العنوان حقيقة قيادات جماعات العنف المصرية في الخارج
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
مشاهدات 17
نشر في العدد 1282
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
• جماعات صغيرة تتبنى أفكار العنف وتنفذها دون ارتباط تنظيمي بقيادات السجون.
• مقيمون في الخارج بعضهم يعشق الظهور الإعلامي يثيرون ضجة حول تضارب التصريحات.
• فضل كثير ممن التقيناهم أو حاورناهم عبر الهاتف عدم ذكر أسمائهم لحساسية الموضوع كما أنه لم يكن لنا هدف في إبراز أسمائهم... لذلك جاء الموضوع دون ذكر للأسماء.
• شخص يعشق «الظهور الإعلامي» وراء زوبعة الوساطة بين الحكومة المصرية والاسلاميين المطلوبين في الخارج.
• بعض المتواجدين بالخارج ملتزمون بموقف «القيادة السجينة» وآخرون ليسوا على علاقة بالقيادة يؤلفون قصصًا عن نشاطات وهمية.
لندن- بون- القاهرة- المجتمع
يقول المثل العربي القديم «راحت السكرة وجاءت الفكرة»؛ ولأن حادث الأقصر، الذي وقع منتصف الشهر الماضي في صعيد مصر أصاب المصريين بالصدمة لأسباب في مقدمتها عدد السائحين الأجانب الذين قتلوا فيه واهتمام إعلام العالم به بشكل غير مسبوق وليس أقلها اهتمام قمة السلطة في مصر به ولومها الشديد لأجهزة الأمن، فقد عاش الناس- وربما ما زالوا- في سكرة الصدمة التي جعلتهم لا يناقشون ما يقرأون أو يسمعون من كتابات وتعليقات انفعالية حينًا ومفبركة أحيانًا ومغرضة في بعضها ورد فعل في بعضها.. وهكذا يمكن الزعم بأن الحادث وخلفياته وما يتعلق بما يسمى «عنف الإسلاميين» في مصر لم يحظَ بأي معالجة دقيقة موضوعية في كل ما نشر ولا يزال ينشر ويذاع خاصة بعد الاتهام الذي وجهته قمة السلطة في مصر لدول أخرى- في مقدمتها بريطانيا- بأنها السبب في الحادث لإيوائها من تسميهم السلطات في مصر «الإرهابيين».
لذا يحاول هذا التحقيق الذي جاء نتيجة عدد كبير من الحوارات مع شخصيات مقيمة بالخارج بعضها طرف وبعضها من المراقبين الإجابة عن بعض الأسئلة الجدية مفترضًا أن «السكرة زالت أو كادت...».
لم يكن حادث الأقصر الذي راح ضحيته نحو ستين سائحًا أجنبيًا أول هجوم يستهدف السائحين في مصر، وبالطبع ليس أول هجوم يستهدف رجال الأمن في مصر، فالحوادث لا تنقطع من عنف وعنف مضاد بين الأمن وجماعة العنف في مصر منذ أكثر من خمس سنوات، إلا أن عدد السائحين في حادث الشهر الماضي كان غير مسبوق، ومن ثم كانت تغطية وسائل الإعلام العالمية للحادث غير مسبوقة ولم تتوانَ في نقل شهادات شهود العيان من السائحين الذين تحدثوا عن الخلل الأمني والتراخي في الاستجابة لحادث طارئ والارتباك في الأجهزة المعنية.
وهكذا تضاعف الانفعال في رد الفعل الرسمي، ومن ثم الشعبي على الحادث، وسارعت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية في مصر إلى البدء في حملة تتسم في معظمها بالخطابة والإنشاء وتردد في الأغلب انفعالات السلطات وتزايد عليها أحيانًا.. ومن متابعة ما نشر ولا يزال حتى الآن نجد أن كل التناول يشوبه الانفعال، إما مسايرة لغضب شعبي مما جرى في بلد يتسم أهله بالطيبة والمسالمة، وإما ممالأة للسلطة بالمزايدة في ترديد خطابها.
معركة في دماغ صحفي:
وليس أدل على الفبركة السريعة لمسايرة الخطاب الرسمي والمزايدة في الدعم والموالاة من استعراض نماذج لما نشر هذا الشهر مثلًا في مجلة جديدة تصدر عن أكبر مؤسسة صحفية في مصر، فقد كتب لها شخص من لندن موضوعًا عن «لوردات الإرهاب في لندن» (بالمناسبة نشرت إحدى المجلات المصرية العريقة موضوعًا بنفس العنوان في اليوم نفسه لصحفي آخر)، ولكن قراءة الموضوع لا تفيد إطلاقًا بوجود لوردات أو إرهابيين في لندن ولا نجد سوى الجملة الشهيرة المنقولة عن أجهزة الأمن، وتصريحات المسؤولين المصريين عن إيواء لندن لعدد من المدانين أمام المحاكم العسكرية في مصر.
مثل هذا الموضوع يكون مليئًا بالأخطاء الفجة التي تثير الغثيان «وكذلك كان موضوع المجلة الأخرى ثم موضوع آخر في مجلة معروفة بالإثارة بقصص الجنس والمخدرات»، يتحدث عن معارك تدور كل يوم جمعة في المسجد الرئيسي في لندن في ريجنتس بارك بالجنازير والمطاوي وتتدخل الشرطة البريطانية لفضها، ورغم أن أحداثًا كهذه لا بدّ أن تكون في صدر الصفحات الأولى في الصحف البريطانية التي تتلهف على إبراز ما يشوه الإسلام والمسلمين، إلا أننا تغاضينا عن أن ذلك لم يذكر على الإطلاق في الصحف وسألنا الكثير ممن يصلون الجمعة كل أسبوع في المركز الإسلامي في لندن، ولا يمكن وصف الدهشة التي اعترت وجوههم حين سمعوا هذا الكلام.
وقبل الحديث عن حادث الأقصر وتوابعه وقضية الإسلاميين اللاجئين في الدول الأوروبية نود التوقف عند نقطة في غاية الأهمية غابت وسط سيل الكتابات الخطابية التي- لا شك- أثرت كثيرًا على جماهير الناس العاديين حتى كادوا يساوون بين ما يجري في مصر وما يجري في غيرها- ربما حتى أفغانستان.
كان أهم ما جاء في تصريحات السلطة في مصر نقطتان: الأولى هي لوم أجهزة الأمن على التقصير والتراخي في رد الفعل على ما جرى في الأقصر، والثانية هي اتهام دول الغرب بإيواء من يطلق عليهم «إرهابيون».. وقد انحصر الاهتمام- فيما بعد- في النقطة الأولى بستة من الضباط في أمن الأقصر.
جاء حادث الأقصر وقبله حادث المتحف المصري وحادث فندق أوروبا في شارع الهرم بعد أن ملأت وزارة الداخلية كل أجهزة الإعلام في الداخل والخارج بتصريحات قاطعة على القضاء على «الإرهاب» ومحاصرة «فلول الإرهابيين»، وفي سياق ذلك دمرت قرى بالكامل في صعيد مصر سويت بيوتها بالأرض ببلدوزرات الأمن- وقد نشرت وسائل الإعلام الأجنبية صوراً لذلك في حينه- وأحرقت مساحات واسعة من مزارع قصب السكر وقتل العديد من الشباب الأبرياء الذين لا يعرفون أي شيء عن التنظيمات التي ترتكب العنف سوى من الصحف.
وقد أدى تراكم هذه الممارسات إلى خلق فجوة واسعة بين الأمن والجماهير، خاصة في مناطق نشاط الجماعات المسلحة، مما فاقم المشكلة أكثر وأكثر.
كل ذلك لا يعني أن الجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد لا ترتكب أعمال عنف مسلح ضد الأمن أو ضد المنشآت والمصالح والمسؤولين والسائحين.. فكيف يفسر القادة الموجودون في الخارج ذلك؟
يقول معظم قادة الجماعة الإسلامية الموجودين في الخارج: إن قرار اللجوء إلى العنف لم يكن قرار الجماعة، ولكنه جاء كرد فعل على العنف الأمني تجاه جماعة نهجها الدعوة والعمل الاجتماعي والإنساني، ويفسر أحد أعضاء الجماعة- وهو لاجئ سياسي في ألمانيا الآن- ذلك بقوله: إن الإسلام ينهى عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يمكن لجماعة مرجعيتها شرع الله أن تستحل دماء الأبرياء، لكن استباحة الأمن لنفس ومال وعرض شباب الجماعة دفعهم إلى الرد بالمثل.
