; بين الكسب والإنفاق | مجلة المجتمع

العنوان بين الكسب والإنفاق

الكاتب د. علي الحمادي

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008

مشاهدات 13

نشر في العدد 1800

نشر في الصفحة 58

السبت 03-مايو-2008

ذهب الأستاذ إلى السوق ليشتري بعض الفاكهة له ولأفراد أسرته، فتبعه تلميذه ليرى ما يصنع أستاذه مع البائع، يقول التلميذ: فرأيت عجبًا، رأيت أستاذي يختار الرديء من الفاكهة دون الجيد منها، وبعدها أعطى البائع قيمة ما أخذه من الرديء، بسعر الجيد، فذهبت إليه، وسلمت عليه، وسألته عن فعله ذلك، فقال: إن هذا البائع رجل فقير، فأحببت أن أساعده من دون أن يشعر بذلك. 

إن القليل من الناس هم الذين يفطنون إلى هذه المعاملة الراقية، أما المسلم صاحب التأثير، فينبغي ألا يفوت عليه ذلك، لأنه يستطيع من خلال مثل هذا الموقف أن يحقق أكثر من فائدة:

الأولى: حفظ ماء وجه البائع الفقير. 

الثانية: تشجيع البائع على العمل، لأنه لو أعطاه بلا مقابل لعوده على الخمول.

الثالثة: دفع ألم الخسارة عن هذا البائع الفقير.

ولكي يكون المسلم مؤثرًا في الحياة في مجال الإنفاق في سبيل الدعوة عمومًا، فعليه أن ينتبه جيدًا إلى هذه الأمور: 

إذا كان الإسلام قد نظم التعامل في الأمور المالية، ودعا إلى الكسب الحلال، فإنه لم يحارب المال ولم يقف حجر عثرة في سبيل تحصيله، وإنما حارب المال الخبيث الذي يتم الحصول عليه من الظلم والغش والخداع وإيذاء الناس وأكل حقوقهم.

يقول الله تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ (النساء: 29).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ مر على صبرة «كومة» طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟ «قال: أصابته السماء «المطر» يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا». «متفق عليه☼.

حذر الإسلام من البخل والشح لأنهما من أقبح وأذم صفات المرء ولا يليقان بالمؤثرين وصناع الحياة.

فقال تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ( الحشر: 9).

وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» «رواه مسلم».

مراعاة الإخلاص لله تعالى، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة: 27).

فالمسلم، لاسيما صاحب التأثير إذا أنفق نفقة وهو يطمع من ورائها في نيل شهرة، أو تحقيق منفعة، أو طمع في منصب، فإن ذلك لا ينفعه عند الله في الآخرة، وليس هذا من باب الإنفاق الحسن، وإنما هو إنفاق سيئ يستوجب العقاب. 

من الضروري أن يضع المسلم صاحب التأثير نفقته في محلها الصحيح، فليس المهم هو الإنفاق، ولكن الأهم في توجيه هذا الإنفاق التوجيه الأمثل.

إن الحث على كسب المال واستثماره الصالح التأثير النافع، لاسيما بالنسبة للمصلحين والدعاة، لا يعني أن يتحول هؤلاء المصلحون جميعًا إلى تجار يبحثون عن المال ويقيمون المشاريع الجالبة له، فهذا مستحيل وغير منطقي، إذ لا يستطيعه كل أحد، فهو بحاجة إلى متطلبات لا تتوفر لدى الجميع.

كما أن الدعوة الإسلامية بحاجة إلى نفر من الدعاة يزهدون في الدنيا، ويذكرون الناس في الآخرة، ولا ينشغلون إلا في ذلك، فلا مال يلهيهم عن أداء هذا الدور، ولا دنيا تصرفهم عن التفرغ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والتأمل في واقع الأمة والتفكير الجاد المستمر في النهوض بها. 

إن لهؤلاء دورًا مهمًا في التأثير وهندسة الحياة لا يجوز تهميشه أو الاستخفاف به، وهو من التكامل المطالبين به شرعًا وعقلًا، إذ لم ينزل الله -عز وجل- دينه «الكامل» على صنف واحد من البشر «وهم التجار وأصحاب رؤوس الأموال»، وإنما جعله منسجمًا مع الجميع ويستطيعه كل أحد، فلله الحمد والمنة.

الرابط المختصر :