق رضي الله عنه ما جعل يقول:

اتتك كتائب منا سراعا *** ذوو التيجان أعتى من مراد

فقدمنا أمامك كي ترانا *** نبيد القوم بالسيف النجاد

وكان بهؤلاء القوم وإخوانهم النصر والفتح والفوز والعزة والنجدة.. أرأيت أهل المشأمة كيف كانوا وأهل الملحمة كيف فعلوا ؟ أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً، وهل يعيد التاريخ نفسه، وتجتمع رايات الإسلام من جديد، وتقبل عزمات اليمن ويفرح المؤمنون بنصر الله؟ نسأل الله ذلك.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 4

77

الثلاثاء 07-أبريل-1970

نشر في العدد 10

62

الثلاثاء 19-مايو-1970

نشر في العدد 17

71

الثلاثاء 07-يوليو-1970