ولا يمكن كذلك استبعاد أن هناك مجموعات من الشباب، تكونت في السنوات الأخيرة على خلفية واحدة وهي رد الفعل العنيف، ولم يكن لهؤلاء صلة بالقيادات التقليدية التي بدأت بالدعوة في استخدام المساجد والأرجح أن هذه المجموعات هي التي تشن هجماتها على رجال الأمن وغيرهم.. وليس أدل على ذلك مما قاله صابر فرحات- المتهم بتفجير الباص الذي كان يحمل سائحين ألمان أمام المتحف المصري في شهر سبتمبر الماضي- أمام المحكمة من أنه يعتنق فكر جماعة الجهاد، وإن كان ليس عضوًا في جماعة.. وهذا ما أكده كل من سألناهم من جماعة الجهاد في الخارج. ولا تنفي الجماعة الإسلامية أو الجهاد أو غيرهما من الجماعات ارتكابها أعمال عنف، لكن على من يبحثون عن أسباب هذا العنف بعيدًا عن تقارير الأمن ومباحث أمن الدولة- ضمان دقتها- أن يكونوا موضوعيين قدر الإمكان إذا كانوا يهدفون فعلًا إلى تشخيص العلة لعلاج الداء.
ويعلق على ذلك الدكتور كمال الهلباوي- الباحث في العلاقات الدولية والمقيم في لندن- ردًا على سؤال حول العنف بعد مذبحة الأقصر: «الدولة تدفع المجتمع الشبابي الناشئ الجديد إلى العنف.. يقول الشباب هؤلاء: إذا كان الإخوان المسلمون لم ينالوا حقًا رغم صبرهم على السجن والاعتقال والتشريد، إذن هذه الوسيلة لا تصلح».
أوروبا... الملاذ الآمن:
منذ عام ١٩٩٤م والإعلام في مصر وتصريحات بعض المسؤولين- خاصة الأمنيين- في أعقاب كل حادث تطالب الدول التي يلجأ إليها إسلاميون بتسليمهم أو طردهم... إلا أن رد الفعل بعد حادث الأقصر كان غير مسبوق؛ حيث جاء الاتهام صريحًا ومباشرًا ومن رئيس الجمهورية في مصر موجهًا بصفة خاصة إلى بريطانيا.. ورغم ذلك لم يلقَ الأمر استجابة ملموسة من المسؤولين البريطانيين سوى النفي الرسمي الذي صدر عن الخارجية البريطانية بعد حادث الأقصر بأسبوع لاتهامات الرئيس مبارك لبريطانيا بإيواء «إرهابيين» مؤكدًا على «أن بريطانيا ملتزمة باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي شخص يستغل وجوده في بريطانيا كقاعدة النشاط إرهابي».
ويذكر أن في بريطانيا قانونًا لمكافحة الإرهاب يحكم مثل هذه الإجراءات، وأجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية ناشطة بشكل مكثف في هذا المجال، ويعرف كل من أقام في بريطانيا فترة أن مراقبة الهواتف الشخصية فيها أمر روتيني تمامًا ربما يفوق ما يحدث في أكثر الدول شمولية.
ويعلق عزام التميمي من منظمة ليبرتي لحقوق الإنسان في العالم الإسلامي على اتهام بريطانيا بإيواء الإرهاب بقوله: «الذي يؤوي كما لو كان يتستر على مجرم، ويعرف أنه متورط ويبقيه عنده، الصحيح أن بريطانيا لا تؤوي».
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في بريطانيا ينظر كل طلب باللجوء السياسي على حدة ولفترة طويلة ويستند القرار النهائي بشأنه إلى بنود ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بوضع اللاجئين الصادر عام ١٩٥١م والبروتوكول الذي ألحق بالميثاق عام ١٩٦٧م. وحتى من يوصف بأنه إرهابي لا يمكن إعادته إلى بلاده بسهولة. فطبقًا للمادة الثالثة من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان- والذي سيصبح جزءً من القانون البريطاني قريبًا.
