العنوان حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
الكاتب الشيخ عبد العزيز بن باز
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أكتوبر-1970
مشاهدات 25
نشر في العدد 31
نشر في الصفحة 7
الثلاثاء 13-أكتوبر-1970
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه،
أما بعد؛ فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: ١). وتواتر عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أنه أسري به إلى بيت المقدس وأنه عرج به إلى السماوات وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة فكلّمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولاً خمسين صلاة فلم يزل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يراجعه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمسًا فهي خمس في الفرض وخمسون في الأجر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه.
لم يحتفل الرسول بالإسراء
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل العلم بالحديث ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز المسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبيّنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأمة إما بالقول أو الفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة -رضي الله عنهم- إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شيء من الدين بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أنصح الناس للناس وقد بلّغ الرسالة غاية البلاغ، وأدى الأمانة، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لِمَ يغفله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولِمَ يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليس من الإسلام في شيء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله، قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (المائدة: 3).
وقال عز وجل في سورة الشورى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (الشورى: 21).
وثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع والتصريح بأنها ضلالة تنبيها على عظم خطرها وتنفيرًا لهم من اقترافها، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته يوم الجمعة «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»، وفي السنن عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- أنه قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسیرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وقد ثبت عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن السلف الصالح بعدهم التحذير من البدع والترهيب منها وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين وشرع لم يأذن به الله وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقول الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (المائدة:3) والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- المحذرة من البدع والمنفرة منها.
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة، أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والتحذير منها وأنها ليست من دين الإسلام في شيء، ولما أوجب الله من النصح للمسلمين وبيان ما شرع الله لهم من الدين وتحريم كتمان العلم رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة التي قد فشت في كثير من الأمصار حتى ظنها بعض الناس من الدين، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا ويمنحهم الفقه في الدين ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه وترك ما خالفه.. إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية عبد العزيز بن عبد الله بن باز
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل