; حتى لا نصل إلى الهاوية.. أموال البترول ماذا نفعل بها؟ | مجلة المجتمع

العنوان حتى لا نصل إلى الهاوية.. أموال البترول ماذا نفعل بها؟

الكاتب علي القاضي

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يونيو-1979

مشاهدات 18

نشر في العدد 450

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 19-يونيو-1979

إذا لم تستح فاصنع ما شئت

البترول نعمة من نعم الله التي أنعم بها على العرب في العصر الحديث، وقد أعطاهم البترول القوة التي تمكنهم من أن يتبنوا وجودهم بين الدول العظمى التي تعمل على بناء نفسها وتحطيم غيرها- كما تمكنهم من أن يبنوا الشعوب العربية البناء الكامل المتكامل- وكما يقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم-: «نعم المال الصالح للعبد الصالح».

ويمكن للعرب الذين يستوردون معظم احتياجاتهم من الدول الغربية في النواحي الزراعية والصناعية والحربية أن يقوموا ببناء التكامل الاقتصادي فهناك دول عربية فيها أرض صالحة للزراعة وهناك دول فيها قوى بشرية ودول فيها أموال كثيرة- ويمكن- عن طريق هذه القوى أن يقيموا مشروعات زراعية وصناعات غذائية تغنيهم عن استيراد هذه الأشياء من الخارج وتحقق لهم الأمن الغذائي- وعلى هذا النظام تقوم المشروعات الصناعية المختلفة وهكذا- وبذلك يحققون وجودهم وأمنهم وقوتهم.

وقد نادى بذلك كثير من الاقتصاديين العرب- ولكن المسئولين لم يستجيبوا إلى ذلك إلا في حدود ضيقة.

إن العرب الذين ينتجون غلات زراعية وفواكه يبيعون إنتاجهم الزراعي إلى الدول الغربية- وبالتالي فإن العرب الذين يحتاجون إلى الغلات الزراعية والفواكه يستوردونها من الغرب- فالعرب خاسرون في الحالتين- والغرب كاسب في الحالتين- ولا يوجد أمل في تكامل اقتصادي أو تعاون اقتصادي قريب إذا ما سرنا على هذا المنهاج طويلًا.

ويأتي سؤال؟ وأين تذهب أموال البترول؟ هذه الأموال التي أنعم الله بها على العرب في العصر الحديث. 

والجواب: أن بعض هذه الأموال ينفق على مشروعات البناء- وحتى هذه المشروعات تبنى على النظام الغربي الذي لا يتلاءم والبيئة العربية- والكاسب من وراء هذه المشروعات هو الغرب.

وبعض هذه الأموال ينفق في الكماليات التي تكثر وتكثر حتى تصل إلى درجة مذهلة- وتعمل أجهزة الدعاية والإعلام- طبقًا للتخطيط الخارجي على نشر هذه النواحي التي لا تفيد- وفي إيران مثلًا لوحظ أنه خلال عشر سنوات فقط زاد استعمال أدوات التجميل للنساء خمسمائة مرة.

ونظرة إلى البلاد العربية نجد الإسراف في استخدام السيارات والمكيفات وأدوات التجميل وأدوات التصوير وأجهزة السينما والإعلام- ويحتاج هذا إلى دراسة حتى نعرف إلى أي حد وصلنا في هذا الاتجاه الذي خطط لنا ووقعنا فيه وهذا كله كفيل بإثارة الفقراء ضد الأغنياء- وكفيل باستغلال الأعداء لهذه النواحي- وكفيل بإيجاد تيارات منحرفة وسط شبابنا الذي نرتجيه للغد المأمول.

وكثير من هذه الأموال أودعت في مصارف الغرب ومن ذلك أنه أودع في عام ١٩٧٤ ثمانون مليارًا من الدولارات- وهذه الأموال يستفيد منها الغرب في مشروعاته- ويحرم منها الشرق والبلاد الإسلامية في مشروعاتهم- ثم إن الدول العربية صاحبة هذه الأموال لا تستطيع- أن تسحب هذه الأرصدة كما تريد- وهو لن يسمح لها بذلك تحت أي ظرف من الظروف.

وفي فترة من الفترات الماضية أرادت الدول الغربية أن تفرض ضريبة على هذه الأموال أجرًا على حفظ هذه الأموال للدول العربية- وكان من العجيب أن يأتي هذا الاقتراح من فرنسا أقرب الدول الغربية إلى الدول العربية- ولكنهم جميعًا يعملون لمصالحهم الخاصة وإن كان ذلك بأساليبهم المختلفة وإن كان ذلك بأساليب مختلفة والمثل العربي يقول: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

وبدلًا من أن تصبح هذه الأموال مصدر قوة للعرب إذا بها تصبح نقطة ضعف وما أكثر ما في العالم من عجائب.

وفي داخل البلاد العربية توجد الأندية الخاصة التي تنشر الخمر والميسر وما إلى ذلك، وبعضها له امتدادات خارجية كنادي الروتاري- وبعض البلاد العربية تعنى بالأماكن السياحية التي تنشر المفاسد المختلفة التي تهد الأخلاق- ويقوم على الإشراف عليها أناس أعدوا لهذه الناحية إعدادًا خاصًا حتى يقوموا بعملهم على الوجه الأكمل، وهذا يؤثر على الدولة السياحية نفسها في أخلاق شبابها وصغارها بل وكيانها أيضًا والشاعر يقول:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ...  فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا

وإلى جانب هذا فإننا نرى كثيرين من أغنياء الدول العربية يذهبون إلى البلاد الغربية للسياحة التي تهدم الأخلاق وتحطم النفوس. 

وبذلك يتحول الإسراف إلى ترف- والترف مفسد للفئة المترفة وفي الوقت نفسه مثير للفقراء ضد المترفين- وتبدأ عمليات الصراع والفتن التي قد تكون ذاتية من داخل الشعوب والتي قد تكون خارجية عن طريق الدسائس الخارجية والأيديولوجيات الواردة، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (سورة الإسراء:16).

ومن هنا فإنه لابد وأن يفكر المسئولون في رسم خطة لإنفاق الأموال بحيث تكون الخطة من منظور إسلامي فتنفق فيما يعود على الإسلام والمسلمين بالخير والفائدة وبحيث تحدث تكاملًا زراعيًا وتجاريًا وصناعيًا بين البلاد الإسلامية فنستغني بذلك عن الاستيراد ونقوم بالتصدير فتقيد نفسها وتفيد غيرها وتعمل على أن تعيد للإسلام مجده والمسلمين كيانهم الضائع- وبذلك تجتمع القلوب وتتوحد الأفئدة ويصبح المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا- وبالتالي سيقدمون لهذا العالم الحائر الحضارة الإسلامية التي تعود عليه بالخير والسعادة.

إن الأسلوب الأمثل الذي يبعدنا عن الوصول إلى الهاوية هو أن نبدأ في جعل حياتنا في إطار الإسلام سواء أكان ذلك في التربية أم في السلوك أم في التشريع وسواء أكان ذلك في النواحي الصحية أم في النواحي النفسية أم في النواحي الاجتماعية أم في النواحي السياسية أم في النواحي العسكرية. 

بهذا نصون أنفسنا ونصون مجتمعاتنا- وبذلك نحمل الرسالة التي وكلها الله إلينا- خلافة الله في الأرض وعمارتها وإقامة العدل فيها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذلك يتحقق فينا قول القرآن الكريم كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران:110).

 

الرابط المختصر :