وإذا كان وزير الداخلية البريطاني قد أعلن منذ فترة أنه سيجري بحث المادة في قانون مكافحة الإرهاب الخاصة باستخدام الأراضي البريطانية منطلقًا لأعمال إرهابية في الخارج فإن المتوقع أن يتضرر من تعديل هذه المادة بشكل مشدد حزب العمال الكردستاني التركي المحظور في معظم دول أوروبا ومسموح له بالنشاط في بريطانيا..
ولعل مسألة سيادة القانون في بريطانيا هي أهم ما يجعل منها هدفًا لطالبي اللجوء، ومعروف دور بريطانيا التاريخي كملاذ للمعارضين حتى من أشد الاتجاهات التي تعارضها بريطانيا، ولم يجد كارل ماركس في نهاية القرن الماضي سوى بريطانيا يعيش فيها مع عدم قدرة أي بلد آخر على تحمل أفكاره وتوجهاته.
صحيح أن بقية دول أوروبا بها قوانين تتماشى ومواثيق حقوق الإنسان، إلا أن سيادة القانون في تلك الدول ليست كما هي في بريطانيا وربما تتقدم اعتبارات السياسة والمصلحة أحيانًا، ويذكر هنا أن أحد قيادات الجماعة الإسلامية في دولة كهولندا رفض طلبه باللجوء السياسي، وحتى يعاد النظر فيه طلب منه مغادرة البلاد والعودة إليها مجددًا، كما أن هناك عناصر من الجماعة الإسلامية صدرت بحقهم أحكام في مصر من محاكم عسكرية لم يحصلوا بعد على حق اللجوء السياسي في ألمانيا، رغم ما يقدمون من معلومات وقرائن يدرك القضاة الألمان دقتها حول عدم توافر الضمانات القانونية عن محاكمتهم غيابيًا، ولكن الاعتبارات السياسية تجعلهم يؤجلون النظر في طلبات اللجوء.
يضاف إلى كل ذلك ما يقوله أحد أعضاء الجماعة الإسلامية في ألمانيا: «إننا ندرك مدى عداء الغرب للإسلام والمسلمين، وهذا يؤثر بالطبع على موقفهم من قوانينهم»، كما أن الحملة الإعلامية المستمرة لتشويه الإسلام والمسلمين، والتي يسهم فيها للأسف مرتكبو أعمال العنف المسلح، تؤثر بلا شك في بلاد كفرنسا وألمانيا وغيرها.
لماذا بريطانيا؟
وإلى جانب مسألة سيادة القانون في بريطانيا أساسًا والتي تجعل الكثير يقصدونها، هناك عامل آخر هو أن المسلمين البريطانيين «أكثر من مليون نسمة» يشكلون أكبر ديانة بعد الدين الرسمي للدولة، كما أن بريطانيا قريبة من منطقتنا العربية تاريخيًا وجغرافيًا.. ويضيف أحد أعضاء الجماعة الإسلامية ممن حصلوا على اللجوء السياسي في بريطانيا: «بريطانيا تختلف عن دول أوروبا الأخرى حتى في موقفها من الشعوب التي استعمرتها فهي لم تعمد إلى طمس الهوية الثقافية لمستعمراتها، كما فعلت فرنسا مثلاً في محاولاتها فرنسة الجزائر وغيرها».
ولعل مسألة سيادة القانون في بريطانيا هي التي تجعل استجابة بريطانيا للمطالبات المصرية غير مرضية خاصة وأن سمعة المحاكم العسكرية ومحاكم الطوارئ لا تطمئن أحدًا.
يقول د. كمال الهلباوي: «ليس من حق أي دولة أو إنسان أو جماعة أن تؤوي إرهابيًا مطلوبًا بحق وبصدق للعدالة، إنما أعتقد أن بريطانيا تدرك أن الأمن المصري لم يكن دقيقًا في طلباته، ومن ثم فإن مطالباته لا تنبني على أساس دقيق».
ولعل ذلك هو ما جعل مسؤول بريطاني يلخص الأمر بقوله: «نحن ندرك أن الاتهامات المصرية مقصود بها الداخل وليس الخارج.
ويذكر هنا أن إحدى الصحف البريطانية نشرت ذات مرة موضوعًا اتهمت فيه الشيخ راشد الغنوشي- زعيم حركة النهضة الإسلامية المعارضة في تونس- بأنه استغل وجوده في بريطانيا لتشجيع أعمال عنف في تونس وكسب الغنوشي قضية رفعها ضد الصحيفة التي اضطرت للاعتذار له علنًا فضلًا عن دفع تعويض، وخاصة أن الغنوشي لاجئ في بريطانيا منذ فترة.
ومن المفيد هنا العودة إلى بداية الحديث عن الخلافات داخل الجماعة والحديث عن «داخل وخارج». وقد بدأ ذلك مع طرح مبادرة وقف العنف عن القادة الموجودين في «ليمان طرة»، والمعروفين بالقادة التاريخيين قبل أشهر قليلة، ويقول أحد المقربين من القادة التاريخيين في القاهرة إن البيان الذي ألقاه محمد الأمين عبد العليم في أولى جلسات قضية تفجيرات البنوك والاغتيالات الكبرى كان واضحًا وقاطعًا وموجزًا «إلى الإخوة أعضاء الجماعة الإسلامية داخل وخارج مصر» بوقف العمليات العسكرية والبيانات المحرضة عليها داخل مصر وخارجها.
وجاء هذا البيان في سياق عملية مراجعة شاملة لمنطلقات الجماعة النظرية واستراتيجيتها بدأت قبل أشهر.
وفي بيان تالٍ قالت الجماعة الإسلامية: «نظرًا لزيادة الغطرسة الصهيونية في المنطقة الإسلامية وانتهاك المقدسات الإسلامية والاستهزاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والسيدة مريم العذراء وإهدار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، نعلن أننا نقف مع كافة القوى الوطنية وندعو الحكومات العربية والإسلامية بوقف التطبيع مع اليهود ومقاومة التسلط الإسرائيلي في المنطقة الإسلامية وذلك بالجهود المخلصة والدعوة الراشدة.
ولكن كيف نظرت قيادات الجماعة في الخارج إلى المبادرة؟ استطلعنا آراء بعض هذه القيادات وكان الرد: أن المبادرة ربما صدرت تحت ضغط على القادة التاريخيين باعتبارهم أسرى في السجون، ثم صدر بيان عن قيادات الخارج طالب بشروط لوقف العنف، وعلمنا أن البيان صدر عن رفاعي أحمد طه الموجود في أفغانستان ويعتبر قائد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، الذي كتب مقالات في نشرة «المرابطون» التي تصدرها الجماعة «العدد رقم ٣٠» قال فيه: «إنه إذا قدم النظام خطوة ستقدم الجماعة عشر خطوات تلخصت مطالب الجماعة في الإفراج عن المعتقلين، وعدم تحويل أعضاء الجماعة إلى المحاكم العسكرية، وتعليق أحكام الإعدام الصادرة عن هذه المحاكم».
ثم توالت بعد ذلك أحداث العنف التي بدأت بحادث مقتل عشرة من رجال الشرطة في «أبو قرقاص» إلى وقوع حادث الأقصر الشهر الماضي. وكان أول بيان أعلن تبني الجماعة الإسلامية لحادث الأقصر صادرًا فيما يبدو عن رفاعي طه وجاء فيه أن خمسة عشر من أعضاء الجماعة قاموا بمحاولة لخطف عدد من السائحين للمطالبة بالإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن من سجنه في الولايات المتحدة، واتضح بعد ذلك أن الشيخ عمر عبد الرحمن «كما نشرت الصحف» يدين الحادث ولا يقر خطف الرهائن للمطالبة بالإفراج عنه..
كما أن عدد المهاجمين كانوا ستة فقط، وهكذا بدا واضحًا أن من أصدر البيان «تسرع»- على حد تعبير أحد قيادات الجماعة في أوروبا- في إصدار بيانه دون مشاورة أحد.
وتصاعدت مشكلة البيانات في الأسبوع الثاني من هذا الشهر بالبيان الذي أصدره أسامة رشدي- مسؤول الإعلام في الجماعة في الخارج- ينفي فيه مسؤولية الجماعة الإسلامية عن الحادث، وقبل مضي أربع وعشرين ساعة كانت وسائل الإعلام تنقل بيانًا آخر ينفي النفي ويؤكد المسؤولية عن الحادث، مما اضطر أسامة رشدي إلى توقيع بيان باسمه، أرسله إلى صحفي مصري يعمل في مكتب صحيفة عربية معروفة بموقفها المؤيد والداعم للنظام المصري يؤكد فيه بيانه الأول بنفي المسؤولية.
واتضح أن سبب الخلط هو عدم التنسيق، إلا أن أحد العناصر، والموجود في لندن، كان كدأبه طرفًا في حملة البيانات والتصريحات يساعده في ذلك صحفي أو اثنان من الصحفيين البريطانيين المولعين بتضخيم كل ما يسيء للإسلام والمسلمين، ولا يدخر هذا الناشط أي جهد للاستحواذ على أضواء الإعلام، وعندما تقرأ تصريحاته تتصوره تنظيمًا قويًا كاملًا قائمًا بذاته، رغم أن معظم من سألناهم عنه- سواء في أوروبا أو في مصر- نفوا أن يكون عضوًا في جماعاتهم دون التعليق بمزيد من التفاصيل، إلا أن أحدهم أشار إلى أنه كان في جماعة الجهاد ثم انشق على أيمن الظواهري.
وهذا الشخص هو الذي أثار زوبعة فارغة حول وساطة بين الإسلاميين والسلطة في مصر عبر وسيط في لندن، واتضح بعد ذلك أن الخبر كله مجرد فبركة لجذب الاهتمام إليه وإلى شخص آخر يقال إنه صحفي مصري في لندن.
المهم أن مثل هذا الشخص الذي يسعد كثيرًا بأن الرئيس مبارك قصده شخصيًا في تصريحاته، وآخرين غيره، مثل مصطفى كمال الملقب بأبو حمزة المصري، يملأون وسائل الإعلام تصريحات وبيانات تسهم في التسطيح والخطابة التي سيطرت على كل ما نشر وأذيع بعد حادث الأقصر، ويذكر أن الأخير «أبو حمزة المصري» مواطن بريطاني من أصل مصري ولم يعرف عنه أي علاقة بأي تنظيم داخل أو خارج مصر سوى أنه تطوع من بريطانيا للذهاب إلى أفغانستان ويقول معظم من كانوا في أفغانستان ويقيمون في أوروبا إنه لم يقم بشيء ذي بال ويكادون يتنصلون من معرفتهم به.
الحوارات التي أجريناها مع معظم قيادات الجماعة الإسلامية في الخارج أكدت على بياني القادة التاريخيين بوقف العنف، وتحدث هؤلاء عن وجود خلافات في وجهات النظر حول المبادرة وعملية إعادة النظر في استراتيجية الجماعة، إلا أنهم أكدوا في الوقت نفسه على أن ذلك لا يعني فرقة أو انشقاقًا، ويعتبرون ذلك أمرًا صحيًا طالما أن الجماعة تستند في فكرها إلى الشرع والدعوة لإقامته فلا مانع من الخلاف والجدل وصولًا إلى اتفاق على التوجه كما يقولون.
وفي النهاية تشير المعلومات الضئيلة التي توافرت عن حادث الأقصر إلى أن من قاموا به غير معروفين لدى الأمن، ومن ثم ربما كانوا لا علاقة لهم بأي من جماعات العنف، وربما كانوا جماعة صغيرة تتبع إحدى الجماعات ولا علاقة لها بقيادتها- كما قال بيان النفي للمسؤولية الصادر عن الجماعة- وربما كانوا فرطًا من الجماعة الإسلامية يمكن أن يمثل مقدمة لتناثر المزيد من هذه العناقيد الصغيرة التي لا يمكن السيطرة عليها ولا حساب مخاطر وجودها، كما يقول أحد المقربين من قيادة الجماعة الإسلامية في مصر، وذلك هو ما يخشاه بعض المراقبين من انفراط عقد الجماعة فتستحيل بعد ذلك السيطرة على بؤر العنف طالما لا تخضع لقيادة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
اتفاقية سيناء والموقف العربي.. التجربة المرة للتـأييد المطلق للحــكام
نشر في العدد 270
8
الثلاثاء 14-أكتوبر-1975